رغم سيطرة اللوبي الصهيوني.. كيف صارت فلسطين بقلب حرم الجامعات الأميركية؟
تتصاعد حدة مظاهرات الطلاب داخل الجامعات الأميركية المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، مثيرة انزعاج الكونغرس ومن ورائه الجهات المانحة التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني.
وفي هذا الإطار، نشرت وكالة الأناضول مقالا للأكاديمي الأميركي آدم ماك كونيل والذي كتب فيه عن أجندة الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني في حرم الجامعات الأميركية على مر السنين.
الحرم الجامعي في التسعينيات
وذكر الكاتب أن تسمية "الشرق الأوسط" قد جاءت كانعكاس للمنظور الإمبريالي الأميركي والأوروبي. ويذكر أيضا أن معرفته منذ صغره في الشرق الأوسط قد بدأت من الأخبار المنتشرة حول تفجير القنابل في بيروت والنزاعات الواقعة فيها في تلك الفترة.
وقد شهد كونيل منذ صغره الأثر الذي تركته الثورة الإيرانية واحتجاز الرهائن في السفارة الأميركية في طهران على الانتخابات الرئاسية الأميركية التي أُجرِيَت عام 1980، ثمَّ شهِدَ أحداث اغتيال الرئيس المصري أنور السادات عام 1981، وانفجار الثكنة البحرية في بيروت عام 1983، ثمَّ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987.
ومع تزامن حرب الخليج الأولى بسنته الأولى كطالب جامعي، بين الكاتب أنه شارك في الاحتجاجات ضد هذه العملية العسكرية الأميركية، زاعما أن هذه الاحتجاجات كانت غير فعالة على الإطلاق من وجهة نظره.
وبين أيضا أنه أَلَمَّ بشكلٍ أكبر في ما يحدث في الشرق الأوسط حين قضى عامه الدراسي في الفترة بين 1996-1997 في القاهرة عاصمة مصر، وذلك بعد أن تركّز اهتمامه بشكل كبير في الأدب العربي وتاريخ شرق الأبيض المتوسط.
وأشار الكاتب إلى أنّ نشأَتَه هذه كانت سببا في درايته بالنقاشات المتوترة حول الصراع الدائر في فلسطين منذ سن مبكرة.
ولذلك كان قد كتب رسالة حول هذا الموضوع إلى محرر صحيفة الجامعة أثناء دراسته عام 1995 في إحدى الجامعات الموجودة شمال غرب الولايات المتحدة.
وبين كونيل أن الرسالة كانت ردا على مقال أو رسالة أخرى حول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، حيث كان قد اقتبس فيها من كتاب "نعيم عتيق" حول هذا الموضوع.
ولم يكن للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني آنذاك تأثيرا كبيرا على حرم الجامعات الأميركية كما هو اليوم.
فقد كان هناك البعض ممّن يدافعون عن القضية الفلسطينية في تلك الفترة ومنهم إدوارد سعيد من جامعة كولومبيا حيث كان يُعتَبَر المثقف الأكثر تأثيرا في القضية.
في حين كان نعوم تشومسكي من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مدافعاً قوياً عن الحقوق الفلسطينية لمدة 20 عاما.
وسمحت مكانتهم في المجتمع بإكساب المنظور الفلسطيني الشرعية في الجامعات الأميركية.
ومن جهة أخرى تم تأسيس مركز أبحاث مؤيد لإسرائيل يسمى منتدى الشرق الأوسط عام 1990، لكنّ سمعة المركز ساءَت لاحقا بسبب أنشطته وأنشطة مؤسِّسه دانييل بايبس.
وكان المؤرخ والباحث في دراسات الشرق الأوسط برنارد لويس، والذي عمل في جامعة برينستون منذ منتصف السبعينيات وفي جامعة كورنيل في أواخر الثمانينيات، قد تولّى قيادة المجتمع الأكاديمي المؤيد لإسرائيل.
ثمَّ في عام 2002 أطلق منتدى الشرق الأوسط مبادرة تسمى "نظام مراقبة الحرم الجامعي" (Campus Watch) والتي تسمى الآن بـ "نظام الفضح" (Doxxing).
حيث تشجع هذه المبادرة الطلاب الجامعيين على إعداد تقارير عن الأساتذة الذين يعتبرونهم "معادين للسامية"، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وعلى إثر ذلك شارك أكاديميون مثل جويل بينين من جامعة ستانفورد في مناقشات مع المؤسس بايبس حول أنشطة مبادرة "نظام مراقبة الحرم الجامعي".
كما نشر اثنان من أكثر علماء السياسة احتراما في الولايات المتحدة وهما جون ميرشايمر من جامعة شيكاغو وستيفن والت من جامعة هارفارد دراسةً حول الجماعات الضاغطة المؤيدة لإسرائيل في عام 2007.
ويجد الكاتب أنه لم يتغير الكثير فيما يتعلق بالمناقشات الأكاديمية حول القضية الإسرائيلية الفلسطينية؛ وبين أن النقاش لا يزال يدور بين المعسكرين المؤيد والمعارض بمنتهى الشدة.
نحن لسنا في التسعينيات!
وأوضح الكاتب الأميركي أن البيئة الجامعية والأكاديمية لم تعد كما كانت في الولايات المتحدة في السابق. حيث بيّن أوجه الاختلاف بين التسعينيات واليوم.
وقال إن أبرز اختلاف بين تلك الفترة واليوم هو ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وهو الأمر الذي أنشأ بيئة جدال كثيفة على بعض المنصات الإلكترونية.
حيث تجعل وسائل التواصل الاجتماعي الوصول إلى المعلومات أكثر سهولة، ولكن غالبا ما يجرى إخراج هذه المعلومات من سياقها أو تأتي إلينا غير كاملة؛ بل وقد تكون من نسج خيال الناشر.
وكما يدرك معظم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فإن المناقشات عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا تتشكل من خلال المناقشات الهادئة والمستنيرة والمنطقية، بل من خلال الغضب والافتراء وقوة اللسان المحض.
أما الاختلاف الثاني، فهو صعود لجان العمل السياسي (PAC) ومجموعات الضغط المختلفة سلَّمَ النفوذِ مع صعود الأثرياء الأميركيين بثرواتهم إبان العصر المسمّى بعصر ريغان والذي تضمّن ثورة في السياسات الداخلية والخارجية الأميركية.
والثروات الطائلة التي تتمتع بها طبقة المتبرعين الآن تسمح لها بالتأثير على السياسة بشكل مباشر أكثر من أي وقت مضى، خاصة من خلال التبرعات التي يقومون بها للجان العمل السياسي.
وأشار الكاتب إلى أن ثالث الاختلافات هو صعود اليمين المتطرف الجمهوري الأميركي؛ فبينما كان هذا الاتجاه قبل عشر سنوات مرتبطا بالجمهوريين في حزب الشاي المتطرف يتجسد الآن في شخص الرئيس السابق دونالد ترامب.
وبين أن أحد المكونات الرئيسة لهذا الاتجاه السياسي هم المسيحيون الإنجيليون، والذين يدعمون إسرائيل بشكل عام ويمكن تسميتهم بالمسيحيين الصهاينة.
وحزب الشاي (بالإنجليزيّة: Tea Party movement) حركة أميركية سياسيّة اقتصاديّة محافظة، ضمن الحزب الجمهوري.
اللوبي الصهيوني
وفي ختام مقاله، أكد الكاتب أن تأثير جماعات الضغط ولجان العمل السياسي في السياسة الأميركية ينبع من الدعم الأميركي المستمر والغالب لإسرائيل.
حيث كانت لجان العمل السياسي جزءا من السياسة الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية، لكنها بدأت تتمتع بنفوذ حيوي في السبعينيات.
وممارسة هذه اللجان للضغط تتعلق في نهاية المطاف بشراء النفوذ من خلال تزويد الأحزاب السياسية بالأموال لاستخدامها في الحملات الانتخابية؛ وهذا في رأي الكاتب هو شكل من أشكال الفساد المناهض للديمقراطية لأنه يعطي المزيد من النفوذ السياسي للأغنياء.
وأضاف: لقد تم إضفاء الشرعية على هذه الممارسة منذ فترة طويلة في السياسة الأميركية، حتى إن علماء السياسة صاغوا مصطلح "الأغلبية" لإضفاء المصداقية الأكاديمية على "نظام الضغط".
وعلى مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، اجتذبت "لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية" (AIPAC) اهتمام وسائل الإعلام لتوجيهها أعضاء الكونغرس الأميركي لدعم سياستها المؤيدة لإسرائيل.
وبين الكاتب عدم تأكّده التام من سبب حصول اللجنة على الكثير من الاهتمام في هذه المرحلة بالذات، وكانت إحدى النظريات لذلك بأن المشاهير على منصة "تيك توك" لهم دور حاسم في ذلك.
وجاء الكاتب إلى تتمة المقال قائلاً: "مع كل ما ذكرته آنفا، إذا وددت كتابة رسالة اليوم إلى رئيس تحرير صحيفة الكلية لدعم المنظور الفلسطيني، فسأكون بالطبع أكثر ترددا مما كنت عليه قبل 30 عاما".
وفي أسوأ الأحوال كان من الممكن أن يندلع نقاش عام من خلال الصحيفة، أو أن تتدخل إدارة الجامعة في الأمر.
لكن في يومنا هذا، تحمل كتابة مثل هذه الرسالة خطر "الفضيحة" على وسائل التواصل الاجتماعي وبالتالي إدراج الكاتب على اللائحة السوداء، وتشويه مهنته في وقت مبكر وإفقاده منصبه.
لكن هذا الخطر لن يعني بالطبع شيئا مقارنة بما يعانيه الفلسطينيون من قبل إسرائيل، يختم كونيل.