جورج حبش.. مناضل مقدسي تنبأ بخيانة الأنظمة العربية للقضية الفسلطينية

12

طباعة

مشاركة

قبل 13 عاما، وفي 26 يناير/كانون الثاني 2008، توفي المناضل الفلسطيني جورج حبش إثر إصابته بأزمة قلبية، بعد عمر طويل قضاه في المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وتتزامن الذكرى السنوية لرحيله مع تهافت أنظمة عربية للتطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، في ظل رفض شعبي واسع للتطبيع الذي يعتبره ملايين العرب خيانة للقضية الفلسطينية.

كان حبش من أوائل من فرق بين الأنظمة العربية وجيوشها من جهة وبين الشعوب من جهة أخرى فيما  يخص القضية الفلسطينية، قائلا: "الشعب الفلسطيني لا يقبل الانتظار 20 سنة أو سنة واحدة حتى تتقدم الجيوش العربية لتحرير تل أبيب، الجماهير الفلسطينية ستجد الدعم من 100 مليون عربي".

مناضل يساري

كان حبش سياسيا وقائدا عسكريا، ومن أشد المؤمنين بالمقاومة المسلحة، والعمل الثوري، خصوصا بعد نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967، التي قال إنها ليست مجرد نكسة عسكرية، بل هزيمة أوضاع عربية وهزيمة أنظمة عسكرية وهزيمة للحركة الوطنية العربية، كما دعا العرب إلى الثورة قائلا: "ثوروا.. فلن تخسروا سوى القيد والخيمة".

حبش كمناضل يساري كان يرى العروبة إطارا للمقاومة، وأن أي تشكيل مسلح يجب أن يأخذ نطاقا عروبيا، لأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، ولابد لأي مشروع من قضية وعقيدة تقاتل في إطارها.

آمن حبش بضرورة إذابة الفوارق الدينية والسياسية والحزبية في الصف المقاوم، فكان يعرف عن نفسه أنه إسلامي التربية، مسيحي الديانة، اشتراكي الانتماء، وأسس بناء على تلك الرؤية "حركة القوميين العرب".

أكد حبش على ضرورة الوعي السياسي لكل مقاتل ومناضل، قائلا: "المقاتل غير الواعي سياسيا كأنما يوجه فوهة البندقية إلى صدره"، وكان لوعي حبش دور في قدرته على المناورة لعدة عقود، والنجاة من محاولات الاعتقال والاغتيال من قبل الموساد الإسرائيلي.

المؤسس الأول

كان حبش من الذين هجّرت حرب 1948 عائلته من فلسطين، فاتجهت نحو لبنان، وفي تلك الأثناء كان حبش يدرس الطب في الجامعة الأميركية ببيروت، التي التحق بها عام 1944، وما لبث أن غادر بيروت سنة 1952 إلى عمّان حيث أسس عيادة طبية مجّانية مع رفيق عمره الدكتور وديع حداد لمعالجة اللاجئين والفقراء.

استمر حبش في دراسته ومن ثم عمله كطبيب، غير أن هاجس التهجير واحتلال أرضه من قبل الكيان الصهيوني، قد لازمه، فلم يتوقف عن التفكير باسترداد أرضه، حتى أنه قاد مظاهرات طلابية في حرم الجامعة عندما كان معيدا بها، فانتقدته الجامعة، واضطر لتقديم استقالته.

حبش الذي كان يلقب بـ "الحكيم" هو مؤسس حركة القوميين العرب، التي نشأت عقب نكبة 1948، كحركة جماهيرية تهدف لتوعية الشعوب العربية من أجل النضال، وتعمل بشكل مواز إلى جانب "كتائب الفداء العربي"، التي كانت تمارس النضال المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.

كما يعد حبش هو مؤسس وأمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الفصيل اليساري بمنظمة التحرير الفلسطينية، التي مثلت امتدادا لـ"حركة القوميين العرب" عقب انهيارها بعد نكسة حزيران 1967.

تأسست الجبهة بناء على تصور قضى بأن الفلسطينيين يجب عليهم الاعتماد على أنفسهم وعلى قوّتهم في تحرير أرضهم، بعد هزيمة النظام العربي في ستينيات القرن الماضي.

اعتقال واغتيال

وصل حبش إلى قناعة بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن القوة السبيل والخيار الوحيد لاستراد الحق والأرض، فكان أن انخرط ضمن جمعية العروة الوثقى، التي كانت منتدى أدبيا، تحول بفعل النقاشات الساخنة إلى منتدى سياسي وفكري.

ومن خلال المنتدى تكونت نواة "كتائب الفداء العربي"، من عدة شباب من سوريا ولبنان وفلسطين، وآمنت بالنضال والعمل المسلح لاسترداد الأرض، فقامت بعدة عمليات لتفجير سفارات إسرائيلية وضرب لمؤسسات صهيونية في الوطن العربي، وتفجير لإمدادات الغاز، قبل أن يتم حلها عقب اكتشاف الشبكة وملاحقة منسبيها، ثم تأسيس "حركة القوميين العرب".

كما قاد حبش إلى جانب ذلك عمليات خطف عدد من الطائرات، للفت الأنظار إلى القضية الفلسطينية، ولهذا لاحقته القوات الإسرائيلية، بغية اعتقاله مرات، وبغية اغتياله مرات أخرى، غير أنه تمكن من خداعهم والفرار والتنقل بين كل من سوريا والأردن ولبنان.

لم ينج حبش من الاعتقال في سجون كل من سوريا والأردن، بتهمة ممارسة أنشطة سياسية، قاد بعضها للانقلاب في سوريا عام 1963، وفي سنة 1968 تلقى دعوة من السلطات السورية لحضور فعالية، غير أنها كانت مكيدة قد دبرت له، اعتقل على إثرها 10 أشهر بتهمة تأسيس خلايا مسلحة.

وقتها وضع حبش بأسوأ سجون سوريا، وهو سجن "الشيخ حسن" سيء السمعة، فتعرض للتعذيب النفسي، غير أنه انكب على القراءة وهو في المعتقل، فقرأ لكارل ماركس، وفريدريك إنجلز، وفلاديمير لينين، وهو تشي منه، وماو تسي تونغ، وتعمق فهمه للماركسية، وكان لذلك دور في تعزيز اتجاهاته اليسارية.

عدو الاتفاقيات

عارض حبش الحلول السياسية المهادنة وأنصاف الحلول التي تنتج عن الاتفاقيات، لهذا كان من أشد معارضي اتفاق أوسلو، حيث رأى أنه جاء لمصلحة إسرائيل بشكل حاسم، وقال إن "إعلان إنهاء الحرب مع إسرائيل خيانة صارخة، ومنظمة التحرير الفلسطينية سارت في الخط السعودي – المصري".

وأضاف إنه "لا للدولة الفلسطينية إذا كانت ستقوم وثمنها استمرار بقاء إسرائيل" وأكد قائلا: "عار على يدي أن تصافح يدا أطاحت بأعناق شعبي"، حتى أنه ظل رافضا لتقديم طلب إلى إسرائيل للعودة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة حتى وفاته في المهجر.

خاطب حبش منظمة التحرير قائلا: "سياسة الأنظمة المستسلمة ستفرز حركات تحرر وطنية جديدة وجذرية، وواجب الثورة الفلسطينية هو التحالف مع هذه القوى وليس مع الأنظمة المنهارة".

سيرة ثورية

ولد جورج نقولا حبش في 2 أغسطس/آب 1926، في مدينة اللد التاريخية، شمال غرب القدس، لعائلة أرثوذكسية ميسورة الحال، وعاش فيها حتى عمليات التهجير التي تمت عام 1948، عقب حرب النكبة، وكان عمره حينها 22 عاما.

اتجه بعدها مع عائلته نحو بيروت، وهناك درس الطب في الجامعة الأميركية وكان متميزا في دراسته فعمل معيدا في الجامعة، حتى قدم استقالته منها عقب أنشطة سياسية وتظاهرات طلابية مؤيدة لفلسطين، ومعادية للكيان للصهيوني.

عاش مع والدته، وإخوته الستة في بيروت، وتزوج من ابنة عمه هيلدا حبش، وكانت رفيقته في النضال، طوال مراحل حياته، وأنجب منها ميساء ولمى.

شهد عقد الستينيات والسبعينيات أوج نشاطه، في حين مارس العمل السياسي في عقد الثمانينيات والتسعينيات، ليستقيل مطلع 2000، وكان قد بلغ من العمر نحو 74 عاما.

توفي حبش في عمّان بالأردن، عن عمر ناهز 82 عاما، وترك وراءه سيرة ثورية امتدت لعقود، ووثقها "مركز دراسات الوحدة العربية" في مذكرات بعنوان "صفحات من مسيرتي النضالية" سرد خلالها حبش أبرز محطات تجربته النضالية على مدى نحو نصف قرن.