الضربات الإيرانية.. هل تدمر سياسة "الحياد" الباكستانية؟
بعد هجماتها على العراق وسوريا، أثارت الهجمات التي نفذتها إيران على الأراضي الباكستانية في 16 يناير/ كانون الثاني 2024 موجة توتر اجتازت الشرق الأوسط لتشمل أراضي أوسع.
وزعمت إيران أن هذه الهجمات كانت ضد تنظيم معادٍ لها يسمى "جيش العدل"، ويوجد في الأراضي الباكستانية.
فيما وصفت باكستان هذه الهجمات بأنها "انتهاك للسيادة" وقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، بل ونفذت هجوما مضادا على إيران بعد وقت قصير من الهجمات، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين البلدين.
جذور التنافس
ونشرت وكالة "الأناضول" للأنباء التركية الرسمية مقالا لعميد كلية السياسة في جامعة "أرطوكلو" الحكومية، نجم الدين أجار، رجح فيه أن "هجوما كهذا تجاه باكستان سيكون له عواقب وخيمة على المستوى الإقليمي".
وأكد أن "باكستان ظلت على خط الحياد في التنافس القائم بين دول الشرق الأوسط والدول الإسلامية، حتى تركز أكثر على تنافسها الجيوسياسي مع الهند، حيث تسببت المشاكل الأمنية على الحدود بين البلدين في حدوث توتر بينهما لفترة طويلة، وإن كان منخفضا".
واستطرد: "يبدو أن تعاون باكستان الوثيق مع الصين والسعودية، وتعاون إيران الوثيق مع الهند، يلعبان دورا مهما وراء التوتر الحالي".
وفي حين يتركز الاهتمام على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، فإن الهجمات غير المتوقعة التي شنتها إيران من شأنها أن "تؤدي إلى تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية الباكستانية"، وفق أجار.
وأوضح أنه "لطالما كانت إدارة إسلام أباد حريصة على البقاء محايدة في الصراعات بين الشرق الأوسط والدول الإسلامية".
كما أوضح أيضا أن "إيران تولي أهمية كبيرة لمنافستها مع السعودية، بل ولم تتوان عن التعاون مع الهند بهذا الصدد".
ولأن باكستان تتقرب بالمقابل من السعودية، فهذا يجعل إيران تشعر بالقلق من محاصرتها من الشرق، خاصة أن باكستان تتمتع بقوة عسكرية ونووية فعالة، يؤكد الكاتب التركي.
ومع أن البلدين كانا على تعاون وثيق قبل الثورة الإسلامية، إلا أن العلاقات بدأت تتوتر بينهما عندما تبنت إيران سياسة تصدير الثورة.
وطوال التسعينيات شهدت الأراضي الباكستانية صراعا حادا بين الشيعة والسنة، حيث كانت نسبة الشيعة تشكل ما يقرب من 30 بالمئة من باكستان.
وقد تضاءل هذا التوتر في السياسة الداخلية الباكستانية بشكل ملحوظ عندما بدأ التنافس الإيراني السعودي في التلاشي إبّان غزو العراق للكويت (عام 1990).
وأصبحت "فكرة الانفصال" التي انتشرت على نطاق واسع بين الشعب البلوشي (سني يعيش في أراضي البلدين منذ عام 2010) عاملا مهما في تصادم البلدين ببعضهما مرة أخرى.
اتهامات متبادلة
وكانت هناك العديد من الهجمات المجهولة التي استهدفت قوات الأمن الإيرانية والباكستانية في مناطق سيستان-بلوشستان الإيرانية وبلوشستان الباكستانية في الفترة ما بعد عام 2010.
وواصل كلا البلدين إلقاء اللوم على بعضهما البعض فيما يخص مسبب هذه الهجمات.
فبينما يدعي الجانب الإيراني أن الحكومة الباكستانية توفر مساحة آمنة للمنظمات المسلحة مثل جيش العدل وجند الله اللتين تنفذان أعمالا مسلحة في الأراضي الإيرانية، ظل الجانب الباكستاني زاعما أن إيران تدعم المنظمة الانفصالية المسماة بـ"جيش تحرير بلوشستان".
بل وزعمت باكستان بأن الهند تنظم هجمات على أراضيها باستخدام الأراضي الإيرانية كقاعدة.
أما العامل الآخر الذي يؤدي إلى تفاقم التوتر بين البلدين، فهو المنافسة الجيواقتصادية.
حيث إن ميناء بندر عباس الذي يتم من خلاله 80 بالمئة من التجارة البحرية الإيرانية لا يُعد ميناء بالمياه العميقة ويقع داخل مضيق هرمز. ولذلك بدأت إيران في السنوات الأخيرة في بناء ميناء جديد في تشابهار (على الحدود المواجهة للمحيط الهندي).
ويعد ميناء تشابهار المستبعد من قائمة العقوبات الأميركية رمزا مهما للتعاون الإيراني-الهندي.
أما الأراضي البلوشية المقسمة بين إيران وباكستان، فقد أصبحت واحدة من أهم العناوين للاستثمارات الهندية والصينية في السنوات الأخيرة بسبب أهميتها الجيوسياسية والجيو اقتصادية.
وشدد الكاتب على أن التوتر بين الهند والصين كونهما أصحاب استثمارات إستراتيجية في منطقة بلوشستان "يعد عاملا مهما يضع إيران وباكستان ضد بعضهما البعض".
حرب ساخنة
وأكد أجار أن إدارة إسلام أباد "حريصة على البقاء على خط الحياد في الصراعات الإقليمية، خاصة الصراع بين إيران والسعودية".
فعندما شن السعوديون حملة عسكرية ضد اليمن عام 2015، كانوا معتمدين على وقوف القوات البرية الباكستانية بجانبهم، لكن باكستان فاجأت السعودية بعدم موافقتها على إرسال قوات إلى حرب اليمن.
وفي العام نفسه، تم تعيين نائب رئيس الأركان العامة الباكستاني راحيل شريف قائدا لتحالف "الجيش الإسلامي" الذي تأسس بقيادة السعوديين، ليتسبب ذلك بقلق في الجانب الإيراني.
بالمقابل، كان هناك رد فعل من السعودية على محاولة باكستان المشاركة في "قمة كوالالمبور" التي عقدت في ماليزيا عام 2019، كبديل لمنظمة التعاون الإسلامي بمشاركة من تركيا وإيران.
وبعد رد الفعل القاسي من الرياض، حضر وزير خارجية باكستان الاجتماع بدلا من رئيس الوزراء آنذاك.
وقال أجار إن "الهجمات التي نفذتها إيران ستضع نهاية لسياسة باكستان المحايدة والمتوازنة في القضايا الإقليمية".
فمن شأن هذه الهجمات أن تدفع باكستان إلى البحث عن تحالفات جديدة، لتحد من دائرة نفوذ الهند التي أخذت في الازدياد بسرعة أخيرا.
كما يظن أجار أن العلاقات بين الرياض وإسلام أباد "ستتعمق وستفقد الأخيرة حيادها في التنافس الإيراني السعودي".
وأكد أن "هذا التوتر بين إيران وباكستان قد يؤدي إلى تفاقم الصراعات بين الشيعة والسنة داخل باكستان نفسها، تماما كما حدث في التسعينيات".
إلى جانب أن حاجة السعوديين إلى الدعم الباكستاني لتحقيق التوازن مع إيران ومحاصرتها، ستؤدي إلى تقدم سريع في العلاقات بين البلدين.
ورغم وجود مصادر مهمة للتوتر بين إيران وباكستان، فإن احتمال تحول هذا التوتر إلى "حرب ساخنة يعتمد على موقف الصين"، حسبما يرى أجار.
وتابع: "فبالنظر إلى مصالح الصين في المنطقة والعلاقات الوثيقة بين البلدين مع الصين، يمكننا القول إنه من الصعب على الصين الموافقة على صراع ساخن بين حليفيها".
ولا يرجح أجار أن "تتحول الأحداث الأخيرة إلى حرب ساخنة، رغم رد الفعل الباكستاني تجاه الهجمات الإيرانية".