إحدى أذرع ابن سلمان.. لماذا تحرض قناة "العربية" على ديمقراطية الكويت؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

التجربة الديمقراطية التي مارستها الأطراف السياسية في الكويت، أثارت انزعاج قناة "العربية"، وحرضت ضد الفصيل المعارض عقب تحقيقه انتصارا في البرلمان مع ظهور نتائج الانتخابات التشريعية في 30 سبتمبر/أيلول 2022.

وقوبل تحريض قناة "العربية" السعودية ضد ديمقراطية الكويت، عبر تقرير بعنوان "مجلس الأمة كبّد الكويت خسائر بالمليارات"، بحالة من الغضب والسخرية معا، من جانب الشعب ونواب الكويت، منتقدين تحريض القناة على ديمقراطية بلادهم.

إيقاد الفتنة

وفي تغريدة تضمنت مقطعا مصورا في 27 سبتمبر 2022، اتهمت القناة "مجلس الأمة" الذي أفرزته هذه الديمقراطية، بأنه "تسبب في تكبّد الكويت خسائر بمليارات الدولارات عبر تعطيله مشاريع استثمارية وتنموية كانت ستدر على الدولة أرباحا".

واستغربوا انزعاج القناة السعودية من التجربة الديمقراطية، ومن هذا الاستحقاق الديمقراطي الذي حققته المعارضة في الكويت، وتحريضها عليه عبر وسائلها المتلفزة ومنصاتها الاجتماعية.

وهذه ليست المرة الأولى التي تهاجم فيها قناة "العربية" الكويت أو تُحرض ضد تيارات سياسية فيها لبث الفتنة، ففي أغسطس/آب 2021 حرّضت على استقرار الكويت، وسعت لإيقاد الفتنة عبر مزاعم عن "تضاعف خطورة فرع تنظيم الإخوان (المسلمين) في الكويت".

واشتهرت "العربية" بـ"صناعة الأكاذيب" وسبق لها ترويج أكاذيب ضد دول عديدة منها قطر وتركيا وحركات المقاومة في فلسطين وغيرها ضد الاحتلال الصهيوني.

وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ردت وزارة الإعلام الكويتية بمخاطبة مكتب قناة "العربية" في الكويت، مؤكدة رفضها التام لطريقة عرض البيانات التي جاءت بتقريرها الإخباري حول مجلس الأمة و"ابتعادها عن المهنية والموضوعية".

وقالت صحيفة "الرأي" الكويتية إن المتحدث باسم وزارة الإعلام أنوار مراد، أكد لها أن الوزارة خاطبت مدير مكتب "العربية" بخصوص "مخالفة القناة لقوانين الإعلام الكويتي ورسالة الإعلام الخليجي".

وأوضح مراد أن الوزارة "أكدت أن التقرير الذي عرضته القناة احتوى على معلومات مغلوطة، كما يتنافى ما تم إقراره في القمم الخليجية والمجلس الوزاري ومجلس وزراء الإعلام الخليجي في شأن طبيعة التعامل الإعلامي بين دول مجلس التعاون الخليجي".

خبراء ونشطاء أكدوا أن دافع القناة السعودية، التي تتحرك، مثل قنوات نظام مصر، عبر جهاز "السامسونغ" السعودي، هاجمت برلمان الكويت المنتخب لأنها ترفض، مثل حكام المملكة، فكرة الديمقراطية والتغيير في حد ذاتها.

وأد الديمقراطية

تباينت ردود الكويتيين بشأن هجوم قناة "العربية" على ديمقراطيتهم ومجلسهم النيابي، ما بين نفي وتفنيد ما قالته القناة في تقاريرها عن تعطيل المجلس لمشاريع تدر مليارات الدولارات، وهذه تولاها نواب فائزون في البرلمان.

وأعرب النواب عن فخرهم بالدستور والتجربة الديمقراطية الكويتية التي تسهم في حماية أموال الدولة وإرساء الاستقرار وحماية حقوق المواطنين. 

وبين انتقادات عنيفة من قبل نشطاء كويتيين تساءلوا، "لماذا لا تتحدث القناة عن المشاريع السعودية الفاشلة وطوابير العاطلين، واعتقال العلماء ورجال الأعمال وغياب الديمقراطية، ولا الفشل في اليمن ولا إهدار ثروة النفط في الترفيه والانحلال". 

كما رد كويتيون عبر حساب قناة "العربية" على تويتر، مؤكدين أنه لا توجد مشاريع معطلة بسبب المجلس، بل هناك قوانين كثيرة فاشلة عطلها المجلس وأولها فرض الضرائب، منتقدين اعتقاد القناة أن "الديمقراطية دمار للشعوب".

وخاطب المحامي، عبد العزيز السيف، القناة السعودية قائلا "يكفي مجلس الأمة الكويتي شرفا أن من إنجازاته تأميم نفط الكويـت وإشراك الشعب في القرار السياسي".

وفسر آخرون حملة القناة ضد انتخابات الكويت ومجلس الأمة، مؤكدين أن القناة تبث الأكاذيب من أجل "ضرب الديمقراطية التي تخشون انتقالها لشعوبكم".

وقالوا للقناة: "هذا هو السبب الحقيقي لاتهامكم ديمقراطيتنا بأنها عطلت التنمية".

وكتب فهد الظفيري، على حساب القناة يقول لهم: "الديمقراطية الكويتية تسبب حالة من الخوف لأنظمة عربية لا تستطيع تطبيقها خوفا من الشراكة الشعبية".

وأشار ناشطون كويتيون إلى "حسد القناة من وجود تجربة ديمقراطية حقيقية عكس الديكتاتورية في السعودية"، محذرين من "سعي القناة وأبواق تعشق النهج الديكتاتوري على تحريض أمير الكويت ضد الديمقراطية الراسخة هناك".

وأكدت النائبة جنان محسن بوشهري، عبر تغريدة في 3 أكتوبر، أن "مجلس الأمة لا يهدر الأموال ولكنه يشارك في حماية أموال الشعب".

ودعت بوشهري وزارة الإعلام والإعلام الكويتي إلى "الرد على تقرير قناة العربية". 

من جانبه، اتهم النائب حمد المدلج، القناة السعودية، بالـ"سعي لوأد الديمقراطية وهذه الممارسة الراقية في الكويت، من خلال الاستمرار في محاولة تشويه صورة المؤسسة التشريعية التي تمثل الشعب وتحمي حقوقهم".

وقال مغردا في 3 أكتوبر، موجها حديثه للقناة "ومحركيها": "المشكلة أن إرادتكِ مرهونة لدى آخرين يرغمونك على الكلام والصمت متى ما شاءوا".

وهاجم النائب عبد العزيز طارق الصقعبي قناة العربية واصفا إياها بأنها: "إعلام موجه منزوع الإرادة مقيّد لا يملك النقد أو التعليق على أي حدث في بلده حتى همسا، يعالج عجزه بالتشويه والإساءة للتجارب الديمقراطية حوله"!

وسخر النائب عبد الكريم الكندري مما أسماه مشاركة "بعض الأشقاء بدول الجوار"، عبر تقرير "العربية"، لـ "ديمقراطيتنا التي لا يرغبون بها"

وأضاف: "تجدهم يغضون النظر مجبرين عما يحصل لديهم، ويمارسون حرية التعبير والانتقاد لتجربتنا الديمقراطية بكل أريحية".

ودعا المحلل السياسي الكويتي، عبد الله خالد الغانم، عبر تويتر، وزير الإعلام لإغلاق مكتب "العربية" في الكويت "ردا على التقرير الممنهج الذي يتعمد تشويه نموذج النظام السياسي الكويتي المتمثل بكل سلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية.

وبعدما وصف الكويتي فهد المزعل القناة بـ"العبرية"، طالب وزير الخارجية بـ"اتخاذ اللازم مع هذه القناة التي اعتادت على فترات مهاجمة الكويت".

وسبق أن طالبت وزارة الخارجية الكويتية قناة "العربية" عام 2019 باعتذار عن تقرير مثل إهانة للشعب.

وفي 14 يوليو/تموز 2019، طالب نائب وزير الخارجية الكويتي، خالد الجار الله، العاملين في قناة "العربية" بتقديم اعتذار رسمي بعد "خطأ جسيم يستدعي ويستوجب الاعتذار".

وكانت الإعلامية السعودية في قناة العربية، سارة دندراوي، تطرقت لخبر نقلته وكالة "بلومبرغ" الأميركية حينئذ، يتحدث عن تخفيض لأسعار الكحول في قطر، ضمن إجراءات تتعلق بتنظيم كأس العالم 2022، وهجوم السعودية على قطر وقتئذ.

وفي ختام قراءتها للخبر الذي استعرضته بشكل وُصف بأنه "يسيء إلى قطر"، ضمن فقرة إخبارية على القناة السعودية، قالت: "ننتظر تعليقات أصحابهم في الكويت على الكرم القطري".

مرتبكة ومتخبطة 

وفي تفسيره لهجوم "العربية" على التجربة الديمقراطية الكويتية، قال الأكاديمي السعودي أحمد بن راشد بن سعيّد، إن قناة العربية هي "ذراع للدعاية السعودية"، وهي تقريبا الناطق غير الرسمي باسم السياسة السعودية.

وأشار الأكاديمي السعودي لـ"الاستقلال" إلى أن مواقف القناة وخطها التحريري "استجابة للتوجيهات الرسمية التي تصلها"، في إشارة إلى سياسة النظام السعودي بقيادة ولي العهد رئيس الوزراء محمد بن سلمان.

ولأن هذه التعليمات التي تصلها "غير طبيعية"، فما يصدر عن القناة أيضا "مواقف غير طبيعية"، وفق تعبيره.

وشدد على أن "القناة تبدو مرتبكة ومتخبطة ومن دون سياسية تحريرية متماسكة ويمكن التنبّؤ بها، لأنها قائمة على تلقي تعليمات تتغيّر باستمرار".

وأوضح ابن سعيّد أن "قناة العربية تفتقد الحدّ الأدنى من المهنية والقدرة على وضع الأمور في إطارها المنطقي، لذا حين تتعامل مع أي جماعة أو دولة أو منظمة تختلف معها، فإنها تبدو متشنجة ومنحازة بشكل فاضح وغير معقول".

وتابع: "بهذه المقاربة التي تفتقد المهنية، وبهذه الروح المسكونة بالتحامل، وبهذا المنطق القائم على التجهيل والتضليل، تتعامل القناة مع الكويت وتجربتها الديمقراطية".

وأضاف الأكاديمي السعودي، وهو أستاذ في الإعلام السياسي وصحفي وكاتب، أن "التجارب الانتخابية العربية، في خطاب القناة وغيرها من منصّات الدعاية السعودية، رديفة الفوضى والاحتراب وتعطيل الحياة".

وهذا النهج المناهض للديمقراطية، يؤكد ابن سعيّد، ليس قاصرا على قناة "العربية"، بل خط يسير عليه أيضا كُتاب ومدوّنون سعوديون محسوبون على السلطة صمتوا على هجاء التجربة الديموقراطية في الكويت، والزعم أن نتائجها الأخيرة رسّخت القبلية والطائفية.

وتابع: "يزداد رعب القوم من صناديق الاقتراع، حين يصعد نجم الإسلاميين فيها، هنا يتحسّسون رؤوسهم، ويشرعون في ضخ الدعايات المألوفة ضدهم، من اتخاذهم الديمقراطية سلّما للوصول إلى مبتغاهم، إلى الطبيعة الإقصائية لهم، والعنف الكامن في أعماقهم".

"داو كيميكال" و"الحرير"

وفي تقريرها المتحامل أشارت قناة "العربية" إلى قضية الشراكة بين الحكومة الكويتية وشركة "داو كيميكال"، وأيضا مشروع "مدينة الحرير".

وكانت الكويت قد وقعّت مع شركة "داو كيميكال" الأميركية عام 2008 صفقة حول مشروع مشترك بقيمة 17.4 مليار دولار، لكن الحكومة انسحبت منها في العام نفسه بسبب خلافات مع مجلس الأمة حول "قانونية" الصفقة.

واتهم نواب، 24 مسؤولا بينهم وزيران سابقان للنفط، وعدد من المسؤولين الكبار في القطاع النفطي بالتورط في "فساد كبير" عبر هذه الصفقة.

ورغم أن إلغاء العقد مع الشركة الأميركية نتج عنه قرار تحكيم دولي عام 2013 تدفع بموجبه الكويت 2.2 مليار دولار تعويض للشركة عن انسحاب الحكومة من الصفقة، إلا أن نوابا وصحفا كويتية وصفوا الصفقة المُلغاة بأنها "إحدى أشهر وأضخم قضايا الفساد في البلاد"، وأكدوا أنها كانت ستكلف البلاد مليارات الدولارات لولا "الرقابة الشعبية".

وكانت النيابة العامة قررت حفظ التحقيق مع المتهمين بالفساد الذين كشفهم نواب البرلمان عام 2019، لكن محكمة الجنايات الكويتية، أعادت التحقيق معهم بتهمة التورط في هدر المال العام، بحسب إعلام محلي في 15 سبتمبر/أيلول 2022.

وقدم دفاع الحكومة إلى محكمة الجنايات سندات وعقودا وأوراقا ضخمة رأوا معها أن المتهمين ارتكبوا أخطاء في عقد صفقة مع شركة "داو كيميكال"، تسببت بهدر المال العام، وهو ما يثبت صحة موقف البرلمان عكس ما ادعته قناة "العربية".

أما مشروع "مدينة الحرير" في الكويت الذي اعترض عليه نواب البرلمان ضمن الرقابة المخولة لهم من الشعب في الانتخابات، فكان عبارة عن خطة حكومية لبناء منطقة اقتصادية حرة تشبه "دبي" وميناء على مراحل تزيد عن 25 عاما.

لكن المشروع واجه مقاومة عنيفة حينما عرضه الابن الأكبر لأمير الكويت على النواب الذين انتقدوا اقتراحه وضع المنطقة المقترحة خارج الرقابة البرلمانية، وأثاروا مخاوف من السماح بالخمور في هذه المنطقة ببلد مسلم.

وبلغت خطورة المشروع وصفت النائبة، صفاء الهاشم، له بعدما شاركت في اجتماع عقده الشيخ ناصر صباح الأحمد الصباح رئيس الوزراء السابق مع أعضاء لجنة برلمانية، إنها "عبارة عن إنشاء دولة داخل الدولة".

وخلال تصريحات إعلامية في 15 يناير/كانون الثاني 2017، قالت الهاشم: "هذا أخطر قانون رأيته في حياتي".

وكان أحد أسباب الاعتراض هو عدم الشفافية المالية، فحينما عُرض المشروع في وسائل الإعلام الحكومية في يوليو/تموز 2018، كانت تكلفته تقدر بنحو 86 مليار دولار، لكن المسؤولين لم يذكروا تفاصيل هذا الرقم.

ودعت مسودة قانون، التي نشرتها صحيفة "القبس" الكويتية عام 2019، إلى أن تكون المنطقة مستقلة من النواحي الإدارية والقانونية والتمويلية وعلى غرار مدينة دبي المالي العالمي، ما أثار قلق النواب من شبهات فساد لأنها خارج رقابة البرلمان.

ولم يعترض النواب على الفكرة نفسها، لكنهم طالبوا أن يخضع المشروع مثل أي مشاريع لرقابة البرلمان لمنع أي شبهات فساد، وهو ما اعترضت عليه قناة "العربية".