372 توصية.. ما تفاصيل أول مواجهة حقوقية بين النظام المصري وذوي المعتقلين؟

إسماعيل يوسف | منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

خلال أعوام 2010 و2014 و2019، أجرى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ثلاث مرات، مراجعة دورية شاملة لمصر فيما يتعلق بهذا الملف.

وتجرى مراجعة ملف حقوق الإنسان الخاص بمصر كل 5 سنوات، في حين جاءت المراجعة الرابعة في 28 يناير/كانون الثاني 2025، مختلفة وأشبه بمحاكمة من جانب الشعب ومنظمات حقوقية للنظام المصري.

وخلال جلسة المراجعة الرابعة، استمع الوفد المصري إلى انتقادات 142 دولة تقدمت بـ 372 توصية أو شكوى تتعلق بحقوق الإنسان، ورفض 71 شكوى منها، لأنها تتعلق بانتهاكات حقوقية تدينه.

وطالبت تلك الدول السلطات المصرية باتخاذ خطوات ملموسة لتحسين سلوكها بشأن حقوق الإنسان، مؤكدة أن الاستجابة لهذه الشكاوى "يعد ضرورة لتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي" في مصر.

أهم التوصيات

وقد شملت التوصيات مجالات عديدة، منها، حرية الرأي والتعبير ووقف أحكام الإعدام والتدوير السياسي وإنهاء ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان، وقرارات منع السفر، والإفراج عن سجناء الرأي.

وأيضا احترام اتفاقية مناهضة التعذيب، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، والتوقيع على اتفاقية مناهضة الإخفاء القسري ووقف هذه الجريمة، وتحسين أوضاع أماكن الاحتجاز، ومراجعة قانون الحبس الاحتياطي، وضمان المحاكمات العادلة.

وقد أعلن وزير الخارجية والهجرة ورئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، بدر عبد العاطي، رفض مصر 71 توصية من إجمالي 372 قُدمت خلال جلسة الاستعراض الدوري الشامل.

وشهدت هذه المراجعة الدورية الشاملة مواجهة بين أهالي عدد من السجناء السياسيين ومنظمات حقوقية من جهة، وممثلي الحكومة المصرية من جهة أخرى.

فخلال الجلسة، تلقت مصر توصيات من عشرين دولة، منها النرويج ولوكسمبورغ ومدغشقر وقبرص، بالانضمام الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب.

وأيضا التحقيق في الجرائم المتعلقة به، إلى جانب سوء المعاملة وظروف الاحتجاز السيئة، وحماية المواطنين من التعذيب.

كما دعت 12 دولة، من بينها فرنسا والمكسيك وكوريا وإسبانيا، مصر إلى الانضمام للاتفاقية الدولية لحماية الأفراد من الاختفاء القسري.

فيما أوصت تسع دول، منها المغرب والسويد وسويسرا وبريطانيا وألمانيا وكندا، بضرورة الالتزام بالحد الأقصى للحبس الاحتياطي، والسعي نحو تدابير بديلة له، والتوقف عن الإفراط في استخدامه.

وطالبت لوكسمبورج وبريطانيا، بالإفراج عن المعتقلين على خلفية استخدام الحق في التعبير عن الرأي، ومنهم علاء عبد الفتاح.

أما إيطاليا فطالبت مصر بمحاسبة المسؤولين عن مقتل طالب الماجستير الإيطالي، جوليو ريجيني في القاهرة عام 2016.

وخلال كلماتهم، شدد ممثلون عن عدة دول، على ضرورة مراجعة جميع إجراءات قانون مكافحة الإرهاب، ووقف سياسة "التدوير" بحق المحبوسين.

كما دعوا إلى ضمان استقلال وحماية الصحفيين والمحامين والحقوقيين، ورفع القيود عن الصحافة والإعلام، وإلغاء القوانين المُقيدة لمنظمات المجتمع المدني، ومكافحة العنف والتمييز ضد النساء.

وأوصى مندوبو عدد من الدول الغربية خلال الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان في مصر، برفع الحجب عن المواقع الصحفية وإرساء آليات لجبر الضرر في حالات الاختفاء القسري، وعدم ملاحقة الشواذ جنائيًا، ودعم حقوق المرأة.

مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، محمد زارع وصف توصيات الدول المشاركة بأنها "مست المشكلات الحقيقية".

وقال لموقع "مدى مصر" في 29 يناير 2025، إنها "ركزت على جرائم التعذيب والاختفاء القسري والتدوير والاستخدام المُفرط للحبس الاحتياطي من قبل النيابة العامة، وكذلك حرية الصحافة المتدهورة، واهتمت بعقوبة الإعدام المتزايدة ضد المعارضين".

وتلقت مصر في الاستعراض الدوري عام 2019، 375 توصية، 28 منها تدعو لوقف توقيع عقوبة الإعدام، و7 توصيات تتعلق بالاختفاء القسري، و29 متعلقة بوقف التعذيب وسوء المعاملة، و19 توصية ترتبط بالمحاكمات العادلة والمنصفة.

وهو نفس العدد تقريبا هذا العام (372)، ما يشير إلى أنه لا جديد في ملفات الانتهاكات الحقوقية للنظام، سوى محاولة "تلميع" الصورة بـ "تحسينات شكلية"، كما وصفها حقوقيون أمام لجنة الأمم المتحدة.

شهادات الضحايا

تحدث أقارب سجناء سياسيين خلال فعالية "شهادات من عائلات الضحايا والمدافعين عن حقوق الإنسان" التي عُقدت ضمن المراجعة الدورية عن انتهاك حقوق ذويهم.

وتواجه السلطات المصرية اتهامات بتعذيب المعتقلين وإخفاء أسر بأكملها في السجون، وتعديل القوانين لفرض مزيد من القيود.

الأكاديمية ليلى سويف، التي تواصل إضرابها عن الطعام للشهر الخامس، تحدثت عن الحبس الاحتياطي وتضييع سنوات من عمر الشباب، وضربت مثالا بابنها الناشط السياسي علاء عبد الفتاح.

وتقول السلطات إنه سيتم الإفراج عن عبد الفتاح في 3 يناير 2027، رغم أن مدة حبسه انتهت في 27 سبتمبر 2024، والسبب هو رفض السلطات احتساب مدة حبسه احتياطيا أكثر من عامين.

قالت في رسالتها أمام مجلس حقوق الإنسان، إن الوضع العالمي سيئ جدا، ولا توجد حكومة تدافع عن حقوق المضطهدين.

وتابعت: "أملنا في المنظمات الحقوقية، والبرلمانيين المستقلين، والجهات القضائية على مستوى العالم، ورأي عالمي أكبر".

وركزت المحامية جهاد خالد، ابنة المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان هدى عبد المنعم، على قضايا تدوير المعتقلين في قضايا جديدة.

وأكدت أن والدتها ضحية لتدوير القضايا، التي تعد ممارسة غير قانونية تستخدم لإبقاء السجناء السياسيين في الحجز بعد انتهاء عقوبتهم.

وقالت لأعضاء لجنة حقوق الإنسان الأممية إنه لا يحدث أي تحسن بعد كل استعراض دوري لملف مصر الحقوقي.

وذكرت أنها كانت حاضرة عام 2019، في الاستعراض الدوري لعرض قضية والدتها، وبعد 5 سنوات، لم يتحسن شيء.

وقالت منظمة العفو الدولية في 27 يناير إن السلطات المصرية شرعت في حملة قمع جديدة ضد المعارضة السلمية، من خلال عمليات الاحتجاز التعسفية والتحقيقات الجنائية ذات الدوافع السياسية.

فيما أوضحت 11 منظمة حقوقية، خلال بيان لها في 20 يناير 2025، أن السلطات المصرية "لا تزال غير مكترثة بمعالجة أزمة حقوق الإنسان أو حتى بمجرد الاعتراف بها"، وترى نفسها "غير مثقلة باحتمالات الانتقادات الدولية".

وانتقدت المنظمات في بيانها ما وصفته بـ "إرسال السلطات كل الإشارات الممكنة، لأولئك الذين مازالوا يحتفظون بأوهام حول مساعي إصلاح أو حل لأزمة حقوق الإنسان في مصر، أن هذا الأمر غير مطروح بتاتًا على الطاولة".

صمت على القمع

وتحدثت المذيعة رشا قنديل، زوجة المعارض أحمد الطنطاوي، عن "حبس بعض أفاضل المفكرين فوق سن الستين والسبعين خوفا من ندوة يحضرونها أو دراسة يكتبونها".

وضربت مثالا على منع السلطة أي منافسة سياسية شريفة، لتقديم بديل مدني ديمقراطي، بما جرى لزوجها، عبر منع حملته الرئاسية بكل سبل الوحشية، واعتقال المشاركين فيها.

وقالت: إن "جريمة أحمد الطنطاوي، أنه سعى لتقديم بديل مدني ديمقراطي حقيقي بكل وسيلة سلمية تحترم الدستور والقانون، فاستهدفته السلطة هو وحملته بإجراءات شديدة القمع خارج القانون تمامًا".

وأكدت أنه جرى حبس الطنطاوي و22 من زملائه في قضية مفبركة، تحرياتها واهية، لا ركن ماديا فيها ولا معنويا، دون استدعائه ولا مرة واحدة للتحقيق.

وأردفت: "كما لم يتمكن محاموه من زيارته ولا مرة، ورُفض النقض دون حتى أن نُخطر".

وفضحت "قنديل" سر صمت الدول الكبرى على انتهاكات نظام عبد الفتاح السيسي، مؤكدة أنه: "يتم دعم هذه السلطة ماديًا لقضاء مصالح في الإقليم المثخن بصفقات السلاح والاحتراب والتمزق وصفقات إعادة الإعمار دون حق".

وأشارت إلى ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجديدة وطلبه ما يشاء من ديكتاتوره المفضل (السيسي)، بينما "يُختطف المعارضون ويُرحلون لمسالخ التعذيب في دول الأوجه الناعمة للتطبيع".

وحذرت من "استمرار دعم (الغرب) أنظمتنا الأوتوقراطية القمعية بالسلاح، وأدوات خلق مليشيات وأمن رديفين لترهيب شعوبنا".

ووجهت رسالة لمن يدعمون النظام القمعي في مصر، عبر الأمم للمتحدة قائلة: "لا تكافئوا الطغاة من أجل مصالحكم، وتقتلوا أفضل كوادر جيلنا".

انتقادات حقوقية

شارك في الجلسة عدة منظمات حقوقية مصرية، عبر ممثلين لها، وقدموا أوراقا وملفات شاملة للانتهاكات وانتقدوا محاولة السلطات التغطية عليها.

ممثل الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، أحمد عطا الله، انتقد "التغييرات الشكلية" التي تقدم عليها حكومة القاهرة في هذا الملف.

وبين أنه منذ إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021، لم تقدم السلطات على أي تغييرات حقيقية في هذا المجال.

وبدلا من إجراء إصلاحات تشريعية ومؤسسية ضرورية لضمان حقوق الإنسان وسيادة القانون والشفافية والعدالة، أكد أن السلطات اكتفت بتغييرات شكلية، قدمتها للأمم المتحدة بصفتها إنجازات، بينما هي لا تغير شيئا من الواقع المظلم، وفق قوله.

أما الهدف من هذه التغييرات الشكلية فهو تحصين مصر من الانتقادات الدولية لوضع حقوق الإنسان المتردي فيها.

وقال مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، محمد زارع، إن كل محاولات الحكومة والأموال التي أُنفقت بغرض تجميل صورة الأوضاع الحقوقية "باءت بالفشل".

وبين أن تلك المحاولات "لم تصمد أمام واقع حقوق الإنسان المتدهور، حيث إن مصر باتت الأكثر قمعًا في المنطقة، بعد سقوط نظام بشار الأسد".

واستدل بذلك على أعداد السجناء السياسيين والصحفيين المحبوسين على ذمة قضايا رأي، وكذلك استخدام عقوبة الإعدام.

واتهمت "سمر الحسيني" من "المنبر المصري لحقوق الإنسان"، في كلمتها، السلطات المصرية بالتوسع في استخدام القمع العابر للحدود لاستهداف المعارضين في الخارج.

وذلك من خلال الحرمان من الأوراق الثبوتية، والإدراج على قوائم الإرهاب، والزج بقضايا جديدة في سياق التضييق العابر للحدود، إضافة إلى محاولات الترحيل القسري بالتنسيق مع بعض الحكومات عبر اتفاقيات التعاون الأمني.

وقالت: إن القمع العابر للحدود يشمل أيضا التضييق المستمر على الناشطين ومنعهم من التنقل بحرية، وتهديد أسرهم داخل مصر، في محاولة لإسكات أي صوت معارض، حتى خارج حدود البلاد.

 وزير الخارجية يدافع

وفي دفاعه، زعم وزير الخارجية، ورئيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، بدر عبد العاطي، أن مصر حققت إنجازات في السنوات الخمس الأخيرة بتوجيهات من السيسي في مجال حماية الحريات الأساسية في القانون والممارسة، رغم التحديات والأزمات المتتالية التي يشهدها الإقليم.

كما زعم أن المؤسسات المصرية كثفت جهودها، منذ آخر جلسة استعراض، لتنفيذ التوصيات التي جرى قبولها، وخلق مناخ عام مواتٍ لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، بحجة أن هذا ما نص عليه الدستور "وليس إرضاء لأي طرف خارجي".

لكن "عبد العاطي" ركز على إستراتيجية يتبناها النظام المصري منذ انقلاب 2013، تقوم على تفسير حقوق الإنسان بأنها تحسين ملفات اجتماعية واقتصادية لا سياسية تتعلق بالمعتقلين والحريات.

وضرب مثلا على ذلك بالإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وإلغاء حالة الطوارئ عام 2021، ولجنة العفو الرئاسية، ومبادرة الحوار الوطني، وتعديل عدد من التشريعات مثل قانون الإجراءات الجنائية الجديد.

وكذلك مراجعة قوائم الإرهاب ورفع أسماء عدد من المدرجين عليها والغلق الكامل للقضية رقم 173 المعروفة بقضية التمويل الأجنبي.

وهي أمور رد عليها حقوقيون مصريون بوصفها بأنها مجرد شكليات، حيث لا تزال السجون تضم ما لا يقل عن 60 ألف معتقل، كما أن القوانين التي تم تعديلها شددت العقوبات ولم تخففها.

وروج الوزير المصري لاستقبال اللاجئين ومعاملتهم معاملة المصريين، رغم أن منظمة العفو الدولية وثقت عام 2024 مخالفة السلطات لاتفاقية اللاجئين، وانتقدت تغاضي الاتحاد الأوروبي عن ملف حقوق الإنسان.

وكانت الحكومة المصرية قدمت "التقرير الوطني" عن "حجم الإنجازات المتحققة في تنفيذ التوصيات التي تلقتها في آخر مراجعة دورية لها عام 2019" وعددها 375 توصية.

وتحدث "عبد العاطي"، إلى صحف مصرية، عن تنفيذ 301 توصية منها، قبلها النظام ورفض 71 منها.