في مواجهة ترامب.. كيف ألهم نموذج المقاطعة الفلسطيني الكنديين والمكسيكيين؟

"سلاح المقاطعة واجب وطني لكل شعوب العالم الحرة"
على مدار العدوان الإسرائيلي على غزة، كان تفعيل سلاح المقاطعة بمثابة العقاب الشعبي لبلدان العالم العربي والإسلامي، ضد الدول والشركات الداعمة لإبادة الشعب الفلسطيني.
ويبدو أن هذا السلاح أضحى ملهما لحكومات وشعوب أخرى مثل كندا والمكسيك، في حربهما الاقتصادية المتصاعدة ضد الولايات المتحدة الأميركية.
وذلك ردا على القرار التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفرض رسوم جمركية جديدة على الواردات من كندا والمكسيك والصين.
نفس الأساليب
وبدأ كنديون ومكسيكيون في تنظيم الجهود الخاصة لمقاطعة شركات وسلع أميركية.
وكان رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، قد أعلن في 30 يناير/ كانون الثاني 2025، عن فرض رسوم جمركية ضد البضائع الواردة من الولايات المتحدة.
وطلب من المواطنين شراء المنتجات الوطنية ومقاطعة البضائع الأميركية "قدر الإمكان"، حسب تعبيره.
واتخذت أساليب المقاطعة في كندا والمكسيك، نفس الأساليب التي اتخذتها المقاطعة في الدول العربية والإسلامية.
وأعلن الرئيس السابق للاتحاد الكندي للمتاجر، جيانكارلو تريمارشي، أنه بدأ في إنشاء علامات "صنع في كندا" ليتم وضعها إلى جانب المنتجات الوطنية في محلات السوبر ماركت.
وأضاف أنه يعتقد أن الوضع له جانب إيجابي في عرض مجموعة واسعة ومتنوعة من السلع الكندية، والتسويق لها كمنتجات وطنية.
وتابع في حديثه لشبكة "سي بي سي" نيوز المحلية، أن “تلك العلامات ستكون مفيدة لبعض المتسوقين في أونتاريو، الذين قالوا إنهم يخططون لشراء المنتجات الكندية فقط ضمن حملة مقاطعة السلع الأميركية”.
وهو ما حدث في العديد من الدول الإسلامية مصر وتركيا وماليزيا والسعودية وقطر وغيرهم، عندما تم تصدير المنتجات الوطنية على حساب السلع الأميركية أو التابعة لشركات دعمت العدوان على غزة.
كذلك أعلن أحد النشطاء الكنديين، ويدعى ماثياس نيل، لنفس الشبكة المحلية "سي بي سي نيوز" في تورنتو، بأنه يعمل على إعداد قائمة بالمنتجات الأميركية التي يجب تجنبها.
وعلق قائلا: "لم أشعر قط في حياتي بقدر أكبر من العداء لأميركا".
يشار إلى أن إعداد القوائم بمنتجات المقاطعة، وتفعيل باركود خاص بها، وتأسيس مواقع إلكترونية خاصة لهذا الأمر، كانت أيضا فعالة خلال المقاطعة الإسلامية لتلك الشركات والمنتجات.
وهو ما حدث في كندا تماما، فمن خلال متابعة موقع (Madeinca.ca) الذي أُنشئ من طرف مراهق مع أبيه من مقاطعة أونتاريو، يسمح هذا الموقع بمعرفة بلد مصدر المنتج، وإذا كان ضمن منتجات المقاطعة أم لا، كما ذكرت صحيفة "غلوب أند مايل" المحلية.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي في كندا، تم تداول الوسم (#BuyCanadian) من طرف بعض الناشطين لحث الكنديين على شراء السلع الكندية ومقاطعة السلع الأميركية.
المقاطعة المكسيكية
في المكسيك، لم يختلف الأمر كثيرا، فسرعان ما انتشرت دعوات مقاطعة البضائع الأميركية.
وعلى منصات التواصل الاجتماعي، تم إطلاق حملات منظمة يتم فيها توجيه نداءات للمكسيكيين بشأن مقاطعة المنتجات الأميركية والشركات الكبرى، على رأسها ستاربكس، وكوكا كولا، وماكدونالدز.
وأيضا تم نشر قوائم لتنظيم عملية المقاطعة بين المواطنين، ووضعت توصيات بعينها، منها عدم شراء الأجهزة الكهربائية أو غيرها من المواد المصنوعة في الولايات المتحدة.
ووفق صحيفة "ذا ديلي تليغراف" البريطانية، في 3 فبراير/ شباط 2025، كان هناك الآلاف من المكسيكيين الذين وافقوا على أن يكونوا جزءا من حملة مقاطعة البضائع الأميركية".
وأضافت: "يأتي ذلك بينما بدأت مسابقة أخرى على إنستغرام، وهي مسابقة أجمل صور المكسيك، حيث يتم من خلالها الإعلان عن حب البلاد، ورفع أعلامها، كتحد لقرارات ترامب".
ودعمت وسائل الإعلام المحلية تلك الخطوات، بالتزامن مع إعلان الرئيسة المكسيكية، كلوديا شينباوم، أن حكومتها ستكشف عن تفاصيل الرسوم الجمركية الانتقامية على السلع الأميركية، ردا على قرارات ترامب.
وتفاعل عدد من النشطاء العرب مع حملات المقاطعة في كندا والمكسيك، وطالبوا بأن تستمر حملات المقاطعة في الدول الإسلامية، لا سيما أن حصار غزة مستمر والعدوان على الشعب الفلسطيني ما زال قائما.
وقال الناشط اليمني علي بن حسين السقاف: "بمجرد إعلان ترامب رفع رسوم الجمارك على كندا بدأت المقاطعة الكندية للبضائع الأميركية وتوعية الشعب الكندي وبدأت الحرب التجارية بينهم".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك: "بينما ملايين المسلمين إلى الآن لم يقاطعوا البضائع الأميركية والإسرائيلية رغم المجازر والقتل الجماعي بحق المسلمين، خاصة في فلسطين".
ونشرت مجلة "ميم" العربية عبر حسابها في منصة "إكس" مقطع فيديو عن مقاطعة الكنديين للمنتجات الأميركية، وعلقت قائلة: "هل أفتى ولي الأمر في كندا بالمقاطعة؟".. تزامنا مع حملة قوية في كندا لمقاطعة المنتجات الأميركية، سخرية واسعة من سالم الطويل (داعية كويتي كان يناهض حملات المقاطعة)، وأمثاله الذين يصيحون بأنه لا تجوز المقاطعة إلا بإذن ولي الأمر! برأيكم هل لديهم أمثاله في كندا؟"
وغرد الناشط المصري فتحي أبو حطب، قائلا: "المطاعم الكندية تستبدل المكونات الأميركية في المنيو، بمكونات من دول أخرى".
وتابع: "المقاطعة في كندا عمل جماعي، يضم الحكومة والسياسيين والمواطنين ومجتمع الأعمال والمجتمع المدني".
بينما قال حساب باسم مرمر: "سلاح المقاطعة يستخدم في كندا بسبب زيادة التعرفة الجمركية على صادراتهم.. أعرف ناس يشوفون رؤوس أطفال مفصولة عن أجسادهم في الأخبار، ويستخفون بأي شخص يبغى (يريد) يقاطع الشركات التي تدعم مجرمين الحرب".
فاعلية المقاطعة
ولعل ما حفز حملات المقاطعة من دول مختلفة مثل كندا والمكسيك، تلك الفاعلية والنتائج التي حققتها مقاطعة الشركات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، من قبل ملايين العرب والمسلمين.
ففي 3 نوفمبر 2024، أعلنت شركة “أمريكانا للمطاعم”، تراجع أرباحها بنحو النصف خلال الأشهر التسعة الأولى من نفس العام.
وذلك على وقع المقاطعة التي تشهدها أسواق في المنطقة العربية والشرق الأوسط ضد علاماتها التجارية المتهمة بدعم إسرائيل.
وتعد شركة أمريكانا للمطاعم حاصلة على امتياز سلاسل عالمية، أبرزها بيتزا هت وكنتاكي، وهارديز، وكرسبي كريم.
وذكرت الشركة أنه خلال الأشهر التسعة الأولى انخفض صافي أرباحها بنسبة 48.2 بالمئة إلى 117.4 مليون دولار.
وكان صافي أرباح أمريكانا للمطاعم في الفترة المقابلة من العام 2023 قد بلغ 226.7 مليون دولار.
وفي 30 أبريل/ نيسان 2024، أعلنت شركة "QSR" القابضة، المشغلة لسلسلة مطاعم "كنتاكي" KFC و"بيتزا هت"، أنها أغلقت عدة فروع في السوق الماليزية، بسبب ما وصفته بـ"تحديات اقتصادية تواجه الشركة".
ونهاية عام 2024، كشفت سلسلة متاجر القهوة الأميركية "ستاربكس" عن تراجع مبيعاتها بمقدار 7 بالمئة خلال الفترة بين يوليو/ تموز وسبتمبر/أيلول 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في ظل حملات المقاطعة.
وأصدرت "ستاربكس" بياناتها المالية عن ذلك العام المالي، وذكرت أن أرباح شركة المقاهي وصلت إلى 909.3 ملايين دولار، بينما بلغت في الفترة المقابلة من نفس العام، 1.21 مليار دولار.
كذلك الحال بالنسبة لشركة كوكاكولا، بعدما أصدرت تقريرها المالي للعام 2024، مؤكدة تراجع الدخل التشغيلي للشركة في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، بنسبة 14 بالمئة متمثلا في 977 مليون دولار من 1.15 مليار في الربع المقابل من السنة الماضية.
بينما تراجع إيراد شركة بيبسيكو من الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا بنسبة 4 بالمئة في الربع الثالث من العام 2024، وبلغ 1.55 مليار دولار، بينما كان قد وصل في نفس الفترة للسنة السابقة إلى 1.61 مليار دولار.
وقال الناشط الفلسطيني جمال حساسنة إن “سلاح المقاطعة واجب وطني لكل شعوب العالم الحرة، وليس بدعة عربية وإسلامية في فصول مقاومة الأمة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وردا على الدعم الغربي لآلة القتل الإسرائيلية، التي تريق دماء شعوبنا على مدار 80 عاما وأكثر”.
وأوضح حساسنة لـ"الاستقلال أنه "سلاح تم تفعيله في الهند على يد المهاتما غاندي ضد المحتل البريطاني، عندما فعّل سياسة المقاومة السلمية والتي تسببت لاحقا في طرد الاحتلال بعدما ظن أن الهند مجرد أرض تابعة وستتبع للتاج البريطاني إلى الأبد".
وتابع: "الكنديون والمكسيكيون والصينيون وغيرهم الآن أمام واجب وطني، بعدما أرادت الولايات المتحدة أن تخضعهم اقتصاديا وسياسيا وتفرض عليهم جمارك باهظة وعقوبات فجة، وبالتالي فإن رد الفعل الطبيعي لأي أمة مستقلة أن تكون المقاومة بأي طريقة ممكنة، ومن هنا كانت المقاطعة وأساليبها".
وشدد حساسنة على أنه “يجب ألا نجلد أنفسنا، فنحن حاليا ألهمنا كثيرا من الشعوب ولولا حركات المقاطعة الفلسطينية والعربية والإسلامية التي انتشرت في كل بلاد العالم، وكانت فعالة على مواقع التواصل، لما حدثت هذه الضجة، فهم رأوا كيف أحدثنا خسائر مالية لتلك الشركات والكيانات العملاقة التي توازي ميزانيتها ميزانية كثير من الدول، ولولا ذلك لما تحركوا بنفس الطريقة ونفس الكيفية”.