المفضل المغوتي.. عسكري مغربي سجنه الحسن الثاني فحول المعتقل لدار قرآن

12

طباعة

مشاركة

فَقدَ المغرب في الثامن من يناير/كانون الثاني 2021، الطيار الحربي، المفضل المغوتي وهو واحد من رواد أدب السجون، عن عمر ناهز 81 سنة، بعد حياة حافلة قضى جزءا كبيرا منها في غياهب معتقل "تازمامرت". 

شغل الراحل منصب ضابط سابق في القوات الجوية الملكية المغربية، قبل أن يقضي 18 عاما داخل أسوار المعتقل. 

ونعى عدد من الكتاب ومعارف الراحل، الطيار، على رأسهم كاتب المذكرات، بلال التليدي، الذي وصفه في منشور عبر موقع "فيسبوك"، بـ"الرجل المؤمن الذي كان سببا في تحفيظ عدد من ضحايا تازمامرت القرآن".

من الطب للطيران

ولد المفضل المغوتي، سنة 1940 بمدشر "ماغو" بجماعة باب تازة في إقليم شفشاون شمال المغرب. وكان الراحل، قد التحق بالطيران سنة 1961، ثم رحل إلى قاعدة وليامز الأميركية سنة 1965، إلى حين عودته إلى القاعدة الجوية في القنيطرة سنة 1967.

في يوم 16 أغسطس/آب 1972 انقلبت حياته رأسا على عقب، فقد كان من بين الطيارين الثلاثة الذين انطلقوا من القاعدة الجوية بمدينة القنيطرة المغربية، لإلقاء التحية على طائرة الملك الحسن الثاني العائدة من فرنسا، فاتهم بالمشاركة في انقلاب 1972، المعروف بـ"انقلاب أوفقير".

ألقي القبض على المغوتي، وكل من بقي على قيد الحياة من المشاركين في الانقلاب، وزج بهم في معتقل تازمامرت. حُكم على مفضل المغوتي بالسجن 20 عاما قضى منها ثمانية عشر عاما في أهوال المعتقل الذي يوصف بـ"الرهيب".

عُرف الطيار العسكري بتدينه وحفظه للقرآن الكريم، حيث لُقب بـ"مؤذن وفقيه تزمامرت"، وكان سببا في تحفيظ القرآن الكريم لعدد من ضحايا المعتقل المذكور.

يتذكر المغوتي في أحد حواراته، كيف أن والده دفعه إلى الدراسة في سن مبكرة، في حين كانت العادة في القرى النائية في شمال المغرب، أن "يُدفع الصبية جميعا لتعلم القرآن وحفظه في المسيد (مدرسة قرآنية)".

وأشار أنه بالموازاة مع دراسته، حفظ من القرآن بضعة أحزاب احتفظت بها ذاكرته إلى أن ولج المدرسة بفضل صديق والدي الذي أقنعه بإدخاله للمدرسة.

يفيد الراحل، أن همّ والده كان أن يتعلم الحساب حتى يعينه في دكانه، لذلك لم يتردد في قبول فكرة المدرسة طمعا في أن يكتسب مهارة الحساب. حصل المغوتي على الشهادة الابتدائية سنة 1954، وانتقل إلى مدينة تطوان لإكمال دراسته الثانوية.

حلم المفضل بدراسة الطب لكن دون أن يتمكن من ذلك، إلى أن حصل على شهادة الثانوية العامة، وسمع أن صديقا له دخل كلية الطيران. حينها تذكر اليوم الذي شاهد  فيه لأول مرة طائرة ضخمة تقبل إلى مكان التدريبات التي كان يقيمها الجنود الإسبان في منطقته.

 حصل في سنة 1963 على الشهادة العليا في الطيران الحربي بفرنسا، وفي الثامن من سبتمبر/أيلول 1965 تم نقل عشرة طيارين، كان واحدا منهم إلى قاعدة وليامز الأميركية.

كانت بداية التدريبات في قاعدة وليامز بطائرة "ت 41"، ثم طائرة "ت 37"، التي تحمل محركين اثنين. ويفيد المغوتي بأن دروس التكوين في القاعدة الجوية "وليامز" كانت جد مكثفة تشمل العديد من المواد.

انقلاب 72

يروي المفضل المغوتي، الذي كان يوم 16 أغسطس/آب 1972 -تاريخ الانقلاب الثاني على الحسن الثاني- بقاعدة القنيطرة الجوية، أن الأمور كانت تبدو عادية، ولم يخطر ببال أحد أن عملية انقلاب تدبر ضد الملك، حيث لم يظهر على مدبري الانقلاب أي أثر الاضطراب أو التوتر.

"قبل أن تنزل الطائرة نودي علينا من برج المراقبة وجاءتنا أوامر بضرورة إقلاع ثلاث طائرات لمهمة تحية الملك قرب القاعدة الجوية بمدينة سلا، حيث ستنزل طائرة الملك"، يروي الراحل.

ويزيد: "حلقنا فوق مطار سلا ثم رجعنا إلى القاعدة الجوية بالقنيطرة تماما كما طلب منا، ولم نكن نعرف أن الملك تعرض لمحاولة إسقاط بطائرته".

وتابع: "لم نعلم أن طائرته ضربت في جناحها، لكني وأنا أحلق لأداء التحية لاحظت أن طائرة الملك كانت خارجة عن المدرج، ولم أكترث للأمر، فبرج المراقبة بسلا يراقب كل شيء ولو كان الأمر يستدعي التدخل لقامت القاعدة الجوية بسلا بما يلزم".

تذكر الراحل أنه "في الوقت الذي نزل فيه الطيارون من طائرتهم، داهم القاعدة الجوية جنود الأرض المسلحون بالدبابات والشاحنات العسكرية وحاصروا المكان وعلمنا بعدها أن الأمر لن يتوقف عند حدود منفذي الانقلاب وأن القاعدة الجوية ستعاقب كلها".

هو بطل مذكرات "ويعلو صوت الأذان من جحيم تازمامرتّ"، التي أصدرها الصحفي والكاتب بلال التليدي سنة 2009، ويحكي من خلالها تجربة السجناء الذين زج بهم في غياهب المعتقل الذي اشتهر في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إثر المحاولة الانقلابية الثانية ضد الملك.

روى الكتاب مشاهد مؤلمة ومأساوية، دارت طيلة 18 سنة في جحيم المعتقل، الذي زج فيه الحسن الثاني بكل معارضيه، فيما عرف في المغرب بـ"سنوات الرصاص"، قبل أن يعقد معهم الملك الحالي، محمد السادس، مصالحة وطنية.

مقرئ "الجحيم"

وأول ما يتذكره المغوتي: "أدخلوني إلى الزنزانة رقم 18، وأغلقوا علي الباب الحديدي، وسط ظلام دامس لا أكاد أرى فيه حتى جسدي".

"كنا نظن أننا سنقضي مدة الحكم بالسجن المركزي وكان أملنا أن يسمح لعائلاتنا بزيارتنا، ولم نتوقع أنه في السابع من أغسطس/آب سيتم اختطافنا ليلا إلى مكان مجهول”، في إشارة إلى  تزمامرت.

وقال المغوتي في حواره: في السابع من أغسطس/آب 1973 على الساعة الثالثة والنصف صباحا، قدم مسؤول الدرك المسمى فضول إلى السجن المركزي، طلب منا الخروج من زنازيننا وأمر بوضع الكماشة (الكلبشات) في أيدينا، والعصابة على أعيننا، وأركبونا في شاحنات عسكرية مغطاة، وانطلقت بنا في جنح الظلام.

وتابع: وقفت الشاحنة قرب طائرتين أعدهما خصيصا لنقلنا إلى جهة لا نعرفها. أقلعت الطائرة، وظن الجميع أن لحظة الموت قد اقتربت وأن القوم يستعدون لرمينا جميعا في أعماق البحر، نزلت الطائرة ووجدنا شاحنات عسكرية في انتظارنا".

وتابع: "رمونا فوق الشاحنات مثل أكياس القمامة، قطعت الشاحنة مسافة طويلة فأزال رجال الدرك الأغطية البلاستيكية عن الشاحنات وانعطف أحدهم إلى صاحبه وقال له: “أي مكان جيء بهم هؤلاء …الله يلطف بهم…”. 

وزاد المغوتي ساردا: أنزلونا، فأدخلونا من باب حديد واسع ومنه إلى ممر طويل وهناك نزعوا الكماشة من أيدينا وأدخلوا كل واحد منا زنزاناته المظلمة، لم نكن نعلم هذا المكان الذي اقتادونا إليه هو تزمامرت لكن ما أن قضينا فيه ليلة واحدة حتى أيقنا ألا جحيم هذا فوق الذي أتوا بنا إليه إلا أن تكون النار التي أعدها الله للكافرين.

قال المغوتي أثناء حياته، إن القرآن الكريم كان الأمل الوحيد، فلم يمر أسبوعان حتى أعطاه حارس السجن مصحفا، اعتقد دائما أنه العلاج لكل داء نفسي الذي يحل بنفس الإنسان،  اقترح على إخوانه بدء حصص حفظ القرآن الكريم استقبل المعتقلون الاقتراح بفرح كبير. 

تابع المغوتي: أبلغتهم أني سألتزم قراءة ثمن من القرآن كل يوم، وسأعيده أكثر من مرة حتى يترسخ في أذهانهم، وكلما انتهينا من ثمن انتقلنا إلى الذي يليه حتى نختم حفظ القرآن بأكمه.

كان المعتقل يقرأ من زنزانته بصوت عال يصل صداه إلى باقي المعتقلين الذين كانوا يرددون بعده.

صدر الأمر بالعفو سنة 1991، وفي سنة 1994 وصلت رسالة من وزارة حقوق الإنسان، استدعت المعتقلين للحضور إلى مقر الوزارة.

 تسلموا غلافا ماليا بمبلغ 5000 درهم (500 دولار) تقاضى المعتقلون السابقون هذا المبلغ إلى حدود سنة 2001، وفي هذه السنة -عهد محمد السادس- تسلم بعضها شيكات بمبلغ 200 ألف درهم (20 ألف دولار)، وبعضهم 350 ألف درهم (35 ألف دولار).

ويقول الراحب: "ما إن تسلمنا التعويض حتى سُحب الدعم الشهري، كأننا لم نكن من قبل موظفين لهذه الدولة نتمتع بحقوق التقاعد".