الدعم الغربي لإسرائيل.. هل يؤدي إلى تزايد التطرف في الشرق الأوسط؟
منذ بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، بعد عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، يتزايد الغضب الشعبي في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جراء الموقف الغربي من هذا العدوان.
وفي هذا السياق، يتساءل موقع "قنطرة" التابع لوزارة الخارجية الألمانية، عن مآلات هذا الغضب، وما إن كان محتملا أن يصبح هذا الغضب "أرضا خصبة للتطرف والعنف".
تأثير العدوان
وأشار الموقع الألماني إلى أن "مقاطع الفيديو والصور من قطاع غزة تتدفق على الشعوب العربية والإسلامية في كل دول العالم، والتي تظهر عنفا مفرطا ينتهك حقوق إخوانهم الفلسطينيين".
وأضاف "نتيجة لضخامة التفجيرات وتزايد أعداد الضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين، التي تبرزها مقاطع الفيديو المنتشرة، فإن المواقف الشعبية الغاضبة تجاه إسرائيل تزيد من تفاقمها، وهو ما توضحه استطلاعات رأي متعددة".
وإلى جانب إسرائيل، أشار الموقع إلى أن نظرة شعوب الشرق الأوسط للعالم الغربي "تغيرت هي الأخرى نتيجة الأحداث".
فبحلول السابع من أكتوبر 2023، كانت منظمة الأبحاث التابعة لجامعة "برينستون" الأميركية قد أنهت للتو النصف الأول من أحد استطلاعات الرأي الدورية التي تجريها في تونس.
وتابعت المنظمة البحثية الشق الآخر من الدراسة عندما كان القصف الإسرائيلي على غزة مستمرا ومتزايدا.
وبناء على نتائج البحث، تعجب الموقع الألماني من "تغير نظرة التونسيين للعالم في 20 يوما، بطريقة نادرا ما تحدث، حتى على مدى بضع سنوات".
وشدد على أن "الذي تدهور ليس صورة إسرائيل فحسب، بل تدهورت كذلك صورة الدول التي يُنظر إليها أنها مؤيدة وداعمة لإسرائيل، مثل الولايات المتحدة، أو تلك المهتمة بالتقارب معها، مثل السعودية".
وبخلاف الدراسة التي تتعلق حصرا بتونس، ذكر "قنطرة" أن التصريحات الصادرة عن سياسيين رفيعي المستوى في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وكذلك بالنظر إلى المنشورات والمناقشات والحملات على وسائل التواصل الاجتماعي، توضح أن "وجهات نظر مماثلة موجودة في أجزاء أخرى من المنطقة".
ففي منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 على سبيل المثال، وفي اجتماع مع مسؤولين من الاتحاد الأوروبي، قال العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والذي كثيرا ما يوصف بأنه شريك للغرب، إن "الصراع في غزة من شأنه أن يغذي التطرف في المنطقة لعقود من الزمن".
وقبل ذلك بأيام قليلة، قال وزير خارجية عربي، لم يُذكر اسمه، لصحفي في شبكة "بي بي سي" البريطانية إنه "يشعر بالقلق إزاء تأثير الصراع على الشباب في بلاده، فما يحدث حاليا في غزة يؤدي إلى تطرف الشباب".
وفي مقابلة مع "دويتشه فيله" الألمانية، قال الصحفي المصري حسام الحملاوي إن "رأي العديد من مواطني بلاده حول ألمانيا تغير خلال الصراع في غزة".
وأضاف الحملاوي، أن "شحنات الأسلحة الألمانية المتكررة لحكومة النظام الاستبدادية في القاهرة قوبلت بانتقادات من العديد من المصريين".
وشدد على أن "دعم ألمانيا غير المشروط للهجمات الإسرائيلية المستمرة على غزة قد أثار غضب العديد من المصريين".
وبشأن التدابير الأمنية التي تُبرر رسميا في ألمانيا بكونها من قبيل "الدفاع الضروري ضد دعاية الكراهية غير القانونية ومكافحة معاداة السامية"، وصف الناشط المصري "التنميط العنصري" ضد المتظاهرين من أصل عربي خلال المظاهرات "كما لو أن ديكتاتورية غير غربية تعمل في ألمانيا".
انقسام عاطفي
وتبعا للموقف الذي يتبناه الكثير من الناس في المنطقة تأثرا بالأحداث الجارية، يتساءل الموقع "هل يوجد خطر حدوث تأثيرات طويلة المدى في المنطقة؟".
وإجابة على هذا السؤال، ذكر الموقع أن "استطلاعات الرأي أظهرت مرارا وتكرارا أن القضية الفلسطينية كانت بالفعل مصدر قلق كبير للعديد من الناس في منطقة الشرق الأوسط، حتى قبل بدء الصراع الحالي".
كما أظهرت الاستطلاعات الأخيرة أيضا أن "العديد من المواطنين -على عكس النخب السياسية- لا يرحبون بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، الذي يسعى إليه أو يخطط له العديد من الدول".
وبهذا الشأن، قالت مديرة الأبحاث في مشروع "الباروميتر" العربي، سلمى الشامي، لـ"دويتشه فيله" إنه "لا يمكن لأي نظام، سواء كان ديمقراطيا أم لا، أن يفلت تماما من المساءلة أمام الجمهور".
ولذلك، توقع الموقع الألماني أن "يظل مصير الفلسطينيين ومسألة إقامة دولتهم محط اهتمام قوي للمناقشات العامة في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".
ويرى أنه "ليس من المستبعد أن يؤدي هذا التطور أيضا إلى مزيد من العنف والتطرف في أوروبا والولايات المتحدة".
وفي هذا الصدد، حذرت مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، إيفا جوهانسون، في ديسمبر/ كانون الأول 2023، من أن "الاستقطاب الاجتماعي يزيد من خطر العنف في أوروبا".
وأكد الموقع أن "الصراع في غزة أدى إلى انقسام عاطفي في أوروبا وأميركا، وبالتالي زيادة في التصرفات والتصريحات العنصرية، وعلى العكس من ذلك، والمعادية للإسلام".
وفقا للمعلومات الواردة من أجهزة الاستخبارات الأميركية، سلط "قنطرة" الضوء على حقيقة أن "حماس لم ترتكب -حتى الآن على الأقل- أي أعمال عسكرية خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة".
وشددت سلمى الشامي على أن "تزايد التطرف يشكل مصدرا للقلق".
لكنها تؤكد في نفس الوقت على أن "الأراضي الفلسطينية ليست مهمة فقط من حيث السياسة الأمنية، بل إنها قضية تتعلق بحقوق الإنسان والعدالة وتقرير المصير".
وبحسب الموقع الألماني، عبرت الشامي بذلك عن موقف واسع النطاق في المنطقة، والذي يفيد بأن "مواقف الجمهور العربي وأفعاله وقيمه تستحق أكثر من مجرد الكلام".