رغم ادعاءات التشجيع.. لهذا تثير "الديمقراطيات العربية" مخاوف الولايات المتحدة
أكد موقع "مودرن دبلوماسي" الأوروبي أن هناك اختلافا في وجهات النظر حول الديمقراطية في العالم العربي بين الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط.
هناك العديد من المفارقات والتحليلات المفاجئة التي يجب الوقوف عندها أثناء تحليل قمة الديمقراطية الأميركية التي عقدها الرئيس جو بايدن افتراضيا مع عدد من قادة العالم في ديسمبر/كانون الأول 2021.
وعلى رأسها إدراج "المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية" في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بالولايات المتحدة لأول مرة في قائمة "الديمقراطيات المتراجعة".
حالة استقطاب
هناك عدة أسباب لهذه الخطوة، أبرزها: انتشار العنصرية داخل المجتمع، مثل حادثة مقتل المواطن الأميركي من أصل إفريقي "جورج فلويد" على يد شرطي أبيض أمام أعين المواطنين.
وهو ما يذكرنا أيضا بحالة الاستقطاب السياسي للحزبين الديمقراطي والجمهوري وانقسام المجتمع الأميركي، يقول الموقع.
كما يذكر ذلك بتنامي شكوك الرئيس السابق دونالد ترامب وأنصاره حول نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020، والتي أدت إلى اقتحامهم مبنى الكونغرس.
بالإضافة إلى رد الفعل الدولي العنيف تجاه الولايات المتحدة الأميركية، في ظل هذا الانسحاب العشوائي وغير المخطط له من أفغانستان، وما نتج عنه من فوضى وانتهاكات لحقوق الإنسان هناك.
وقادت الولايات المتحدة أجندة إعادة تأهيل العالم العربي والإسلامي ضمن ما يسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير من خلال الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، عبر سياسة تدخلية في أوضاع الدول العربية.
وبدأ التركيز بشكل خاص على ربط التطرف والعنف بغياب الحريات السياسية ومستويات التعليم وحقوق الإنسان وتحرير المرأة.
وهنا يمكن متابعة رصد مراكز الأبحاث الغربية وتحليل محتوى الكلمات والخطب السياسية للإدارات الأميركية المتعاقبة للرؤساء، فيما يتعلق بالشرق الأوسط، وموضوعاته وأجندته، وتسويق مفاهيم مثل "الإصلاح السياسي، المجتمع المدني، الحريات، حقوق الإنسان، الديمقراطية، المساواة، تحرير المرأة".
ومما لا شك فيه أن هذه النتائج تعكس تدخلا أميركيا غير مسبوق لإعادة تشكيل المنطقة وفق الأسس الأميركية لتمرير "مشروع الشرق الأوسط الكبير والحفاظ على أمن إسرائيل".
وهذا يهدف إلى إعادة رسم المنطقة وتشكيلها وفق أسس جديدة تناسب الولايات المتحدة في دول المنطقة، وبالتالي ضمان مصالح حليفتها إسرائيل.
وعليه، يقول الموقع: "نجد أن هناك اختلافات حول الرؤية الأميركية لإحداث تغيير ديمقراطي في الشرق الأوسط، والتي لم تحظ أساسا بإجماع عام داخل الولايات المتحدة نفسها، بل جاءت كتعبير عن اتجاه واحد".
وهو الاتجاه الذي يرى أن غياب الديمقراطية في المنطقة سيسهم بشكل أساسي في خلق بيئة مواتية لنمو التطرف والعنف والإرهاب.
وبالتالي فإن القضاء على هذه الظواهر يعتمد إلى حد كبير على نشر وتعزيز الديمقراطية في بلدان هذه المنطقة، وهو اتجاه وجد أنصاره من اليمين المحافظ في الإدارة الأميركية، يقول الموقع.
ومن ناحية أخرى، هناك من يرى أن إجراء انتخابات في دول الشرق الأوسط، خاصة في العالم العربي، سيجلب الأنظمة الأكثر رجعية وأكثر معاداة للغرب من الأنظمة الحالية.
لذلك، يعتقد هذا الاتجاه أن الولايات المتحدة يجب ألا تضغط من أجل الديمقراطية في العالم العربي والمنطقة، خوفا من تصعيد الأنظمة المعادية لإسرائيل ومصالح واشنطن عندما يتعلق الأمر بالسلطة.
استطلاع رأي
وأظهر استطلاع رأي (لم تذكر الصحيفة الجهة التي أجرته) في الولايات المتحدة حول الرؤية الأميركية لنشر الديمقراطية، والذي شمل عينة من المجتمع الأميركي النتائج التالية:
- غالبية المستطلعين من داخل المجتمع يعارضون انتشار الديمقراطية الأميركية بالقوة العسكرية، سواء جاء ذلك من الإطاحة بالديكتاتوريين أو تهديد الدول باستخدام القوة المسلحة إذا لم تنفذ إصلاحات (66 بالمئة يرون أن أضرار هذه السياسات تفوق الفوائد، مقابل 21 بالمئة رأوا عكس ذلك).
- أكدت غالبية الحزبين الرئيسين في الولايات المتحدة وهما: (الجمهوري والديمقراطي) أن بناء الديمقراطية لم يكن سببا كافيا للحرب على العراق (74 بالمئة).
وبينوا أن تجربة بغداد جعلت الأميركيين أقل دعما لاستخدام القوة العسكرية لفرض الديمقراطية.
- معظم المستجوبين غير مقتنعين بأنه عندما يكون هناك المزيد من الدول الديمقراطية، سيكون العالم أكثر أمانا، بينما أعرب 26 بالمئة فقط عن اعتقادهم بهذه الفرضية.
وانقسمت آراء المواطنين الأميركيين حول ما إذا كانت الديمقراطية ستقلل من دعم الإرهاب، أو ما إذا كانت الديمقراطيات ستقلل احتمالية خوضها للحرب، أو أن تكون أكثر صداقة مع الولايات المتحدة.
- غالبية أفراد المجتمع يعتقدون أن دعم الديمقراطية يجب أن يكون هدفا في السياسة الخارجية الأميركية، لكنه ليس أولوية قصوى.
وأيدت الغالبية تطبيق نهج عملي والاعتماد على الوسائل الدبلوماسية والتعاونية في نشر الديمقراطية.
كما عارضوا استخدام الوسائل العقابية كوسيلة للضغط على الدول لتصبح أكثر ديمقراطية.
- المفارقة الكبرى هي أن الغالبية العظمى من المجتمع الأميركي لا يزالون يفضلون العمل من خلال منظمة الأمم المتحدة لتعزيز الديمقراطية في العالم.
وفي هذا السياق، يشير الاستطلاع إلى ضرورة تقديم إطار عمل للإدارة الأميركية بشأن قضية الديمقراطية في الشرق الأوسط، بناء على الأسس والمؤشرات التالية:
- وجود نماذج مختلفة من الديمقراطية، وبالتالي يجب ألا تتبع هذه العملية بالضرورة نموذجا معينا.
- الانتخابات في الشرق الأوسط لا تخلق الديمقراطية وحدها، لذا من المهم أن يصاحبها تطور المجتمع المدني.
- تحتاج الديمقراطية إلى وقت قد يصل إلى عقود وحتى أجيال، ويحتاج نشر قيمها في الشرق الأوسط إلى التعليم والمعرفة والتحديث الاقتصادي والإعلام المسؤول والمستقل ودعم حقوق المرأة.
- رغم أنه يمكن تشجيع الديمقراطية من الخارج، لكن الأفضل بناؤها من الداخل من أجل البقاء.
لذلك، يقول الموقع: "نجد اختلافا في وجهة نظر الديمقراطية بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط، بسبب عدم وجود نموذج ديمقراطي جاهز أو واحد".
ويمكن هنا تقديم عدد من الاستنتاجات ومن بينها أنه إذا دفعت الإدارات الأميركية عملية التحول الديمقراطي في الدول العربية، (كما حدث مع فشل ثورات الربيع العربي)، فهناك احتمال كبير بأن جميع الحكومات المنتخبة وفقا لرؤية الولايات المتحدة ستصبح أقل تعاونا مع واشنطن، وفق الموقع.
وهذا الأمر سيهدد بدوره المصالح الأميركية نفسها، كما يعرض الأمن الإسرائيلي إلى خطر جسيم، بحسب تقديره.