سحق زخارف "المرسي أبو العباس".. جريمة جديدة للسيسي على ضفاف الإسكندرية

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

صدمة انتابت المهتمين بالتراث والتاريخ المصري، والمواطنين، بعدما نشرت مبادرة "أنقذوا الإسكندرية الخديوية"، في 23 يناير/كانون الثاني 2024، عبر صفحتها على "فيسبوك"، صورا لـ "شخشيخة" أو "قبة" مسجد "أبو العباس المرسي".

الصور أظهرت حالة "القبة" الداخلية قبل وبعد الترميم، حيث شهدت إزالة الزخارف والنقوش التاريخية التي تميز المسجد الواقع بحي الجمرك بمنطقة الأنفوشي، على ضفاف البحر الأبيض المتوسط.

وكتبت صحف محلية مصرية أن "المقاول المختص بعملية الترميم حطم الزخارف الجصية للسقف الرئيس للمسجد، سقف (الشخشيخة)، مسحها بالكامل بالمطرقة والإزميل، بدون توثيق، ولا دراسة". 

ويعد ما حدث لمسجد "أبو العباس المرسي" جزءا من مشهد أكبر لتاريخ يجرى سحقه في مصر خلال السنوات الأخيرة، بداية من الاعتداء على القاهرة التاريخية، وصولا إلى القصور الأثرية في صعيد مصر. 

ليبرز التساؤل، من المسؤول عن تلك الحالة؟ ولماذا لا تتم المحاسبة؟ وأين وزارتا الآثار والثقافة؟ خاصة أن الخطأ يتكرر بنحو متصاعد وأشكال مختلفة.

"أبو العباس المرسي" 

منذ نحو 40 سنة، نشرت الجريدة الرسمية المصرية، قانون حماية الآثار بصفتها "مظهرا من مظاهر الحضارات المختلفة التي قامت على أرض مصر"، قبل أن ينسف رئيس النظام عبدالفتاح السيسي كل ذلك.

ونصت المادة الأولى من القانون المنشور في 11 أغسطس/آب 1983، على أنه "يعد أثرا، كل عقار أو منقول أنتجته الحضارات المختلفة، أو أحدثته الفنون والعلوم والآداب والأديان من عصر ما قبل التاريخ، وخلال العصور التاريخية المتعاقبة، حتى ما قبل 100 عام، متى كانت له قيمة أو أهمية أثرية أو تاريخية".

لذلك فإن المسجد المشهور في الإسكندرية باسم "المرسي أبو العباس" (عبر قلب الاسم) بحسب النطق الشعبي، يعد من أهم وأعرق الآثار الدينية في مصر. 

ويرجع بناء المسجد لعام 1281 ميلاديا وهو تاريخ وفاة الإمام شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن على الخزرجي الأنصاري، الذي وُلد بمدينة مرسية (الأندلسية) عام  1219، ونشأ بها، ثم رحل إلى مصر واستقر هناك حتى رحيله.

وقد احتفظ تلاميذه برفاته في مقبرة صغيرة أمام الميناء الشرقي بالإسكندرية.

وظل الوضع هكذا حتى عام 1307، عندما تطوع كبير تجار حي بحري بالإسكندرية، ببناء ضريح يحمل رفات أبو العباس ومسجدا.

ومر المسجد بعدها بعدة مراحل للترميم والتوسعة، حتى جاءت الطفرة التاريخية بأمر من الملك فؤاد الأول بتوسعة المسجد وإنشاء ميدان المساجد على مساحة 3 آلاف متر مربع وأسندت هذه المهمة للمعماري الإيطالي ماريو روسي.

طراز عربي أندلسي 

استخدم ماريو روسي الزخارف المميزة في بناء المسجد، لما تميز به من إبداع في ترميم المباني الدينية.

فعمل في تصميم رسومات متعددة الأضلاع تمثل مزيجا من الفن الإسلامي الفريد المنتمي للعمارة المملوكية وبعض عناصر العمارة الأندلسية.

وقد أقيمت أول صلاة بالمسجد بعد افتتاحه عام 1945، واشتهر بمآذنه العالية على الطراز الأندلسي مع وجود الأعمدة الرخامية الشكل.

وأصبحت زخرفته ذات الطراز العربي الأندلسي، مع القبة الغربية بالمسجد التي تعلو ضريح أبوالعباس المرسي علامة مميزة.

ومنذ عام 1944 أصبح الضريح أضخم مسجد في الإسكندرية، ويعد معلما للمدينة بفضل واجهته ذات اللون الأصفر، و4 قبب عظيمة وتصميمات من الأرابيسك ومنارة مرتفعة.

هذا إضافة إلى إطلالته على البحر مباشرة، حيث يراه كل زائر ومتجول في المدينة، كما تستطيع السفن القريبة من الميناء مشاهدته.

من المسؤول؟ 

لكن الوضع لم يبق على ما هو عليه، فالنقوش والزخارف الأندلسية العربية المميزة للقبة سحقت على يد مقاول مجهول. 

وفي 30 يناير 2024، وصلت أزمة طمس الزخارف فى مسجد "أبوالعباس" إلى البرلمان، بعد أن تقدم النائب محمود قاسم بطلب إحاطة إلى المجلس بشأن الأزمة.

وذكر النائب المصري فى طلبه، أنه يحمل المسؤولية إلى رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولى، ووزير الأوقاف محمد مختار جمعة، ووزير السياحة والآثار أحمد عيسى.

وأضاف أن الواقعة تكشف انعدام الرقابة فى متابعة أعمال الترميم لسقف مسجد "أبوالعباس"، خاصة من لجنة إدارة التراث بمحافظة الإسكندرية.

 كذلك الفنيون والمختصون فى أعمال المنشآت التراثية على أعمال المقاول الذي أسند إليه ترميم السقف الخاص بالمسجد، مما تسبب فى طمس الهوية الدينية والأثرية للمسجد. 

واختتم بأن جامع "المرسي أبوالعباس" يعد من المعالم الأثرية ليس فقط بمحافظة الإسكندرية، وإنما في مصر كلها، وهو مزار سياحي وديني، كان من الواجب الحفاظ عليه. 

وكانت لجنة متخصصة من إدارة التراث بمحافظة الإسكندرية، والإدارة الهندسية والقانونية لحي الجمرك، قد قررتا إيقاف أعمال مقاول الترميم التابع لمديرية الأوقاف داخل مسجد أبوالعباس المرسي، في 24 يناير 2024، وذلك بعد ترميم سقفه دون الرجوع إلى الفنيين والمتخصصين في أعمال ترميم المنشآت التراثية. 

وذكرت أن مجمع المساجد في منطقة بحري بالإسكندرية بما فيه مسجد أبوالعباس كانوا قد دخلوا في خطة تطوير أقرتها وزارة الأوقاف.
 

آفة حارتنا

ووصف الباحث التاريخي وعضو جمعية الآثار بالإسكندرية خالد خيري، لـ"الاستقلال" ما حدث في مسجد "أبوالعباس المرسي" بـ "الكارثة القومية". 

وقال: "إن المقاول وعمال الترميم حطموا الزخارف الجصية لسقف المسجد ومسحوها بالكامل مستخدمين أدوات بناء تقليدية مثل الشاكوش والإزميل والمطرقة دون إدراك لقيمة ما بين أيديهم، فارتكبوا تلك الجريمة التي لا تحدث في أي بلد في العالم إلا مصر". 

وأضاف: "آفة حارتنا الجهل وسوء الإدارة والتخبط، فمن يجب أن ينفذوا أعمال ترميم تلك الآثار والمعالم يجب أن يكونوا لجانا مختصة تابعة لوزارة الآثار فيها خبراء بعلم ترميم الآثار، يحددون طريقة معالجة الوضع والأدوات المستخدمة ويشرفون على العملية برمتها".

واستطرد: "لكن وزارة الأوقاف أوكلت الأمر إلى مقاول إنشاءات استخدم مجموعة من العمال، وقرروا من تلقاء أنفسهم إزالة النقوش ومحقها بهذه الطريقة". 

وقال خيري: "إن مسجد (أبوالعباس) كان ضمن مجموعة مساجد خاصة تضمنتها الأعمال الدينية للمعماري الإيطالي العالمي الشهير ماريو روسي فى الإسكندرية، ومعه مساجد (علي تمراز - محمد كريم - القائد إبراهيم - مطار النزهة)". 

وأعرب الباحث المصري عن حزنه العميق تجاه ما يحدث للآثار التاريخية، خاصة الإسلامية في مصر، عادا إياها كنزا لا يقدر بثمن، وأن البلاد كانت تنافس في عمارتها الإسلامية تركيا وإيران والمغرب والعراق. 

سوابق السيسي

وتعد منهجية هدم الآثار والعبث بالمعالم الحضارية آلية واضحة للنظام القائم بقيادة عبدالفتاح السيسي، وهو ما ظهر بوضوح في 21 يوليو/تموز 2020.

وقتها شهدت مصر حالة من الذهول والصدمة تلاها جدل عبر وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي بعد انتشار صور لعمليات هدم المقابر التاريخية بالجرافات في منطقة صحراء المماليك، أحد أهم المعالم الأثرية في القاهرة.

وهي من الشواهد على الفن المعماري الإسلامي الرفيع لتلك الحقبة، ويعود عمرها إلى أكثر من 500 عام. 

كما تضم أكثر من 30 أثرا مسجلا، ودفن بها السلطان قايتباي وبرقوق، وغيرهم من سلاطين المماليك، بالإضافة إلى قبر شيخ الإسلام الإمام العز بن عبد السلام، وغيره من رموز العالم الإسلامي وكبار مؤرخيه وقادته في تلك الحقبة من تاريخ مصر.

ومن أبرز ما نقل في عملية الهدم المحزنة، صور لمقبرة سلطان العلماء العز بن عبد السلام، التي تعرضت للهدم ضمن أعمال إنشاء الطريق الجديد، الأمر الذي أدى إلى هدم عدة مقابر تاريخية أخرى.

وفي 13 مايو/أيار 2018، جرى الإعلان عن قرار تفكيك ونقل 55 منبرا أثريا من مساجد القاهرة التاريخية، جلها يعود إلى العصر المملوكي في القاهرة الإسلامية تمهيدا لعرضها بالمتاحف القومية، بحجة أنها معرضة للسرقة.

إلى الآن لم يعرف مصير هذه المنابر العريقة والعتيقة، وأثار هذا الإعلان غضب واستياء الأثريين والفنانين التشكيليين المصريين، ويرون أنه من شأنه تدمير الآثار الإسلامية الفريدة بسبب التفكيك والنقل والإهمال.

حملات مستمرة

وفي 22 مايو/أيار 2021، قدم كبير مفتشي الآثار بمنطقة قنا للآثار الإسلامية والقبطية "محمد فتحي الصاوي"، دعوى قضائية ضد خالد العناني وزير السياحة والآثار آنذاك،  ورئيس المجلس الأعلى للآثار، وذلك بسبب شطب "الحمام العثماني" بمنطقة القيسارية بمحافظة قنا، تمهيدا لهدمه. 

والحمام جرى تدشينه في العصر العثماني في مصر ويشمل الملامح التخطيطية الأساسية للحمامات في هذا العصر.

كما يتميز بتخطيط المنطقة الداخلية التي تضم حجرات الاستحمام والمغطس، وهو أثر فريد من نوعه، ولا يوجد في صعيد مصر إلا 3 حمامات على شاكلته.

كما أثيرت ضجة كبيرة في 23 أغسطس/آب 2021، عندما فوجئ أهالي مدينة الأقصر في صعيد مصر، بالجرافات الحكومية، وهي تضرب قصر "أندراوس باشا" التاريخي.

تأسيس القصر يعود إلى عام 1897، وظل شاهدا على أحداث مهمة في تاريخ مصر ومحافظة الأقصر، ومن أبرز الشخصيات المهمة التي قطنته، الزعيم سعد زغلول، خلال ثورة 1919، ضد الاحتلال البريطاني

وفي 15 مايو/أيار 2023، فوجئ المصريون بأعمال هدم واسعة النطاق تنال المناطق التاريخية في القاهرة، حيث عم الغضب وقتها منصات التواصل الاجتماعي، اعتراضا على تلك الحملات.