محمد البلتاجي.. سياسي وثائر مصري نكل السيسي بأسرته وحكم عليه بالإعدام
أحكام نهائية أصدرها قضاء النظام المصري، يوم 14 يونيو/ حزيران 2021، بتأييد إعدام 12 شخصا، بينهم قيادات بجماعة الإخوان المسلمين ضمن قضية اعتصام رابعة العدوية.
من أبرز المحكومين الدكتور محمد البلتاجي، القيادي بالجماعة، وأحد رموز ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
للبلتاجي خصوصيته في هذه القضية وهي أن ابنته أسماء قتلت على يد قوات الأمن خلال فض اعتصام رابعة في 14 أغسطس/آب 2013، وهو الاعتصام الذي يحاكم بسببه الطبيب المصري وعدد من قيادات الجماعة والحراك المناهض للانقلاب العسكري.
الانتقام من البلتاجي على وجه التحديد لدوره السياسي والإصلاحي البارز من قبل الثورة، ليس بجديد حيث دأب النظام على التنكيل به وبأسرته.
وهو ما يطرح كثيرا من التساؤلات عن سر الانتقام من البلتاجي تحديدا في ظل حديث عن كراهية شديدة من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي لشخصه.
نشاط مبكر
في مدينة كفر الدوار بمحافظة البحيرة شمالي مصر، ولد محمد محمد إبراهيم البلتاجي، عام 1963، وتميز في دراسته وعرف بتفوقه وسط أقرانه.
البلتاجي نشط مبكرا في صفوف الحركة الإسلامية، حيث تعرف على جماعة الإخوان المسلمين عام 1977، وهو ابن 14 ربيعا، بعد أن تأثر بحضور دروس الثلاثاء (لقاءات دينية انتشرت خلال فترة السبعينيات والثمانينيات لدعاة الإخوان) للأستاذ جمعة أمين.
بعدها ترأس اللجنة الثقافية، ومثل اتحاد طلاب معهد الإسكندرية الديني الثانوي، وأصدر أول مجلة دعوية أزهرية عام 1978، تحت اسم "النذير".
وفي نفس العام كانت أول مشاركة سياسية في حياة محمد البلتاجي، عندما انضم إلى أعمال الجماعة الإسلامية بالمدارس الثانوية بمحافظة الإسكندرية، والتي كان لها نشاط سياسي كبير تمثل في إقامة مؤتمر من أكبر مؤتمرات الإسكندرية لمعارضة اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978.
التحق البلتاجي بكلية الطب جامعة الأزهر، وفيها ظهرت شخصيته القيادية المؤثرة، حيث أصبح رئيسا لاتحاد الكلية.
ثم أصبح رئيسا لاتحاد طلاب جامعة الأزهر بسائر فروعها على مستوى الجمهورية، لثلاثة أعوام (1985 - 1986 - 1987).
الملمح الآخر الذي ظهر في سمات البلتاجي، هو معارضته وثورته في وجه الظلم والأوضاع الخاطئة، وبرز ذلك عندما شارك مع رموز العمل الطلابي بالجامعات المصرية في توحيد موقف الطلاب، حاشدا تأييدا شعبيا كبيرا، لقضية الجندي المصري "سليمان خاطر"، الذي قتل السياح الإسرائيليين الذين تجاوزوا الحدود المصرية.
وخاطب البلتاجي الحكومة المصرية، باسم اتحاد طلاب جامعات الأزهر، بضرورة الإفراج عن سليمان، موضحا عدالة قضيته.
هنا دخل الرجل في أول صدام له مع النظام، إذ صدرت ضده قرارات تعسفية بفصله وعزله عن رئاسة اتحاد الطلاب من إدارة الجامعة.
وصدر في الوقت ذاته قرار من إدارة المدينة الجامعية بخروجه من السكن الطلابي، ما يعد بمثابة طرد إلى الشارع بلا مأوى.
وكانت أسرة البلتاجي تقيم بمحافظة البحيرة ولا مكان له بالقاهرة، ولكن الإدارة اضطرت للعدول عن قراراتها التعسفية بسبب ضغوط طلابية حاشدة، دعمت القيادي المصري وأصرت على بقائه في مسكنه الجامعي.
مسيرة نضالية
عقب تخرجه من الجامعة، التحق الدكتور البلتاجي، بالجيش وأدى الخدمة العسكرية كملازم، لمدة سنة واحدة لصدور قرار تعيينه معيدا بمستشفى الحسين الجامعي.
وفي عام 1993 حصل على درجة الماجستير، وصدر قرار تعيينه بوظيفة مدرس مساعد بقسم الأنف والأذن والحنجرة في كلية طب الأزهر.
لكن الجهات الأمنية أصدرت توصية بوقف قرار التعيين بسبب نشاطه السياسي، فتعطل تسلمه للوظيفة لمدة 4 سنوات، حتى أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها بأحقيته في تسلم الوظيفة وعدم أحقية الجهات الأمنية بمنعه.
ومنذ عام 1998 عمل مدرسا مساعدا بالقسم، إلى أن حصل على درجة الدكتوراه عام 2001.
اهتم البلتاجي كطبيب بالعمل الخيري والاجتماعي، وعرف عنه تنظيم الكثير من القوافل الطبية في مدينة شبرا الخيمة وفي باقي مناطق مصر من خلال الجمعية الطبية الإسلامية.
وشهد عام 2005 نقلة نوعية في حياته السياسية، عندما ترشح باسم جماعة الإخوان المسلمين لعضوية مجلس الشعب عام 2005 وفاز بمقعد دائرة قسم أول شبرا الخيمة.
كبرلماني ارتبط اسمه بقضايا بارزة ناضل في سبيلها، مثل غرق عبارة السلام عام 2006، وتفشي مرض أنفلونزا الطيور، وقانون الضرائب العقارية، ودعم رغيف الخبز وغيرها من القضايا الوطنية.
كذلك كان مدافعا شرسا عن استقلال القضاء، وطالب بحرية الصحافة والنشر، ورفض تمديد قانون الطوارئ.
وبهذا القانون حكم رئيس النظام المصري الأسبق محمد حسني مبارك لمدة 30 سنة.
البلتاجي وقف ضد المحاكمات العسكرية للمدنيين وكان واحدا من الناشطين الدوليين الذين شاركوا في "أسطول الحرية" على متن سفينة مرمرة التركية.
كان رئيس الوفود العربية المشاركة في الأسطول، الذي سعى لكسر الحصار عن قطاع غزة، وأوقفه العدوان الإسرائيلي باعتداء سافر في (3 مايو/أيار 2010، أدى لمقتل 9 ناشطين، وجرح العشرات منهم فضلا عن اعتقال كافة المشاركين على ظهر السفينة).
تنبأ بالثورة
في عام 2007 جاهد البلتاجي برفقة رموز العمل الوطني، لعدم تمرير التعديلات الدستورية، التى كانت تمهد الطريق لتوريث جمال مبارك الحكم.
لذلك كان من طليعة مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير عام 2010، والتي كان هدفها الأول منع التوريث مع مطالبة النظام القائم بإجراء إصلاحات سياسية واسعة، وعمل تداول سلمي للسلطة.
وقد تنبأ محمد البلتاجي بالثورة في لقاء له على شاشة قناة "أون.تي.في" الفضائية بتاريخ 7 مايو/ أيار 2010، حينما حذر من انفجار الأوضاع داخل الدولة، نتيجة الاحتقان السياسي والاستبداد، واحتكار السلطة من قبل الحزب الوطني الحاكم آنذاك.
ومع اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، تصدر البلتاجي الصفوف، وحمل الثورة منذ البداية على كاهله، وبرز دوره بقوة يوم موقعة الجمل، عندما حاول بلطجية نظام مبارك، مدفوعين من رجال أعمال محسوبين على السلطة اقتحام الميدان ووأد الحراك الثوري.
يومها شكل البلتاجي ورفاقه من أنفسهم دروعا بشرية لحماية ميدان التحرير.
وتحدث عن ذلك اليوم في شهادته أمام جلسة محاكمة المتورطين في موقعة الجمل عقب ثورة 25 يناير، قائلا إن ضابطا في المخابرات العامة برتبة لواء اسمه "عبد الفتاح (ليس السيسي)"، اجتمع به في مكتب شركة للسياحة بميدان التحرير قبل الحادثة.
وأكد أن أنصار مبارك سيخرجون في مظاهرات تأييد وسيأتون إلى ميدان التحرير، وطلب منه "انسحاب المتظاهرين من الميدان حتى لا يقع صدام بين الجانبين يتسبب في إراقة الدماء".
ورد عليه البلتاجي قائلا "كيف تسمحون لهؤلاء البلطجية بالدخول إلى ميدان التحرير؟!"، فرد لواء المخابرات قائلا "إنهم مواطنون مصريون يريدون التعبير عن رأيهم بتأييد الرئيس".
جاء رد البلتاجي قويا "هل ضاق بهم ميدان مصطفى محمود وكل ميادين مصر للتظاهر فيها؟ من الممكن أن تفتحوا لهم ملعب استاد القاهرة الذي يستوعب الآلاف إن كانوا يريدون التعبير عن رأيهم".
وعلى ما يبدو فإن تصدر البلتاجي المبكر كرمز من رموز الثورة، وواحد من وجهائها، جعله خصما للدولة العميقة، وهدفا للثورة المضادة فيما بعد.
المشهد الأصعب والأكثر ثباتا في حياة محمد البلتاجي جاء بعد انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013، العسكري، عندما بدأت الأجهزة الأمنية بفض اعتصام ميداني رابعة العدوية (شرق القاهرة) والنهضة (غرب القاهرة) بالقوة المسلحة، ما أسفر عن مجزرة دموية مروعة راح ضحيتها المئات من المعتصمين السلميين.
وفيها وقعت حادثة اغتيال أسماء البلتاجي "16 عاما"، ابنة البلتاجي، لتمثل رمزية متفردة لذلك اليوم العصيب، خاصة مع ثبات والدها، وإلقائه بيانا عقب مقتل ابنته بدقائق، يحض المتظاهرين فيه على الثبات، ويعلن رفضه الكامل للانقلاب ومقاومته حتى النهاية.
تعذيب وتنكيل
بعدها اعتقلته الأجهزة الأمنية ونكلت به، بل وصل الأمر إلى وضعه على رأس قائمة المحاكمين في فض اعتصام رابعة (الذي قتلت فيه ابنته).
وفي 27 سبتمبر/ أيلول 2017، طلب البلتاجي خلال جلسة محاكمته في قضية فض اعتصام رابعة العدوية، السماح له بعمل توكيل رسمي في الشهر العقاري لعدد من المحامين الدوليين، وذلك لتقديم دعوة عن مقتل ابنته أسماء و1700 شاب وفتاة يوم 14 أغسطس/ آب 2013.
اتهم وزير الدفاع في ذلك الوقت عبد الفتاح السيسي ووزير الداخلية محمد إبراهيم بتنفيذ المجزرة.
اتهام البلتاجي للسيسي بتنفيذ المجازر بحق المدنيين السلميين، جعله على قائمة استهداف النظام بشكل مستمر.
ففي 9 أغسطس/آب 2016، قال البلتاجي أمام هيئة المحكمة التي تنظر قضية "فض اعتصام رابعة العدوية"، إن "مساعد وزير الداخلية اللواء حسن السوهاجي ومدير مباحث مصلحة السجون اللواء محمد علي، اعتديا عليه وعذباه، وذلك بتقييد يديه وإجباره على الوقوف رافعا يديه للأعلى مع توجيه وجهه للحائط".
وأضاف البلتاجي أنه جرى "تصويره بالملابس الداخلية ومرة أخرى عاريا موجهين إليه السباب".
أما قضاء النظام المشكوك في نزاهته بحسب تقارير دولية، فأصدر مجموعة أحكام رادعة بحق البلتاجي.
ففي عام 2014 صدر ضده حكم بالسجن 20 عاما بمزاعم "اختطاف وتعذيب رجلي شرطة في ميدان رابعة"، والسجن 10 سنوات بتهمة "قيادة جماعة إرهابية". ثم حكم عليه بالسجن 15 سنة بتهمة "تعذيب مواطن مصري" خلال ثورة 25 يناير.
وفي أواخر عام 2014، حكم عليه بالسجن 6 سنوات، بعد إدانته بـ "إهانة هيئة المحكمة" وذلك لابتسامته في وجه القاضي، الذي اعتبرها سخرية واستهزاء بهيئة المحكمة.
وفي عام 2015 قضت محكمة الجنايات في القاهرة بإعدامه شنقا في "قضية التخابر" مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس" قبل أن تلغي محكمة النقض الحكم في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وتقرر إعادة المحاكمة من جديد أمام دائرة أخرى.
وفيما تسمى قضية "فض اعتصام رابعة العدوية" قضت محكمة جنايات القاهرة في 8 سبتمبر/ أيلول 2018، بإعدام 75 بينهم البلتاجي والراحل "عصام العريان" وعبد الرحمن البر، وصفوت حجازي وعاصم عبد الماجد وطارق الزمر ووجدي غنيم ولا يزال أمام المتهمين الحق في استئناف الأحكام الصادرة بحقهم أمام محكمة النقض.
وهي القضية التي تم تأييد حكم الإعدام فيها مؤخرا بصورة نافذة، ما يجعل احتمالية أن الدكتور محمد البلتاجي يجابه الفصل الأخير في قصة حياته النضالية الطويلة.
المصادر
- بينهم البلتاجي والراحل عصام العريان.. أحكام نهائية بإعدام 12 في قضية رابعة العدوية
- قضية فض اعتصام رابعة: محكمة مصرية تؤيد حكم الإعدام بحق 12 متهماً من قيادات الإخوان المسلمين
- أحكام نهائية بإعدام 12 شخصا بينهم قيادات من الإخوان بمصر
- البلتاجي: "الإخوان" ضد ما يحدث بسيناء ونحترم الجيش وخلافنا مع "السيسي"
- البلتاجي: محكوم بالإعدام والنيابة ترفض التحقيق بقتل ابنتي وتعذيبي
- محمد البلتاجي
- اتهامات لسلطات النظام المصري بمحاولة قتل البلتاجي