حل الدولتين يعود بقوة إلى طاولة القضية الفلسطينية.. ما احتمالات تنفيذه؟

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

استدعت الخارجية الإسرائيلية، في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، سفيري إسبانيا وبلجيكا لدى إسرائيل، عقب التصريحات التي أدلى بها رئيسا وزراء البلدين عند معبر رفح الحدودي مع غزة، والتي شددا فيها على حل الدولتين وضرورة إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

وفي هذا الصدد، سلطت صحيفة الباييس الإسبانية الضوء على حل الصراع الذي يدافع عنه رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، وكذلك جهات دولية فاعلة أخرى في الشرق الأوسط، والذي يصطدم بحقيقة إفلات إسرائيل من العقاب.

"ستار من دخان"

وقالت الصحيفة الإسبانية إن عبور حاجز قلنديا، يعدّ مهمة مستحيلة دون الانتظار في الطابور لمدة ساعتين، أمام الجدار الإسرائيلي الخرساني الذي يبلغ ارتفاعه تسعة أمتار، والذي، مثل الجرح، يفصل القدس الشرقية عن الأرض المحيطة بها في الضفة الغربية.  

وعندما اكتملت ثلاثة عقود من اتفاقات أوسلو للسلام كانت هاتان القطعتان من فلسطين، اللتان كان ينبغي أن تكونا عاصمة وجزءا من أراضي دولتهما، قد مزقهما ذلك الجدار لسنوات.  

وقبل أن تهاجم حماس إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وردّ الكيان الإسرائيلي بإطلاق العنان لحربه على غزة؛ كان "حل الدولتين"، الذي انبثق عن اتفاقات أوسلو، في طي القضايا المنسية. 

لكن، عاد هذا الاحتمال مجددا، لإقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل لإنهاء الصراع، بعد أن تبناه رئيس الحكومة بيدرو سانشيز في جولته في إسرائيل والضفة الغربية ومصر التي بدأت يوم الخميس.  

ونقلت الصحيفة أن عدد الوفيات المهول في غزة خلال الأسابيع القليلة الأخيرة كانت بمثابة الحجة لتذكير المجتمع الدولي بأن الصراع لا يزال قائما. وفي 25 تشرين الأول/ أكتوبر، تحدث جو بايدن عن حل الدولتين. ومند ذلك الحين، لم يتوقف عن ترديده. 

في 27 أكتوبر، أيد المجلس الأوروبي - وهو قمة لرؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - اقتراح سانشيز بعقد مؤتمر دولي للسعي إلى التوصل إلى السلام في فلسطين على أساس تلك الصيغة. 

لكن، رأى المدير السابق لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في نيويورك، كريغ مخيبر، الذي استقال في أكتوبر 2023، بسبب "فشل الأمم المتحدة في غزة" في مواجهة "الإبادة الجماعية"، أن هناك "ستارا من الدخان يخفي تجريد الشعب الفلسطيني من حقه". 

في رام الله، عاصمة الضفة الغربية، يشارك مسؤول من منظمة التحرير الفلسطينية، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، حجة أخرى لمخيبر: تلك التي دافع عنها عندما اتهم الولايات المتحدة وأوروبا بأنهما ينقذان فكرة "حل الدولتين"، بينما يتواطئان في الحرب التي يخوضها الكيان الإسرائيلي في القطاع.

لقد دعا الرئيس سانشيز إلى إقامة دولة فلسطينية "قابلة للحياة" أمام الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في القدس، لكن مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية ذكّره بأن "أسهل شيء يمكن أن تفعله إسبانيا للتحرك نحو هذا الهدف هو الاعتراف بالدولة الفلسطينية". 

وبحسب السياسي الفلسطيني، فإن "التغيير الظاهري في الموقف الأوروبي يتسم بغياب الجدية". 

ويؤكد أن بايدن أو أيا من الزعماء الآخرين الذين يلمحون الآن إلى هذا المسار يشيرون إلى ما يعده في رأيه "الشرط الذي لا غنى عنه". 

ويرى أن "من أجل دولة فلسطينية قابلة للحياة؛ يجب أن تكون هناك نهاية للاحتلال الإسرائيلي". 

"الاغتراب عن الأرض"

ونقلت الباييس أن تاريخ الصراع بين إسرائيل والسكان الفلسطينيين كان ثابتا منذ سنة 1948 كما وصفه إدوارد سعيد على أنه "الصوت الرتيب المستمر للاغتراب عن الأرض" برعاية إسرائيل. 

ودافع الفيلسوف الفلسطيني عن فكرة أن تلك الدولة هي نتيجة "أيديولوجية أوروبية في الأساس"، حيث إن الصهيونية حركة عرفت نفسها على مدى عقود بأنها استعمارية.  

وبحسب المسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية: "في سنة 1947، أي قبل سنة من قيام دولة إسرائيل، تبنت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني إلى دولتين.

وهي خطة كانت "غير عادلة بشكل واضح"، حيث إن حصة 70 بالمئة من السكان العرب الأصليين كانت في حدود 45 بالمئة فقط من الأراضي، بينما مُنح 30 بالمئة من السكان اليهود 55 بالمائة من هذه الأراضي.

وهو التوزيع الذي رفضته الدول العربية، مما أدى إلى اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. 

وفي سنة 1948، انتصرت إسرائيل واستولت على أكثر من 77 بالمئة من الأراضي. وفي وقت لاحق، في عام 1967، بعد حرب أكتوبر، احتلت إسرائيل بالكامل الأراضي التي خصصتها الأمم المتحدة للفلسطينيين.

ونقلت الصحيفة عن إيسياس بارينيادا، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة كومبلوتنسي في مدريد، أن العقود الثلاثة التي تلت التوقيع على اتفاقات أوسلو، تؤكد واقع الحقائق التي تكشف التجاوزات المتأصلة في ممارسات الكيان الإسرائيلي وعدم احترامه للقوانين التي يمليها الاتفاق أو القانون الدولي والتي توضح أن هذه الاتفاقيات بعيدة عن أن تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية. 

ويواصل: "في المقابل، خدمت إسرائيل في إضفاء الشرعية على نفسها، والتغطية على احتلالها واستعمارها التي وصلت إلى مستويات عليا".

معضلة الاستيطان

عموما،  تقول الصحيفة كانت الأداة الرئيسة لهذه السياسة لطمس حل الدولتين هي المستوطنات الاستيطانية غير القانونية في القدس الشرقية وفي منطقة الضفة الغربية التي تسيطر عليها إسرائيل بالكامل. 

وفي سنة 1993، عند توقيع اتفاقية أوسلو الأولى، بلغ عدد هؤلاء المستوطنين نحو 130 ألفا. واليوم، وفقا للأمم المتحدة، يبلغ عددهم حوالي 700 ألف. 

وكانت خطة جمدتها حكومة بنيامين نتنياهو في تموز/ يوليو سنة 2020، تؤسس لدمج هذه المستوطنات الاستيطانية والطرق المبنية لها في أراضي إسرائيل - ويحظر على الفلسطينيين السفر عبرها - وبالتالي ضم ما لا يقل عن 30 بالمائة من الضفة الغربية. 

وبحسب بارينيادا، هناك عقبات أخرى أمام "حل الدولتين". على سبيل المثال، يرى أن "العنف الشديد الذي تتصرف به إسرائيل في غزة" يدمر "أي احتمال لجلوس الطرفين معا على مدار الخمسين عاما القادمة". 

ويضيف: "بعد استبعاد استعداد الأطراف للتفاوض" بعد الحرب، فإن البديل الوحيد سيكون "كما حدث في أوسلو، أن تقوم الولايات المتحدة بإجبار إسرائيل على الحوار". وبحسب رأيه، يعد هذا الاحتمال "بعيد المنال".

ويرى الخبير فقط حلا واحدا محتملا لهذا الصراع: ألا وهو وضع حد "للإفلات من العقاب الدولي الذي تتمتع به إسرائيل". وينتقد الاقتراح الإسباني لعقد مؤتمر للسلام في الشرق الأوسط مقدرا أنه "ساذج". 

ونقلت الصحيفة أن مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية يعارض الآراء المتفائلة والتي ترجح احتمال تغيير الموقف الإسرائيلي. 

ويقول إن "إسرائيل لم تعترف قط بحل الدولتين أو بحقوق الشعب الفلسطيني. (...) ترفض السياسة الرسمية للكيان وجود دولتين، وتفرض وجود دولة واحدة فقط: وهي إسرائيل. 

لكن، إذا كانوا يرفضون دولتين مستقلتين ولا يريدون دولة ديمقراطية للجميع، فما هو الخيار المتبقي؟ إما إبادة جماعية، مثل تلك التي تحدث في غزة، أو ما نددت به منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش: الفصل العنصري". 

وبحسب البروفيسور بارينيادا، فإنه على الرغم من الصعوبات، فإن "فكرة الدولتين لا تزال مرجعا، لكنها فقدت أهميتها لأنه يُنظر إليها على أنها صعبة بشكل متزايد". 

ويؤكد أنه "من حق الفلسطينيين أن تكون لهم دولة، وهو حق ثابت مثلما يمليه قرار الأمم المتحدة رقم 3236 لسنة 1974".