محامٍ دولي لـ"الاستقلال": جرائم إسرائيل في غزة أكبر من أن تتجاهلها الجنائية الدولية
قال رئيس منظمة "القانون من أجل فلسطين" والمحامي الدولي، إحسان عادل، إن "هناك ضغوطا كبيرة تمارس على المحكمة الجنائية الدولية والعاملين فيها وبالتحديد في الملف الفلسطيني".
وأكد عادل في حوار مع "الاستقلال" على أن "الاستهداف المباشر للمدنيين، وحرمانهم من المواد الأساسية لبقائهم أحياء كالغذاء والماء والدواء وممارسة التعذيب بحقهم، على سبيل المثال، تعد جرائم حرب، وهذه كلها اقترفها الاحتلال الإسرائيلي في غزة".
ولفت إلى "رفع مؤسسة أميركية وبالنيابة عن منظمات حقوقية فلسطينية وعن ضحايا من غزة قضية فيدرالية أمام المحاكم الأميركية ضد الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن لتورطهم بالمساهمة في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وعدم منعها".
وشدد على أن "المشهد في فلسطين أشد فظاعة، مقارنة مع ما يحصل في أوكرانيا، وينبغي ونأمل أن تصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق المسؤولين عن الجرائم خلال وقت قصير".
وإحسان عادل هو مؤسس ورئيس منظمة القانون من أجل فلسطين، ومحام دولي، عَمل في مجالات حقوق الإنسان بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومع اللاجئين في أوروبا.
إلى جانب ذلك، عادل مدرب معتمد من جامعة الدول العربية واللجنة الدولية للصليب الأحمر في مجالات القانون الدولي الإنساني.
جرائم إبادة
"جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية، والتهجير القسري"، أربع مصطلحات مختلفة التعريف قانونيا، ولكن أي منها استخدمه ومارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟
كل هذه التوصيفات ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وأنا هنا لا أمارس "مبالغة لغوية" وإنما أتحدث عن "توصيف قانوني".
إن الاستهداف المباشر للمدنيين، وحرمانهم من المواد الأساسية لبقائهم أحياء كالغذاء والماء والدواء وممارسة التعذيب بحقهم، على سبيل المثال، تعد جرائم حرب، وهذه كلها اقترفها الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وإذا ارتكبت هذه الجرائم بشكل واسع النطاق أو بقصد إلحاق الأذى الواسع بالمدنيين، فإنها تمثل جرائم ضد الإنسانية، ويشمل هذا أيضا الإبعاد والنقل القسري للسكان.
وهكذا، من خلال قتل إسرائيل لأكثر من 10 ألف فلسطيني في غزة خلال شهر واحد، أكثر من 70 بالمئة منهم أطفال ونساء، وتهجير أكثر من مليون شخص، والحرمان واسع النطاق من المواد الأساسية، فإننا بالتالي نتحدث عن عمليات واسعة النطاق، وهي تمثل "جرائم ضد الإنسانية".
في ذات السياق، وحينما يعلن قادة إسرائيل عن أنهم يعدون كل المدنيين في غزة متورطين في "دعم الإرهاب"، ويصفونهم بـ"الحيوانات البشرية"، ويذكرون أنهم يركزون على "إحداث الضرر، لا على الدقة"، فهذه كلها مع الوقائع على الأرض تشير إلى أننا أمام "جريمة إبادة جماعية"، وذلك حسب التوصيفات الواردة في "اتفاقية الإبادة الجماعية".
والإبادة الجماعية تشمل "قتل أعضاء من الجماعة" و"إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا".
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية قال إن مكتبه يجري تحقيقات حول الجرائم التي يُدعى ارتكابها في إسرائيل وأيضا فيما يتعلق بالوضع في غزة والضفة، متى نرى نتائج هذه التحقيقات؟
الأصل، والأمل، أن نراها في وقت قريب، ذلك أن الجرائم التي حصلت وتحصل هي موثقة بشكل واسع جدا ومن أجهزة ووكالات الأمم المتحدة المختلفة وكذلك من كبرى المنظمات الحقوقية ذات الموثوقية العالمية، فضلا عن المنظمات الفلسطينية، بل وحتى بعض المنظمات الحقوقية الإسرائيلية.
وهذا التحقيق بدأت فيه المحكمة منذ عام 2021. رأينا المحكمة تصدر مذكرات اعتقال فيما يتعلق بحالة أوكرانيا خلال عام واحد من فتح التحقيقات.
المشهد في فلسطين لا يقل، بل هو –إذا ما قارنا إحصائيات القتلى من المدنيين بما فيهم الأطفال- أشد فظاعة وينبغي ونأمل أن تصدر المحكمة مذكرات اعتقال بحق المسؤولين عن الجرائم خلال وقت قصير.
ولكن بناء على التجارب السابقة، فالبعض يرى أن المحكمة الجنائية الدولية، تكيل بمكيالين في التعاطي مع الوضع في فلسطين، بينما كانت أكثر فاعلية في التعاطي مع ملفات أخرى كالحرب الروسية الأوكرانية؟
صحيح، وهناك انتقادات كثيرة على عمل المحكمة بالخصوص، لكن في النهاية، المحكمة هي جهاز قضائي وليس سياسي.
نعم هناك ضغوط كبيرة جدا تمارس على المحكمة والعاملين فيها، لكنها جهاز قضائي.
والأصل أن السياسة تنحى فيه جانبا، والجرائم المرتكبة في فلسطين أكبر من أن تستطيع المحكمة تجاهلها.
منظمة "هيومن رايتس ووتش" رأت أن تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي حول فرض حصار كامل على غزة وقوله "نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك"- دعوة لارتكاب جرائم حرب؟
نعم، هذه ليست دعوة لارتكاب جريمة حرب، بل هي ذاتها جريمة حرب، ذلك أنه لم يكن يدعو لفعل ذلك، بل إنه أمر فعليا بفعل ذلك، ومنذ ذلك الحين هناك حصار كامل على قطاع غزة.
نجد أن المادة "8/1/ب/25" من ميثاق روما تعبر بشكل صريح عن أن "تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية" يمثل جريمة حرب.
وتصريح وزير الدفاع يوآف غالانت والتطبيق اللاحق له يمثل بالتالي جريمة حرب.
محاكمة الداعمين
المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك قال إن التزامات إسرائيل بوصفها قوة احتلال "لا تزال سارية بشكل كامل"، كيف نفهم ذلك وهي لا تقوم إلا بالعكس تماما مما هو مطلوب منها كقوة احتلال في القانون الدولي؟
دعني أوضح مسألة هنا تغيب عن الأذهان كثيرا، نعم، إسرائيل كقوة احتلال، ليست مسؤولة فقط عن عدم الاعتداء على المدنيين، بل هي مسؤولة عن أمنهم وتوفير الغذاء والمستلزمات الطبية والمعيشية اللازمة لهم، وهذا منصوص عليه بشكل موسع في "اتفاقية جنيف الرابعة" وأيضا في "البروتوكول الإضافي الأول".
الاحتلال هو المسؤول الأول عن المناطق المحتلة وعليه ضمان أن يعيش المدنيون في المناطق التي يحتلها بأقل قدر ممكن من التأثر بالعمليات العسكرية.
وما نشاهده اليوم هو أن إسرائيل لا تقوم فقط بذلك، بل تقترف "أبشع الجرائم" تجاه السكان الذين تحتل بلادهم، وهذه إشكالية حقيقية.
نادرا ما نسمع الدول تقول لإسرائيل إن عليها أن تعوض المدنيين عن انتهاكاتها بحقهم، عن تدمير بيوتهم، عن قتل أبنائهم وذويهم، مع أن هذا هو الأصل بموجب الاتفاقيات التي ذكرتها وأيضا بموجب قواعد ما يعرف بـ"المسؤولية الدولية".
هل يمكن محاكمة الدول التي تمد الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح أيضا على مشاركتها في هذه الجرائم، وكيف يتم ذلك؟
من حيث المبدأ نعم هذا ممكن، الدول عليها التزام بأن تحترم "اتفاقيات جنيف" وأيضا أن تكفل احترامها من قبل الدول الأخرى، وكذلك على الدول التزام بأن تمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ليس على أراضيها فقط، بل في أي مكان في العالم.
وعندما لا تقوم الدول بهذا الدور، بل وتقوم بإمداد دولة تنتهك اتفاقيات جنيف عيانا وترتكب جريمة إبادة جماعية بالسلاح والدعم اللوجستي، فهذا يمكن أن يمثل مساعدة على ارتكاب جريمة حرب وجريمة إبادة جماعية.
وفي هذا السياق، قامت مؤسسة أميركية وبالنيابة عن عدة منظمات حقوقية فلسطينية وعن ضحايا فلسطينيين من غزة برفع قضية فيدرالية أمام المحاكم الأميركية قبل أيام قليلة، وبموجبها تطلب المؤسسة من المحكمة مقاضاة الرئيس بايدن ووزير خارجيته لتورطهما بالمساهمة في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وعدم منعها.
ننتظر مآلات القضية في المحكمة في الفترة القادمة.
عام 2022، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح "طلب فتوى" من محكمة العدل الدولية حول الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وفي 2023 سلمت دولة فلسطين مرافعة مكتوبة إلى محكمة العدل الدولية، كيف يمكن البناء على هذه الخطوة في ظل العدوان الحالي؟
هذه خطوة مهمة جدا سواء في ظل العدوان الحالي أو في السياق الأوسع لقضية فلسطين والاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد.
هذه القضية تسعى لأخذ جواب من المحكمة بخصوص أمرين أساسين: هل الاحتلال الإسرائيلي المستمر لفلسطين يمثل حاليا نوعا من العدوان؟ وما هي المسؤوليات المترتبة على دول العالم والأمم المتحدة تجاه هذا العدوان.
في حال أصدرت المحكمة فتوى ورأت فيها أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يمثل صورة من صور العدوان، وليس احتلالا مبررا وفق قواعد القانون الدولي –كما تجادل إسرائيل وحلفاؤها- سيعني هذا عندها أن على إسرائيل إنهاء احتلالها فورا، وعدم تعليق ذلك على الوصول لنتيجة من خلال المفاوضات.
وهذا يعني أيضا أن على الدول أن تقوم بدور فعال لدفع إسرائيل لإنهاء احتلالها، بما في ذلك عبر فرض عقوبات اقتصادية أو قطع العلاقات الدبلوماسية، وليس الاكتفاء بالتأكيد على حل الدولتين والدعوة للتفاوض.
القانون الدولي
صدرت عشرات القرارات عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لدعم حركات التحرر الوطني في نضالها من أجل الاستقلال وتقرير المصير، بما في ذلك الكفاح المسلح، لماذا يتم استثناء المقاومة الفلسطينية من هذه القاعدة الأممية؟
لا يوجد استثناء للمقاومة الفلسطينية من هذه القاعدة الأممية.
إسرائيل وحلفاؤها يحاولون استثناء المقاومة الفلسطينية، ولكن قواعد القانون الدولي واضحة بهذا الخصوص، فيما يتعلق بحق الشعوب تحت الاستعمار والاحتلال الأجنبي بمقاومته بالوسائل كافة، بما فيها المقاومة المسلحة.
ولكن يجب التنويه أن هذه المقاومة يجب أن تلتزم بقواعد القانون الدولي الإنساني، مثل أن تكون موجهة فقط ضد العسكريين والمواقع العسكرية، وألا تستهدف المدنيين والأعيان المدنية.
يقول الكثيرون حول العالم "ماذا لو لم يجد القانون الدولي نفعا مع الاحتلال الإسرائيلي بعد كل هذه العقود من الظلم والطغيان" ما العمل والحل؟
بالتأكيد أن القانون الدولي وحده ليس هو الحل، إنما هو أداة من أدوات كثيرة لمقاومة الاحتلال ودفعه إلى الانتهاء.
هل القانون الدولي فعال؟ نعم ولكن في حدود. ونجد إسرائيل، كما نلاحظ في هذه الحرب والحروب السابقة، تسعى دائما وبشكل مكثف إلى تبرير حروبها وهجماتها والزعم أنها تلتزم بالقانون الدولي، ذلك أنها تدرك التبعات وتسعى لإظهار نفسها "كدولة ديمقراطية تقوم بعمل شرعي لمكافحة الإرهاب".
لكن هذا الادعاء تدحضه تماما الوقائع التي تم تسجيلها في تقارير لجان التحقيق الأممية، ومنظمات حقوق الإنسان، التي تقول إن إسرائيل لا ترتكب فقط جرائم حرب، بل إنها دولة فصل عنصري –أبارتايد- وهو ما يمثل جريمة ضد الإنسانية.
من المفترض أن يؤدي ذلك إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق كبار المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الجرائم، ونأمل أن يتم ذلك قريبا كما ذكرت.
أيضا هناك عمل في المحاكم المحلية في أكثر من دولة في العالم لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين، ضمن ما يعرف في القانون الدولي بالاختصاص القضائي العالمي، وهذا مسار ثان.
وهناك مسار ثالث يتعلق بـ"حركة مقاطعة إسرائيل" (BDS)، التي تعتمد فيها عملها كليا على القانون الدولي.
ورغم أن عدة دول حاولت أن تفرض قوانين لمنع عمل "حركة المقاطعة"، إلا أن الناشطين توجهوا إلى القضاء وفي معظم الحالات وفي أكثر من دولة أنصف القضاء الحركة ويرى أن نشاطها مشروع ويدخل في حرية التعبير.
وهكذا، نجد أن القانون الدولي له أثر وأثر مهم، ولكن بالتأكيد ليس الأثر المأمول.
وينبغي أن نتعامل مع القانون الدولي على هذا الأساس من الموازنة والتوقعات، نعم هناك فاعلية، ولكن ليست مطلقة.
وتعرف "حركة مقاطعة إسرائيل" نفسها بأنها "حركة فلسطينية المنشأ عالمية الامتداد تسعى لمقاومة الاحتلال والاستعمار-الاستيطاني والأبارتايد الإسرائيلي، من أجل تحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين وصولاً إلى حق تقرير المصير لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات".