عبر بوابتي روسيا وأرمينيا.. هكذا تحاول إيران شق تحالف تركيا وأذربيجان
أكدت صحيفة يني شفق التركية، أن إيران تسعى جاهدة لتغيير الواقع الجيوسياسي الذي خلفته استعادة أذربيجان أراضيها المحتلة في إقليم قره باغ من أرمينيا، ما عزز نفوذ أنقرة بمنطقة جنوب القوقاز.
وأوضحت الصحيفة التركية في مقال للكاتب جاويد فيلييف، أن إيران تحاول استمالة روسيا وأرمينيا إلى صفها، لمنع المصادقة على ممر "زنغازور" الذي سيربط بريا بين أذربيجان وتركيا.
وتابعت أن الممر الجديد سيقطع طرق إيران البرية، باتجاه أرمينيا وأوروبا وجورجيا.
واقع جديد
وذكرت "يني شفق" أن حرب قره باغ عام 2020 خلقت واقعا جيوسياسيا جديدا في منطقة جنوب القوقاز، وقبلت العديد من الدول هذا الواقع وسعت إلى نماذج جديدة للتعاون.
غير أن إيران ترى في الظروف التي خلقها الواقع الجيوسياسي الجديد تهديدا لأمنها القومي.
فطهران منزعجة من النشاط المتزايد لأذربيجان وتركيا في المنطقة، وتعزيز القومية التركية بعد حرب قره باغ، وتفعيل ممر "زنغازور".
فضلا عن إمكانية إنشاء استقطاب جيوسياسي جديد في المنطقة يتمحور حول تركيا وأذربيجان وحلف شمال الأطلسي وإسرائيل.
وفي فترة ما بعد الحرب، اتبعت القيادة الإيرانية إستراتيجيتين مختلفتين للتعامل مع هذا الوضع، الذي عدته تهديدا لمصالحها الوطنية.
فخططت إدارة الرئيس السابق حسن روحاني للتعاون مع جميع دول المنطقة لمنع حدوث وضع يهدد الأمن القومي لطهران.
وفي عهد الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، حدد الخبراء الإيرانيون إستراتيجية سياسته الخارجية بأنها استباقية، فسعت إيران إلى اتخاذ خطوات وتحالفات مضادة مختلفة في جنوب القوقاز.
وحاولت الإدارة الإيرانية، التي رفضت خطر الخسارة في سوريا بدعم من روسيا، تجربة نفس الطريقة في القوقاز.
كما ناقش وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي زار موسكو في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، قضايا منطقة جنوب القوقاز مع نظيره الروسي سيرغي لافروف.
وأعرب عبد اللهيان عن عدم ارتياحه لممر زنغازور والنشاط العسكري الأذربيجاني التركي المتزايد في المنطقة، لكنه لم يتلق الدعم الذي كان يتوقعه.
حتى إن لافروف ذكر أن اتفاقية بحر قزوين، التي وقعها رؤساء الدول الساحلية في عام 2018، يجب أن يوافق عليها البرلمان الإيراني.
بينما تجري إيران تدريبات عسكرية في المنطقة، ما يعطي رسالة مفادها أن طهران نفسها يجب أن تتصرف بمسؤولية أولا.
وزيادة قوات الحدود الروسية في عدد نقاط التفتيش على الحدود الإيرانية الأرمينية أثارت ردود فعل ومخاوف في إيران.
وكانت روسيا لم تدعم إيران، عندما فرضت أذربيجان رسوما جمركية على الشاحنات الإيرانية المتجهة إلى أرمينيا عبر قره باغ بعد تحرير أراضيها من الاحتلال، ما تسبب في توتر قصير الأجل بين البلدين.
وفي الآونة الأخيرة، في جنوب القوقاز، تولي روسيا أهمية للتعاون مع تركيا وأذربيجان بدلا من إيران.
التعاون مع أرمينيا
وأشارت الصحيفة التركية إلى أن إيران، التي اعتقدت أنها عانت من فقدان نفوذها في فترة ما بعد الحرب، حاولت الحفاظ على فعاليتها في المنطقة من خلال تعميق تعاونها مع أرمينيا أيضا.
وبهذا المعنى، بدأت الزيارات المتبادلة ورسائل الدعم بين البلدين في الزيادة في الفترة الجديدة.
وصرح المرشد الإيراني علي خامنئي، خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى طهران لحضور القمة الثلاثية (مع روسيا) في 19 يوليو/ تموز 2022، بأن الحدود الإيرانية الأرمينية هي مخرج إيران إلى العالم، وأعلن أنهم لن يقدموا تنازلات بشأن هذه القضية.
وفي 11 أغسطس/آب 2022، تحدث الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي هاتفيا مع رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان وأعلن أنه "لن يسمح بتغيير الحدود في المنطقة".
لذلك، يعتقد أن هذا الضغط والدعم من إيران له تأثير على سياسة أرمينيا المتعرجة فيما يتعلق بممر زنغازور.
وبعد المكالمة الهاتفية بين باشينيان ورئيسي، تم الكشف عن هوية القنصل العام الجديد المعين في مدينة كافان الإيرانية العريقة على الحدود الأرمنية الأذربيجانية.
ووصف هذا التعيين بأنه رد فعل طهران على عملية ترسيم الحدود الأذربيجانية الأرمنية.
ففي الفترة التي سبقت حرب قره باغ الأولى، كانت مدينة كافان مأهولة في الغالب بالأتراك الأذربيجانيين، ولكن في عام 1988 اضطروا إلى الفرار بعد هجمات القوميين الأرمينيين.
وجاءت خطوات إيران السريعة للتقارب مع أرمينيا في وقت مفاوضات التطبيع بين تركيا وأرمينيا.
وبسبب إغلاق الحدود بين أنقرة وأرمينيا لسنوات، ازداد نفوذ إيران على أرمينيا أكثر.
ولكن إذا قامت أرمينيا بتطبيع علاقاتها مع تركيا واختارت التعاون مع أذربيجان وتركيا، مثل جورجيا، فقد يكون الوضع الجيوسياسي في جنوب القوقاز مختلفا قليلا.
وتر الطائفية
وكانت إحدى القضايا اللافتة للنظر في الفترة الجديدة هي تفعيل الجماعات الشيعية في أذربيجان ذات التوجه الإيراني، تؤكد الصحيفة التركية.
وزادت منظمات مثل حسينيون، والأمة الواحدة، والانتفاضة الأذربيجانية، وعملية الرابطة الإسلامية، من الدعاية السوداء ضد الدولة الأذربيجانية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.
وقدمت أطروحات حول الحاجة إلى تغيير السلطة وإنشاء حكومة إسلامية تستند إلى مبادئ ولاية الفقيه، وهو شكل الحكم الإيراني.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن غالبية سكان أذربيجان من الشيعة، إلا أن هذه الدعوات الصادرة عن المنظمات لم تجد دعما في المجتمع الأذربيجاني.
ومن النقاط الأخرى التي جذبت الانتباه بعد ذلك تنشيط أنشطة المواطنين الأذربيجانيين الذين ذهبوا إلى إيران بطرق مختلفة وواصلوا أنشطتهم هناك ضد بلدانهم.
وفي اجتماع دولي عقد في باكو في أبريل/ نيسان 2022، أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أنه قدم قائمة إلى القيادة الإيرانية لتسليم 20 شخصا يعملون في إيران ضد أذربيجان.
ولكن لم يكن هناك أي رد حتى الآن. وزار ممثلو الأجهزة القضائية الأذربيجانية طهران وطالبوا بتسليمهم إلى باكو.
وهكذا تعتقد إيران، أن التوازن سيتغير أكثر ضدها مع تحقيق مشاريع جديدة في مجال النقل والطاقة بعد الحرب.
ولمنع ذلك، تسعى إلى إقامة تحالف بديل في المنطقة. ومع ذلك، فإنها لا تستطيع العثور على الدعم الذي تتوقعه من الإدارة الروسية والأرمينية.
ومع ذلك، لم تستبعد أذربيجان وتركيا وإيران من التعاون الإقليمي في فترة ما بعد الحرب.
وأدرجت إيران في البرنامج الإقليمي السداسي الأطراف، والتعاون في مجال الطاقة مع تركمانستان وممر زنغازور، تختم الصحيفة التركية.