تعاون دفاعي بين السعودية وثلاث دول إسلامية.. لماذا استبعدت مصر؟

يوسف العلي | منذ ١٠ أيام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي توجهت فيه السعودية إلى إبرام اتفاق دفاع مشترك مع باكستان، فإنها فتحت بابا للتعاون الدفاعي مع إيران، وذهبت أيضا باتجاه تطوير دفاعاتها بالتعاون مع تركيا، لكن كان لافتا أنها لم تطرق باب الحليفة مصر من أجل التوصل لأي تفاهمات من هذا القبيل.

التحركات السعودية التي جاءت بعد الضربة الإسرائيلية لدولة قطر في 9 سبتمبر/ أيلول 2025، جعل البعض يتساءل عما إذا كانت ستفضي إلى إيجاد تكامل عسكري إسلامي في منطقة الشرق الأوسط، قادر على مواجهة تهديدات الاحتلال الإسرائيلي وأطماعه التوسعية.

ثلاثة اتجاهات

مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، إلى الحد الذي وجهت فيه إسرائيل ضربة جوية على العاصمة القطرية الدوحة، فتحت المملكة العربية السعودية باب التعاون الدفاعي مع ثلاث دول إقليمية، وذلك بمعزل عن تحالفاتها العسكرية السابقة مع الولايات المتحدة الأميركية.

من أهم الجهات وأبرزها، كانت باكستان التي وقعت السعودية اتفاقية دفاع مشترك في 17 سبتمبر/ أيلول 2025، وذلك أعقاب جلسة مباحثات عقدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في العاصمة الرياض.

وتنص الاتفاقية على أن "أي اعتداء على أحد البلدين هو اعتداء على كليهما"، وذلك في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم. كما أنها تهدف إلى "تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء".

وبعد يوم واحد من قمة الدوحة العربية- الإسلامية الاستثنائية بشأن استهداف قطر، أجرى أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، على لاريجاني، زيارة إلى الرياض في 16 سبتمبر، استمرت يوما واحدا، التقى خلالها بولي العهد محمد بن سلمان، ووزير الدفاع خالد بن سلمان.

وقال لاريجاني خلال تصريح نقلته وكالة "إرنا" الرسمية في 17 سبتمبر: إن اللقاء الذي جمعه مع محمد بن سلمان، بحث "التعاون الدفاعي بين البلدين، ومن المقرر أن تُجرى هذه الأعمال في إطار مجموعات وستتخذ شكلا أكثر تنظيما في المستقبل".

ردا على سؤال عما إذا كان هناك تغيير في إستراتيجية الدول العربية ومسؤوليها بعد العدوان على قطر، قال: "نعم، بالطبع، كان لدى الأصدقاء في السعودية بالفعل رؤية واضحة نسبيا لهذه التطورات، لكن الآن أصبحت أكثر وضوحا بكثير".

وفي إشارة إلى التحذير من خطورة إسرائيل، قال لاريجاني: "وصلت دول المنطقة إلى نتيجة مفادها بأن وجود عنصر مغامر في المنطقة سيمنع إرساء الاستقرار، كما أعلنت إيران سابقا".

وبعد ذلك، التقى مساعد وزير الدفاع السعودي، خالد البياري، برئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية، خلوق غورغون، ووزير الصناعة والتكنولوجيا، محمد فاتح قاجر، لبحث أوجه التعاون في مجال الصناعات الدفاعية وتوطين التقنية بين الرياض وأنقرة، وفق بيان سعودي في 19 سبتمبر.

“العدو المحتمل”

وبخصوص تحركات الرياض ومآلاتها، قال هشام جابر العميد اللبناني المتقاعد، ورئيس مركز "الشرق الأوسط" للدراسات، إن "اتفاق الدفاع المشترك كان موضع بحث في السعودية منذ زمن، ورغبتها في تعدد مصادر السلاح والدفاع، وضرورة عدم حصره بجهة واحدة، وهي الولايات المتحدة الأميركية".

وأضاف الخبير العسكري لـ"الاستقلال" أنه "تأكد لدى المملكة العربية السعودية، بعد ضربة قطر، أن هذه القواعد العسكرية الأميركية الموجودة في الخليج ليست لحماية الدول الخليجية، وإنما لحماية مصالح أميركا وتغطية العدوان الإسرائيلي".

ولفت إلى أن "التسليح العربي بشكل عام قد يصل إلى نحو 90 بالمئة منه- لا سيما في دول الخليج- يعتمد على الولايات المتحدة، وأن الأخيرة لا تزودهم- وهم يعرفون بذلك- بالجيل الأحدث المتطور من الأسلحة التي تصنعها، بل تعطيهم ما قبل الأخير".

وأردف: "جاءت ضربة الدوحة لتقنع السعودية بضرورة القيام بإستراتيجية دفاعية تعتمد ليس فقط على الولايات المتحدة، لكن هذا لا يعني التخلي عن دعم الأخيرة في الأمن والدفاع".

وبحسب جابر، فإن "التقارب السعودي مع إيران وباكستان، خصوصا أن الأخيرتين هما دولتان  حليفتان، وهذا كان واضحا عندما تعرض الجانب الإيراني إلى الهجوم الإسرائيلي في 13 يونيو، عرضت إسلام آباد فورا دفاعها الجوي تحت تصرف طهران".

وتابع: "التعاون السعودية مع باكستان يأتي في الوقت نفسه الذي تنفتح فيه الرياض على طهران"، لافتا إلى أن "التحالف السعودي الباكستاني مهم جدا كون الأخيرة دولة نووية، وأن الطرفين اقتنعا بضرورة ذلك، وهذا كان منتظرا من زمن وليس الآن".

وعن التعاون بين الرياض وطهران، قال جابر: "لم يصل بعد إلى تحالف بين إيران والسعودية، وهذا أمر بعيد المدى حاليا، لكنه مهم في الإستراتيجية الدفاعية والدفاع، فهناك دائما من يحدد العدو المحتمل". 

وأوضح الخبير العسكري، أن "الولايات المتحدة كانت تفهّم دول الخليج بأن العدو المحتمل هو إيران، لكن بعد هذه القفزة النوعية (ضربة إسرائيل لقطر) يجب تحديد من هذا العدو، لأنه لم تعد الجانب الإيراني بشكل فاضح وبارز هو العدو المحتمل، بعد هذا العدوان الإسرائيلي".

وأردف جابر، قائلا: "التساؤل المطروح حاليا: هل يكون العدو المحتمل للدول الخليجية هو الاحتلال الإسرائيلي؟ هذا ممكن، لكن من المبكر جدا الحديث عن هذا الاحتمال في الوقت الحالي".

وأكد الخبير العسكري أنه "بعد اتفاق السعودية وباكستان، لم تعد إيران هي العدو المحتمل، لأن التحالف بين الطرفين كان منتظرا ومتوقفا على تسلسل الأحداث، كذلك الحال مع تركيا".

وزاد قائلا: "في ظل التغيرات بالمنطقة، والخلاف التركي الإسرائيلي، وتهديد الأخيرة للأولى يمكن أن ننتظر تحالفات جديدة تنعكس على الأرض كما حصل من تحالف بين باكستان والسعودية بشكل فاجأ الجميع".

"تكامل عسكري"

وعلى الصعيد ذاته، علق السياسي المصري المعارض، أيمن نور على تحركات السعودية، بالقول: إن "الاتفاقية التي وقعت يوم 17 سبتمبر بين الرياض وإسلام آباد هي تطور نوعي غير مسبوق، فهي تنص بشكل واضح أن أي اعتداء على أحد الطرفين يعد اعتداء على كليهما".

وأضاف نور خلال مقابلة مع منصة "رصد" المصرية في 19 سبتمبر، أن “الاتفاقية تشمل كل الوسائل العسكرية الدفاعية، خصوصا أن باكستان لديها سادس جيش في العالم وأنها قوة نووية، وهذا يطرح تساؤلات مهمة، منها: هل يسمح للأخيرة بنقل بعض الصواريخ النووية إلى المنطقة؟”

وأشار إلى أنه "ثمة بعدا إستراتيجيا مهما يتجاوز حدود فكرة الخليج بشكل عام، هو أن السعودية بدأت تراهن على أمنها وأمن الخليج برهان أوسع من الإقليم، خاصة أن هناك تعاونا بين الصين وباكستان، بالتالي هو تعاون غير مباشر بين الصين والسعودية، وهذا بعد آخر للاتفاق".

وبيّن نور أن "توقيت الاتفاق له دلالة مهمة، خصوصا بعد الاعتداءات الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة، وبعد شعور متزايد لدى الخليج بشكل عام، لا سيما السعودية، أن هناك غيابا لفكرة الضمانات الغربية".

وشدد على أن "الاتفاقية تطرح تحديات عدة فيما يخص الشركاء الإقليميين، وتحديدا تركيا التي تستطيع أن تلعب دورا مهما في الدعم بمجال تصنيع السلاح المتقدم، كونها لها ميزة نسبية فيه".

ولفت المعارض المصري إلى أن "تركيا تستطيع أن تكمل الدور الباكستاني، وهذا الدور مرتبط بشكل رئيس بنوع من أنواع التدخل السريع في حال وقوع خطر داهم".

ورأى السياسي المصري أن اتفاقية الدفاع المشترك بين السعودية وباكستان تعد إضافة مهمة للأمن القومي العربي، لكن لا بد من إعادة صياغة هذا المفهوم بشراكات أوسع مع الأطراف كافة.

وفي هذه النقطة، يعلق الباحث السياسي، لقاء مكي، عبر تدوينة على منصة "إكس" في 19 سبتمبر، بالقول: "بعد المعاهدة الدفاعية مع باكستان، السعودية تنشط للتعاون مع تركيا في الصناعات الدفاعية".

ولفت إلى أن "هذه مؤشرات ينبغي النظر لها بعناية، وهي تعني أن بالإمكان تحقيق قدر من الاستقلال الدفاعي، من غير أن تكون جزءا من معسكرات دولية متصارعة. والأهم أنها خطوات قد تكون بداية لتكامل عسكري إسلامي غير مسبوق".

أين مصر؟

وعن أسباب عدم توجه السعودية إلى مصر، خصوصا أنها دولة حليفة، قال الخبير العسكري هشام جابر، إن "العلاقات بين البلدين جيدة، لكنها لم تصل إلى حد إقامة اتفاقية دفاع ثنائية مشتركة".

وأضاف جابر أنه "يمكن الوصول إلى ذلك في المستقبل، لكن عندما تتطور الأحداث ويقتنع الجميع من هو العدو المحتمل، وهذا الأمر يجب تحديده قبل القيام بأية إستراتيجية دفاعية".

وعما إذا كان عدم توجه الرياض نحو القاهرة سببه رفض الأخيرة تلبية الدعوة والانخراط مع السعودية في حربها باليمن عام 2015، أكد جابر، أنه "حتما ثمة خلاف في وجهات النظر بين المملكة ومصر في قضايا عدة، لكنها لم تصل إلى حد الجفاء إطلاقا".

وفي 20 مايو/ أيار 2014، وعندما كان عبد الفتاح السيسي مرشحا رئاسيا، صرّح أن أي تهديد للعالم العربي في أي مكان كان، لن يأخذ من الجيش المصري سوى "مسافة السكة" لمواجهته والتصدي له فورا، وأكد أنه "لا أحد يُهدد ونحن موجودون".

لكن كلام السيسي لم يصمد طويلا، فرغم تأييده لعملية "عاصفة الحزم" السعودية باليمن في 25 مارس/ آذار 2015، واستعداده للمشاركة فيها، كان تراجعه سريعا، وصرح خلال حضوره مناسبة لجيش بلاده في مطلع أبريل من العام نفسه،  أن "الجيش المصري لمصر وليس لأحد آخر".

بدوره، رأى السياسي المصري المعارض، أيمن نور، أن "مصر لديها تحديات أكبر، جزء منها هو ضرورة تحسين مستوى العلاقات مع السعودية كما كانت في مرحلة سابقة، وجزء آخر في أهمية مراجعة كثير من الأوضاع الداخلية المصرية".

ودعا نور أيضا إلى "مراجعة العلاقات والحسابات والتوازنات في الإقليم، خاصة علاقة مصر مع الإمارات التي يجب أن تجري فيها مراجعة حتى تكون علاقات الأخيرة تسمح بأن تلعب هذا الدور في الإقليم، خاصة بعد تراجع في التفكير الإستراتيجي المصري خلال السنوات الأخيرة".

ويرى مراقبون أنه خلال السنوات الأخيرة توترت العلاقات بين السعودية ومصر، بينما اندفعت الأخيرة في الوقت ذاته نحو توسيع علاقتها مع دولة الإمارات بشكل أكبر، جعل قرارات القاهرة تابعة بشكل أو بآخر إلى ما تريده أبوظبي منها.

وعلى مدار الأعوام الخمسة الماضية، شهدت العلاقات المصرية السعودية حالة من الشد والجذب والمواجهات أحيانا، بين نظامي ابن سلمان والسيسي، كانت تديرها لجان إلكترونية للنظامين.

آخرها عام 2023، بفاصل من الشتائم المتبادلة بين صحفيين وناشطين مصريين وسعوديين محسوبين، وحذف مقال لرئيس تحرير صحيفة "الجمهورية" وصف السعوديين بـ"الأنذال والحفاة العراة".

وحاول السيسي، تهدئة الخلاف بتصريح في 9 فبراير/شباط 2023 يقول فيه بعد الشتائم المتبادلة: "ميصحش نُسيء لأشقائنا ولا تنسوا الفضل بينكم"، رغم أن لجان البلدين لا تتحركان إلا بأوامر مباشرة من النظامين.