أسوؤها الحرب النووية.. سيناريوهات العلاقات المعقدة بين واشنطن وبكين
ترى صحيفة إيطالية أن ما بات يعرف بالحرب الباردة الجديدة بين العملاقين الأميركي والصيني قد تتجه نحو مآلات متباينة وفق أربعة سيناريوهات محتملة أخطرها حرب مدمرة، محذرة من أن عواقب هذه الفرضيات قد تكون وخيمة بالنسبة لبقية العالم.
وقالت صحيفة "لينكياستا" إن المواجهة بين الصين والولايات المتحدة من أجل الهيمنة على العالم، ستحدد مصير العلاقات الدولية في العقود القادمة على ضوء ما يلاحظه المراقبون من سعي بكين إلى احتلال موقع ريادي في اللعبة بين القوى العالمية منذ صعود الرئيس الحالي شي جين بينغ إلى السلطة.
بحسب الصحيفة، فإن طموح بكين مفهوم لأسباب مختلفة، أولها يتعلق بكون الصين أكبر بلدان العالم من ناحية التعداد السكاني.
ثانيا، يمارس الحزب الشيوعي الصيني دعاية وسردا معينا بالتذكير والتأكيد على الإذلال الذي تعرض له الصينيون في القرون السابقة من قبل القوى الأوروبية واليابان، لذلك تعد الرغبة في الخلاص من هذه الهيمنة أمرا طبيعيا.
أخيرا، تغنت البلاد خلال الإمبراطوريات السابقة المختلفة على مر القرون بأنها "المملكة الوسطى"، أي أنها كانت محور العالم. كما أعاد شي جين بينغ التأكيد على هذا المفهوم بإعلانه أن هدف الصين هو التحرك حتى تكون "أقرب إلى مركز المسرح العالمي".
وفي هذا الصدد، ترى "لينكياستا" أن الولايات المتحدة لا تزال إلى اليوم القوة التي تحتل "مركز المشهد العالمي" بفضل قدراتها الاقتصادية والعسكرية على حد سواء، ولا يبدو أنها على استعداد للتنازل سلميا عن عرشها ومركزها المهيمن.
أكدت الصحيفة أن السؤال الذي يطرح نفسه بشكل عفوي هو: ماذا سيحدث في المستقبل القريب وكيف سيكون تطور العلاقات بين هذين البلدين وما هي العواقب بالنسبة لبقية العالم؟
سيناريوهات محتملة
أجابت الصحيفة على هذا السؤال بالقول إن السيناريوهات المحتملة ليست كثيرة ويمكن تلخيصها في أربعة على الأقل، صراع عالمي مدمر أو اتفاق لتقاسم النفوذ عالميا بين الطرفين.
أما السيناريو الثالث فقد يكون اضطرار الولايات المتحدة إلى التخلي عن بعض نفوذها على بقية العالم، وأخيرا قد تؤدي المواجهة إلى انهيار الحزب الشيوعي الصيني.
أوضحت الصحيفة أن أسوأ الاحتمالات المطلقة على وجه التحديد هو احتمال نشوب صراع عالمي جديد يمكن أن يتحول بسهولة، بالنظر إلى الأسلحة المتاحة اليوم، إلى مواجهة ذرية قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.
تتوقع الصحيفة أن يبدأ الصراع (ويكون محدودا لبضع سنوات) بصدام غير مباشر، أي من خلال حروب محلية بالاستعانة بقوات وجيوش دول أخرى في مناطق يعتبرها الطرفان إستراتيجية.
وبينت أن نزاعات من هذا النوع، كما يحدث في سوريا وأوكرانيا وليبيا، يمكن أن تستمر لسنوات، وتجمد لبعض الوقت المواجهة المباشرة بين البلدين إلى أن تقرر إحداهما إنهاء النزاع متى رأت ذلك ضروريا لصورتها.
حذرت الصحيفة من خطورة هذا السيناريو في زعزعة الاستقرار عالميا وفي توسعه أيضا إلى المناطق المجاورة ومن ثم احتمالية تحوله إلى مواجهة مباشرة.
بالنظر إلى القوة العسكرية التقليدية الحالية للبلدين، ترجح الصحيفة أن يكون النصر المحتمل من نصيب الولايات المتحدة.
وتستدرك بالقول إنه بوجود التقنيات الحديثة وما تشكوه من ثغرات إلى جانب استخدام أساليب الحرب الهجينة من قبل طرف يمكن أن يقنع الطرف الآخر، أو كليهما، باستخدام الأسلحة النووية.
أما فيما يتعلق بالسيناريو الثاني المتمثل في قرار واشنطن التنازل طواعية عن جزء من مناطق نفوذها لبكين، يبدو غير مرجح إلى حد ما، وفق الصحيفة الإيطالية.
وفي هذا الإطار، تساءلت الصحيفة عن مناطق النفوذ هذه، إن كانت تشير إلى جنوب شرق آسيا أم كوريا أم اليابان أو حتى تايوان؟
كما تساءلت عن عواقب هذا الخيار على مصداقية الأميركيين إذا تخلوا عن الحلفاء الذين شكلوا نقطة قوتهم في احتواء الصين، واستفسرت أيضا إن كان ذلك يضمن إرضاء الصينيين؟
وتابعت الصحيفة بالقول إن هذا الحل قد يسهم في انخفاض محتمل للتوتر على المدى القصير وربما المتوسط، لكنه قد يوفر الوقت لبكين لتكييف قواتها وتقنياتها بشكل كاف لمواجهة الولايات المتحدة من موقع تتكافأ فيه القوة.
أردفت أن السيناريو الثالث قد يكون تقسيما فعليا، غير متفق عليه، للنفوذ على مناطق أخرى من العالم.
في هذه الحالة، سيتكرر سيناريو الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والذي أعقب الحرب العالمية الثانية واستمر لمدة خمسين عاما تقريبا، وسيؤدي ذلك إلى انقسام العالم إلى كتلتين.
في هذا السياق، تشرح الصحيفة أن الشعار الذي أطلقته إدارة جو بايدن التي تعتبر المواجهة مع الصين صداما بين الديمقراطيات الليبرالية التي تدعم الدفاع عن حقوق الإنسان ضد الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية، يفترض هذا الحل تحديدا.
من جانبها، ستضطر أوروبا في حال الاتجاه في هذا المسار إلى الانحياز إلى حليفها الغربي.
أما السيناريو الأخير، الذي يأمل الكثيرون في الولايات المتحدة حدوثه دون الافصاح عنه علانية يتعلق بانهيار النظام الشيوعي.
وفقا لمؤيديه سيكون الحل الأفضل لاسيما وأن نهاية قوة الحزب الشيوعي في بكين ستفتح المجال لولادة الصين الديمقراطية الليبرالية، وهو ما سيمثل رافدا للهيمنة الأميركية، وفق قول الصحيفة الإيطالية.
لسوء حظ المعتمدين على هذه الفرضية، من غير المؤكد أن إضعاف الحزب الشيوعي الصيني وسقوطه هو الفرضية المثلى على المدى القصير.
على الرغم من أن الصين تعاني من نقاط ضعف داخلية كبيرة مرتبطة من ناحية بهشاشة وضعف نظامها الائتماني الداخلي والخارجي، وبارتفاع الدين العام والخاص، كما تواجه خطر كارثة اجتماعية وديموغرافية محتملة، فإن ذلك لا يعني أن قادة الحزب الشيوعي مستعدين لتسليم السلطة دون القيام برد فعل.
على العكس من ذلك، قد تدفع حالة عدم الاستقرار الداخلي بالحزب الشيوعي إلى كسب مزيد من الإجماع الشعبي من خلال إذكاء القومية وزيادة عدوانه على الخارج.
علاوة على ذلك، إذا بلغ عدم الاستقرار مستويات دراماتيكية لدرجة وقوع اشتباكات عنيفة في جميع أنحاء البلاد، سيضطر العديد من الصينيين إلى الهجرة والتشتت في جميع أنحاء العالم.وفي هذا السيناريو، أكدت الصحيفة أن الأمر لا يتعلق ببضع مئات الآلاف من الأشخاص وإنما عشرات الملايين من اللاجئين المحتملين، لذلك ستزعزع عواقب هذا الأمر الاستقرار الداخلي للدول الأخرى.
وعلى الرغم من تجنب اندلاع حرب عالمية جديدة، ستجد دول عديدة نفسها أمام مواجهة مشاكل من نوع آخر ومرهقة بنفس القدر.
تبرز السيناريوهات الأربعة أن الصين محور المشكل، وتفترض ضمنيا أن تحافظ الولايات المتحدة على استقرارها وقوتها كما كانت في الماضي.
لكن إذا أخذت في الاعتبار متغيرات أخرى، فسيلاحظ أن المجتمع الأميركي لم يعد كما كان قبل عقدين من الزمن على إثر ما شهده من انقسامات وفجوات بين المكونات الاجتماعية المختلفة.
كما يعد ما حدث أثناء وبعد انتخاب بايدن أحد أعراض وقوع وعكة عميقة، وفق تقدير الصحيفة الإيطالية.
وفي حالة حدوث هذه الفرضية، يصبح من المؤكد أن سيناريو العالم بأسره سيتغير، وعند هذه النقطة، ستكون المتغيرات المحتملة عديدة، تختم الصحيفة.