الاحتلال يحرق مستشفى كمال عدوان.. وناشطون: إسرائيل تتبع سياسة الأرض المحروقة

“نحتاج إلى صرخة الإنسانية التي غابت طويلا عن هذا العالم المظلم"
ندد ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي بإضرام الاحتلال الإسرائيلي النار في مستشفى "كمال عدوان" بغزة وإخراجه تماما عن الخدمة، واحتجاز أكثر من 350 شخصا كانوا داخل المستشفى، بينهم 180 من الكوادر الطبية و75 جريحا ومريضا ومرافقيهم، واقتادهم إلى جهة مجهولة.
المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أعلن في 27 ديسمبر/كانون الأول 2024، أن الجيش الإسرائيلي أقدم على حرق وتدمير مستشفى كمال عدوان بمحافظة شمال قطاع غزة، ما أدى إلى إخراجه عن الخدمة، مع اقتياد طواقم طبية وجرحى إلى جهة مجهولة.
وأوضح أن جيش الاحتلال استخدم بعد حصار طويل روبوتات محملة بالمتفجرات لتفجير محيط المشفى، أعقبها اقتحام همجي وتفجير أجزاء كبيرة من المبنى ما أسفر عن مقتل 5 من أفراد الطواقم الطبية خلال 24 ساعة، كما أجبر المحتجزين على خلع ملابسهم تحت تهديد السلاح.
وأفادت وزارة الصحة في القطاع، بأن الجيش الإسرائيلي اقتاد مدير مستشفى كمال عدوان، حسام أبو صفية، وعشرات من أفراد الطواقم الطبية في المستشفى بمحافظة شمال غزة إلى التحقيق.
وروت فلسطينيتان إحداهما طبيبة تعمل بالمستشفى، تفاصيل مروعة عن ظروف احتجازهما، حيث تعرضتا برفقة نسوة ورجال آخرين لضرب وإهانة وتجريد من الملابس، كما قطعت النساء اللواتي وصلن إلى مدينة غزة، الأقرب إلى شمال القطاع، مسافة تزيد على 8 كيلومترات سيرا على الأقدام في ظروف قاسية.
من جانبها، قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إن "اقتحام جيش الاحتلال المجرم مستشفى كمال عدوان والمجازر الوحشية في محيطه جرائم حرب صهيونية".
وحمّل بيان حماس الاحتلال ومِن خلفه الإدارة الأميركية المسؤولية عن حياة المرضى والطواقم الطبية بالمستشفى، مطالبا المجتمع الدولي وكل الدول والأطراف الفاعلة بالتحرك، وكسر حلقة الصمت والعجز أمام هذه الإبادة.
بدورها، قالت منظمة الصحة العالمية إن الاقتحام الإسرائيلي لمستشفى كمال عدوان وحرق أجزاء منه أدى إلى خروج آخر منشأة صحية رئيسة في شمال قطاع غزة عن الخدمة، مضيفة أن 25 مريضا في حالة حرجة.
وأوضحت أنه "تم نقل مرضى في حالة متوسطة وخطيرة إلى المستشفى الإندونيسي الذي تعرض للتخريب ولا يتمكن من تقديم الخدمة"، مشيرة إلى أن الهجوم الأخير على مستشفى كمال عدوان جاء في أعقاب القيود المتزايدة على وصول منظمة الصحة العالمية وشركائها إلى المستشفى.
وبينما تتجاهل الدول العربية والمجتمع الدولي جميع المناشدات لإنقاذ غزة ووقف الهجمات التي تتعرض لها المنشآت الطبية ومحيطها منذ بداية الإبادة الإسرائيلية لأهالي قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدانت دول عربية بينها السعودية والإمارات وقطر والأردن حرق مستشفى كمال عدوان.
كما عدت منظمة التعاون الإسلامي إحراق الاحتلال لمستشفى كمال عدوان "إمعانا في جرائم الحرب والإبادة الجماعية المتواصلة" ضد الشعب الفلسطيني، داعية بأشد العبارات، إلى وقف جرائم الاحتلال في القطاع.
أما السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، والتي تواصل التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وتشن حملة اعتقالات واستهدافات غير مسبوقة للمقاومين الفلسطينيين، فقد أدانت هي الأخرى إحراق المستشفى، ووصفتها بـ"الجريمة الخطيرة".
وأشارت إلى أن المستشفى يقدم خدماته لأكثر من 400 ألف نسمة، مؤكدة أن الجريمة تأتي في سياق حرب الإبادة والتهجير التي تشنها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.
ومستشفى الشهيد كمال عدوان هو مستشفى حكومي عام يتبع لوزارة الصحة الفلسطينية والمديرية العامة للخدمات الطبية العسكرية، ويقع في مشروع بيت لاهيا بمحافظة شمال غزة.
وافتُتح المستشفى سنة 2002 ضمن خطة طوارئ للتعامل مع جرحى انتفاضة الأقصى، بعد أن كان عبارة عن عيادة تحمل اسم عيادة مشروع بيت لاهيا.
ويُعد مستشفى كمال عدوان الأكثر مركزية في محافظة شمال غزة، ويخدم أكثر من 400 ألف نسمة في الأقسام المتعددة، بما في ذلك الأطفال والولادة والنساء والحضانة، وفقا لتقرير وزارة الداخلية والأمن الوطني.
معاناة المستشفى
وبحسب توثيق استهداف وتدمير القطاع الصحفي في قطاع غزة أجرته مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فقد طالبت سلطات الاحتلال في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مدير مستشفى كمال عدوان بإخلائه، وفي 23 من الشهر ذاته استهدفت منزلا يقع بجوار المستشفى.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أطلقت وزارة الصحة في غزة مناشدة بسبب عدم دخول الوقود إلى المستشفى، فيما قصف جيش الاحتلال المناطق المجاورة للمستشفى الإندونيسي وكمال عدوان، ما أسفر عن سقوط ضحايا، وتسبب بأضرار في مباني المستشفيَين ومعداتهما.
وقتلت قوات الاحتلال 3 أطفال، بينهم رضيع كان في حاضنة بمستشفى كمال عدوان بسبب انقطاع الكهرباء، وتعرّض محيط المستشفى لقصف مكثف في ذلك اليوم، ما أسفر عن استشهاد عشرات المواطنين.
وواجه المستشفى ضغطا هائلا، إذ كانت الحاجة إلى اللوازم والطواقم الطبية ملحة، بصورة خاصة في مجالات طب التوليد وطب الأطفال ورعاية المواليد والجراحة وطب العظام، واستدعت حالة 80 مريضا النقل الفوري إلى منشأة مجهزة تجهيزا أفضل في الجنوب لضمان بقائهم على قيد الحياة.
وتعرض المستشفى لنقص حاد في المستلزمات والطواقم الطبية في مجالات طب التوليد وطب الأطفال ورعاية المواليد والجراحة وطب العظام.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2023، استهدف قصف إسرائيلي بوابة مستشفى كمال عدوان، ما أسفر عن ارتقاء 4 شهداء و9 جرحى على الأقل، كما أفادت مصادر طبية بوجود أكثر من 35 جثة داخل المستشفى وأمامه، من دون التمكن من دفنها بسبب كثافة الغارات الإسرائيلية.
وفي 2 ديسمبر، أخرجت قوات الاحتلال بفوهات الدبابات مستشفى كمال عدوان عن الخدمة، وأجلت وزارة الصحة في اليوم التالي معظم المرضى والطواقم الطبية من المستشفى وتوقف عن العمل إلى حد كبير، كما توقف عن استقبال المرضى الجدد.
وعقب ذلك حاصرت قوات الاحتلال المستشفى، واعتلت القناصة الإسرائيلية المباني المحيطة بالمستشفى، وأطلقت النار بكثافة في اتجاه الساحات وغرف المرضى، وصرحت وزارة الصحة بأن الطواقم الطبية والجرحى بلا ماء أو طعام أو علاج.
ومنتصف يناير/ كانون الثاني 2024، استأنف المستشفى عمله جزئيا وسط تحديات كبيرة أبرزها نقص الكوادر الطبية، ومنهم الجراحون المتخصصون وجراحو الأعصاب والطواقم العاملة في وحدات العناية المركزة، بالإضافة إلى نقص الإمدادات الطبي.
وكان عام 2024، الأقسى على مستشفى كمال عدوان، حيث أعلن مديرها الدكتور حسام أبو صفية انتشار مرض الكبد الوبائي بين الأطفال، كما فارق أطفال الحياة بسبب المجاعة وسوء التغذية، وواجهت بعثة منظمة الصحة العالمية المتجهة للمستشفى لتوصيل الإمدادات الطبية معاناة كبيرة.
وعطلت قوات الاحتلال بعثات الإغاثة عن إيصال الوقود والإمدادات الطبية إلى مستشفى كمال عدوان، واستهدفت قوات الاحتلال منزل مدير المستشفى أبو صفية، ومحيط المستشفى بالسلاح المدفعي والطيران الحربي والطائرات المسيرة والأحزمة النارية عدة مرات.
وحاصرت قوات الاحتلال المستشفى بشكل جزئي بعد استهداف بوابة المستشفى الشمالية، بينما تقدمت الدبابات من الجهة الشرقية للمستشفى، واستهدفت قناصة الاحتلال كلَّ من حاول الاقتراب منه، وأخرجته عن الخدمة ودمرت الطرق المؤدية إليه بشكل كامل.
واستشهد مدير قسم الولادة في مستشفى كمال عدوان الدكتور إياد الرنتيسي، في مركز تحقيق إسرائيلي بعد أسبوع من اعتقاله، وحذر أبو صفية من أن خدمات المستشفى مهددة بالتوقف بسبب نقص الوقود، وأعلن عن توقف خدمات غسيل الكلى، وأشار إلى أن نفاد الوقود تسبب سابقا بفصل أجهزة التنفس الصناعي عن أطفال، ما أدى إلى استشهادهم.
تدمير ممنهج
وتجدر الإشارة إلى أن عام 2024 افتُتِحَ وانتهى بهجمات إسرائيلية متكررة على مستشفيات غزة، فبينما كان مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، هدفا للاحتلال في بداية العام، فإن مستشفيات كمال عدوان، والإندونيسي، والعودة، في شمال غزة كانت هدفا جديدا في نهاية العام.
وأفادت تقارير بأن قوات الاحتلال استهدفت المنشآت الصحية المختلفة منذ بداية الحرب، وقصفت وحاصرت واقتحمت المستشفيات، ودمرت 162 منشأة صحية، و132 سيارة إسعاف، وأخرجت 34 مستشفى و80 مركزا صحيا عن الخدمة في أنحاء قطاع غزة.
وأشارت التقارير إلى أن قوات الاحتلال قتلت 1047 من أفراد الطواقم الطبية بين طبيب وممرض ومسعف وفني وإداري و85 من أفراد الدفاع المدني، وأصابت المئات منهم بجراح، واعتقلت 310 من الكوادر الطبية في سجونها خلال الإبادة.
وأفاد مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة في غزة، مروان الهمص، بأن الاحتلال دمّر منذ بداية الحرب على القطاع، من 65 إلى 70 بالمئة من المنظومة الصحية، لكن لا تزال الطواقم الطبية تقف على أقدامها و"تقدم الخدمة لأبناء شعبنا".
وبيّن في تصريحات صحفية، أن عدد المستشفيات العاملة في قطاع غزة، بعد 14 شهرا على بدء العدوان، هي 12 مستشفى غالبيتها تعمل بصورة جزئية، من أصل 37 مستشفى كانت عاملة قبل الإبادة.
وأضاف أن الاستهداف الإسرائيلي للمنظومة الصحية والطواقم الطبية أسفر عن ارتقاء 1056 شهيدا، وقرابة 4500 إصابة، و330 معتقلا بينهم ستة شهداء داخل سجون الاحتلال.
وأدان ناشطون عبر تغريداتهم وتدويناتهم عبر حساباتهم الشخصية على منصتي "إكس" و"فيسبوك"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #كمال_عدوان، #مستشفى_كمال_عدوان، #غزه_تباد_وتحرق، #شمال_غزة، #جباليا، وغيرها، الاستهداف الممنهج للقطاع الصحي في غزة.
واتهموا الاحتلال بتنفيذ خطة الجنرالات التي تهدف إلى السيطرة على شمال القطاع، بإجبار سكانه على النزوح إلى الجنوب، ثم فرض حصار كامل عليه، ومنع دخول الإمدادات والمساعدات الغذائية والماء والوقود، واستخدام التجويع وسيلة ضغط للتهجير.
يوم أسود
وتحت عنوان: "في "عيد الأنوار.. أحرقوا مستشفى كمال عدوان!"، قال المحلل السياسي ياسر الزعاترة: "كأنهم -الاحتلال- بلغوا نقطة اليأس من لعبة الدعاية، ففي عيد لهم يسمّونه (الأنوار) لم يتردّدوا في حرق مستشفى والتنكيل بطاقمه الطبي".
وأضاف: “العالم الذي ينتظر كائنا غريبا في (البيت الأبيض) يلوذ بالصمت، لكن منظومة العار في رام الله وعواصم عربية هي الأسوأ".
ووصف الباحث في العلاقات الدولية علي أبو رزق، يوم حرق مستشفى كمال عدوان بأنه “يوم أسود في تاريخ الشعب الفلسطيني، يوم أسود في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية وتاريخ فصائلها وقواها ونقاباتها ومنظمات المجتمع المدني التابعة لها، يوم أسود في تاريخ التضامن الفلسطيني الداخلي والتضامن العروبي والأممي والتضامن الدولي الإنساني…!”.
ورأى الإعلامي صلاح أبو هنيديق، إن اقتحام مستشفى كمال عدوان، وحرقه من قبل جيش الاحتلال بعد مداهمته من قبل (اللواء 401)، يعني الحلقة الأخيرة في نعش المنظومة الطبية في شمال القطاع، كونه كان أحد المعالم الفلسطينية الأخيرة لصمود الشمال بوجه مساعي التهجير الإسرائيلية، والسيطرة على شمال القطاع بالكامل وتطبيق خطة الجنرالات.
وأشار إلى أن “حجم الألم الذي يحكي عنه الفلسطينيون ولم يستجب له أحد، سمعه سكان تل أبيب الذين عبروا عن انزعاجهم من أصوات نسف الأحياء السكنية”، متسائلا: "فما بالكم بوجع شعب فقد وقتل وجرح الآلاف من أبنائه.. يا من تنادون بالإنسانية مقابل مجرد صوت تناولتم بصحفكم بأنه أزعج سكان تل أبيب".
خطة الجنرالات
وعن أهداف الاحتلال من استهداف المنظومة والمؤسسات الصحية في شمال القطاع، خاصة مستشفى كمال عدوان، قالت الإعلامية مايا رحال، إن “الاحتلال يستهدف تنفيذ خطة الجنرالات بنزوح سكان شمال القطاع عن أرضهم بتطهير عرقي، وإخراج المستشفى عن خدمة المرضى والجرحى ولمنع أي مظهر صمود مدني”.
وأكدت الكاتبة آيات عرابي، أن حرق مستشفى كمال عدوان وإخراجها بالكامل من الخدمة، "هو أمر ليس اعتباطيا"، موضحة أنها "سياسة الأرض المحروقة التي اتّبعتها إسرائيل منذ اليوم الأول للحرب في غزة، والهدف هو تنفيذ خطة الجنرالات، أو ما يعرف بخطة الأصابع الخمس لتفريغ غزة لانعدام كل مظاهر الحياة فيها".
وأضافت “لذلك حرص الكيان منذ اللحظة الأولى على محو كل مظاهر الحياة من مدارس ومستشفيات ومساجد حتى يكون العنوان الرئيس (اتركوا غزة) سواء قسرا أو اختيارا”.
وأشارت عرابي، إلى أن “خطة الجنرالات هذه هي خطة قديمة وضعها المقبور الهالك شارون وتقوم على أساس تقسيم قطاع غزة إلى كانتونات يسهل السيطرة عليها، بحيث يكون الاعتماد بشكل أساسي على محور نتساريم وسط القطاع، والذي يمثل الاصبع الثانية من الخطة”.
وذكرت بأن “وفق الخطة، فإن الأصبع الأولى في شمال غزة تمر من بيت حانون وبيت لاهيا، وتتجه غربا نحو شاطئ البحر، وهو ما يعني عودة إسرائيل لمستوطنات الشمال التي أُخليت عام 2005، أما الأصبع الثانية فهي خط يمتد بين مخيم جباليا ومدينة غزة”.
وأفادت عرابي، بأنه “طبقا لهذه الخطة الشيطانية ستقوم إسرائيل بفرض حصار عسكري شامل على هذه المنطقة مما يعمل على حصار المقاومة (حسبما يقولون) وبعد أن يتم تهجير سكان شمال غزة إلى جنوب القطاع يتم تحويل شمال غزة إلى مستوطنات”.
وبينت أن الأصبع الثالثة، حسب الخطة، فهي محور نتساريم الذي يفصل غزة والشمال عن وسط وجنوب القطاع، بما يضمن وجودا عسكريا واستخباراتيا لإسرائيل في هذه المنطقة، في حين تمر الأصبع الرابعة بمستوطنات وسط القطاع، وتحديدا مجمع غوش قطيف".
وأشارت عرابي إلى أن “الأصبع الخامسة، تنطلق من معبر كرم أبو سالم شرقي مدينة رفح جنوبا، وتمتد حتى شاطئ البحر المتوسط، وتضم محور فيلادلفيا الواقع على الحدود مع مصر لضمان سيطرة الكيان بالكامل على القطاع”.
وعقب محمد الحطب، على تدمير الاحتلال لمستشفى كمال عدوان قائلا إن "خطة الجنرالات تطبقت بالشمال والدور جاي علينا بغزة و الله أعلم الدور اللي بعده على مين!".
صمت مستنكر
وتنديدا بحرق مستشفى كمال عدوان وسط صمت دولي وعربي غير مسبوق، تساءل الناشط الإنساني أدهم أبو سلمية: “كيف يُحرق مستشفى كمال عدوان، المَنْفَذ الطبي الوحيد في شمال القطاع، ويُعتقل طاقمه الطبي ويُقتل أفراده دون أن تهتز ضمائر العالم؟”
وتابع تساؤلاته: "كيف تصبح جريمة حرب واضحة، ينفذها احتلال مجرم في وضح النهار، خبرا عابرا بين ركام الأخبار اليومية؟، أي عالم هذا الذي نقف أمامه؟"، مشيرا إلى أنه عالم يغض الطرف عن كل هذا الظلم، ويتعامل مع المأساة كأنها مشهد عابر في فيلم طويل.
وقال أبو سلمية: “إننا اليوم لا نحتاج فقط إلى التنديد والاستنكار، بل إلى وقفة جادة، تحمل معها إرادة الشعوب، وصرخة الإنسانية التي غابت طويلا عن هذا العالم المظلم".
وقال محمود هلال الشرعة: "اليوم تم حرق آخر مستشفى عامل في قطاع غزة، وتم الإنذار قبل حرقه بـ15 دقيقة، وهذا يعني اللي قدر يطلع بروحه طلع، واللي ما قدر يطلع من المرضى، وأصحاب العمليات وكبار السن واللي على أجهزة التنفس، ماتوا حرقا".
واستنكر "الصمت العربي الرهيب"، وعمليات القمع في الضفة الغربية من السلطة الفلسطينية للمقاومين الشرفاء، وعد كل ذلك "كارثة"، منددا بتكميم الأفواه، وتساءل: "إلى متى يا إخوة العروبة والإسلام السكوت على جرائم الصهاينة".
وعد يحيى حافظ، انتهاء حكاية مستشفى كمال عدوان باعتقال الطاقم الطبي وحرق المستشفى "وصمة عار في جبين الضفة، وعرب الداخل، وفي جبين مليار ونصف المليار مسلم، وفي جبين شعوب الطوق، وفي جبين علماء الأمة والجيوش العربية والإسلامية.
كما أكد أن ما حدث في مستشفى كمال عدوان وصمة عار في جبين جامعة الرمم العربية -في إشارة إلى الجامعة العربية-، ووصمة عار في جبين كل متفرج متخاذل، مؤكدا أن "هذه جريمة ارتكبتها الأمة لا يغفر لها التاريخ، وستلعننا الأجيال القادمة وسيضرب بعارنا المثل".
جريمة موثقة
واستعراضا لمآسي المرضى والنازحين بمستشفى كمال عدوان بعد اقتحامها وإحراقها وإجبار النازحين على الخروج منها، عرض الباحث في الشأن السياسي والاستراتيجي سعيد زياد، صورة لابنة أخيه ماريا، مصابة جريحة.
وأوضح أن إسرائيل اجتاحت مستشفى كمال عدوان، بقوام لواءين عسكريين، أحدهما مدرع، والثاني أحد أهم ألوية النخبة عندها، لتحرق المستشفى وتجبر من فيه من الجرحى على النزوح، مشياً على الأقدام 4 ساعات، بعد التنكيل بهم، والاعتداء عليهم، والدبابات من أمامهم ومن ورائهم.
وقال زياد: "أُخرجت أمي وبعض أهلي مع الناس، جرحى مصابون، بعد صمود أكثر من 80 يوماً في معسكر جباليا، وبعد 448 يوماً من الحرب، احتجزهم الجنود ونكلوا بهم وضربوهم، ولولا الاعتقال والتنكيل ما خرجوا."
وأضاف: "انتصرت الدولة النووية، المسماة إسرائيل على مستشفى، وهُزمت في كل شيء عداه، هزمها صمود الناس، بصبرهم وجوعهم وصمودهم، وهزمها المقاتلون، بالياسين والرصاص والعبوات والسكاكين".
وأعاد الناشط محمد النجار، نشر تغريدة زياد، قائلا إن عائلة أخينا الحبيب سعيد نموذج لحال أهلنا الصامدين في شمال غزة، الذين فضلوا مواجهة الدبابة بأجسادهم العارية على الانصياع لنيرانها ومدافعها.
وأكد أن هؤلاء ندٌّ لإسرائيل، كانوا وما زالوا وسيبقون، هم نبض الشعب الغزي الأصيل، الذي لم ينحنِ طيلة 76 عاما من النكبات والتشريد، مضيفا: “أهلك يا سعيد بوصلة لكل حر يريد أن يعرف كيف تقارع الكف المدفع، وكيف تصارع الإرادة الدبابة، وكيف يعيش الناس عظاما منذ أول يوم في حياتهم. ”
وبث رئيس المرصد الأورومتوسطي رامي عبده، مقطع فيديو، يوثق اعتقال الاحتلال الإسرائيلي للطاقم الطبي لمستشفى كمال عدوان وإجبار النازحين على إخلائها وإخراجهم منها عراه رافين أيديهم، قائلا: "هكذا انتهت حكاية مستشفى كمال عدوان.. جمعة سعيدة للأشقاء العرب والمسلمين".
وأضاف: "حصلنا على شهادات أولية مروعة حول العنف الجنسي الذي ارتكبه جنود الاحتلال بحق ممرضات ومريضات ومرافقاتهن في مستشفى كمال عدوان، وأمام صالة الفريد"، موضحا أن الشهادات تضمنت تفاصيل مروعة عن اعتداءات مهينة، حيث أجبر الجنود النساء على خلع ملابسهن تحت التهديد والإهانة.
وعرضت المغردة أحلام، شهادة احد العاملات فى مستشفى كمال عدوان التى تم حرقها والاعتداء على طاقمها الطبى وقتل بعض مرضاها وإخفاء بعضهم الأخر على يد قوات الكيان، قالت فيها إن قوات الاحتلال طلبت من نساء الكوارد الطبية أن يخلعن حجابهن، لكنهم رفضن، فأمروهن بخلع ملابسهن لتفتيشهن.
واستنكرت أن كل هذا حدث ومر أمام عيون أمة المليار دون أن يحركوا أدنى ساكن، متسائلا: "هل أصبح ما يجرى عروقنا ماء أم أصبحنا أموات نمشي فى هيئة الأحياء؟".
صمود أبو صفية
وإشادة بصمود مدير مستشفى كمال عدوان وتذكيرا بدوره الإنساني والطبي منذ، قال مصطفى صقر، إن “حسام أبو صفية تجسيد لأسمى معاني الصمود والتضحية”، مشيرا إلى أنه رغم استشهاد نجله إبراهيم قبل أقل من شهرين وما شاهدناه حينها وهو يبكي أنه لم يجد له قبراً يأويه في الشوارع المهدمة عاد إلى عمله.
وأوضح أن “أبو صفية، فعل ذلك للوقوف على رسالته في إنقاذ ارواح أبناء شعبه وإدامة الخدمة بأقل أسباب الوجود لا الطبي وإنما حتى أدنى الاحتياجات الإنسانية من طعام وشرب بإرادة لم تعرف الانكسار”.
وذكر صقر، أن “العدو حاول اقتحام المشفى عشرات المرات خلال عدوانه على الشمال وإرهاب الأطباء والكوادر إلا أن ثبات الدكتور حسام كان سدا”، لافتا إلى أن “بالأمس بعد أن حرق العدو المجرم المستشفى نادى الجنود الجبناء من داخل دباباتهم يريدون صاحب الرداء الأبيض حسام أبو صفية بالاسم”.
وأشار صقر، إلى أن جنود الاحتلال جردوا أبو صفية من ملابسه واعتقلوه، وذنبه أنه قام بعمله ولم يتراجع عن قسمه الطبي، قائلا إن "كلمة بطل لا توفيه حقه وكلمة جبناء سقط لا يصل إليها الساكتون فهم أخس من ذلك بكثير".
وأشار سالم الطرباقية، إلى أن أبو صفية يستعمل عكازا لمساعدته على المشي والحركة، ولم يغادر المستشفى رغم آلام العمر والإعاقة حتى أُحرق المستشفى واعتقل من فيه من الطواقم الطبية والمرضى، متسائلا: "مما خُلقتم أيها القوم وأي بطولة وأي شجاعة وأي رجولة، شعب كامل كله سنوار بل أشد أحيانا".
وعرض بيلا بشير، مقطع فيديو لأبو صفية، أثناء أدائه صلاة الجنازة على نجله، قائلا: "عندما تكون أكثر من مجرد طبيب.. فأنت في غزة".
وذكر أن “الاحتلال حاصر أبو صفية وهدده وأصابه، وأعدم ولده فلذة كبده، من أجل إخلاء المشفى، ولكنه رفض وظل صامدا مع طاقمه مسطرا أعظم ملحمة طبية في التاريخ”، مشيرا إلى أن الاحتلال أحرق المشفى في جريمة بشعة أخرى على مرأى ومسمع العالم المنافق، ولا يزال مصير طاقمه الطبي مجهولا.
وعلق محمد نصر ليله، على صورة لأبو صفية، قائلا: “هذا الطبيب مدير مستشفى كمال عدوان ظل ثابتا في المستشفى رغم إصابته قبل ذلك، إلى أن اضطر العدو إلى حرقها مرات ومرات”.
ووصف أبو صفية بأنه “رجل قوي الشكيمة، شديد البأس، عالي العزم، رابط على ثغره، فلم يهتز عزمه، ولم تضعف قوته، لا يهزمه حصار، ولا توقفه النار، بثباته ثبت الشمال، ومهما صار فهو صاحب قضية، لم ينهزم حسام أبو صفية".
وأضاف ليله، أن "أبو صفية له من اسمه نصيب، فهو في الأسر حسامٌ في مربضه، وفي المشفى حسامٌ في مضماره، لا يسبقه طبيب في سباق."