قانون الحاخامات.. ثاني قنبلة مفخخة تهدد بتفكك وإسقاط ائتلاف نتنياهو المتطرف

12

طباعة

مشاركة

بينما لا يزال قانون تجنيد المتدينين عالقا ويهدد بقاء ائتلافه اليميني المتطرف الحاكم، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قنبلة مفخخة ثانية تتمثل بـ"قانون الحاخامات".

ويضغط حزب "شاس" الديني الإسرائيلي الشريك في الائتلاف الحكومي لإقرار مشروع القانون الذي ينص على نقل صلاحيات تعيين الحاخامات في المدن، من السلطات المحلية إلى وزارة الأديان التي يتولاها الوزير في الحزب موشيه ملخيئيلي.

لكن أعضاء من حزبي "الليكود" بقيادة نتنياهو و"القوة اليهودية" اليميني المتطرف برئاسة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير يعارضون مشروع القانون.

ماذا حدث؟

وضمن اقتسام الأحزاب الدينية كعكة الحكم في الائتلاف، كان حزب "شاس" يُعِد العدة لتمرير القانون، لكن الثلاثاء 18 يونيو/حزيران 2024، سحب نتنياهو المشروع من جدول الأعمال قبل التصويت عليه في الكنيست بالقراءة الأولى، بداعي عدم وجود أغلبية لصالحه.

الهدف كان ضمان سيطرة أكبر لهذا الحزب (شاس) الذي يمثل اليهود الشرقيين الأرثوذوكس المتشددين (حزب الشرقيين المحافظين على التوراة) على وظائف الحاخامات وتعيين أنصاره، وهو ما يرفضه يهود غربيون.

فمن شأن مشروع القانون أن يزيد من سيطرة الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة على المؤسسة الدينية في إسرائيل من خلال منح وزارة الشؤون الدينية، التي يديرها حزب شاس، سلطة تعيين مئات من الحاخامات في مناصب حاخامات البلديات والأحياء. 

مشروع قانون تعيين الحاخامات المثير للجدل، يسمح أيضا لوزير الشؤون الدينية بإجبار أي مدينة أو بلدة أو حي على تعيين حاخام في مجلسها، حتى لو لم يرغبوا في فعل ذلك.

ويلزم القانون الحاخامات بالتوقيع على وثيقة ولاء للحاخامية الكبرى والخضوع لها من الناحية الدينية، ويزيد أيضا بشكل كبير عدد الحاخامات الذين يتلقون راتبا من الدولة الصهيونية.

ولأن نتنياهو أدرك أن هناك معارضة من وزراء ونواب حزبه الليكود، وأحزاب أخرى في ائتلافه الحاكم لمشروع "قانون الحاخامات"، ولا يضمن أغلبية لصالحه، سعى لتأجيل انفجار قنبلة الخلافات داخل حكومته وأجل التصويت عليه.

وقبل أن يلغي نتنياهو التصويت، تحدث مع زعيم حزب شاس أرييه درعي وأوضح له أنه لا توجد أغلبية للقانون ولا يمكن تمريره.

لكن درعي كان غاضبا وهاجم نتنياهو قائلا: "لقد فقدت السيطرة، ليس لديك سيطرة على أي شيء، أعضاء الكنيست يفعلون ما يريدون، إما أن يكون هناك ائتلاف أو لا يكون"، بحسب صحيفة "يسرائيل هيوم" 18 يونيو 2024. 

وفي اليوم التالي، قال حزب "شاس" إن الحل الكامل لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو مسألة وقت فقط.

وقالت هيئة البث العبرية الرسمية، إن مسؤولين في "شاس" شنوا هجوما قويا على حزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو، بعد إسقاط مشروع "قانون الحاخامات".

ولحزب شاس 11 مقعدا في الكنيست من أصل 64 صوتا داعما للحكومة الحالية.

لذا يهدد انسحابه من الحكومة بانهيارها لفقدانها الأغلبية حيث سيصبح لها 53 مقعدا فقط والأغلبية المطلوبة 61 مقعدا من أصل 120 في البرلمان (الكنيست).

وتتشكل الحكومة من أحزاب "الليكود" و"شاس" و"القوة اليهودية" و"الصهيونية الدينية" و"التوراة اليهودية الموحدة"، وانسحاب أي حزب منها يعني سقوطها.

ائتلاف مهدد 

لأن ائتلاف نتنياهو أصبح معرضا للخطر ويقترب من الانتحار بسبب قوانين دينية، قالت صحيفة "هآرتس" 19 يونيو 2024 إن أزمة قانون الحاخامات "تظهر مدى تعرض نتنياهو للابتزاز من قبل اليهود المتشددين" في حكومته.

أكدت أن "ائتلاف نتنياهو ينتحر بسبب تشريع هدفه خلق مخزون من الوظائف التي ستكون في أيدي الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة"، مشيرة إلى اعتراض العديد من أعضاء الكنيست "المتمردين" من حزب الليكود على القانون.

ورأت صحيفة "جيروزاليم بوست" 19 يونيو 2024 أن "الائتلاف الإسرائيلي في حالة خطر واضطراب بعد إسقاط نتنياهو قانون الحاخامات المثير للجدل".

أشارت لمخاطر اندلاع التوترات داخل الائتلاف الحاكم في إسرائيل بعد أن أسقط نتنياهو مشروع قانون الحاخامات.

فقد هاجم أعضاء الليكود وشاس والقوة اليهودية بعضهم بعضا علنا في سلسلة من التطورات التي أشارت إلى تآكل خطير في تماسك الائتلاف وتهديد لاستقرار الحكومة، وفق "جيروزاليم بوست".

أيضا رأت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 19 يونيو أن فشل مشروع قانون الحاخامات "يحطم ثقة الحريديم (المتدينين) في نتنياهو ويضع الائتلاف على شفا الانهيار".

أكدت أن ثقة حزبي "شاس" و"التوراة اليهودية الموحدة" المتشددين في قدرة نتنياهو على تعزيز مصالحهما، انهارت، وهو مما يهدد ائتلافه الحكومي ومن ثم استقرار إسرائيل.

فهو (نتنياهو) لم يتمكن من تمرير قانون الحاخامات، ولا مشروع قانون التجنيد الإلزامي الذي تجرى مناقشته الآن في لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست، وسط خلافات أعضاء حكومته بين مؤيد ورافض.

ويرى العديد من اليهود المتشددين أن محاولات الدولة العبرية تنظيم التجنيد الإلزامي للحريديين في الجيش هي "قضية وجودية"، ويريدون بقاء معظم الإعفاءات من التجنيد لطلاب المدارس الدينية.

وتقول "تايمز أوف إسرائيل" إنه مع فشل مشروع قانون الحاخامات وتعهد الكثيرين في الليكود بمعارضة إعفاءات الحريديم من الخدمة العسكرية، فإن السؤال الأكثر أهمية الذي سيدور في أذهان القادة الدينيين الآن هو ما إذا كان نتنياهو قادرا بالفعل على الوفاء بأي من وعوده لهم.

ويوضح المحلل الإسرائيلي "شاي كوهين" في تحليل نشرته قناة "12" العبرية 18 يونيو أن "قانون الحاخامات بالون اختبار حريدي لمعرفة قوة نتنياهو".

أكد أنه "بعد مرور عام ونصف على تأليف حكومة نتنياهو السادسة، تشعر الكتلة الحريدية (المتدينين اليهود المتشددين) باليأس لعدم نجاحها في تحقيق أي من الوعود المركزية التي قطعتها في الانتخابات، فقد فشلوا في تنفيذ كل ما وعدوا به.

 لذلك، فهم يحاولون اليوم فحص وقياس ما إذا كان نتنياهو، يسيطر فعلاً على ائتلافه، أم أصبحوا يقومون بمهمة المدافع عن حكم الليكود من دون أي إنجاز؟

وأنهم دفعوا بـ"قانون الحاخامين" ليكون "بالون اختبار من أجل فحص قوة نتنياهو قبيل قانون التجنيد"، إذ إن القانونين معطلين وكلاهما يحقق مصالح اليهود المتدينين.

"كوهين" أوضح أن ما يزيد من إحراج نتنياهو مع المتدينين اليهود المشاركين في ائتلافه الحاكم أنه يواجه ثلاثة تحديات يطالبون بها:

الأول: أن قانون الحاخامات يتعلق بما يعده الحريديم "الهوية اليهودية لدولة إسرائيل".

والثاني: يتعلق بالتعليم الديني الحريدي، أي الحرص على استقلاليته والمحافظة على الميزانيات التي تضمن بقاء مؤسساته.

والثالث: يتعلق بقطاع تعليم اليشيفوت (المدارس الدينية)، حيث يريد مدعي حماية التوراة عدم المس بأوضاع تلامذتهم وميزانياتهم الدينية ومنع تقليصها.

وكل هذه الوعود والقوانين لم تتحقق بالنسبة إلى الكتل الحريدية، لذلك ترى أن حكومة نتنياهو السادسة فشلت، وترى أن الخروج من الائتلاف الحاكم مثل البقاء فيه.

وعندما وصل دور "قانون الحاخامات"، قال الحريديم لنتنياهو: "الموضوع عالق بسبب أعضاء الكنيست من حزبك في الليكود، وبسبب إيتمار بن غفير، وهو مرتبط بك".

وبالتالي فإذا لم ينجح هذا الائتلاف في تمرير القانون، فلا فائدة من وجوده، و"إذا كنا غير قادرين على إقرار أي شيء، فلماذا نبقى في هذه الحكومة؟"، يقول المحلل الإسرائيلي "شاي كوهين".

ما القادم؟

ولأن ائتلافه مهدد بالانهيار في وقت حساس حيث يشارك جيشه في حروب علي جبهتي غزة ولبنان، طالب نتنياهو حلفاءه، في تحذير نادر، يوم 19 يونيو 2024 بـ "التعقل كي لا يسقطوا الحكومة في هذا الوقت الحساس الذي تحارب فيه إسرائيل".

ظهر ليقول لهم ذلك في خطاب علني بعدما تبادل وزراؤه، الذين ينتمون لأحزاب مختلفة، الاتهامات بسبب القانون.

إذ لم يقتصر الأمر على تهديد أحزاب بالانسحاب من الحكومة وحلها، لكن ظهرت بوادر تمرد بين وزراء حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو، وهذا هو الأخطر.

خاطب نتنياهو شركاءه، عبر حسابه على منصة إكس بالقول، إن الوقت ليس مناسباً للتشريعات التي تعرض الائتلاف الحكومي للخطر، وسط مخاطر انقسامات حادة بخصوص مشروعي قانوني "التجنيد" و"تعيين الحاخامات" بين وزرائه.

قال لهم: "نحن في حالة حرب على عدة جبهات، ونواجه تحديات كبيرة وقرارات صعبة، لذلك أطالب بشدة جميع شركاء الائتلاف بضبط النفس".

ما أغضب أعضاء حزب الليكود منه أن نتنياهو حاول أن يضمن أغلبية مؤيدة لمشروع القانون.

وذلك عبر إبعاد عضوي الكنيست من حزب الليكود، طالي غوتليف وموشيه سعادا، من عضوية لجنة القانون والدستور، بعد أن عبرا عن معارضتهما لمشروع القانون. 

زاد من تعقيد القضية، إبلاغ وزير الاقتصاد من حزب الليكود نير بركات، نتنياهو عزمه برفقة أعضاء كنيست عن الليكود التصويت ضد مقترح قانون التجنيد بصيغته الحالية التي تعفي المتشددين دينيًا (الحريديم) من الخدمة العسكرية الإجبارية.

وهو ما يتصادم مع رغبة الشريك الآخر في الحكومة، حزبي شاس والتوراة اليهودية الموحدة.

أغضبهم أيضا الحديث عن محاولة نتنياهو الاستعانة بالقائمة العربية الموحدة لإنقاذ حكومته عبر استغلال نواب الحركة الخمسة في التصويت على قانون تعيين الحاخامات، رغم نفي الأول ذلك.

ويقول محللون إسرائيليون إن هذه الأزمة لا تهدد الائتلاف الحكومي فقط، إنما التحالف الذي عمل نتنياهو على توطيده منذ عام 2009 بين الليكود والتيارات اليمينية المتطرف، والذي توطد بعد انتخابات 2015.

يقولون إنه يوجد داخل الليكود أصوات يمينية، قبلت خلال السنوات المقبلة تحالفها مع الحريديين، لكنها الآن تقف أمام مشكلتي قانون صلاحيات تعيين الحاخامات وقانون عدم تجنيد الحريديين.

لذا يقول المحللون الصهاينة: إن السؤال هو: ماذا لو لم يتعقل وزراء نتنياهو والأحزاب المتصارعة داخله خاصة الدينية؟ ومتى تحين ساعة انفجار وتفكك الائتلاف؟ مع قانون الحاخامات أم مع مناقشة قانون التجنيد؟