جاسم الشمري: "طريق التنمية" محاولة أميركية لإبعاد العراق عن المسار الصيني (خاص)
الشمري توقع أن يواجه "طريق التنمية" تحديات داخلية كبيرة تحول دون إنجازه
قال الباحث العراقي في الشؤون الدولية جاسم الشمري، إن مشروع “طريق التنمية” محاولة أميركية لإبعاد العراق عن المسار الصيني، وبالتالي ربما يفقد بغداد أكثر من 17 مليار دولار في مشروع لا يمكن أن يعود عليها بأي فائدة اقتصادية.
وأوضح الشمري في حوار مع "الاستقلال" أن توقيع البروتوكول الأولي لمشروع "طريق التنمية" في بغداد بين العراق وتركيا وقطر والإمارات يضع حكومة محمد شياع السوداني أمام اختبار كبير.
وأضاف أن "التحدي الكبير لحكومة السوداني سيكون أولا أمام الشعب العراقي، ثم هذه الدول الثلاث ثانيا، وثالثا أمام الدول العشر التي وقعت على الاتفاق عند إعلان المشروع عام 2023".
وفي 27 مايو/ أيار 2023، أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في مؤتمر شاركت فيه كل من (تركيا، إيران، السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين، عُمان، سوريا، والأردن) عن إطلاق مشروع طريق التنمية.
ورأى الشمري أن "المشروع من الجانب السياسي معقد جدا، فإذا نظرنا إليه من ناحية داخلية عراقية، نجد اعتراضات كبيرة عليه من بعض القوى المشاركة في الحكومة، لا سيما من الإطار التنسيقي الشيعي، وهناك اتهام بأنه ارتهان لإرادة خارجية".
ولفت الكاتب العراقي إلى أن "بعض الدول تترقب أو تتخوف من نجاح المشروع، خاصة الكويت والسعودية، فهما لا تريدان الدخول في مشاريع غير مضمونة، وبالتالي فإن عام 2025 هو الفيصل في إمكانية دخول دول أخرى من عدمه".
وجاسم الشمري، كاتب ومحلل سياسي عراقي مختص في الشؤون الدولية، يكتب في العديد من الصحف والمواقع العربية.
مشروع ضخم
كيف تقيّمون مشروع طريق التنمية من ناحية اقتصادية والعائدات المرجوة منه بعد اكتماله؟
لا شك أن طريق التنمية من المشاريع الضخمة التي تحاول حكومة السوداني أن تنجزه في المرحلة المقبلة، وأظن أنه ليس جديدا، وإنما كان ضمن مشروع ميناء الفاو الكبير في البصرة، الذي أعلنه رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي.
لكن يبدو أن هناك العديد من العقبات الاقتصادية التي قد يواجهها تنفيذ "طريق التنمية"، لأن تكلفة المشروع تصل إلى 17 مليار دولار، والديون العراقية الخارجية تبلغ حاليا نحو 100 مليار دولار.
ربما ستعجز الحكومة لاحقا عن الإيفاء بهذا المبلغ الضخم، لأن الاقتصاد العراقي يعتمد بنسبة أكثر من 90 بالمئة على النفط، وإذا حصل أي خلل في سوق النفط العالمية فإنه سيربك هذا المشروع.
وبناء على ذلك، تأمل الحكومة العراقية في إتمام المشروع- في حال استقرت الحالة الاقتصادية كما هي عليه اليوم- حتى يكون "طريق التنمية" بداية لربط كبير للعراق مع تركيا ومن ثم إلى قارة أوروبا.
لكن الحديث عن توفير هذا المشرع نحو 100 ألف فرصة عمل للعراقيين، ربما يكون مبالغا فيه، وإنما قد تصل من 30 إلى 40 ألف فرصة، في وقت يعول العراق على "طريق التنمية" لتقليل اعتماده شبه التام على النفط.
من ناحية سياسية، هل تعتقدون أن مشروع طريق التنمية سيرسم خارطة تحالفات جديدة في المنطقة؟
المشروع من الجانب السياسي معقد جدا، فإذا نظرنا إليه من ناحية داخلية عراقية، نجد اعتراضات كبيرة عليه من بعض القوى المشاركة في الحكومة، لا سيما من الإطار التنسيقي الشيعي، وهناك اتهام بأن المشروع هو ارتهان لإرادة خارجية.
أما خارجيا، فهناك توقعات بأن يحرر المشروع العراق من العباءة الإيرانية، وكما هو معلوم أن إيران كانت من ضمن الدول العشر التي وقعت في بغداد على إطلاقه، لكنها لم تحضر الاتفاق النهائي، وهناك تخوف إيراني من احتمالية سحب البساط من تحت أقدامها في المشهد العراقي.
أعتقد أن التناحرات السياسية الداخلية ستكون من العقبات الكبرى في طريق تنفيذ المشروع الذي يراد له أن يمرّ في غالبية مدن العراق، إضافة إلى وجود عقبة كبيرة تتعلق بالجانب الكردي.
فحكومة إقليم كردستان ترغب في أن يمر هذا الطريق عبر أراضيها، لكن يبدو أن بغداد تحاول حرفه بعيدا عن الأراضي الكردية، وهذا سيؤثر على استمرار أو نجاح المشروع من الأساس.
البعض يتحدث عن شروط تركية مقابل الدخول في مشروع طريق التنمية، خصوصا القضاء على حزب العمال الكردستاني.. كيف تعلقون؟
لا أظن أن ثمة شروطا تركية بهذا الحجم، لأن أنقرة لديها اتفاقات مع بغداد تتعلق بالقضاء على حزب العمال الكردستاني، لكن خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعراق في أبريل/ نيسان 2024، لم تعلن الخطوط العرضية لآليات العمل المشترك.
تركيا تعد موضوع حزب العمال الكردستاني من قضايا الأمن القومي الخطيرة والكبرى، وعليه هي تعمل للقضاء على الحزب بكل قوة دون التدخل في شؤون الدول الأخرى، كما صرح الرئيس التركي أثناء عودته من بغداد، وأعتقد أن هذه القضية لا علاقة لها بمشروع "طريق التنمية".
توسيع المشاركة
هل تتوقعون إشراك دول أخرى مستقبلا في مشروع "طريق التنمية" لا سيما الكويت وإيران والسعودية؟
بعض الدول تترقب أو تتخوف من نجاح المشروع، وبالذات الكويت والسعودية؛ فهما لا يريدان الدخول في مشاريع غير مضمونة، وبالتالي فإن العام 2025 هو الفيصل في إمكانية دخول دول أخرى من عدمه.
وفي هذا السياق، يدور الحديث عن أن الشركة الإيطالية التي ستنفذ "طريق التنمية" غير مختصة في المجال، وهذا جزء من المشكلة التي تمنع دولا أخرى من إقحام نفسها في مثل هذا المشروع.
في ظل الأوضاع السياسية غير المستقرة في العراق وانتشار السلاح بيد المليشيات.. ما توقعاتكم بشأن إمكانية إنجاز المشروع؟
عدم الاستقرار السياسي في العراق واضح، إضافة إلى انتشار السلاح بيد الجماعات المسلحة وبعض العشائر التي سيمر الطريق عبر أراضيها، إضافة إلى اعتراضات من قوى مشاركة للحكومة على هذا المشروع. لذلك سيواجه المشروع الكثير من العقبات، كما أن فرص نجاحه ضئيلة.
الدول الآمنة يمكنها أن تنفذ المشاريع بشكل طبيعي، لكن في العراق هناك تراخٍ بتطبيق القانون، وعليه يمكن لهذا الطرف أو ذاك أن يعرقل أي مشاريع تنموية أو اقتصادية وحتى أمنية لا تتفق مع مصالحه.
هل دخول تركيا وقطر والإمارات على خط "طريق التنمية" كأطراف في الاتفاق من شأنه أن يجعل العراق أكثر جدية للمضي في إنجازه؟
توقيع البروتوكول الأولي في بغداد بين العراق وتركيا وقطر والإمارات سيضع حكومة محمد شياع السوداني في اختبار كبير أمام الشعب العراقي أولا، وأمام هذه الدول الثلاث ثانيا، وثالثا أمام الدول العشرة التي وقعت على الاتفاق ساعة إعلانه عام 2023.
أتصور أن الاتفاق سيرغم حكومة السوداني على المضي قدما من أجل إنجاز المشروع ومحاولة حلحلة المشكلات المتوقعة، مع أنها ليست هينة وأكبر من قدرات وإمكانات حكومة بغداد.
تحديات محتملة
الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة العراقية.. كيف يؤثر على إمكانية إنجاز مشروع طريق التنمية؟
الشركة المنفذة للمشروع أجنبية، وبالتالي فإن قضية الفساد المالي والإداري لا يؤثر عليها، لكن أتوقع أن الجانب الأمني والتهديدات الأمنية ربما له تأثير على موضوع بقاء الشركة في البلد، كما حصل مع شركات أخرى في جنوب العراق غادرت بعدها هُددت من مجاميع مسلحة وعشائر.
هناك من يرى أن مشروع "طريق التنمية" يحمل دوافع سياسية واقتصادية تستهدف إضعاف إقليم كردستان العراق كونه لا يمر من خلاله، ما رأيكم؟
هناك خطة ربما بدفع خارجي لإسقاط تجربة إقليم كردستان العراق، ولكن عدم مرور مشروع طريق التنمية عبر أراضي الإقليم ليس المشكلة الوحيدة بين بغداد وأربيل، وثمة مشكلات أكبر بين الطرفين.
واحدة من الأهداف لمشروع "طريق التنمية" هي عدم استفادة كردستان العراق منه في حال نجاحه واستثمار الإقليم العائدات المالية في التخلص من سطوة بغداد المالية والاقتصادية، وربما هذه واحدة من الطرق لإضعاف الإقليم اقتصاديا.
دول مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين كل واحدة منها تعمل على إنشاء طريق تجاري جديد بالمنطقة.. كيف يتقاطع ذلك مع "مشروع التنمية"؟
حينما ننظر إلى القضية الاقتصادية، فلا بد من الإشارة إلى طريق الحرير الصيني، وربما هذه محاولة عراقية بدفع أميركي لإخراج العراق من المشروع الصيني وفتح طريق جديد من الخليج إلى أوروبا.
أتصور أن مشروع “طريق التنمية” محاولة أميركية لإبعاد العراق عن المسار الصيني، وبالتالي ربما يفقد العراق أكثر من 17 مليار دولار في مشروع لا يمكن أن يعود عليه بأي فائدة اقتصادية.
وتمويل "طريق التنمية" يعتمد على العراق، وربما هذا واحد من المشاريع التي ستُسقط حكومة السوداني إن لم يتحقق، بالتالي يفترض إعادة النظر في الشركة المنفذة والجدوى الاقتصادية من وراء المشروع للعراق أولا ثم بقية الدول الموقعة عليه.
اليوم أصبحت منطقة الشرق الأوسط فريسة للدول الكبرى، لكن أظن أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى التغول الصيني على العالم، ربما يمنع الولايات المتحدة وروسيا والصين، من السعي إلى فتح مشاريع أخرى في العالم.
كما أن الجميع يترقب نهاية الحرب الروسية الأوكرانية، وهذا هو الفيصل في مدى إمكانية إنشاء طرق تجارية في المنطقة والعالم، لأنه إذا لم تسع الدول الكبرى إلى تهدئة الأمور، فإن المعطيات تشير إلى الذهاب لحرب عالمية ثالثة، وحينها لا يمكن الحديث عن مشاريع تجارية.
وفي حال وجود عدم استقرار أمني في أي مكان بالعالم، لا يمكن نجاح أي مشروع حتى لو كان بسيطا، لذلك أعتقد أن الدول الكبرى تسعى في الوقت الحالي إلى التهدئة بدلا من الذهاب إلى خيار الحرب.