غزة بين طبول الحرب.. وبقع الوحل
إن السياق التعبوي التحريضي الذي يستخدم الآن في غزة ما هو إلا منهجية وضعها آرييل شارون (رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق) كخطة مقدمة لدخول الكيان الصهيوني للألفية الثانية ٢٠٠٠ ميلادية.
وكانت سياسة شارون تحويل غزة إلى "المعتقل الكبير"، إذ أنه انطلق من مرتكزات ثابتة له أن غرب الأردن وشرقه جزء من أرض إسرائيل، وأن القدس هي قلب الشعب اليهودي؛ متجاوزا الضفة الغربية وفلسطين التاريخية لأنهم معتمدين على الاتفاقيات التي تدور في إطار التسوية والسلام المزعوم فهم ينظرون إلى فلسطين أنها هادئة مسالمة، وأن غزة هي المشكل التاريخي والسياسي والديني لهم، وأنها خرجت عن هذا المرتكز ابتداء.
وأنه يجب تحويلها إلى ما سماه "المعتقل الكبير" بداية، وممارسة كافة أشكال العمل الهولكوستي عليهم ثم تحويلهم ضمن الإدارة المصرية أو تحميل مصر كل تبعات الوضع الغزي.
والسبب هو أن الثقافة الفكرية التي يتمتع بها الغزيون عالية وسيكون لها تأثيراتها الممتدة في فلسطين والضفة والمنطقة، ولذلك أطلق خطته المعنونة وهي أن الاستسلام للإرهاب "الانتفاضة والمقاومة" يعني نهاية إسرائيل.
من هنا وضع خطته العسكرية التي تنفذ اليوم وبدقة متناهية، فكانت الحرب القذرة بكل معانيها بل هي حرب شاملة وكلها تسعى إلى تنكيس رايات الصمود، وعزل حماس أصبحت ضرورة وعليه فقد ضبطها في ثلاث مسارات ما زالت قائمة وتسير في تراتبية ممنهجة لخدمة الهدف الرئيس وهو إسرائيل الكبرى وتحقيقها كواقع وحقيقة؛ وكانت هذه المسارات:
- أولا: عسكرية صهيونية تنفيذية مباشرة
- ثانيا: انشطارية فلسطينية داخلية
- ثالثا: توسعية عربية
أما من الناحية العسكرية الصهيونية، فهو كان يسعى لإرضاء حاخامات الحرب وأدبياتهم الدينية وفتاويهم الإبادية وجعلها كالمحرقة المفتوحة من خلال تسيجها بالقواعد العسكرية والجدران العازلة وفي كل الخيارات العسكرية المطروحة كان الهدف منح القوة للداخل الصهيوني والشعبي اليهودي والسياسي لضرورة استعادة الثقة أو لمنح الثقة للمشروع السياسي الصهيوني داخليا وعالميا!!
أما المسار الانشطاري فهو تنفيذ في إطار من التوافق ما بين سلطة رام الله والصهاينة والمنظومة العالمية، الذي يعتبر تفكيك النص الفلسطيني عنون له، لأن الفرقة الفلسطينية هي مصلحة إسرائيل العليا حيث ينطلق الصهاينة والغرب من فرض قيادة فلسطينية تسمى المعتدلة، وتتنازل عن تطلعات الشعب الفلسطيني، وأن يكون حجم التنازلات التاريخية والإستراتيجية كبيرا وعميقا.
ووضعت لذلك خططا وأجندات مبيتة تهدف إلى صياغة المشهد السياسي الفلسطيني لتأجيج الوضع الداخلي الفلسطيني بالخلافات والصراعات واستخدام السلطة لتحقيق أهداف المشروع الصهيوني ومنه تسهيل كل السبل لترحيل الفلسطينين؛ إنها كمائن الموت السياسي.
اما المسار الثالث وهو الاخطر فكان الانفتاح بتوسع على العالم العربي وجعل المشروع الصهيوني مدعوما في إطار عربي، مستخدما أسلوب اغتيال التاريخ والجغرافيا والدين والأمة والتراث والحاضر والمستقبل.
إن فشل الصهاينة والسلطة في تنكيس رايات البطولة والصمود الغزي جعلهم أمام فرصة ذهبية، وتحميلها إلى مصر بدعم عربي لمصر وللمشروع الصهيوني، لأن الصهاينة والغرب ينطلقون بتحريك العرب باعتبارهم رعاع بدائيون ذوي نزعات عنيفة على غرار ما يفعل المكاري مع حماره واستخدام حاخامات العرب كأسلوب التيس المقدس لأن العثور على زعماء عرب ليس أمرا صعبا في العالم العربي.
إن حماس تشكل تخوفات حقيقية لأنها تمثل أنموذجا في المقاومة وقد استخدم الصهاينة التفوق العسكري والمعارك الإعلامية، وأحدثوا الكثير من الصراعات السياسية الداخلية والإقليمة ومن هنا تركت غزة في سياساتها إلى المرمى العربي المتصهين، وإن محاولة الهروب إلى الجولان لمحاولة استعادة الكرامة المهدورة في غزة، بل وأصبح الجمع يتقازم أمام غزة.
ما تعانيه غزة اليوم، أنها تتعامل مع عصابات ومافيات ولا وجود فيها الكوابح والروادع إنما هي حقل من الأشواك، بل إن غزة لا هي موت ولا انتحار، إن غزة جديرة بالحياة وهي تحرر نفسها، فشلهم في غزة جعل أشرعتهم تتحرك نحو الجولان ثم نحو مزارع شبعا لجعل غزة مطوقة ولا منفذ لها إلا من خلال مصر الغارقة في حقل الأشواك اللاذعة.