عبد الرحمن منيف.. روائي سعودي تنبأ بزوال مملكة "الملح" فسحبت جنسيته
17 سنة مرت على وفاة الأديب والناقد السعودي الأبرز عبد الرحمن منيف في 24 يناير/كانون الثاني 2004، عن عمر يناهز 70 عاما.
قبل أن يكون أديبا بارعا وكاتبا روائيا وقاصا ومؤرخا، كان منيف خبيرا اقتصاديا ومفكرا سياسيا صاغت اهتماماته المتنوعة رأسه، وصقلت مواهبه، فانعكست على رواياته.
يعد منيف من أهم الروائيين العرب، قدم سرديات روائية وأدبية تم اعتبارها من أهم الأعمال التي تناولت المجتمع العربي في فترة حساسة، شهدت فيها الأنظمة تحولات جوهرية مطلع القرن الماضي، كما تحكي غربة الإنسان العربي وأحلامه التي أجهضتها الحكومات المستبدة.
"مدن الملح"
من ضمن رواياته "مدن الملح"، وهي عبارة عن 5 أجزاء، "التيه، الأخدود، تقاسم الليل والنهار، المنبت، وبادية الظلمات"، وتعد هذه الخماسية الأدبية من أهم الروايات التي زخرت بها المكتبة العربية.
سلطت "مدن الملح" الضوء على النظام السعودي الذي نشأ بعد ثورة النفط، ورصدت التحولات السياسية والاجتماعية التي تبعت تلك النقلة الاقتصادية، كما تناولت الأحداث التاريخية التي حدثت في الجزيرة العربية والسعودية على وجه الخصوص، خلال الفترة من 1900 وحتى 1975.
يقول منيف في خماسيته: "قصدت بمدن الملح تلك التي نشأت في برهة من الزمن، بشكل غير طبيعي واستثنائي، بمعنى أنها لم تظهر نتيجة تراكم تاريخي طويل أدى إلى قيامها ونموها واتساعها".
مضيفا: "إنما هي عبارة عن نوع من الانفجارات، نتيجة الثروة الطارئة. هذه الثروة (النفط)، أدت إلى قيام مدن متضخمة أصبحت مثل بالونات يمكن أن تنفجر وتنتهي بمجرد أن يلمسها شيء حاد".
سحب الجنسية
وبطبيعة الحال في الرواية الأدبية، لم يتناول منيف النظام السعودي بشكل مباشر، لكنه سرد روايته بأسماء وأماكن مستعارة، ورغم ذلك صنفت المملكة منيف كمعارض سياسي، وسحبت منه الجنسية ومنعت "مدن الملح" بأجزائها الخمسة، كما حظرت عليه دخول أراضيها.
ما زاد من حنق تلك الأنظمة أن نصوص منيف لم تكن أدبية فحسب، بل كانت نصوصا فكرية تحاول تفسير الظاهرة الاقتصادية والاجتماعية، فقد رأى، على سبيل المثال أن الثروة النفطية، أوجدت خللا وهوة كبيرة في تلك المجتمعات لأن النهوض الاقتصادي لم يرافقه نهوض اجتماعي، جراء سيطرة الأسر الحاكمة في الخليج على تلك الثروات وإنفاقها في ترسيخ دعائم حكمها، وتلبية احتياجاتها.
كما رأى منيف أن الثقافة العربية في مأزق لعدم وضوح دورها، مؤكدا أنها تعد الجبهة المساندة لأي شعب يريد النهوض والريادة، وبالطبع هذه الأفكار من المحرم ترويجها في المجتمع السعودي، لهذا تم التحذير منه ومن كتاباته.
نشأ يتيما
ينحدر منيف من منطقة قصيبا شمال مدينة بريدة السعودية، وعمل أبوه إبراهيم منيف في تجارة المواشي، وكان يتنقل من بلد إلى آخر، لكنه غادر بريدة عام 1883، واستقر في العراق.
في مايو/أيار 1933، ولد منيف في عمّان بالأردن، لأب سعودي، وأم عراقية، ونشأ يتيما، حيث مات والده إبراهيم وهو في الثالثة من عمره، فدرس في عمان المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وقضى كامل طفولته ومراهقته هناك، ثم انتقل إلى بغداد ليلتحق بكلية الحقوق عام 1952.
ما كاد يستقر في بغداد، حتى طرد منها في عام 1955، مع مجموعة من الطلاب، بسبب نشاطهم السياسي المعارض، لينتقل بعد ذلك إلى القاهرة لاستكمال دراسته الجامعية، وكان يكتب في الصحافة، غير أنه ما لبث أن سافر إلى يوغسلافيا، وهناك تابع دراسته في جامعة بلغراد وتخصص في اقتصاديات النفط، وحصل منها على الدكتوراه عام 1961.
عاد منيف بعدها إلى سوريا، وعمل في في الشركة السورية للنفط بدمشق، وبعدها عاد إلى بيروت عام 1973 وعمل في مجلة البلاغ اللبنانية، وفي عام 1981 سافر إلى باريس، ومن هناك مارس نشاطا معارضا، من خلال كتاباته الصحفية.
بعدها اتجه منيف لتأليف الكتب والروايات، غير أنه لم يشرع في التأليف إلا بعد أن جاوز الأربعين، لهذا كانت كتاباته ناضجة، تنم عن خبرة واسعة وتجارب قاسية مر بها، لينتقل بعد ذلك إلى سوريا عام 1986، ويكمل فيها حياته حتى وفاته عام 2004.
لم يسلم منيف من الأذى حيا وميتا، فبالإضافة إلى نفيه قسرا لأكثر من مرة، تعرض قبره للتخريب في دمشق عام 2007، ولم يتم الكشف عن الفاعل.
أدب السجون
منيف من أوائل من كتبوا عن أدب السجون، وسلط الضوء على التعذيب، كما هو في رواية "شرق المتوسط" و"الآن ..هنا"، التي كشفت ممارسات الأنظمة البوليسية والمنظومة القمعية داخل المؤسسات العسكرية بالسجون.
كان منيف يرى أن اعتقال الناس يتعدى حبسهم داخل غرفة لها 4 جدران وجلاد، وأن الاعتقال هو أن يظل الإنسان حبيس خوفه، ورعبه من النظام واعتقالهم شعوريا.
في روايته "شرق المتوسط مرة أخرى" قال: "السجن ليس فقط الجدران الأربعة وليس الجلاد أو التعذيب، إنه بالدرجة الأولى خوف الإنسان ورعبه، حتى قبل أن يدخل السجن، وهذا بالضبط ما يريده الجلادون وما يجعل الإنسان سجينا دائما"..
وقال في ذات الرواية: "نحن الذين خلقنا الجلادين، ونحن الذين سمح باستمرار السجون، لقد فعلنا ذلك من خلال تساهلنا وتنازلنا عن حقوقنا، ومن خلال استسلامنا لمجموعة من الأوهام والأصنام، ثم لما أصبحنا الضحايا، لم نعد نعرف كيف نتعامل مع هذه الحالة".
كتب منيف نحو 28 رواية ومؤلفا، ترجم بعضها لأكثر من لغة، وبرأي كثير من الأدباء والنقاد، فإن منيف لم يأخذ حقه من التناول رغم تقديمه لأعمال غاية في الأهمية.
حاز منيف على جائزة العويس الثقافية في دورتها الثانية عام 1989، وحصل على جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي في دورته الأولى عام 1998.
بعد وفاته بأقل من عام، وفي فبراير/شباط 2005، تم عقد ملتقى القاهرة للإبداع الروائي بعنوان "الرواية والتاريخ"، وأهديت إلى اسم الراحل مُنيف، تكريما له باعتباره الفائز الأول بالجائزة، وتخليدا لأعماله.
المصادر
- مدن الملح.. هكذا روى عبد الرحمن منيف تاريخ السعودية
- الرواية السياسية عند عبدالرحمن منيف
- "مدن الملح" الممنوعة سعودياً مُحتفى بها عالمياً
- عبد الرحمن منيف على موسوعة الويكبيديا
- في السعودية الكتب مُراقبة أيضًا: 5 كتب ممنوعة على القارئ السعودي
- من أدب السجون إلى تاريخ النفط: تعرف على عبدالرحمن مُنيف
- عندما أعاد «عبدالرحمن منيف» تشكيل العالم برغباته وأوهامه
- معرض جدة الدولي للكتاب.. الكتب أيضًا مراقبة في السعودية