بسبب إيسيكويبو.. هل يندلع صراع إقليمي مسلح في أميركا الجنوبية؟
بعد تهديد فنزويلا منذ عدة أسابيع بضم إيسيكويبو، المنطقة التابعة لجارتها غويانا، والتي تطالب بها كاراكاس، تتساءل صحيفة "أتلانتيكو" الفرنسية: "هل يمكن أن يندلع صراع إقليمي كبير في أميركا الجنوبية؟".
من ناحية أخرى، وضعت البرازيل قواتها العسكرية على الحدود، فهل هذا يشير إلى احتمالية تدخلها في هذا الصراع؟
وفي حال وقوع هذا الصراع حقا، كيف سيكون موقف الولايات المتحدة واللاعبين الدوليين الآخرين منه؟
صراع وشيك
توضح الصحيفة الفرنسية أن هذا التنازع الإقليمي قديم ويعود إلى الحقبة الاستعمارية، عندما لم تتمكن إسبانيا والمملكة المتحدة من الاتفاق على حدودهما.
وخلال اجتماع هيئة التحكيم في باريس عام 1899، مُنحت إيسيكويبو للمستعمرة البريطانية، وهو ما أثار استياء فنزويلا.
وبحسب الصحيفة، مع استقلال غيانا في عام 1966، عاد النزاع إلى الظهور وحُددت الحدود بموجب اتفاقية جنيف في نفس العام.
ورغم تنديد كراكاس بهذا القرار، فإن هذا المطلب أصبح أقل إلحاحا في العقود التي تلت ذلك. ويعود ذلك -في رأي الصحيفة- إلى المشكلات الداخلية في فنزويلا.
وصوت الناخبون في فنزويلا في 3 ديسمبر/كانون الأول 2023 على ضم منطقة إيسيكيبو الغنية بالنفط والخاضعة لإدارة غويانا المجاورة لبلادهم، في استفتاء استشاري نظمته كراكاس لإضفاء شرعية على مطالبتها بهذه المنطقة.
ونال ضمّ المنطقة أكثر من 95 بالمئة من الأصوات في الاستفتاء الذي شمل خمسة أسئلة بهذا الصدد، على ما أفادت لجنة الانتخابات الوطنية.
وهنا تنوه "أتلانتيكو" أن غويانا المجاورة ستنتقم بطبيعة الحال، في حال وقوع هجوم، لا سيما وأنها أعلنت بالفعل أنها مستعدة لفعل ذلك.
جدير بالذكر أن البلاد جزء من مجموعة دول الكاريبي، مما يعني أن الأعضاء الآخرين في المجموعة يمكن أن يقدموا يد المساعدة.
كما تذكر الصحيفة أن كولومبيا تتمتع أيضا بعلاقة معقدة مع جارتها فنزويلا، بما في ذلك الخلافات الإقليمية حول خليج فنزويلا.
لذلك، يمكن أن تتورط البلاد أيضا في صراع محتمل، معتقدة أنها قد تكون التالية في الصف، وفق الصحيفة الفرنسية.
علاوة على ذلك، ولأن البرازيل تقع على الحدود بين البلدين، تعتقد الصحيفة أن ذلك سيجعلها ترغب في فرض النظام بالمنطقة، في حين تريد أن تكون نصيرا للسلام واحترام حقوق الإنسان.
وبجانب المشهد الإقليمي، تقول الصحيفة الفرنسية إنه "لا ينبغي ترك الأبعاد القارية أو حتى الدولية جانبا في هذا الأمر".
فمنذ عام 2017، عُلقت عضوية فنزويلا في ميركوسور، السوق المشتركة الجنوبية، بسبب اتهامات حول "فشلها في احترام القيم الديمقراطية التي توليها دول المجموعة أهمية كبيرة".
وهنا تفسر الصحيفة ذلك بكون علاقاتها مع غالبية دول أميركا الجنوبية سيئة للغاية، لافتة إلى أن المجتمع الإقليمي سيرفض وينتقد الضم إذا اتخذت فنزويلا إجراء.
كما توضح أنه حتى لو كان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لديه عدد قليل من الحلفاء في المنطقة، فيمكنه الاعتماد على بوليفيا التي تشاطره مُثُله الاشتراكية.
وبهذا الشكل، يصبح كل شيء مهيأ لاندلاع صراع قاري. وتفيد الصحيفة بأن جيش غيانا مجهز جيدا لكنه صغير العدد، وهو ما دفعهم إلى طلب محكمة العدل الدولية لحل النزاع الإقليمي.
وإذا مضت كاراكاس -خلافا لنصيحة محكمة العدل الدولية- في رغباتها بالضم، فيمكن لدول أخرى أن تتورط في الأعمال العدائية، حسب الصحيفة.
رغبة عدوانية
وتؤكد مرة أخرى على "كون هذا الخلاف قديما"، مشددة على حقيقة أن "المجتمع الإقليمي والدولي لم يستمع إلى فنزويلا بشأن هذه القضية منذ سنوات عديدة".
وتفسر "أتلانتيكو" ذلك بـ"مكاسب النفط غير المتوقعة، التي جعلت إيسيكويبو منسية" أو بـ"مشاكل السياسة الداخلية".
ولكن في السنوات الأخيرة عادت مسألة الأراضي الواقعة غرب نهر إيسيكويبو (غويانا إسكويبا) إلى الظهور من جديد.
ويفسر ذلك أمران من وجهة نظر الصحيفة، الأول الموارد النفطية الكبيرة المكتشفة أخيرا في المنطقة.
أما الأمر الثاني فهو المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في فنزويلا، والتي تقلق السلطة القائمة قبل أقل من عام على الانتخابات الرئاسية.
بالنسبة للسبب الأول، توضح الصحيفة أنه في عام 2015، عُثر على احتياطيات كبيرة من النفط في المنطقة المتنازع عليها على ساحل غيانا.
وأدى هذا الاكتشاف إلى تغذية الرغبة في كاراكاس، في حين أن الوضع الاقتصادي يُرثى له.
وبالتالي، فإن ضم هذه المنطقة -160 ألف كيلومتر مربع، أو ثلث غيانا- الغنية بالهيدروكربونات والمعادن سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد الفنزويلي الذي يعتمد على النفط.
لكن ما أشعل الوضع حقا هو "الإعلان عن امتياز للشركات الأجنبية لاستغلال الموارد في سبتمبر/ أيلول 2023".
وبالنظر إلى السبب الثاني، تقول الصحيفة: "الوضع الاقتصادي في فنزويلا كارثي، وحتى لو لم يعد التضخم مرتفعا كما كان قبل بضع سنوات، فإنه لا يزال مرتفعا (120 بالمئة). ولا يمكننا أن ننسى أن البلاد شهدت نوبة تضخم مفرط أخيرا".
وأضافت أن الانكماش الاقتصادي غير مسبوق في أميركا الجنوبية ودفع العديد من الفنزويليين إلى مغادرة البلاد. ولا يزال من المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 8 بالمئة عام 2023، على سبيل المثال.
وهنا تسلط الصحيفة الضوء على كون هذه الأزمة الاجتماعية والاقتصادية متميزة بالفقر المدقع الذي يؤثر على 94 بالمئة من السكان.
علاوة على ذلك، تبرز أنه "لا وجود للحياة الديمقراطية في فنزويلا"، حيث يبدو أن الرئيس نيكولاس مادورو لا يريد السماح للمعارضة بتقديم مرشح للانتخابات الرئاسية عام 2024.
كما تسخر من كونه "مثل أي مستبد جيد يواجه صعوبات، قرر مادورو إيقاظ الغرائز القومية في بلاده".
"ولذلك أراد أن يقوم بلفتة لإرضاء الفنزويليين الذين اقتنعوا بأنهم تعرضوا للظلم فيما يتعلق بمسألة إيسيكويبو، المنطقة التي تشكل بالنسبة لغالبيتهم جزءا لا يتجزأ من البلاد".
دور البرازيل
من زاوية أخرى، تشير "أتلانتيكو" إلى أن البرازيل تتمتع بتاريخ طويل من التوسط في النزاعات الإقليمية، كما أنها ملتزمة باحترام حقوق الإنسان.
إضافة إلى دورها كوسيط خلال الحرب الأهلية الكولومبية أو في عملية السلام في غواتيمالا.
وهنا، يمكننا أن نفسر هذا النشاط برغبتها في أن تكون زعيمة أميركا الجنوبية، في الوقت الذي تمتلك فيه البلاد أكبر اقتصاد في المنطقة ويمكنها أن تتباهى بكونها ديمقراطية حقيقية.
وجدير بالذكر هنا أن البرازيل تلعب هذا الدور داخل ميركوسور، كما يتمتع رئيسها لولا دا سيلفا بصورة جيدة للغاية في القارة وعلى المستوى الدولي.
وتضيف الصحيفة أن البرازيل تُعد أيضا منتجا رئيسا للنفط، وبالتالي فهي لا تريد أن يفقد هذا السوق استقراره، لا سيما مع الصراع في الشرق الأوسط (قطاع غزة والاحتلال الإسرائيلي) الذي قد يؤدي إلى صدمة نفطية جديدة.
ولذلك، قد تدفعهم هذه الحجة إلى التدخل لأن التوترات وعدم الاستقرار في البلدان المنتجة للنفط يمكن أن يهدد اقتصاد البرازيل.
ورغم أن البلاد زعمت أنها مستعدة للتدخل، تقول الصحيفة إن "الأمور ليست بهذه البساطة".
وأوضحت أن لولا في الحقيقة يريد أن يمنع حالة عدم الاستقرار هذه من التطور إلى صراع إقليمي بتدخل الجيش البرازيلي، مؤكدة أنه "سيسعى إلى تجنب أي تدخل".
ولكن إذا تطور الخلاف إلى مواجهة عسكرية بين البلدين، فمن المؤكد أنه سيكون هناك تدخل للجيش البرازيلي، وفق الصحيفة الفرنسية.
وعلى نحو مماثل، تقول إنه "في حال طلبت إحدى الدولتين المعنيتين المساعدة أو إذا طلبت منظمات دولية مثل الأمم المتحدة التدخل، فستذهب البرازيل وتحاول أن تكون القائدة".
وتوقعت أن هذا السيناريو من غير المرجح أن يحدث، لأن فنزويلا تتمتع بعلاقات جيدة مع روسيا والصين، العضوين الدائمين في مجلس الأمن.
هل تتدخل واشنطن؟
على الصعيد الدولي، تؤكد الصحيفة الفرنسية أنه وبلا شك سيتدخل الأميركيون إذا حدث صراع بين البلدين.
وعزت تدخلها ذلك إلى "مبدأ مونرو"، الذي جعل أميركا الجنوبية حكرا على الولايات المتحدة، وهو ما دفعها إلى التورط في الصراع بين فنزويلا والمملكة المتحدة حول نفس الموضوع في القرن التاسع عشر.
ومن ناحية أخرى، ترى الصحيفة أن العلاقات بين البلدين كانت في أدنى مستوياتها في الآونة الأخيرة، وهو ما لا يبشر بالخير قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023، أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، رفع بعض العقوبات الاقتصادية التي تستهدف كراكاس مقابل التحول الديمقراطي.
إذ أراد الرئيس الأميركي جو بايدن تحقيق نصر جيوسياسي داخل القارة، في الوقت الذي أصبحت فيه الحرب بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية حماس ليست في صالح إعادة انتخابه، وفق ما ذكرته الصحيفة.
وبالعودة قليلا إلى الماضي، تذكرنا "أتلانتيكو" أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب فشل في تغيير ميزان القوى في فنزويلا عام 2017 وترجيح كفة المعارضة.
ولذلك، يمكن لبايدن أن يفوز في الانتخابات الرئاسية من خلال الضغط من أجل التحول الديمقراطي وإمكانية تقديم المعارضة مرشحا في العام المقبل.
وبشأن هذا الأمر، تقول الصحيفة: "في حالة إجراء انتخابات حرة، يجب أن يخسر مادورو، وبالتالي سيُبرز أن بايدن هو السبب في تغيير النظام الذي ظل تحت سيطرة التشافيزيين لأكثر من 20 عامًا"، في إشارة إلى الرئيس السابق هوغو تشافيز.
جدير بالذكر أن مادورو سمح بإجراء انتخابات تمهيدية، شهدت فوز المعارضة ماريا كورينا ماتشادو بفارق كبير.
لكن بعد أيام قليلة ألغى رئيس فنزويلا هذه النتيجة بزعم وجود مخالفات، ولم يتراجع بعد عن قراره بالرغم من الإنذار الأميركي.
وبالتالي، ترجح الصحيفة أن "بايدن -حال نشوب صراع- سيرغب بشكل مضاعف بالتدخل في هذا النزاع حتى لا يفقد ماء وجهه".
من ناحية أخرى، تلفت "أتلانتيكو" الأنظار إلى كون العلاقات بين الولايات المتحدة وغويانا قوية.
مما يعني أنه في حالة وقوع عدوان، سيبادر كلاهما بالتأكيد على هذه العلاقة، وفق الصحيفة.
وتوضح أن هذه الروابط جعلت مادورو يقول إن "غويانا أصبحت قاعدة عسكرية أميركية لمهاجمة فنزويلا".
صراع إقليمي
تتناول الصحيفة الفرنسية سيناريو آخر في حال لم يتورط الأميركيون في صراع مسلح بين البلدين في أميركا الجنوبية.
وأكدت أن عدم تدخلها سيكون هو الباب المفتوح أمام صراعات إقليمية أخرى.
وفي هذا الصدد، تقول: "الحقيقة أن الأميركيين لم يُسمعوا صوتهم عندما قررت أذربيجان مهاجمة قره باغ، قبل مهاجمة أرمينيا".
كما لم تكن المساعدات الأميركية كافية لقلب ميزان القوى لصالح أوكرانيا ضد الروس.
وأضافت أنه على الرغم من نشاطهم على مدى عقود من الزمن، فقد فشل الأميركيون في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وهكذا، فإن الانسحاب من أميركا الجنوبية، التي كان يُنظر إليها على أنها الفناء الخلفي لواشنطن منذ القرن التاسع عشر، سيُظهر الأميركيين على أنهم يتخلون عن دورهم كشرطي للعالم.
وهو ما من شأنه أن يسعد البلدين الساعيين إلى الإطاحة بالنظام الدولي القائم، مثل الصين وروسيا.
وبهذا الشأن، تتوقع الصحيفة أن يعطي ذلك أفكارا لبكين فيما يتعلق بتايوان على سبيل المثال، لكنه قبل كل شيء سيفتح الطريق أمام صراعات إقليمية عديدة.
وعلاوة على ذلك، تلفت إلى أن عدم تدخل الولايات المتحدة سينمي الشعور بـ "الإفلات من العقاب"، وكذلك الرغبة في "تطهير" جميع مناطق العالم من النفوذ الغربي.
لذا، تعتقد الصحيفة الفرنسية أنه "من الضروري بالنسبة للأميركيين أن يجعلوا أصواتهم مسموعة وأن يتدخلوا حيثما كان ذلك ضروريا".
لاعبون آخرون
تزعم "أتلانتيكو" أن اتخاذ قرار بشأن تدخل اللاعبين الدوليين الآخرين أمر معقد جدا. وعزت ذلك إلى أن المشاكل في أميركا الجنوبية ظلت لعقود من الزمن تخص الولايات المتحدة وبلدان أميركا الجنوبية فقط.
ورغم ذلك، تغيرت الأمور في أميركا الجنوبية وأصبح هناك لاعبون جدد يشاركون في المنطقة.
وتشير الصحيفة إلى الصين وروسيا، وحتى إيران، مما يعني أن دولا أخرى يمكن أن تتورط في الصراع من خلال لعبة دبلوماسية اقتصادية معقدة.
أما بالنسبة لفرنسا أو المملكة المتحدة على سبيل المثال، فإن تدخلهما ليس أمرا مفروغا منه، بحسب الصحيفة الفرنسية.
وفي الواقع، توضح أنه حتى لو كان لدى البلدين مناطق قريبة من الدول المعنية، فإنهما غير معتادين على التورط في أميركا الجنوبية.
ولكن من المتوقع أن تتدخل الدولتان في حال تدخلت فنزويلا عسكريا ضد قرار محكمة العدل الدولية، حسب الصحيفة
وهنا تذكرنا أن "الاتحاد الأوروبي يدفع حاليا نحو إبرام اتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور".
وبطبيعة الحال، إذا طلبت دول المجتمع الاقتصادي من أوروبا مساعدتها في العمل على وقف التصعيد، فيمكن لفرنسا أن تتدخل.
علاوة على ذلك، تلفت إلى إمكانية دخول الصين في الصورة بسبب ارتباطها الوثيق بالقارة، حيث تتمتع بمصالح اقتصادية قوية.
وتؤكد على أن الصين ستتدخل غالبا إذا تعرضت مصالحها الاقتصادية، وخاصة إمداداتها من النفط، للتهديد.
"وبسبب تزويدها بالأسلحة، ومن أجل منع فرض أنظمة موالية للغرب"، تشير الصحيفة أنه "يمكن لروسيا أيضا أن تلعب دورا في الصراع".
أما بالنسبة لإيران فإن وجودها في أميركا الجنوبية ليس قويا لكنها تستخدم فنزويلا للتحايل على العقوبات الغربية، مما سيجعلها تتبنى نظرة قاتمة لتغيير النظام.
وفي الختام، تحذر الصحيفة الفرنسية من انخراط هذه "الجهات الفاعلة الجديدة" في الصراع، وهو الأمر الذي سيضطر الأوروبيين للانضمام إلى المشهد.
وتوضح أن دافعهم وراء هذا التدخل سيكون "منع الصين أو روسيا من استخدام هذه التوترات لتشكل تحديا جيوسياسيا للنظام الدولي القائم".