الدور السعودي في اليمن بعد 11 فبراير 2011.. من احتواء الثورة إلى احتواء الدولة

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

المحتويات

المقدمة:

تساؤلات بين يدي عاصفة الحزم

محددات السياسة السعودية في اليمن

1.ترسيخ التبعية

2.إجهاض مشروع الديمقراطية اليمنية

3.احتواء الثورة والجمهورية 

4.خلق بلد ضعيف وهش

5.تشجيع مشاريع التشطير

مشروع الاحتواء

أولا: احتواء ثورة 11 فبراير

الخطوة الأولى: المبادرة الخليجية

الخطوة الثانية: مؤتمر الحوار الوطني

الخطوة الثالثة: هيكلة الجيش

الخطوة الرابعة: إسقاط العاصمة صنعاء

ثانيا: من احتواء الثورة إلى احتواء الدولة

الاحتواء السياسي

1. عزل الشرعية وإضعافها

2. صنع البدائل السياسية

3.إلغاء الشرعية المنتخبة وإحلال شرعية مُعيّنة (مجلس رئاسي بديل)

4. تعطيل مؤسسات الدولة

الاحتواء العسكري

أ. تشكيل مليشيات موازية للجيش (جيش بديل)

ب. إنهاك الجيش واستنزافه 

الاحتواء الاقتصادي

أولا. تعطيل الموانئ

ثانيا. السيطرة على المطارات

ثالثا. منع تصدير النفط والغاز ومحاربة العملة

رابعا. التضييق على المغتربين اليمنيين وترحيلهم

المحادثات السعودية-الحوثية. تعبيد الطريق لمرحلة ما قبل الاحتواء النهائي

الخاتمة 

 

المقدمة

تناقش هذه الورقة البحثية الدور السعودي في اليمن الذي استطاع التسلل إلى المشهد اليمني، عقب ثورة 11 فبراير 2011م الشعبية، عبر المبادرة الخليجية أولا، ثم عاصفة الحزم ثانيا، والتي أعلنت الحرب على مليشيا الحوثي الانقلابية تحت لافتة دحر الانقلاب واستعادة الدولة والشرعية.

وتسعى الورقة لكشف حقيقة الدور السعودي في اليمن، والطرق التي اتبعها التحالف السعودي الإماراتي لتقويض الدولة اليمنية من الداخل وإضعافها بشتى الوسائل وصولا إلى احتوائها بعد إجهاض ثورتها السلمية.

وسنرى أثناء بحثنا كيف تعاطى التحالف السعودي مع القيادة الشرعية اليمنية وسلبها قرارها وفرض عليها شبه الإقامة الجبرية في الرياض وصولا إلى تنحيتها وتعيين قيادة بديلة أكثر طواعية، وكيف انتهت به علاقته مع جماعة الحوثيين الانقلابية التي زعم أنه جاء لدحرها، وكيف استحالت تلك العلاقة سلما وتفاهما بعدما كانت حربا وعداء.

تساؤلات بين يدي عاصفة الحزم

بعد مضي قرابة عشر سنوات على عاصفة الحزم في اليمن، التي أعلنها التحالف السعودي الإماراتي في 26 من مارس 2015 تحت شعار دحر الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة والشرعية، يحق لنا أن نتساءل ماذا أنجز تحالف دعم الشرعية لليمنيين الذين باتوا يرون وطنهم وقد تشظى إلى عاصمتين وعلَمين وبنكين وعملتين، وجيوش وتشكيلات مسلحة متعددة الولاءات، صُنعت خارج شرعية الدولة التي جاءوا لإنقاذها، فنهشوها ومزقوها كيانات بذروا فيها الخلافات والصراعات السياسية والطائفية والمناطقية؟.

وفي حين أخفق مشروع استعادة الدولة والشرعية ودحر الانقلاب، فقد نجح مشروع سعودي آخر تمثل في صنع كيانات سياسية وعسكرية بديلة عن الشرعية عمل من خلالها على خلق واقع سياسي وعسكري جديد يوائم مصالحه الحيوية في هذا البلد ويتماهى معها، لكن قبل الخوض في ذلك المشروع يحسن مناقشة المحددات السياسية للنظام السعودي في اليمن لفهم طبيعة أهدافه.

محددات السياسة السعودية في اليمن

يرى البعض أن ثمة نوعين من المحددات الخاصة بالمملكة السعودية، داخلية وخارجية، تضبط سياستها في اليمن، وأن "المحددات الداخلية المتعلقة بالدور السعودي في اليمن تنبع من رؤيا صانع القرار السعودي حول اليمن- وهي رؤية شاملة وطاغية- إضافة إلى المصالح السعودية في اليمن والتي ترجع إلى أهمية الموقع الإستراتيجي والعامل الأمني من حيث وجود الجماعات الإرهابية في اليمن والعراق، وتبني تنظيم داعش لهجمات إرهابية داخل السعودية، بالإضافة إلى العامل الطائفي وتخوف السعودية من دعم إيران لشيعتها"(1).

وبالنسبة للمحددات الخارجية الإقليمية فهي "الانتفاضات والثورات العربية التي شكلت خطرا على أنظمة الحكم الملكية في منطقة الشرق الأوسط خاصة دول الخليج والسعودية، ما جعلها تدعم بعض الثورات وتهاجم الأخرى وفقا لمصالحها، ونتيجة لتراجع بعض الأدوار مثل الدور المصري يبرز الدوران الإيراني والتركي بقوة في إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط.

أما المحددات الخارجية الدولية فترتكز بشكل رئيس على انتهاء سياسة القطبية الأحادية ليحل محلها القطبية التعددية ما يدفع الولايات المتحدة الأميركية لاتباع إستراتيجية عقيدة المسؤولية وإشراك القوى الدولية في المسؤوليات.

وتراجع الدور الأميركي في الشرق الأوسط أفسح المجال للقوى الدولية الأخرى مثل: روسيا والصين والاتحاد الأوربي، ونتيجة لكل هذه المحددات تدخلت المملكة العربية السعودية في الصراع اليمنى"(2). ومع اتفاقنا على وجاهة تلك العوامل إلا أننا نرى أن محددات السياسية السعودية في اليمن هي أكثر خصوصية بالنظر إلى خصوصية العلاقة بين الجانبين وتأثيرها المتبادل على البلدين، ونعتقد أن أهم تلك المحددات -من وجهة نظرنا- التي تلعب دورا حاسما في توجيه السياسة السعودية في اليمن هي:

1.ترسيخ التبعية

ترسيخ التبعية هي سياسة متأصلة لدى الدولة السعودية التي تنظر إلى اليمن باستعلاء ولا ترى فيه أكثر من تابع يتعين عليه تنفيذ رغباتها وحسب، وأن يؤدي دوره في هذا السياق. فكرة التبعية هذه لدى صانع القرار السعودي هي الوجه الآخر لفكرة الاستعلاء والاصطفاء وما يسميه الحوثيون بالحق الإلهي الذي يرونه استحقاقا خاصا بهم بمزاعم النسب الشريف، ومن ثمَ يريدون اليمنيين تبعا لهم. كلتا الفكرتين الهدامتين (الحوثية والسعودية) تحاصر الشعب اليمني من الداخل والخارج وتفرض عليه القبول عنوة بالتبعية المذلة.

تسعى المملكة بكل الطرق المتاحة لجعل اليمن دولة تابعة بصفته "عمقا إستراتيجيا لأمنها وحديقة خلفية لتصفية حسابات خارجية قد تتعرض لمصالحها، وتجهد للتأثير على القرار السياسي بشتى الوسائل الممكنة للتدخل في شؤونه وضمان استجابته لمصالح نفوذها"(3). فالسعودية "تعد اليمن الملتصقة بها جغرافيا مجالها الحيوي الذي لا بد أن يكون لها حضور فيه"(4). 

2.إجهاض مشروع الديمقراطية اليمنية

 تسيطر على السعودية مخاوف حقيقية من بروز وتجذر المشروع الديمقراطي في اليمن وإشاعة التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر العملية الانتخابية، إذ من شأن ذلك أن يخلق نظاما مزدهرا ودولة مدنية مستقرة قادرة على النهوض بالبلد وتجاوز أزماته وإخراجه من تبعيته ومن دائرة النفوذ السعودي بكل أشكاله وتحرير القرار السياسي اليمني من الهيمنة السعودية.

أضف إلى ذلك ثمة مخاوف موضوعية لدى الطرف السعودي من أن السماح بنمو المشروع الديمقراطي في اليمن سيعكس نفسه تلقائيا على الوضع الداخلي السعودي وسيمدّ أثره غير المرغوب فيه إلى عمق المجتمع السعودي المتلهف للديمقراطية والتغيير.

3.احتواء الثورة والجمهورية 

يمثل احتواء أي جمهورية وليدة في اليمن مُحددا ومَعلما أساسيا للنظام السعودي في سياسته المتبعة في اليمن، فهو يحرص على وجود نظام سياسي مطاوع له من جهة، وغير منافس له على الصعيد الإقليمي من جهة ثانية، ويكون غير مستعد كذلك، أو غير قادر بعبارة أصح، على فتح ملفات اليمن العالقة مع المملكة، الحدودية منها على وجه الخصوص.

وطبقا لمقاربتها الإستراتيجية تلك، تصدت السعودية بقوة لثورة 26 سبتمبر التي أطاحت بالنظام الكهنوتي الإمامي عام 1962، وهي تتصدى اليوم بالحماس ذاته لثورة 11 فبراير 2011 وتعمل على تقويضها وإفشال مشروعها.

كلتا الثورتين أرادت تغيير النظام السياسي القديم وتأسيس نظام جمهوري جديد على أنقاضه ينهض باليمن ويمنحها الدور الذي تستحقه، وهو ما يفزع المملكة التي ترى في ذلك تقويضا لمصالحها وتهديدا لدورها.

وعلى سبيل المثال، فالملك سعود بن عبدالعزيز الذي خلف أباه على عرش السعودية سنة 1953 خسر عرشه وتمت الإطاحة به من قبل الأسرة الحاكمة وعُيَن فيصل مكانه عام 1964 لأسباب عدة كان من أبرزها عدم كفاءته في التعاطي مع الثورة اليمنية (26 سبتمبر 1962) ما جعل الأسرة السعودية تخرج عن أحد تقاليدها السياسية وتطيح به لصالح أخيه فيصل، الذي لقي تأييدا كبيرا داخل الأسرة وحظي بموافقتها على توليه مقاليد الحكم بدلا عن أخيه سعود(5). 

وهذا ما جعل الأمير طلال بن عبد العزيز يقول إن الثورة اليمنية، 26 سبتمبر، كانت أحد أسباب اهتزاز العرش السعودي وتردي الأوضاع الداخلية(6). 

وليس من قبيل المصادفة أن يسارع الملك سلمان إلى التدخل في الأزمة اليمنية ويعلن الحرب عقب توليه العرش، كما أنه ليس من قبيل المبالغة القول إن المستقبل السياسي لابنه محمد (ولي العهد) رهن بكفاءته في إدارة الأزمة الراهنة في اليمن.

4.خلق بلد ضعيف وهش

وصول المملكة السعودية إلى أهدافها في السيطرة والاستحواذ على الموقع الإستراتيجي اليمني والتحكم به جيوسياسيا يتطلب بلدا ضعيفا هشا، وكما تمارس ضغوطا اقتصادية على اليمن وتمنعه من التوسع في استخراج ثرواته تحرص السعودية كذلك على تقويض أي مشروع ثوري يمني قادر على الحد من نفوذها وتحكمها بمركز صناعة القرار، كجزء من سياستها في إبقاء اليمن بلدا ضعيفا قابعا تحت مظلتها يعاني أوضاعا اقتصادية وسياسية متدهورة، ما يضمن بقاءه معتمدا عليها ومرهونا بإرادتها.

وقد عملت السعودية خلال تاريخها على إبقاء اليمن هشا ومنقسما يخضع لسياساتها وأجهضت كل محاولة قد تؤدي إلى نشوء كيان يمني قوي يحمل مشروعا طموحا بجانبها(7)

5.تشجيع مشاريع التشطير

تؤمن السعودية بفكرة أن أي تقدم سياسي واقتصادي يمني سيُعد خصما من رصيدها ومكانتها الإقليمية، هذا الهاجس والقلق غير المبرر جعلها تمارس سياسة ثابتة تقوم على مبدأ رفض ومحاربة فكرة يمن موحد، وعليه غذّت صراعات يمنية أسقطت رؤساء يمنيين حاولوا أو فكروا في مشروع الوحدة اليمنية.

فالسعودية لا ترغب في رؤية جارتها الجنوبية قوية وموحدة ومنافسة لها في المنطقة، وهي تعمل بكل الطرق السرية والعلنية لتفتيت اليمن وتقسيمه وتقويض وحدته، وتنظر اليه كمنافس محتمل لدورها الإقليمي.

آزرت السعودية حرب الانفصال، و"عارضت الوحدة اليمنية عام 1990م، ورأت فيها خطوة تسهم في بناء يمن قادر على تأهيل نفسه للعب دور مغاير لأجندتها، وبالتالي تفقد أي محاولة للتأثير على القرار السياسي حال استقرت الظروف السياسية وشرعت اليمن تتجه نحو تجاوز عقباتها الداخلية"(8).  

مشروع الاحتواء

من خلال تحليل السلوك السياسي للتحالف السعودي طبقا لمحدداته السياسية يمكننا القول إنه يتبع سياسة المراحل مع أدواته التي يستخدمها في مشروعه، ولكل مرحلة أدواتها وأهدافها، وبالتالي فقد سار على النحو التالي:

في المرحلة الأولى، استخدم الحوثيين للتصدي للثورة الشعبية، وأسقط بواسطتهم النظام السياسي المنتخب الذي جاءت به الثورة الشعبية السلمية.

في المرحلة الثانية، استخدم أدوات النظام السياسي نفسه (هادي وشرعيته) الذي أطاح به بواسطة الحوثيين واستخدمها تاليا في مواجهة الحوثي باسم عاصفة الحزم.

في المرحلة الثالثة، عمد إلى استبدال الشرعية نفسها (هادي) التي استخدمها لفترة في مواجهة الحوثي وتمرير عاصفة الحزم ليطيح بها عبر انقلاب ناعم في مؤتمر الرياض الثاني(9)، ويضع مكانها أدوات جديدة (مجلس رئاسي) من صنعه ليستكمل بواسطتها مشروعه في احتواء البلد. وقبل ذلك كان قد فرغ من احتواء ثورة الشعب بخطوات مدروسة وهو محور نقاشنا التالي.

أولا: احتواء ثورة 11 فبراير

الخطوة الأولى: المبادرة الخليجية

مثّلت المبادرة الخليجية(10) بوابة التدخل السعودي إلى تفاصيل الأزمة اليمنية التي خرجت مع المبادرة من مسارها الثوري إلى مسارها السياسي لتبدأ معها مرحلة احتواء الثورة الشعبية والتحكم بها.

ولم يتم الالتزام حتى بمضمون المبادرة، بل جرى الالتفاف عليها عبر ما سُمى حينها بالآلية التنفيذية(11) للمبادرة، التي صادرت حق الشعب في اختيار رئيس الدولة الذي سيقود الفترة الانتقالية، "فبينما نصت المبادرة الخليجية على أن يدعو الرئيس بالإنابة إلى انتخابات رئاسية في غضون ستين يوما بموجب الدستور إلا أن الآلية التنفيذية نسفت هذا الشرط بفرضها مرشحا وحيدا على الشعب وهو نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي، فلقد نصت على أن يلتزم الطرفان في هذه الاتفاقية بعدم ترشيح أي شخص لخوض الانتخابات الرئاسية المبكرة أو تزكية أي مرشح غير المرشح التوافقي، نائب الرئيس، عبد ربه منصور هادي"(12). وقبل ذلك كان هادي في زيارة للولايات المتحدة الأميركية، كما أعلن لأغراض علاجية(13)

الخطوة الثانية: مؤتمر الحوار الوطني

جوهر المبادرة الخليجية هو نقل السلطة من الرئيس المخلوع إلى نائبه، يعقبها انتخابات رئاسية ثم برلمانية بعد منح الرئيس السابق ومعاونيه الحصانة، لكن السلطة لم تنتقل فعليا وظلت شكلية رغم انتخاب رئيس توافقي للجمهورية في 21 فبراير 2012، وعوضا من تفرغ الحكومة وبقية المكونات الثورية في استكمال نقل السلطة وفق المبادرة إلا أنهم وضعوها جانبا وانساقوا وراء دعوات لمؤتمر حوار لم يكن أصلا مطروحا في المبادرة. واتضح فيما بعد أن مؤتمر الحوار كان مقترح السفير الأميركي(14).

السعودية من جانبها "أيدت دون تحفظ مساعي المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر والسفير الأميركي حينها جيرالد فيرستاين لإشراك الحوثيين في أعمال مؤتمر الحوار الوطني الشامل، في حالة من الإصرار السعودي على إدماجهم في مسار الانتقال السياسي مع إعفائهم من تقديم ضمانات بالالتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية أو تسليم أسلحتهم، وفتحت أمامهم الباب لفرض شروطهم وأهمها: اعتذار السلطة(15) عن حروب صعدة، وعد قتلى الحوثيين في تلك الحروب شهداء، وهو ما حدث بالفعل"(16)

الخطوة الثالثة: هيكلة الجيش

هيكلة الجيش مثُلت الخطوة الثالثة على طريق احتواء ثورة التغيير، ولم تكن المبادرة الخليجية قد تطرقت لها لكنها وردت ضمن الآلية التنفيذية للمبادرة. ومع أن هيكلة الجيش كانت ضرورية لتقليم أظافر الدولة العميقة وتثبيت أقدام النظام الجديد ليبدأ مشروع التغيير وانتقال السلطة بسلاسة، إلا أن العملية سارت باتجاه مغاير تماما، فتمت هيكلة القوات الموالية للثورة والمساندة لها وتشتيتها في المحافظات في حين تم الإبقاء على معظم قوات النظام السابق كما هي حتى جاء الحوثي ليستلمها جاهزة ويستخدمها في الانقلاب على الجمهورية وإسقاط النظام والشرعية. 

الخطوة الرابعة: إسقاط العاصمة صنعاء

كان الحوثيون مُنخَرِطين في مؤتمر الحوار الوطني بصنعاء في الوقت الذي ذهبوا يُسقطون المديريات بصعدة ويتهيؤون للانطلاق خارجها. وفي موقف مفاجئ ومُحيّر أعلنت الدولة حيادها أمام تقدم مليشيا الحوثي المتمردة، وتحت ضغط الحوثيين وصمت الدولة وحياد الجيش وتقاعس الأحزاب وقوى المجتمع سقطت دماج (بصعدة) لتغدو الطريق سالكة أمام جحافل الحوثيين ليطرقوا أبواب حاشد(17)، وعمران(18). ويجتاحوا العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014.

وحين انقشع غبار المؤامرة تبين من الذي قدم الدعم والإسناد وسهل للحوثيين الوصول إلى صنعاء. كانت الإمارات والسعودية قد دفعتا للحوثيين مبالغ طائلة من أجل إسقاط العاصمة صنعاء وإنهاء حكومة الثورة والقضاء على بعض الأطراف غير المرضي عنها مثل حزب الإصلاح، والفرقة الأولى مدرع الموالية للثورة، وجامعة الإيمان(19).

وبالتزامن مع سقوط عمران بيد الحوثي قام رئيس الجمهورية (هادي) بزيارة خاطفة إلى السعودية، وقام وزير دفاعه (محمد ناصر أحمد) بزيارة إلى الإمارات(20)، وبعد سقوط صنعاء كشف ناطق الحوثيين محمد عبدالسلام أن دخولهم العاصمة كان بتنسيق واتصالات جرت مسبقا مع قيادات أمنية وعسكرية وسفارات أجنبية(21).

مثّل سقوط العاصمة صنعاء الخطوة الأخيرة القاصمة في مخطط إسقاط واحتواء ثورة التغيير الشعبية، وتوَج ذلك بالتوقيع على ما سمي حينها باتفاق السلم والشراكة(22) الذي منح الحوثي المشروعية السياسية، ليبدأ من ثمّ مخطط التحالف في احتواء الدولة والبلد عبر احتواء الشرعية.

ثانيا: من احتواء الثورة إلى احتواء الدولة

بدأت هذه المرحلة عمليا بتدشين عاصفة الحزم في 26 مارس 2015، ودخول السعودية بشكل مباشر على خط الأزمة اليمنية لتباشر بنفسها مهمة احتواء الدولة. وانتقل بذلك مخطط تدمير البلد من أيدي الوكلاء، إلى أيدي الكفلاء أنفسهم، الذين قرروا الانتقال بالصراع إلى أفق جديد ضمن إستراتيجيتهم طويلة المدى في احتواء البلد.

اتبع التحالف السعودي في مرحلة الاحتواء تلك سياسة براغماتية من خلال السير في خطين متوازيين في التعاطي مع الملف اليمني:

أ. سياسة (سعودية) ناعمة/ غير تصادمية تُظهر وقوفها إلى جانب الشرعية وتُبدي تمسكها بالأهداف المعلنة للتحالف.

ب. سياسة (إماراتية) خشنة/ تصادمية تعمل لتنفيذ الأجندة غير المعلنة للتحالف بغطاء منه.

سنتناول هنا ثلاث صور مهمة من صور الاحتواء الذي مارسه التحالف السعودي ضمن مخطط الهيمنة على البلد والسيطرة عليه، وهي الاحتواء السياسي، والاحتواء العسكري، والاحتواء الاقتصادي، وسنعرض لبعض صور ذلك الاحتواء في كل حالة.

الاحتواء السياسي

1. عزل الشرعية وإضعافها

 عزلت السعودية قيادة الشرعية ووضعتها قيد الإقامة الجبرية في العاصمة الرياض لتكون تحت رقابتها وسلطتها ولا تستطيع ممارسة مهام إدارة الحرب وإدارة الدولة في المناطق المحررة، ولم يُسمح لها بالبقاء في العاصمة المؤقتة عدن، ومُنعت طائرة الرئيس عبد ربه منصور هادي، عبر أدوات الإمارات، من الهبوط في مطار عدن(23)

2. صنع البدائل السياسية

 جمَد التحالف السعودي نشاط الشرعية واتجه لتأسيس مكونات جديدة في المناطق المحررة تمهيدا لشرعنتها، لتحل محل الشرعية، فأسس في الجنوب المجلس الانتقالي(24)، برئاسة عيدروس الزبيدي، وأسس في الشمال المكتب السياسي للمقاومة الوطنية(25) بقيادة طارق محمد عبدالله صالح. 

3.إلغاء الشرعية المنتخبة وإحلال شرعية مُعيّنة (مجلس رئاسي بديل)

نجحت السعودية في تنفيذ انقلاب ناعم على الرئيس السابق عبدربه منصور هادي تحت مظلة مؤتمر الرياض الثاني، لتستكمل بذلك آخر حلقات مشروعها الإستراتيجي في احتواء اليمن واستباحته والوصاية عليه، وتضع يدها على كل مؤسسات الدولة السيادية ممثلة بالرئاسة ومجلس الوزراء ومجلس النواب.

ويأتي استبدال الرئيس هادي كجزء من مخطط " احتواء اليمن" حيث عمد التحالف إلى تنحية شرعية (هادي) التي استخدمها من قبل في مواجهة الحوثي ليطيح بها تاليا عبر انقلاب ناعم في مؤتمر الرياض الثاني، ويُنصّب مكانها شرعية مجلس الثمانية برئاسة (العليمي)(26) أضفى عليها المشروعية لاستكمال مشروعه الخاص، وأجبر هادي على التنحي وإصدار إعلان رئاسي(27) ينقل سلطاته إلى مجلس القيادة الرئاسي الجديد. 

4. تعطيل مؤسسات الدولة

 وضع التحالف السعودي العراقيل والعقبات أمام مؤسسات الدولة مثل مجلس النواب(28) ومجلس الوزراء وسائر الوزارات ومنعها من العمل في المناطق المحررة عبر افتعال الأزمات والاضطرابات الأمنية التي تقوم بها أدوات الإمارات من الانتقالي في عدن وبقية المحافظات الجنوبية، في حين حظر على تلك المؤسسات نقل هياكلها وأعمالها المؤسسية إلى المحافظات المستقرة مثل مأرب وشبوة وحضرموت والمهرة، لتبقى الدولة عاطلة عن العمل ومتصدعة البنيان، فيتصدَع المجتمع ويضطرب الشارع وتشيع الفوضى وتصبح الساحة مهيأة للمليشيات (الموجهة) لتعبث بها، وكل ذلك يأتي في سياق التدمير الممنهج لبنية الدولة ووظائفها ليتعثر البلد ويفقد مقومات النهوض ويظل بحاجة لمد يد العون وتبقى مبررات التدخل في شؤونه حاضرة طوال الوقت.

الاحتواء العسكري

أ. تشكيل مليشيات موازية للجيش (جيش بديل)

أنشأت السعودية والإمارات ما يقارب 60 تشكيلا ما بين لواء وكتائب خلال خمس سنوات(29) خارج إطار الدولة وبعيدا عن سلطة وزارة الدفاع الشرعية. وكان الفريق الركن عيسى المزروعي، قائد العمليات المشتركة في اليمن أكد أنه "تم تأسيس قوات عسكرية من 200 ألف يمني سوف يتم الاعتماد عليهم في العمليات العسكرية في اليمن"(30). 

أهم التشكيلات (المليشيات) الموازية التي أنشأتها السعودية:

-ألوية الحد الجنوبي (السعودي): تم تشكيل 25 لواء عسكريا. واتسمت تلك الألوية بالعشوائية والقليل من التنظيم ويتراوح متوسط القوام البشري لكل لواء ما بين 700 – 1000 فرد(31).

-ألوية اليمن السعيد (يناير2022): تم تشكيل ألوية اليمن السعيد (يناير2022) من قبل السعودية في مأرب والحد الجنوبي في مقابل ألوية العمالقة التي شكلتها الإمارات، وتتكون هذه الألوية الجديدة من مجموعات سلفية وقبلية وقد خاضت معارك جديدة في حرض، ويرأس هذه القوات رئيس هيئة الأركان الفريق صغير بن عزيز(32).

-قوات درع الوطن: وهي قوات أعلن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي عن تشكيلها أخيرا تحت قيادته المباشرة، ويقودها القيادي السلفي العميد بشير الصبيحي. وبحسب المعلومات فإن قوة “درع الوطن” مكونة من 9 آلاف مقاتل، بعض الألوية سلفية، وأخرى من القبائل، دربتهم وموّلتهم وسلحتهم المملكة العربية السعودية. ويعتقد أنها قرابة 8 ألوية، ومعظم قادة الألوية من السلفيين ولم يسبق أن كانوا في الجيش اليمني(33).

ب. إنهاك الجيش واستنزافه 

لم يُسمح للجيش الوطني بتحقيق انتصارات نوعية وتثبيتها، ولم يُسمح له بالتقدم أبعد من فرضة نهم حول العاصمة صنعاء في 2016. فقد أبلغ السفير الأميركي -آنذاك- رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد بن دغر بأن صنعاء خطٌ أحمر(34).

ولم يُسمح بتحرير محافظة الحديدة في 2018 بعدما كادت قوات الجيش تسيطر على المدينة بعد 7 أيام فقط من انطلاق عملية “النصر الذهبي” وكانت على بعد كيلومترات قليلة من الميناء، وبعدما تمكنت القوات المشتركة من السيطرة تماما على مطار الحديدة(35).

وفي العام 2021 وبدون سابق إنذار أو تحذير تلقى القادة العسكريون في ألوية العمالقة والمقاومة التهامية المنضوية تحت لواء القوات المشتركة التي تدعمها الإمارات أوامر بالانسحاب من مواقعهم في الساحل الغربي لليمن، ما أحدث حالة من الإرباك والفوضى في صفوف الجنود، الذين قاتلوا بشراسة على مدار 3 سنوات للسيطرة على الحديدة. وقال مصدر في ألوية العمالقة إن القوات التي رفضت الانسحاب هُددت بالقصف بالطيران(36).

الاحتواء الاقتصادي

أولا. تعطيل الموانئ

عملت السعودية عبر ذراعها الإماراتي على تعطيل أهم الموانئ اليمنية ومنها ميناء المخا على البحر الأحمر وميناء الضبة النفطي في محافظة حضرموت(37).

ثانيا. السيطرة على المطارات

- بالإضافة إلى مطارات عدن، وسقطرى، والريان بحضرموت المسيطر عليها إماراتيا، يخضع مطار سيئون لسيطرة قيادة التحالف العربي، والمشكلة من ضباط سعوديين وإماراتيين(38).

- مطار الغيضة في المهرة حولته السعودية إلى ثكنة عسكرية ومقر لقواتها العسكرية.

ثالثا. منع تصدير النفط والغاز ومحاربة العملة

1- أصدرت السعودية والإمارات توجيهات لوزارة النفط اليمنية بمنع تشغيل القطاعات النفطية والغازية في شبوة وحضرموت باستثناء 15% من هذه القطاعات فقط(39).

4- وقفت السعودية ضد إجراءات البنك المركزي بعدن التي أرادت الضغط على الحوثيين اقتصاديا، ردا على انتهاكات الحوثيين ضد القطاع المصرفي، اتخذ البنك المركزي اليمني، قرارين، قضى الأول بوقف التعامل مع 6 بنوك مقراتها الرئيسة في مناطق سيطرة الجماعة، فيما قضى الثاني بسحب الطبعة القديمة من العملة اليمنية في غضون شهرين(40). لكن مجلس القيادة الرئاسي تلقى توجيهات بإلغاء قرارات مركزي عدن تحت عنوان “تأجيلها”، وقالت مصادر، إن السعودية هي من دفع بالمبعوث الأممي لتوجيه رسالة المطالبة بتأجيل قرارات البنك المركزي، من أجل إبعاد نفسها عن الصورة(41).

رابعا. التضييق على المغتربين اليمنيين وترحيلهم

في تموز/ يوليو 2021 اتخذت السعودية قرارا بخفض نسبة العمال اليمنيين إلى25% من إجمالي اليمنيين الذين يعملون في البلاد(42). وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش'' إن السلطات السعودية بدأت منذ يوليو/تموز 2021 بإنهاء أو عدم تجديد عقود الموظفين اليمنيين، الأمر الذي قد يجبرهم على العودة إلى الأزمة الإنسانية في اليمن(43).

وتم الكشف عن وثيقة مسربة عُنونت بـ"محضر إبلاغ (سري)"، تطلب فيها السلطات السعودية من أصحاب العمل طرد اليمنيين، ومنع إيوائهم أو تجديد عقود السكن لهم في بعض المناطق الجنوبية، وذلك في فترة أقصاها 4 أشهر(44). ويواجه ما يزيد على (800) ألف مغترب يمني بمحافظات جازان وعسير والباحة ونجران الجنوبية السعودية خطر الترحيل في أي لحظة(45).

وفي أغسطس 2021 قدمت 13 منظمة حقوقية دولية عريضة شكوى إلى الأمم المتحدة حول قضية طرد مئات الآلاف من العمال اليمنيين في السعودية، وعبرت المنظمات الحقوقية خلال الشكوى عن قلقها إزاء إنهاء السعودية عقود عمل مئات الآلاف من العمال اليمنيين جنوبي المملكة(46). 

المحادثات السعودية-الحوثية. تعبيد الطريق لمرحلة ما قبل الاحتواء النهائي

الحرب مع الحوثي انتهت إلى حوار معه، فالسعودية كانت تحارب وتحاور في آن، ولم يكن الحوار مع الحوثي نتيجة ضغوط أميركية وحسب بل وسياسة سعودية متبعة بدأت منذ العام الأول للحرب. فالحوار والتفاهمات مع الحوثي يُعدّ مرحلة مهمة للسعودية للدفع بمشروعها خطوة للأمام على طريق التمكين، فقد وضعت يدها على مقدرات البلد ومنعت انبثاق جمهورية جديدة وأحبطت ثورة الشعب وصنعت بدائل سياسية وعسكرية وأنجزت مشاريع تجزئة، وحان وقت تثبيت ذلك كله.

في مايو 2015 أنجزت السعودية مؤتمر الرياض بنسخته الأولى(47) لحشد التأييد ضد مليشيا الحوثي الانقلابية ودعم المقاومة، واستعادة الدولة وفرض المرجعيات الثلاث المتعلقة بحل الأزمة اليمنية. وفي 29 مارس 2022 أنجزت مؤتمر الرياض بنسخته الثانية لحشد التأييد أيضا، لكن ليس ضد الحوثيين هذه المرة بل لإعلان السلام والحوار معهم، ولأجله ذهبت إلى صنعاء.

لم تكن مخرجات مؤتمر الرياض2 وما تلاه من تفاهمات صنعاء سوى جزء من رؤية سعودية شاملة لإعادة تشكيل المشهد اليمني في مسار الاحتواء وفق منطق السلام هذه المرة الذي بات شعار المرحلة. والرؤية السعودية ليست بعيدة بالطبع عن أجندات الحلفاء في اللجنة الرباعية التي ما تزال تمسك بالملف اليمني وتوجهه عبر القرارات الدولية.

وتذهب مقاربتنا السياسية أبعد من ذلك وتزعم أن السعودية شرعت بالفعل-عبر الحوار مع الحوثي- بوضع لمساتها الأخيرة على مشروع التقسيم الذي خططت له وحلفاؤها، وباشرت في تهيئة الساحة اليمنية للانتقال تدريجيا إلى تلك المرحلة. حوار السعودية مع الحوثيين هو بمثابة اعتراف ضمني بهم، ومن المفارقة حدوث ذلك على الرغم من تصنيفهم جماعة إرهابية(48) من قبل النظام السعودي في 2014، كما أن مجلس الدفاع الوطني في الحكومة اليمنية صنف هو أيضا جماعة الحوثي منظمة إرهابية(49).

قبل عشر سنوات جاء التحالف السعودي لمحاربة الإرهاب الحوثي واسترداد الدولة منه، واليوم يعترف به شريكا للسلام ويتحاور معه بمعزل عن الشرعية.! والحقيقة أن ذلك ليس حبا في السلام ولا في الحوثي بل رغبة في إعادة تدوير الأزمة اليمنية عبر تكريس سلطة الانقلاب الحوثي رغما عن اليمنيين.

وبصرف النظر عن الحوار من عدمه ونجاحه من فشله، فإن ما يهمنا هو دلالاته وأبعاده السياسية التي تأتي في مرحلة مفصلية من مراحل تشكيل اليمن ووضعه على المسار الذي يخدم مصالح التحالف السعودي ويبقي اليمن تدور في فلكه، وأبرز تلك الدلالات والأبعاد:

أولا: جاء التحالف السعودي إلى الحوار ورفع شعار السلام بعدما فرغ من الشق العسكري بتدمير مقدرات البلاد وتحطيم بنيتها التحتية وقدراتها العسكرية، ونجح في احتواء شرعيتها وإجهاض ثورتها وخلق واقع يمني جديد تحكمه عاصمتان وعلَمَان وعملتان وبنكان، وأراد التصديق على ذلك بخارطة طريق تُعمّد هذا الانقسام وتُبقي الحوثي طرفا فاعلا في المعادلة اليمنية لزعزعة الاستقرار وضرب الوحدة الوطنية وإعاقة النهوض، فالتحالف السعودي لم يقاتل دولة الحوثي بل دولة الشعب، ولم يُسقط الانقلاب بل النظام الجمهوري. 

ثانيا: الترتيبات التي ستنجم عن المحادثات ستضع لمساتها على يمن جمهوري جديد بنكهة إمامية (حوثية) ستستفز مشاعر اليمنيين الذين يرفض غالبيتهم المشروع الحوثي ويقاومه، ومع تفاقم النزاعات الداخلية ستلجأ السعودية، بتفويض دولي، لطرح مشروع جديد تدّخره لمعالجة الأوضاع الملتهبة التي تسببت بها، وحين يغدو البلد مُهيأ وجاهزا للانتقال إلى مرحلة جديدة ستبادر لطرح مشروع التشطير وتقسيم اليمن إلى دويلات كذريعة لحل الأزمة اليمنية وتسويق الاستقرار والأمن الدوليين. وبذلك يتحقق حرفيا مشروع احتواء الدولة اليمنية، مقسمة ومفككة وفاشلة، تنهشها الصراعات وتبقيها تحت تبعية التحالف وهيمنته. 

ثالثا: يُتَوَقع رفض الحوثي لأي صيغة سياسية تشاركية مع أي طرف يمني كان، بالنظر إلى أن الأيديولوجية الحوثية القائمة على فكرة الولاية والاصطفاء والحق الإلهي لا تقبل الشراكة أو القسمة مع الآخر، ما سيجعله سببا إضافيا لاستمرار الخلاف والنزاع. ولقطع الطريق على أي شراكة محتملة استبق الحوثي بالضغط على قيادة حزب المؤتمر الشعبي (جناح صنعاء) لفصل أحمد علي عبد الله صالح(50) (نجل الرئيس السابق) من قيادة المؤتمر بعدما نجح التحالف في رفع العقوبات الدولية عنه كمقدمة لمنحه دورا سياسيا في اليمن.

رابعا: الشرعية هي الطرف الحاضر الغائب في محادثات ليست شريكة فيها رغم كونها جزءا من ترتيباتها المستقبلية، ولأن قرارها السياسي مختطف من التحالف فهي تنتظر فقط ما يُطلب منها تنفيذه. أما الأحزاب السياسية الموالية لها فهي كذلك ليست شريكة في المحادثات، لكنها تضبط بوصلتها على الشرعية التي بدورها تضبط بوصلتها على التحالف السعودي الإماراتي، وبناء عليه لن يختلف موقفها عن موقف الشرعية وستظل مساندة لها بصرف النظر عن صوابية أو خطأ موقفها، وتلك هي مهمتها في الواقع. فالمعارضة السياسية اليمنية باتت شاهد زور لإضفاء الشرعية على سياسات التحالف في اليمن.

خامسا: المحادثات السعودية-الحوثية تُجرى في جانب منها بدفع من الجانب الأميركي الذي يحقق مصلحته في إبقاء الحوثيين طرفا أقوى في معادلة الصراع اليمني ليظلوا أداة تدمير داخلية وذريعة للتدخل الخارجي، ضمن السياسة الأميركية في تمكين الأقليات. ولهذا حال دون سقوط صنعاء والحديدة بقبضة الشرعية وحافظ بشتى الوسائل على كيان الجماعة، بل ورفض "خطة الحكومة الشرعية لتأمين خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر من خلال القيام بعملية عسكرية واسعة تستأصل المليشيات الحوثية من محافظة الحديدة وبقية المحافظات الواقعة تحت سيطرتها، وأبدى رغبة كبيرة في استمرار دعم الحوثيين وإشراكهم في العملية السياسية في اليمن خلال المرحلة القادمة"(51)

الخاتمة 

تخلص هذه الورقة إلى أن السعودية عملت وفق إستراتيجية مدروسة توسلت بالحرب تارة وبالسلم تارة أخرى لاحتواء اليمن وبسط نفوذها عليه، فقد حققت بالحرب ما ترمي إليه من إضعاف اليمن وإنهاكه وتحويله إلى دولة فاشلة ممزقة مكبلة بحزمة قرارات دولية تفرض وصايتها عليه. وحالت عن عمد دون هزيمة الحوثي وتقويض دولته، ووقفت سدا منيعا أمام بناء جيش وطني يحرر الأرض ويدحر الانقلاب، وقوضت ثورة الشعب ومشروعها في التغيير، واستحوذت على سلطة الشرعية وقرارها حتى غدا بمقدورها تعيين شرعيات بديلة كلما اقتضت الحاجة.

وستظل السعودية على المدى المنظور تُمسك بخيوط الحرب والسلام في اليمن وتحرك أدواتها. وفي ظل غياب المشروع الوطني والإرادة السياسية والتلاحم الشعبي وغلبة الولاءات للخارج ستبقى السعودية مستحوذة على مقدرات اليمن وقراره السيادي وثرواته وستبني المزيد من القواعد العسكرية، بالتشارك مع الإمارات، طالما يخدم ذلك مصالحها ومصالح القوى الدولية التي أعطتها اليمن عطاء من لا يملك لمن لا يستحق.

وفي طريقها لمشروع الهيمنة والاحتواء ستظل تعمل بكل الإمكانات لإضعاف فرقاء الأزمة جميعا، الأعداء منهم والموالون، وستواصل خلق البدائل لشركائها الذين تستخدمهم اليوم لتستبدلهم غدا، وستمضي في مخطط تفكيك البلد ومحاربة أي مشروع وطني لتظل ممسكة بخيوط اللعبة ومتحكمة بها، ولكي يظل البلد مشدودا إليها غير قادر على الفكاك من بين براثنها، تلك هي مقتضيات الاحتواء طويل الأمد لبلد منكوب يخذله أبناؤه قبل أعدائه.

لقد برهنت التجربة والأحداث أن السعودية تأبى إلا معاقبة الشعب الذي خرج في ثورة سلمية وأسقط النظام الذي رعته طوال 33 عاما، فجاءته بما هو أسوأ منه فكرا وعقيدة وسياسة، وشرعت في تقطيع أوصال البلد الذي تحداها في ثورة 26 سبتمبر وانتصر عليها وأرغمها على قبول نظامه الجمهوري. واليوم تعود لترغمه على قبول نفس النظام الذي حاربه وطرده بعدما ادخرته له طوال خمسين سنة.

وما بقي من وطن تركته في مهب العواصف تذروه الرياح، تنهشه الخلافات وتمزقه الولاءات الضيقة والمشاريع الصغيرة. وكل ذلك يجرى وفق متطلبات وشروط الاحتواء الإستراتيجي السعودي بعيد الأمد لليمن.

ومع كل ذلك يمكن إسقاط هذا المشروع وإفشاله لو توفر لليمن قادة مخلصون يأخذون بسنن التدافع ويمتلكون الخيال السياسي والمشروع الوطني والإرادة، يلتحمون بالشارع ويقودونه، ويفكرون خارج الصندوق، ويبتكرون وسائل النهوض والتصدي لمشروع الهيمنة والاحتواء السعودي- الإماراتي ومن يقف وراءهما، فالنجاح حليف من يسعى إليه

المصادر

  1. أسماء طارق فتحي سعد -الدور السعودي في الصراع اليمني من “2011-2016م” – المركز الديمقراطي العربي. متوفر على الرابط: https://democraticac.de/?p=39856
  2. المصدر السابق
  3. عبد اللطيف حيدر/ العلاقات السياسية اليمنية- السعودية في ظروف التحولات السياسية/ المركز الديمقراطي العربي- 24 اغسطس 2019 على الرابط: https://democraticac.de/?p=62230
  4. سفيان أحمد محمود الشنباري- السياسة السعودية تجاه اليمن في ضوء تحولات الحراك الشعبي اليمني/ رسالة ماجستير - جامعة الأزهر - غزة-. متوفر على الرابط: http://dspace.alazhar.edu.ps/xmlui/handle/123456789/1179 
  5. خديجة أحمد الهيصمي، العلاقات اليمنية السعودية 1962-1980. ط 2 (1988)، ص150، 176، 177
  6. المصدر السابق. ص150، نقلا عن عبد الله أحمد الثور. كتاب ثورة اليمن (1948-1968)، ص139
  7. عبد اللطيف حيدر/ العلاقات السياسية اليمنية- السعودية في ظروف التحولات السياسية- مصدر سابق
  8. المصدر السابق

        (9) انظر: مخرجات مشاورات الرياض اليمنية: 11 بندا وترحيب بالمجلس الرئاسي- الشرق الأوسط- 8 أبريل 2022 م

              على الرابط:  https://2u.pw/2OVavyYC

      (10) انظر: نص مبادرة مجلس التعاون الخليجي-مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. على الرابط:                   

https://2u.pw/mqKnGx                                            

     (11) انظر نص آلية تنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي- مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة. على الرابط:

                                                 https://2u.pw/6IeZzOe4

    (12) د. أحمد عبد الواحد الزنداني- الحوار اليمني مقترحا أميركيا. (إستراتيجية استنبات الأقليات وتمكينها)

                 مركز البحوث للدراسات السياسية والإستراتيجية. ط 1، 2015م، ص52. على الرابط:

           https://www.scribd.com/document/731440210             

(13) نائب الرئيس اليمني في زيارة مفاجئة إلى الولايات المتحدة. التغيير نت- 28 /10/ 2011، على الرابط:

                              http://al-tagheer.com/news34765.html         

(14) انظر: صحيفة الثورة اليمنية: السفير الأميركي: لدى الجنوبيين مظالم مشروعة، الثورة نت، 25 مارس 2013،

         على الرابط: http://www.althawranews.net/portal/news-39046.htm

(15) حكومة الوفاق توجه اعتذارا لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وأبناء محافظة صعدة.

       المركز الوطني للمعلومات- 21 اغسطس2013. على الرابط:

                 https://yemen-nic.info/news/detail.php?ID=55508                  

(16) السياسات السعودية تجاه اليمن بين الثورة والعاصفة. مركز المخا للدراسات الإستراتيجية- يوليو2023 (ص39)

                            على الرابط: https://mokhacenter.org/?p=3304

(17) الحوثيون يسيطرون على معقل حاشد: سكاي نيوز عربية-2 فبراير 2014، على الرابط 

             : https://www.skynewsarabia.com/middle-east/551019

(18) الحوثيون يسيطرون على عمران والقتال يُهجر الآلاف. الجزيرة نت / 8/7/2014 / على الرابط: 

https://2u.pw/YSGzIEEg                                            

(19) انظر تصريح أنور عشقي لقناة روسيا اليوم حول تواطؤ بعض دول الخليج مع الحوثي لإسقاط صنعاء. رابط الفيديو:

                                      https://www.youtube.com/watch

(20) الطريق الى صنعاء- وثائق مخابراتية وعسكرية، برنامج الصندوق الأسود، الجزيرة نت،21 / 5/ 2015

                                 على الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=5RyUVPZSRhk

(21) الحوثيون: دخلنا صنعاء بالتنسيق مع عسكريين ومسؤولين وسفارات. الجزيرة نت 10/10/2014

               على الرابط: https://2u.pw/2xTnb7v 

(22) اتفاق السلم والشراكة الوطنية، أيلول/سبتمبر 2014/ مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن.

                 على الرابط: https://2u.pw/P6ar48 

(23) ماذا تريد الإمارات من اليمن والرئيس هادي؟ نون بوست- 17 فبراير ,2017. على الرابط:                             

https://www.noonpost.com/16693                                       

(24) الزبيدي يعلن تشكيل مجلس انتقالي لإدارة جنوب اليمن. موقع CNN عربي- 11 مايو / أيار 2017

          على الرابط: https://2u.pw/JgOyqxd9  

(25) تأسس المكتب السياسي للمقاومة الوطنية جناح طارق عفاش في 25 مارس 2021. موقع الساحل الغربي على الرابط: 

                                     https://alsahil.net/news8512.html

(26) رَشاد مُحَمَّد العَلِيمِي: (من مواليد 15 يناير 1954) هو رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن والقائد الأعلى للقوات

          المسلحة اليمنية منذ 7 أبريل 2022 بعد قرار الرئيس هادي بنقل صلاحياته لمجلس القيادة الرئاسي عقب المشاورات   

         اليمنية-اليمنية في العاصمة السعودية الرياض. دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة عين شمس مع مرتبة الشرف

         الأولى - مصر 1988. تقلد الكثير من المناصب الرسمية إبان حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح. كما كان مستشار

         رئيس الجمهورية (هادي) منذ فبراير 2014. عضو اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام. (الحزب الحاكم سابقا)

         انظر: ويكيبيديا- الموسوعة الحرة. على الرابط: https://2u.pw/RGGdgZzx 

(27) انظر الإعلان الرئاسي في وكالة سبأ على الرابط: https://www.sabanew.net/story/ar/85336

(28) مجلس النواب يعقد أولى جلساته منذ 2015 في سيئون وينتخب سلطان البركاني رئيسا له بالإجماع.

              وكالة الأناضول-13 أبريل 2019م، على الرابط: https://2u.pw/imbhPjix 

(29) جيش وجيوس-البنادق المشتركة في اليمن، المصدر أونلاين (تحقيق خاص) / ٠٣ يناير ٢٠٢١

        على الرابط: https://almasdaronline.com/articles/212047

(30) جندت 200 ألف.. الإمارات تكشف حصيلة قتلاها بحرب اليمن- الخليج أونلاين- 10-02-2020.

          على الرابط: https://2u.pw/jfb0Oww5 

(31) جيش وجيوس-البنادق المشتركة في اليمن، المصدر أونلاين/ ٠٣ يناير ٢٠٢١. مصدر سابق

(32) جيش وجيوس-البنادق المشتركة في اليمن، المصدر أونلاين/ ٠٣ يناير ٢٠٢١. مصدر سابق

(33) قوات “درع الوطن". حجم القوة اليمنية وقادة ألويتها وقدراتها وعقيدتها القتالية. يمن مونيتور/30 يناير2023.

               على الرابط: https://www.yemenmonitor.com/Details/ArtMID/908/ArticleID/85116

(34) انظر: تصريح خطير لرئيس البرلمان- المصدر أونلاين، في: ٤/ 12 / ٢٠٢٢م، متوفر على الرابط:

                       https://almasdaronline.com/articles/264801

(35) كيلومترات قليلة تفصل القوات اليمنية عن ميناء الحديدة- موقع الجريدة -20-06-2018.

              على الرابط: https://www.aljarida.com/articles/1529431722140634200

(36) من لم ينسحب فسيقصف.. لماذا سلمت القوات المدعومة إماراتيا الساحل الغربي بالحديدة للحوثيين؟

                 الجزيرة نت- 13/ 11/ 2021، على الرابط: https://2u.pw/gWvRUJwZ   

(37) الإمارات تُحوّل ميناء المخا اليمني لثكنة عسكرية- الجزيرة نت-24 أكتوبر 2017، على الرابط:                            

https://2u.pw/YwtEx9yy                                              

(38) النقاط من 1-5 مقتبسة من الموقع بوست // 15 نوفمبر, 2018 على الرابط: 

                                https://almawqeapost.net/reports/35731

(39) محمد مصطفى العمراني: كيف تعمل السعودية والإمارات على تدمير الاقتصاد اليمني؟ الموقع بوست- 28 سبتمبر, 2021

            على الرابط: https://almawqeapost.net/wall/4661        

(40) المركزي اليمني يوقف 6 بنوك ويسحب العملة القديمة خلال شهرين. الشرق الاوسط 30 مايو 2024 م، على الرابط:            

https://2u.pw/xSe6ntMT                                                     

(41) ضغوط سعودية بقناع أممي لإلغاء قرارات البنك المركزي على وقع ارتفاع حدة تهديدات صنعاء.

         يمن إيكو -13 / 7 / 2024، على الرابط: https://yemeneco.org/archives/85452

(42) تداعيات تسريح اليمنيين من السعودية على مستقبل السلام. كارنيجي-صدى. 30 نوفمبر 2021، على الرابط: 

                                           https://2u.pw/Un5qbR2p 

(43) السعودية: العمال اليمنيون معرضون لخطر الإعادة القسرية الجماعية. موقع هيومن رايتس ووتش عربي-31 اغسطس 

            2021م. على الرابط: https://www.hrw.org/ar/news/2021/08/31/379793 

(44) هل ترحل السعودية مليون يمني؟ TRT عربي- 5 أغسطس 2021. مصدر سابق

(45) المصدر السابق

(46) منظمات حقوقية تشكو إلى الأمم المتحدة تسريح السعودية آلاف العمال اليمنيين جنوبي المملكة- الأورومتوسطي لحقوق 

          الانسان- 26 أغسطس 2021. على الرابط: https://euromedmonitor.org/ar/article/4587

(47) البيان الختامي لمؤتمر الرياض (1) بشأن اليمن-الجزيرة نت-19 مايو 2015، على الرابط:    

                                                 https://2u.pw/P7f8EV1J 

(48) الداخلية السعودية تعلن عن أول قائمة خاصة بها بشأن المنظمات الإرهابية. موقع BBC عربي-7/ 3/ 2014 م

            على الرابط:  https://2u.pw/T00d549 

(49) اليمن. مجلس الدفاع الوطني يصنف جماعة الحوثي منظمة إرهابية، وكالة الأناضول: 23 أكتوبر

                 2022. على الرابط: https://2u.pw/LctIoaP

(50) مؤتمر الحوثي في صنعاء يعلن براءته من أحمد علي عبدالله صالح ويحسم قرار فصله من قيادة الحزب.

            مأرب برس - 22 أغسطس-2024: https://marebpress.net/news_details.php?sid=205720

(51) الكشف عن رفض هذه الدولة إطلاق عملية عسكرية في الحديدة لإنهاء الحوثيين- كريتر سكاي- على الرابط:

                              https://cratersky.net/posts/157791