عبد الرحمن الحجي.. مؤرخ عراقي عشق الأندلس ومنعته الإمارات من دخولها

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

بعد مسيرة طويلة من العطاء امتدت لعشرات السنين أمضاها في خدمة التاريخ الإسلامي، والأندلسي تحديدا، رحل العراقي الملقب بشيخ المؤرخين الأندلسيين، العلاّمة الدكتور عبد الرحمن علي الحجي عن عمر ناهز 86 عاما، في العاصمة الإسبانية مدريد.

عرف الحجي بجهوده الكبيرة في حقل الدراسات التاريخية الأندلسية، وألف وحقق وترجم كثيرا من الأعمال التي أصبحت فيما بعد مرجعا مهما لعدد من الباحثين في الدراسات الأندلسية، وكان أبرز الأقلام التي وثقت تاريخ الأندلس من الفتح حتى سقوط غرناطة.

"مدافع غيور"

في 19 يناير/ كانون الثاني 2021، نشر أحد أبنائه على حساب والده بتويتر نعيا، جاء فيه: "بحزن شديد ننعي إليكم وفاة عاشق الأندلس وفقيدها، والمدافع الغيور عن تاريخها، الوالد الدكتور عبد الرحمن علي الحجي، الذي وافته المنية، أمس، إثر أزمة قلبية".

وفي 3 يناير/ كانون الثاني 2021، كانت آخر تغريدات الحجي والتي قال فيها: "أزعم أن معرفة التاريخ الإسلامي من أكبر الروافد في فهم الإسلام نفسه، قرآنا وسنة وسيرة، لأنه هو التطبيق العملي للإسلام".

ولد الراحل وسط أسرة فلاحية بسيطة عام 1935 بمدينة المقدادية بمحافظة ديالى شرقي العراق، حيث أكمل فيها دراسته الابتدائية والثانوية، ليلتحق بعدها بكلية دار العلوم في مصر ليحصل على درجة الليسانس في اللغة العربية وآدابها والعلوم الإسلامية.

كما حصل الحجي على الدبلوم العالي في التربية وعلم النفس من كلية التربية بجامعة عين شمس، ثم بدأ رحلته مع الدراسات العليا في كلية الفلسفة والآداب بجامعة مدريد.

حصل الحجي على الدكتوراه من جامعة كامبردج في بريطانيا حول العلاقات الدبلوماسية مع أوروبا الغربية عام 1966، ونال درجة الأستاذية من جامعة بغداد عام 1979.

ساهم الحجي في تأسيس جامعة الإمارات المتحدة، حيث كان عميدا لكلية العلوم الإنسانية بها وترأس قسم التاريخ والآثار، وعمل أستاذا في جامعات بغداد، والرياض (جامعة الملك سعود)، وجامعة الكويت.

كما عمل أستاذا زائرا بقسم التاريخ، كلية الآداب، جامعة صنعاء باليمن، فضلا عن جامعات ومعاهد عديدة كان فيها أستاذا زائرا وقدم بحوثا ودورات في السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والأندلسي.

شارك الحجي دولا عربية، لا سيما الإمارات العربية المتحدة في إعداد اللوائح العامة والخاصة، وإعداد مناهج دراسية لجميع المراحل ابتدائية وإعدادية وثانوية وجامعية عموما، ومناهج الاجتماعيات والتاريخ والحضارة خصوصا، وكذلك إعداد مناهج خاصة للطالبات.

أزعم أن معرفة التاريخ الإسلامي من أكبر الروافد في فهم الإسلام نفسه، قرآناً وسنةً وسيرة، لأنه هو التطبيق العملي للإسلام. 

نتاج غزير

يُعد عبد الرحمن الحجي من أهم أساتذة ومختصي التاريخ الأندلسي، وله نحو 20 كتابا عن الأندلس تأليفا وتحقيقا، وتعد أعماله مرجعا علميا للطلاب في الجامعات العربية والعالمية.

ومن بين أشهر ما ألف الدكتور الحجي "التاريخ الأندلسي من الفتح إلى سقوط غرناطة"، "تاريخ الموسيقى الأندلسية: أصولها، تطورها، أثرها على الموسيقى الأوروبية"، "مع الأندلس.. لقاء ودعاء"، "العَلاقات الدبلوماسية بين الأندلس وبيزنطة"، "ابن زيدون.. السفير الوسيط"، "هجرة علماء الأندلس لدى سقوط غرناطة (ظروفها وآثارها)".

ومن كتبه أيضا: "الحضارة الإسلامية في الأندلس: أسسها، ميادينها، تأثيرها على الحضارة الأوربية"، "أندلسيات"، "السيرة النبوية: منهجية دراستها واستعراض أحداثها"، "تاريخنا.. من يكتبه؟ نظرات في دراسة التاريخ الإسلامي".

أما في مجال تحقيق التراث الأندلسي، فقد تصدى الدكتور الحجي لتحقيق واحد من أشهر كتب التاريخ الأندلسي، وهو كتاب "المُقْـتَبِس في أخبار بلد الأندلس"، للمؤرخ الكبير ابن حَيّان القُرطبي (377 - 469 هـ)، يتحدث هذا الجزء من المقتبس عن 5 سنوات (360 - 364 هـ) من أيام الخليفة: الحَكَم الثاني، المستنصر بالله (350 - 366 هـ).

كما قام بتحقيق ودراسة للنص الجغرافي المتعلق بالأندلس وأوروبا من كتاب: "المسالك والممالك"، للجغرافي الأندلسي الكبير أبو عُـبَيْد البكري (عبد الله بن عبد العزيز 406 -487 هـ)، وظهر هذا النص تحت عنوان: جغرافية الأندلس وأوروبا.

أما أطروحة الدكتوراه التي اشتغل عليها مدة 5 سنوات، كانت مصادرها باثنتي عشرة لغة، ونشرها في كتاب باللغة الإنجليزية، وأخرى بنسخة عربية صدرت عام 2002، عن المَجْمَع الثقافي في أبوظبي بعنوان: "العَلاقات الدبلوماسية الأندلسية مع أوروبا الغربية خلال المُدَّة الأُموية".

شيخ المؤرخين

ورغم إقامته فيها لسنوات، والعطاء الكثير والإسهامات الكبيرة في تنمية قطاع التعليم بالإمارات، إلا أن الأخيرة منعته بقرار مفاجئ من دخول البلاد.

ومع وفاته، نعاه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في 19 يناير/ كانون الثاني 2021، بالقول: "الأمة الإسلامية فقدت عالما من علمائها المخلصين الأفاضل نسأل الله العلي القدير أن يغفر له ويرحمه رحمة واسعة ويعفو عنه".

ونعتته الأمانة العامة لاتحاد المؤرخين العرب، وقالت في بيان إن "الفقيد كان أستاذا بارعا في تاريخ الأندلس وإنا إذ ننعيه لكافة المؤرخين العرب والمسلمين، فإننا ندعوه تعالى أن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وزملاءه وطلابه الصبر والسلوان وعظيم الإيمان، وإنا لله وإنا إليه راجعون".

كذلك، نعاه المكتب الإعلامي للحزب الإسلامي العراقي، مشيرا إلى "المكانة الكبيرة، والقيمة العلمية السامقة، التي حازها الحجي، من خلال مسيرة علمية حافلة، وحضور علمي وأكاديمي متميز في العديد من الأقطار العربية والأجنبية، ونتاج ثقافي واسع التأثير والانتشار في جميع حقول التاريخ الإسلامي عامة والأندلسي والسيرة النبوية خاصة، فضلا عن الثقافة الإسلامية".

وتابع بيان الحزب: "وفاة الدكتور الحجي تمثل خسارة علمية كبيرة، وفقدان لقامة وطنية شامخة"، معبرا عن "أسفه لغياب الاهتمام الرسمي العراقي بمثله من رموز وطننا الحبيب".

من جانبها، نعت مجلة "المجتمع" الكويتية مؤرخ الأندلس، كواحد من كتابها الكبار، وتقدم رئيس تحريرها محمد سالم الراشد، والعاملون بالمجلة، بـ"خالص العزاء للأمة الإسلامية وأسرة الفقيد وتلامذته ومحبيه".

ورثاه أستاذ التاريخ الأندلسي المساعد الدكتور مرتضى عبد الرزاق مجيد، خلال تصريحات صحفية في 19 يناير/ كانون الثاني 2021، بالقول إن "الحجي يُعد أحد الركائز الأساسية في دراسات التاريخ الأندلسي، لأنه كتب عن هذا التاريخ من الفتح إلى السقوط، وكان له دور بارز في التعريف به".

وأضاف مجيد: "الحجي لقّب بشيخ المؤرخين الأندلسيين لأنه أول من بدأ بالدراسات الأندلسية في العراق، فكتب عن الأندلس بصورة حقيقية وحيادية وبكل دقة ووضوح، ولديه أكثر من مؤلف ومصنّف عن تاريخ الأندلس سواء كان اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا".

وأرجع مجيد سبب اهتمام الحجي بتاريخ الأندلس إلى "أهمية تلك البلاد إذ إنها تسمى -في العراق- الفردوس المفقود، بعدما بذل المسلمون جهودهم الجبارة في تلك الأرض لتكوين حضارة إنسانية لها تأثير في المشرق والمغرب وفي أوروبا، وإلى مكانتها المجتمعية العالية، فقضية الأندلس أشبه بالقضية الفلسطينية اليوم".