لن ترد إيران
ينتظر الكثير من العرب الرد الإيراني على إسرائيل خصوصا بعدما قامت الأخيرة باستهداف مواقع إيرانية في سوريا والعراق ولبنان، وقد بنوا هذا التصور لكثرة التهديدات الإيرانية وحلفائها لإسرائيل وقد صرح الكثير من المسؤولين الإيرانيين بأنهم سوف يدمرون إسرائيل خلال أيام أو حتى ساعات في حال قام الصهاينة بأي عمل عسكري ضد المواقع الإيرانية أو ضد حلفائها في المنطقة.
لقد نسي الكثير من المتابعين بأن إيران ومنذ ٤٠ عاما وهي تهدد إسرائيل وتتوعد بالقضاء عليها وفي نفس الوقت هي لا تستهدف إلا جيرانها من العرب وتسقط عواصمهم واحدة تلو الأخرى، وكلما أسقطت إيران عاصمة عربية كلما زادت من تهديدها لإسرائيل وارتفع صوتها وصوت حلفائها أكثر فأكثر (الموت لأمريكا الموت لإسرائيل) بينما لم يسلم منها إلا أمريكا وإسرائيل.
لهذا علينا نحن العرب أن لا نعوّل على رد إيراني ضد الصهاينة، بل علينا أن نكون حذرين من سقوط عاصمة عربية أخرى بيد إيران بعد هذه التهديدات لتكون العاصمة الخامسة التي ستسقط بيد إيران، وقد لفتت انتباهي إحدى تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد بعد غارات إسرائيلية على دمشق وأطرافها، حين قال: "سنرد على إسرائيل بضرب حلفائها في الداخل من الإرهابيين"، وهو يقصد المعارضة السورية!
إذا كان هذا هو رد بشار حليف إيران على الصهاينة فكيف بالرد الإيراني عليهم !؟
إن سياسة التخادم بين إيران والكيان الصهيوني هي أكبر بكثير مما بينهما من خلاف. وهنا أريد أن أسرد بعض الحقائق التاريخية عن العلاقة بين إيران والكيان الصهيوني.
سنة ١٩٥٠ اعترفت إيران بدولة الكيان الصهيوني.
سنة ١٩٧٣ في حرب أكتوبر كانت إسرائيل تحصل على النفط من قبل إيران بعد المقاطعة العربية.
سنة ١٩٨٥ حصلت إيران على الأسلحة بمساعدة إسرائيل في حربها ضد العراق وبما يعرف (إيران غيت أو إيران كونترا).
سنة ٢٠٠٣ تعاونت إيران مع أمريكا وإسرائيل في احتلال العراق.
بعد كل هذه الحقائق لا يمكن لعاقل أن يقتنع بأن هناك خلاف "إستراتيجي" يصل إلى حد الصدام المباشر بين إيران والكيان الصهيوني.
لكن غياب المشروع العربي لمواجهة إيران ورغبة بعض الأنظمة العربية بالتطبيع مع الصهاينة جعل الشعوب العربية تنقسم بين التصهين "والتأيرن" (إن صحت العبارة)، وهذه هي حالة من الذل والهوان العربي التي تشبه حال ملوك الطوائف في القرن الحادي عشر عندما كانوا يتآمرون على بعضهم البعض ويدفعون الجزية لألفونسو ملك غرناطة وفي نفس الوقت يطلق على كل ملك منهم (أمير المؤمنين).
وما أشبه اليوم بالبارحة ونحن نشاهد الحكام العرب يتآمر بعضهم على بعض ويحاصر بعضهم البعض، ويدفع بعضهم الجزية لترامب ويدفع الآخرون الجزية للخامنئي وكلا يدعي الوصل بليلى.. وليلى لا تقر لهم بذاك...
فلا إيران تقف في وجه التوسع الصهيوني وتحرير فلسطين ولا إسرائيل تقف في وجه التمدد الإيراني والمشروع الطائفي في المنطقة، وكما يقال: "القوم في السر غير القوم في العلن".
فلا يعوّل على هذا الخلاف بينهما إلا من هو مفلس سياسيا ومنحرف فكريا فاقد لمقومات المواجهة والتصدي بل فاقد لمقومات البقاء في عالم لا يحترم فيه الضعيف.
وأخيرا: هناك سؤال يطرح نفسه على الصراع المزعوم بينهما.
لماذا إسرائيل لا تستهدف إيران في عمقها، ولماذا إيران لا تستهدف إسرائيل في عمقها أيضا؟ وكلاهما يمتلك من الأسلحة الصاروخية بعيدة المدى ما تصل إلى عمق كل منهما.
لا أعتقد أن نحصل على إجابة وافية ومقنعة من قبل الذيول والأتباع والمطبّعين العرب.