سلام دولي مهدد.. كم عدد الصراعات التي تستطيع واشنطن إدارتها في آن واحد؟
في إطار الانخراط الأميركي في الصراع في أوكرانيا ضد روسيا، والحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وكذلك دعم تايوان في ظل تصاعد التوتر مع الصين، يتصاعد الحديث عن المشكلات التي تواجه الولايات المتحدة في ظل تعدد الجبهات دوليا، وتأزم الأوضاع لديها داخليا.
ويطرح بقوة تساؤل تاريخي حول ما إذا كان "السلام الأميركي المفروض منذ الحرب العالمية الثانية "مهددا بالزوال".
مخاوف أميركية
وقالت صحيفة "أتلانتيكو" الفرنسية إن "المخاوف بدأت تظهر في واشنطن فيما يتعلق بالحرب بين أوكرانيا وروسيا، وكذلك الصراع بين حماس وإسرائيل، كما يتساءل الأميركيون أيضا عن استمرار دعمهم المالي لأوكرانيا".
وأشارت إلى أن "وضع الولايات المتحدة ليس سهلا، لأنها واجهت العديد من خيبات الأمل في سياستها الخارجية الأخيرة".
ولمحت الصحيفة إلى أنه "يمكننا بالطبع أن نفكر في فشل الهجوم المضاد في أوكرانيا، والضغط الذي تمارسه روسيا على القوات الأوكرانية، مما يثير المخاوف من سقوط كييف، الذي سيضاف إلى سقوط كابول عام 2021".
ورأت أن "عودة القضية الفلسطينية الإسرائيلية إلى الواجهة يمكن أن تضعف موقف الأميركيين في الشرق الأوسط، لا سيما في ضوء دعمهم لحليفهم الإسرائيلي الذي يقاتل ضد حماس على حساب العديد من الخسائر المدنية".
وإلى جانب ذلك، يوجد أيضا الصين، والتهديدات التي تواجه تايوان، وصعود الجيش الصيني، وكل ذلك "يشكل تحديا للهيمنة الأميركية في آسيا"، وفق "أتلانتيكو".
وأوضحت أن "المشكلة الرئيسة هي انقسام اليمين واليسار الأميركي".
وقالت الصحيفة إن "المشكلة الرئيسة المباشرة هي عدم وجود توافق في الآراء داخل الطبقة السياسية الأميركية، مع صعوبة التوفيق بين أغلبية ديمقراطية يعمل بها جناحها اليساري، المتعاطف في كثير من الأحيان مع القضية الفلسطينية والمتعلق بشدة بالإنفاق الاجتماعي".
وتابعت: "الأغلبية الجمهورية في الكونغرس يهيمن عليها الجناح اليميني الأكثر تطرفا، فهي متشككة في التدخل في أوكرانيا، ومتشككة أيضا في الإنفاق العام بالولايات المتحدة، ومتلهفة إلى خفضه في كل الملفات باستثناء ملف الهجرة".
واستطردت: "لذا فإن الصعوبات في إقرار الميزانية الأميركية والتهديدات بالإغلاق ليست جديدة، لكن في سياق السياسة الخارجية المليء بالتحديات كما ذُكر، فإنها تكتسب حدة خاصة، وهي في الواقع تهدد مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية".
دعم غير مباشر
من جهة أخرى، لفتت الصحيفة إلى أن "إدارة بايدن تستعد أيضا للتوترات المتزايدة بين الصين وتايوان".
وتساءلت: "كم عدد الصراعات الدولية التي تستطيع الولايات المتحدة إدارتها في نفس الوقت؟".
لكنها أوضحت أن "الولايات المتحدة لا تشارك اليوم بشكل مباشر في أي من هذه الصراعات".
وتابعت: "لقد دعم الأميركيون الجيش الأوكراني بشكل كبير منذ العام 2022، ووفقا لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست، عرض الأميركيون خططا على كييف للهجوم المضاد، لكن الأوكرانيين فضلوا إستراتيجية أخرى لم تكن منتصرة".
وأردفت: "فيما يتعلق بإسرائيل، تساهم الولايات المتحدة في الدفاع عن الدولة اليهودية من خلال مساعداتها السنوية، ومنذ بداية عملية طوفان الأقصى، زودت أميركا الجيش الإسرائيلي بمخزون كبير من الذخيرة التي تسمح له بالعمل في قطاع غزة، كما تقدم دعما غير مباشر لتايوان من خلال تسليم المعدات".
ولم ترجح أن تدعم الولايات المتحدة أيا من هذه الصراعات بشكل مباشر".
لكنها تعود فتقول: "ولو حدث ذلك، فلا يزال بوسعنا أن نعتقد أن الجيش الأميركي، وهو الأول في العالم، سيكون لديه القدرة على المواجهة".
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن "الولايات المتحدة عرضت للتو قاذفة القنابل الشبح (B-21)، التي تعد اليوم الأكثر تقدما في العالم، والتي تظهر أن الجيش الأميركي، بالإضافة إلى قدراته من حيث الموظفين، لديه أيضًا معدات من الدرجة الأولى".
من زاوية أخرى، أكدت على "ضرورة حل مشكلة عدم وجود أغلبية واضحة في الكونغرس الأميركي، وهو ما يعزى إليه تخفيض بعض الوكالات المالية لتصنيف الولايات المتحدة، وهو ما يعني أن وضع ميزانيتها لا يزال يمثل مشكلة كبيرة".
كذلك فإن الدين الأميركي يصل إلى 120 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو من أعلى المستويات تاريخيا.
السلام الأميركي
وشددت "أتلانتيكو" على وجود حاجة ملحة لإعادة النظام المالي إلى البيت الأميركي، لافتة إلى أن عام 2024 قد يمثل فرصة، بسبب الانتخابات الرئاسية.
وأشارت إلى أن "الأجواء تشير إلى إمكانية تكرار المواجهة بين الرئيس الأميركي جو بايدن وسلفه دونالد ترامب، لكنها لم تستبعد حدوث مفاجآت وصفتها بـ"السعيدة"، حال انتخاب المرشحة الجمهورية المعتدلة، نيكي هالي.
وتعتقد الصحيفة أن الأزمات الدولية يمكنها أيضا أن تسبب مشاكل خطيرة للولايات المتحدة، فـ"إذا قررت الصين مثلا شن هجوم على تايوان، في ظل انشغال الأميركيين على الجبهة الأوكرانية وفي الأراضي الفلسطينية، سيكون من الصعب للغاية مقاومة هذا الهجوم الصيني".
وشددت على أن "الولايات المتحدة بحاجة إلى زيادة الإنفاق العسكري لكي تضع نفسها حقا في اقتصاد الحرب، ولتكون قادرة على دعم الحلفاء، وكذلك لتشجيع إعادة تسليح الأوروبيين الذين يجب أن يتحملوا نصيبهم من العبء".
وفيما يتعلق بما ادعت الصحيفة الفرنسية أنه "السلام الأميركي الذي فرض بعد الحرب العالمية الثانية"، تساءلت عما إذا كان هذا السلام "معرضا للتهديد".
ولفتت إلى أن "الأميركيين بدأوا يخسرون مناطق نفوذهم، جنوب شرق آسيا عام 1975، ثم إيران عام 1979، صديقتهم العظيمة في الشرق الأوسط، والآن ربما يخسرون أوكرانيا".
واستدركت: "لكن السلام الأميركي ما زال يتمتع ببعض المزايا، لأن واشنطن في الطليعة التكنولوجية، وهي قوة اقتصادية كبيرة، حيث يبلغ إنتاجها المحلي الإجمالي 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ومازال الدولار عملة قوية للغاية".
واختتمت الصحيفة بالقول: "صحيح أيضا أن الأميركيين مترددون في أن يظلوا شرطي العالم، ونحن نرى ذلك في إفريقيا، حيث لا يتدخلون كثيرا، لكن إذا كان بإمكان أي شخص أن يلعب دور الشرطي هذا، فهي الولايات المتحدة، لأنها لا تزال تتمتع بقدرات مالية وعسكرية لا مثيل لها، وهناك شبكة واسعة من قواعدها حول العالم".