نجوى قدح الدم.. دبلوماسية سودانية فشلت إسرائيل في علاجها من كورونا

أحمد يحيى | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

"دبلوماسية ممتازة، لولا نشاطها لما كانت هناك علاقات بين إسرائيل والسودان"، هكذا وصف المحامي الإسرائيلي نيك كوفمان، الدبلوماسية السودانية نجوى قدح الدم، التي رحلت عن العالم متأثرة بفيروس كورونا، في 27 مايو/ آيار 2020.

رحلت قدح الدم تاركة وراءها مواقف سياسية مثيرة، جمعت بين متناقضات، قل أن تجمعها دبلوماسية سودانية على مدار العهود السابقة، فكانت مقربة من الرئيس المعزول عمر البشير، ثم تقربت من المجلس العسكري، وحازت ثقة البرهان، وأصبحت مستشارة له، في أيامها الأخيرة. 

لكن جدليتها الأكبر تمثلت أكثر في سياستها الخارجية، ومدى تأثيرها في محيطها الإقليمي الإفريقي، فهي مستشارة الرئيس الأوغندي يوري موسيفني، ولها علاقات بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وكذلك رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي.

كانت مهندسة التطبيع الأولى، فهي من رتبت لقاء رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان، برئيس وزراء إسرائيل نتنياهو. وهو ما قد يفسر الاهتمام الخاص الذي حظيت به من قبل إسرائيل عندما أصيبت بكورونا، حيث أرسلت تل أبيب طاقما طبيا رفيعا إلى الخرطوم في محاولة لإنقاذ حياتها.

نشاطها التعليمي

نجوى قدح الدم، بحسب وسائل الإعلام السودانية، هي سيدة في العقد الخامس من عمرها، من أسرة عريقة تنتمي إلى مدينة أم درمان العريقة، وجدها أحد الذين شاركوا في الثورة المهدية، التي اندلعت عام 1881، ووالدها عباس قدح الدم أحد الزعماء السياسيين، وقائد نادي الخريجين.

تلقت قدح الدم، تعليمها الأولي بأم درمان، ثم التحقت بجامعة الخرطوم، ودرست في كلية الهندسة الميكانيكية، وعملت أستاذة بالجامعة ونالت درجة الماجستير في "الطاقة المتجددة" من جامعة الخرطوم.

بعدها غادرت السودان، وانتقلت للعمل في وكالة ناسا الأميركية بفلوريدا عام 1991، ومنها إلى المعهد العالمي لدراسات الفضاء بمدريد، وذهبت إلى ألمانيا ودرست هناك التنمية المستدامة ومشكلات البيئة، وحصلت فيها على الماجستير، ثم درجة الدكتوراه في ذات التخصص، بعدها التحقت بمنظمة الأمم المتحدة بالعاصمة النمساوية فيينا.

سيدة الظل

عرفت نجوى قدح الدم بأدوارها السياسية الغامضة، خلال مسيرتها الطويلة، على مسرح الحياة السياسة السودانية، وداخل القارة الإفريقية، وكانت واحدة من أكثر المقربين من الرئيس الأوغندي يوري موسفيني، ونجحت من خلال قربها منه، من تحقيق مصالحة تاريخية بينه وبين الرئيس المعزول عمر البشير، ما قاد إلى تطور كبير في العلاقات بين الخرطوم وكمبالا. 

وبحكم علاقتها القوية بوزير الخارجية السوداني السابق علي كرتي، أخبرته بقدرتها على إقناع النظام الأوغندي بطرد المعارضة السودانية من كمبالا، وبالفعل تمكنت من ذلك وطلب الرئيس الأوغندي موسفيني من رموز المعارضة السودانية مغادرة بلاده. بعدها تقلدت نجوى منصب سفير السودان في أوغندا.

لم تقف علاقتها عند الرئيس الأوغندي موسفيني فقط، بل كان لها علاقات قوية مع رئيس زيمبابوي الراحل روبرت موغابي والنيجيري أولوسيغون أوباسانجو، وزعماء الكونغو ورواندا والأردن وجنوب إفريقيا، ورؤساء آخرين نمت علاقتها بهم أثناء فترة عملها بالأمم المتحدة.

وذكرت صحف سودانية أن قدح الدم لها علاقات قوية أيضا مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، ومع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس مخابراته عباس كامل. ومع مدير المخابرات السودانية الأسبق الملاحق بواسطة الإنتربول صلاح قوش.

تم تكريمها من قبل نظام البشير بمنحها وسام النيلين هي وصلاح قوش في نهايات عام 2018.

مهندسة التطبيع

بحكم علاقاتها، ونفوذها الإقليمي الواسع، وقربها من صناع القرار، قادت نجوى قدح الدم، العلاقات السرية بين السودان وإسرائيل، وصولا إلى لقاء نتنياهو والبرهان في أوغندا في فبراير/شباط 2020، وهو اللقاء الذي أحدث جدلا واسعا.

نقلت القناة "13" الإسرائيلية عن المحامي الإسرائيلي نيك كوفمان، الذي كان شريكا لقدح الدم، في تبادل الرسائل الأولى بين نتنياهو والبرهان، قوله: "كانت نجوى دبلوماسية ممتازة، ولولا نشاطها لما كانت هناك علاقات بين إسرائيل والسودان".

وكانت الدبلوماسية السودانية الوحيدة التي ظهرت صورها وهي تصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وأكد المحامي كوفمان الذي يعمل في الدفاع عن متهمين لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، بأنه كان المبادر لنسج اتصالات أولية مع البرهان، ونقل رسالة له من نتنياهو. 

ووفقا للدبلوماسي الإسرائيلي، فقد بدأت الاتصالات بشأن اللقاء بين نتنياهو والبرهان، في مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2019، وفي مطلع يناير/ كانون 2020، وصل كوفمان إلى السودان حاملا رسالة نتنياهو والتقى البرهان الذي حمله ردودا "إيجابية" على الاقتراح، لينتقل الموضوع إلى قناة اتصال جديدة من خلال نجوى قدح الدم. 

تولت قدح الدم مواصلة عملية الاتصالات بين مستشار نتنياهو للأمن القومي، مئير بن شبات ورئيس "الموساد" يوسي كوهين، وموفد نتنياهو السري للعلاقات مع الدول العربية الذي يعرف باسم "معوز" لتنسيق عقد لقاء القمة بين الطرفين.

كان ذلك قبل أن تصاب السياسية السودانية البارزة، بفيروس كورونا (كوفيد-19) بأشهر قليلة، وتواجه مضاعفاته التي قادتها إلى الموت.

محاولات إسرائيلية 

من أبرز نقاط التساؤل في موت نجوى قدح الدم، سعي تل أبيب الحثيث لإنقاذها، وما الذي كانت تمثله الدبلوماسية السودانية، لحكومة دولة الاحتلال؟.

ففي صباح الاثنين 25 مايو/ آيار 2020، انطلقت طائرة صغيرة من مطار بن غوريون في تل أبيب، إلى العاصمة السودانية الخرطوم، وعلى متنها فريق طبي رفيع، بحسب إفادة القناة "13" الإسرائيلية، لإنقاذ قدح الدم.

أوردت القناة العبرية، أنه كان من الممكن أن تبقى هذه الرحلة سرية، لكن مسارها الاستثنائي غير المعتاد، التقط عبر مواقع تتبع حركة الطيران على الإنترنت، ما أثار اهتمام الكثيرين في إسرائيل والسودان.

ذكرت القناة الإسرائيلية، أنه كان على متن الطائرة مع الفريق الطبي، أدوية للتعامل مع مرضى كورونا، ومسؤول سياسي إسرائيلي كبير (لم تسمه) يعمل على ملف العلاقات بين تل أبيب والخرطوم.

وأفادت مصادر لوسائل إعلام عبرية، أن الفريق الطبي الإسرائيلي وقف على حالة قدح الدم بمستشفى علياء التخصصي بالخرطوم، ولما لم تسمح ظروفها الصحية لنقلها إلى الخارج، كما كانوا يخططون، اضطر الفريق لإعطاء بروتوكول علاجي لها مع أدوية، في محاولات حثيثة لإنقاذها. 

الإعلامي الإسرائيلي الذي نقل أخبار قدح الدم على القناة "13" العبرية، قال: "اليوم بعد مرور 24 ساعة على عودة الطائرة إلى إسرائيل جاءت الأخبار الصعبة إلى القدس بأن فيروس كورونا تمكن من مهندس العلاقات الإسرائيلية السودانية وفارقت الحياة".