عبر مجموعات وهمية من فيتنام.. هل أعادت الإمارات حملاتها لشيطنة قطر؟

12

طباعة

مشاركة

حملة مشبوهة تُدار بالذكاء الصناعي، عبر مواقع التواصل، وصلت إلى ما لا يقل عن 41 مليونًا عبر فيسبوك وحده، تستهدف المسلمين في الغرب عبر تشويههم والتحريض عليهم، وتتهم "قطر" بأنها تعمل على "مؤامرة" لـ "أسلمة" أوروبا.

الحملة السرية، والتي تتم عبر منصات إلكترونية متعددة، تستخدم الدعاية المعادية للمسلمين لمهاجمة قطر.

هدفها الرئيس تشويه صورة مسلمي أوروبا وأميركا وكندا، عبر سلسلة حسابات مشبوهة تروج لمعلومات وفيديوهات وصور مضللة تستهدف إظهارهم كمتطرفين "إسلاميين" يعادون الغرب.

ويرجح خبراء التضليل والدعاية الرقمية وقوف الإمارات وراء الحملة، بالنظر للكشف عن تنفيذها مؤامرات سابقة شبيهة ضد مسلمي أوروبا، ودعم "اليمين المتطرف" في انتخابات فرنسا، لتحريضه ضد التيار الإسلامي.

ما قصة هذه الشبكة؟ وما علاقتها بالإمارات التي سبق لـ "الاستقلال" فضح مخططها في أوروبا لتشويه المسلمين ودعم "اليمين المتطرف" في فرنسا؟

قصة المؤامرة

في 7 يوليو/تموز 2024 كشفت دراسة أعدها باحثان أجنبيان عن حقائق صادمة عن مجموعات أميركية وأوروبية تدار وتمول بشكل تستهدف المسلمين في أوروبا وقطر أيضا.

الدراسة، التي جاءت بعنوان "مؤامرة قطر" كشفت معلومات جديدة عن واحدة من أكبر عمليات التأثير في شبكات التواصل الاجتماعي، تستهدف تشويه صورة المسلمين في الدول الغربية.

كما تستهدف قطر بسبب دورها في محاولة إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، ودورها في دعم بعض أنشطة المسلمين في الغرب.

وأوضحت أن هذه الحملة، تدار بكثافة غير عادية عبر مواقع التواصل وتستخدم برامج الذكاء الصناعي عبر شبكة واسعة تنشر معلومات مضللة معادية للأجانب ومعادية للمسلمين والهجرة وقطر.

لدرجة أن محتوى هذه الشبكة التي تستهدف التلاعب بمشاعر الملايين عبر مواقع التواصل، وصلت إلى ما لا يقل عن 41 مليونًا عبر فيسبوك وحده.

وتبين الدراسة أن "المحتوى الذي أنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي" أسهم بدور مهم، حيث خلقت التكنولوجيا المتقدمة روايات مقنعة ولكنها خادعة، عبر الصور ومقاطع الفيديو.

أكدت أن هذه الحملة تروج أيضا لمزاعم تسعى لتأليب اليمين المتطرف وتغذية خطابه بمعلومات مضللة تستخدم في حملات الترويج لـ "الإسلاموفوبيا"، والتحريض ضد مسلمي الغرب عموما.

الدراسة أعدها مارك أوين جونز المتخصص في مجالات التضليل والدعاية والاستبداد الرقمي في وسائل التواصل الاجتماعي بجامعة حمد بن خليفة، وسوهان دسوزا الخبير في الوسائط بمعهد ماساتشوستس والمقيم في لندن.

الباحثان حللا كما هائلا من البيانات، من أجل الكشف عن مصدر العملية الغامضة والمشبوهة.

أكدا أن الحملة بدأت عام 2023، وانتشرت في عدة دول، وجوهرها الترويج لخطاب معاد للإسلام وللمهاجرين، ويستهدف قطر، التي تلعب دور الوساطة لإنهاء العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وأن عملية التضليل وتشويه المسلمين وقطر تجري عبر منصات مثل فيسبوك، وإنستغرام، وإكس، ويوتيوب، وتيك توك، عبر معلومات مضللة خاصة في فرنسا وبريطانيا وأميركا وألمانيا وإسبانيا والسويد والسعودية وغيرها.

وأوضحت الدراسة أن الحملة المناهضة المعادية للمسلمين والمهاجرين وقطر "قد تكون واحدة من أكبر عمليات التأثير المعروفة على فيسبوك".

وبينت أنها تستهدف دول الاتحاد الأوروبي من حيث الإنفاق الإعلاني، وتستغل المناخات السياسية قبل الانتخابات الكبرى كما جرى في انتخابات البرلمان الأوروبي وبريطانيا وفرنسا.

"وهذه الحملات عبر الإنترنت وخارجها، متداخلة وترعاها إعلانات وبنية تحتية لاستضافة الويب، ما يبين مدى السهولة التي يمكن بها تشويه شخص أو بلد بأكمله في عصر المعلومات المضللة مع إخفاء الجناة النهائيين"، وفق الدراسة.

وبحسب تحليل الخبيرين فإن العملية جرى تنفيذها على مرحلتين، بتتبع أكثر من 900 إعلان على فيسبوك كحد أدني. 

الأولى من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2024، واستهدفت المملكة المتحدة وفرنسا وأميركا ولبنان والسعودية.

والثانية من مايو/أيار إلى يونيو/حزيران 2024، واستهدفت فرنسا وبلجيكا والسويد وكرواتيا ومالطا وألمانيا وبريطانيا.

وكشف "مارك جونز" أن الحملة أنفقت مبالغ ضخمة للترويج، وعلى سبيل المثال بلغت على فيسبوك فقط نحو ربع مليون دولار.

وهو ما يطرح تساؤلات عن أسباب موافقة إدارة فيسبوك على هذه الحملات الموجهة بالذكاء الصناعي، بينما تدعي الصرامة في متابعة المحتوى المنشور، واحترام معاييرها الإعلانية.

استهداف المسلمين

أكدت الدراسة أنها جمعت حقائق ومعلومات عن تلك الحملات المضللة وسعيها لتأجيج خطاب اليمين المتطرف ضد مسلمي أوروبا، كما جمعت أدلة عن أدوار الحركات المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة الأميركية، ضد المسلمين.

أوضحت أن العديد من هذه الحسابات المشبوهة، والتي تعمل عبر الذكاء الصناعي، تروج أكبر عدد ممكن من معلوماتها المضللة عبر مواقع التواصل، ضد مسلمي أوروبا وتحرض الشرطة لمنع صلاتهم في الشوارع لامتلاء المساجد في أيام الجمع.

بعض هذه الحسابات، مثل " Europe Invasion" أو "غزو أوروبا"، تزعم مثلا أن صلاة المسلمين في شوارع أوروبا وكندا وأميركا “استعراض للقوة من قبل الإسلاميين”.

ومن هذه الحسابات المشبوهة التي تعمل بالذكاء الصناعي لتشوية صورة مسلمي الغرب، حساب موقع "daily reports" أو "التقارير اليومية" الذي يتعمد نشر صور ومقاطع وفيديوهات تُحرض ضد المسلمين، مثل إظهار برج إيفل بفرنسا متوشحا بالنقاب.

كما تروج هذه المواقع، بكثافة، لما يكتبه بعض العنصريين الأوروبيين ضد المسلمين، مثل مزاعمهم حول "أسلمة" أوروبا، عبر نشر فيديوهات لتجمعات المسلمين في الشوارع وعد الأمر "خطرا" يجب التخلص منه.

أيضا تنتقي هذه الحملة بعض التعليقات الغاضبة من مسلمين اعتدت عليهم الشرطة في فرنسا وأوروبا، مثل قول شخص إن "من حق المسلمين قتل الشرطة إذا قتلنا" لأن "هذا مكتوب في القرآن".

ثم تعلق حسابات هذه الحملة المعادية للمسلمين بالقول إن هذا يعني أن "شرع الله فوق القوانين الديمقراطية للدول الأوروبية"، وأن "هذا انحراف خطير جدا" من جانبهم ويجب أن تواجههم الشرطة بقوة.

لماذا قطر؟

في الجزء المتعلق بالدوحة، تبين الدراسة أن هدف حملة "مؤامرة قطر" التي تديرها أطراف غير معروفة، ولكن تشير التكهنات إلى أنها الإمارات، هو تشويه صورة هذا البلد عالميا.

وذلك عبر إظهار أنها تدعم حركة المقاومة الإسلامية حماس وتستضيف قادتهم في بلادها، وتساندهم خلال الوساطة لإنهاء العدوان على غزة، أو الزعم أن مؤسسات قطرية تدعم أنشطة "التيار الإسلامي" في الغرب.

ويقول الباحث مارك أوين جونز في صفحته عبر إكس إن "الحملات التي تبدو ممولة ماديا بشكل جيد، مصممة لإثارة المشاعر ضد قطر في جميع أنحاء الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي".

أضاف: "تكشف النتائج التي توصلنا إليها، عن شبكة واسعة تنشر معلومات مضللة معادية للأجانب ومعادية للمسلمين والهجرة وقطر معا".

وتنوعت إستراتيجيات الرسائل المضللة المنشورة للجمهور في دول أوربا وأميركا لتأجيج مشاعرهم، بين ادعاءات بوجود تهديدات إسلامية مدعومة من قطر، ودعوات لعزلها عالميًا، وهجمات شخصية على العائلة المالكة فيها. 

وتلفت الدراسة إلى أن الحملات المغرضة تتضمن العديد من الاستعارات السلبية ومنها إعلان مناهض لقطر ظهر في تجمع أميركي للمحافظين اليمينيين السياسيين، والجماعات المسيحية الصهيونية حضره الرئيس السابق دونالد ترامب. 

وكشفت الدراسة التي جاءت في 77 صفحة، عن تفاصيل الحملة التي تشارك فيها مواقع إلكترونية مشبوهة تدعو إلى مقاطعة الدوحة.

مثل لوحة إعلانية في ساحة تايمز سكوير الشهيرة في نيويورك تنتقد المسؤولين في قطر، ومئات الإعلانات التي تعد "تشهيرية" عبر منصة "فيس بوك" صادرة عن شبكة لها فروع في فيتنام، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية 8 يوليو 2024.

ويروج حساب بعنوان "Qatar Plot" أو "مؤامرة قطر"، وهو أحد هذه الحسابات المشبوهة على مواقع التواصل، لما يقول إنه "كشف المؤامرة القطرية الإيرانية السرية للسيطرة على أوروبا الغربية".

ويتعمد حساب آخر نشر أخبار وموضوعات تهاجم مسلمي أوروبا وقطر معا، زاعما أن الدوحة تقود مؤامرة لـ "أسلمة" أوروبا.

وآخر هذه المواقع الإلكترونية الجديدة حساب باسم "عار على قطر" أو"Shame on Qatar"، وهو مصمم بالإنجليزية والفرنسية والإسبانية، ما يشير لحجم الإنفاق الضخم عليه.

ويتهم هذا الحساب قطر بتمويل إرهابيين، في إشارة لحركة حماس ويدعو إلى مقاطعة المؤسسات والمتاجر التي تشرف عليها الدوحة.

مثل متاجر "هارودز" الشهيرة في لندن ونادي "باريس سان جرمان" الفرنسي لكرة القدم وفندق "نيويورك بلازا".

وقد ظهر هذا الموقع في إعلان خلال مؤتمر التحرك السياسي المحافظ Conservative Political Action Conference (CPAC) في فبراير/شباط 2024، الذي تكلم خلاله ترامب. 

ودعا الإعلان إلى فرض عقوبات على قطر، زاعما أنها “تشكل تهديدا أمنيا”. وقد رفض هذا المؤتمر الكشف لوكالة الأنباء الفرنسية عن الطرف الذي وضعه.

وظهر موقع إلكتروني آخر مناهض لقطر يحمل اسم "It's in YOUR hands" ينتقد الشيخة موزا بنت ناصر، زوجة أمير قطر السابق ووالدة الأمير الحالي، ويتهم بلدها بدعم إرهابيين.

ويزعم الموقع أن الشيخة موزا فشلت في تحرير الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، مع أنها لا تضطلع بأي دور رسمي في جهود الوساطة التي تبذلها قطر.

وقد ظهر شعار هذا الموقع الإلكتروني أيضا في فبراير/شباط 2024 خلال إعلان يستهدف الشيخة موزا بُث في تايمز سكوير في نيويورك. 

وتعود ملكية اللوحة التي بث عليها الإعلان لشركة الإعلانات الأميركية العملاقة "آوت فرانت ميديا" التي رفضت أيضا الكشف عن هوية راعي هذه الدعاية.

تورط الإمارات

والافت أن هذا الحساب زعم وجود عريضة على موقع Change.org تستهدف والدة أمير قطر، أطلقها شخص يدعى "جون أندرسون" قُدم على أنه رئيس منظمة تدعى Citizens of Human Lives.

لكن تبين أن هذا الرجل والمنظمة التي تقف وراء العريضة التي وقعها آلاف الأشخاص، مزيفان ولا وجود لهما بتاتا.

ومع هذا طلب مسؤول إنجيلي أميركي يدعى جوني مور، وهو رجل أعمال ومدافع عن إسرائيل، من متظاهرة أن تحملها كأن هناك بالفعل منظمة تناهض والدة أمير قطر، مع أنها منظمة وهمية لا وجود لها.

وقد كشفت الدراسة أنه في إطار عملية واسعة عبر "فيسبوك" التي تملكها مجموعة "ميتا"، استُخدمت آلاف الصفحات لتمرير أكثر من 900 إعلان مناهض لقطر يدعو الكثير منها إلى عزلها سياسيا ويتهمها بإذكاء هجرة المسلمين باتجاه أوروبا والترويج للإرهاب. 

وكانت الحملة نشطة أيضا عبر منصات "إكس" و"تيك توك" و"يوتيوب" فضلا عن "ويكيميديا" (ويكيبيديا وويكي داتا بشكل أساسي).

وإزاء ذلك، وبعد شكاوى قطرية، تحركت “ميتا” وخلصت إلى أن هذه التحركات المنسقة التي تعاديها، مصدرها "فيتنام".

وتشكل فيتنام سوقا سوداء معروفة لتبادل حسابات "فيسبوك" مقرصنة من أجل نشر إعلانات، لكن الباحثين شددوا على أن هذه الدولة ليست مصدر الحملة المناهضة لقطر، وأنها "مجرد وسيط".

وهناك "جهة مجهولة"، يرجح كثيرون أن تكون الإمارات، تمول هذه الإعلانات المضللة انطلاقا من فيتنام، خاصة أنه تبين أن الشركة المسؤولة عن ذلك "تم بيعها إلى زبائن مجهولين عبر تلغرام"، وفق الوكالة الفرنسية.

وقالت مديرة الشؤون العامة في "ميتا" مارغريتا فرانكلين لوكالة الأنباء الفرنسية إنه جرى إلغاء هذه الشبكة بعدما تبين أنها "مزيفة".

لكن هذه الإعلانات التي تعادي المسلمين وقطر، لا تزال تصل إلى ما لا يقل عن 41 مليون شخص، بتكلفة 270 ألف دولار، وفق الباحثين مارك أوين جونز وسوهان دسوزا، اللذين أشارا إلى أن هذه البيانات مصدرها مكتبة الإعلانات في "فيسبوك". 

وفي إطار البحث عن نقاط تشابه بين الهجمات المختلفة، اكتشف باحثون ووكالة الأنباء الفرنسية مجموعة كبيرة من الأشخاص بينهم قرصان معلومات فيتنامي وهيئة إعلانية مؤثرة، ودور لرجال دين مسيحيين إنجيلين في الولايات المتحدة.

وأوضحوا أن كل هؤلاء يعملون على إخفاء الخيوط الحقيقة المؤدية إلى العقل المدبر للعملية.

ويقول الباحث سوهان دسوزا، الذي كان يعمل سابقا لحساب مركز الأبحاث الأميركي "أم آي تي ميديا لاب"، إن الهدف الظاهر لهذه الحملات هو إظهار أن "أي علاقة مؤسساتية مع قطر مضرة وخطرة".

وسبق أن ذكرت صحيفة نيويورك تايمز 19 ديسمبر/كانون الأول 2019 أن دولة الإمارات مولت عقب فرض الحصار على قطر حملات باهظة التكاليف في العاصمة البريطانية لندن، من أجل تجريد قطر من استضافة بطولة كأس العالم 2022.

أضافت أن تلك الحملات ركزت على المبالغة في تصوير القلق على حقوق العمال في قطر.

كما تضمنت الحملات -الممولة إماراتيا-اتهامات للمسؤولين القطريين بدفع رشا لنيل حق استضافة بطولة كأس العالم.

وقبلها أكد تقرير نشره موقع "إنترسيبت" 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 أنه "تم العثور على خطة لدولة الإمارات لشن حرب مالية ضد منافستها قطر في مجلد المهام من حساب بريد إلكتروني ينتمي إلى سفير أبوظبي لدى واشنطن يوسف العتيبة".

أيضا كشفت شبكة "إن بي سي نيوز" الإخبارية الأميركية 19 يناير 2018 أن شركة دعاية ساعدت دونالد ترامب على الفوز بانتخابات الرئاسة عام 2016، تورطت في نشر معلومات سلبية عن دولة قطر في إطار حملة دعائية شنتها الإمارات والسعودية خلال حملة حصار الدوحة.

أكدت أن الشركة، واسمها كمبريدج أناليتيكا، (Cambridge Analytica)، أقرت في وثائق قدمتها إلى وزارة العدل الأميركية أنها تلقت مبلغ 333 ألف دولار من الإمارات لشن حملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عام 2017 تربط القطريين بالإرهاب.