بعد لقاء بلينكن وفيدان.. هل أسهمت تركيا في تغيير نهج أميركا مع إسرائيل؟
حديث متباين حول نتائج اجتماع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، مع وزير الخارجية هاكان فيدان في 6 يناير/ كانون الثاني 2024 وجولته في الشرق الأوسط.
والتقى بلينكن مع فيدان للمرة الثانية خلال زيارته الرابعة للمنطقة في نطاق العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وبعد بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على أهالي غزة، أجرى بلينكن مكالمة هاتفية مع فيدان في 9 أكتوبر.
سياسة التضليل
وفي مقال نشرته وكالة "الأناضول" التركية الرسمية للكاتب محمد كانجي قال فيه إن "زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل في 18 أكتوبر سجلت كفضيحة في تاريخ سياسات واشنطن بالشرق الأوسط".
وأكد الكاتب التركي أن "بايدن أسهم بشكل كبير في سياسة التضليل الإسرائيلية من خلال المشاركة في اتهام حركة حماس بالهجوم على المستشفى المعمداني الأهلي (في 17 أكتوبر 2023)".
علاوة على ذلك، حافظت الدبلوماسية الأميركية على موقفها "المنحاز "من خلال رفض الاتصال بتركيا ودول المنطقة مع اشتداد المذبحة الإسرائيلية في غزة.
وقوبلت هذه السياسة باستقبال بارد من بلينكن خلال زيارته إلى أنقرة في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 وعدم وجود بيان أميركي بعد اجتماعه مع فيدان.
وقال كانجي: "يجب تقييم زيارة بلينكن الثانية إلى تركيا في الفترة التي أعقبت (حادثة 7 أكتوبر) في إطار الظروف المتغيرة في كل من غزة والساحة الجيوسياسية العالمية".
ومن خلال الرسالة التي شاركها المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر على منصات التواصل الاجتماعي بعد هبوط طائرة بلينكن في إسطنبول، يمكن القول إن "الولايات المتحدة ستُضطر لتغيير سياستها الموجهة نحو إسرائيل و المتحيزة لها".
وفي رسالته أكد ماثيو أن "تركيا حليف قيّم لحلف شمال الأطلس (الناتو)"، مشيرا إلى أن لها "دورا مهما في حل المشاكل الأمنية الإقليمية، بما في ذلك منع انتشار الصراع في غزة".
وأشار الكاتب إلى أنه "يمكن تقييم زيارة بلينكن إلى تركيا في 6 يناير في إطار ثلاثة مواضيع رئيسة".
الأول، الوضع الحالي في غزة بعد العدوان الإسرائيلي، والثاني هو مشروع شراء وتحديث طائرات إف-16 والمحادثات بين أذربيجان وأرمينيا والقضايا المتعلقة بالعلاقات التركية الأميركية مع التركيز على العراق وسوريا.
والثالث والأخير هو إعادة تصميم المنطقة ضد روسيا وفقا لتطورات حربها مع أوكرانيا.
ويمكن تقييم انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي بالإضافة إلى جهود أوكرانيا لتصدير الحبوب إلى الأسواق الدولية ضمن هذا السياق، وفق كانجي.
وفي كلا البيانين اللذين تم نشرهما بعد اجتماع فيدان وبلينكن، لوحظ أن النصوص متطابقة من حيث المحتوى.
ورغم أنه لا يوجد اتفاق كامل سواء بشأن الوضع في غزة أو الجدول الزمني لشراء طائرات F-16 أو عملية عضوية السويد في الناتو، إلا أنه من الواضح أن الأطراف قد طرحت نهجا يركز على حل المشاكل بدلا من إثارة جدل جديد.
تغيير السياسة
وأردف كانجي بأن "الاجتماع في إسطنبول يكشف عن ثغرة في السياسة الأميركية تجاه فلسطين، حيث كانت هذه السياسة مرتكزة على إسرائيل لمدة ثلاثة أشهر".
ويبدو من خلال الاجتماع في إسطنبول والزيارات التي تلته أن بلينكن يعبر عن نية التعاون مع دول مثل تركيا والأردن وقطر فيما يتعلق بإعادة بناء وإدارة وأمن قطاع غزة.
وقد يشير ذلك إلى "رغبة الولايات المتحدة في تنفيذ عملية أكثر شمولا من خلال التعاون مع أطراف مختلفة في المنطقة بدلا من اتباع نهج أحادي الجانب".
ولكن يبقى السؤال هنا، لماذا تغير النهج الأميركي تجاه غزة إلى عملية متعددة الأطراف؟
والجواب، وفق كانجي، هو أن "هذا التغيير قد تأثر بفشل الجيش الاحتلال في تحقيق الهدفين اللذين أعلنهما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهما تحييد رئيس حماس في القطاع يحيى السنوار، وعدم إطلاق سراح أكثر من 130 أسيرا في غزة".
وشدد على أن "هذا الفشل قد ألّف خلافا بين نتنياهو والمتطرفين في حكومته مع رؤساء القوات ووكالات الاستخبارات، ولهذا تشعر واشنطن بالقلق من هذه الفوضى".
بالإضافة إلى أن "ميل نتنياهو إلى توسيع الحرب إلى الأراضي اللبنانية، والذي وصل إلى حد الحفاظ على سلطته بأي ثمن، هو تطور آخر يزعج الولايات المتحدة".
واستطرد كانجي: "يدرك بايدن أن نتنياهو، الذي قاد الشرق الأوسط إلى الدمار، أصبح عبئا عليه في انتخابات نوفمبر 2024".
تحالف متكافئ
عند النظر في التطورات في العلاقات التركية الأميركية، نجد أن انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي أدى إلى إشعال مشكلة "التحالف المتكافئ" بالنسبة لتركيا.
وفي هذا السياق، قال كانجي إن "أنقرة تمكنت من تحقيق تقدم ملحوظ في منع استضافة المنظمات الإرهابية والتي تشكل تهديدا لتركيا على أراضي حلفاء الناتو".
وأضاف أن "إحدى القضايا التي تشكك أنقرة بالتحالف المتكافئ هو موقف الولايات المتحدة المتحيز لليونان بشأن التوازن العسكري منذ عام 2010".
وكان استبعاد تركيا من برنامج "إف-35" وإدراج اليونان فيه قرارا "ذا معايير مزدوجة غير مقبولة" بالنسبة لصناع القرار في السياسة الخارجية التركية.
ولفت الكاتب النظر إلى أنه يجب التركيز على تصريحات وزير الخارجية اليوناني يورجوس ييرابيتريتيس والتي قال فيها: "لا يهمّنا ما تفعله تركيا في علاقتها مع واشنطن، فالولايات المتحدة أدركت من هو اللاعب الإقليمي الموثوق به".
وعلق كانجي: "من الواضح أن ما يفهمه ييرابيتريتيس من عبارة اللاعب الإقليمي الموثوق به هو أن تكون اليونان دولة تسلّم إرادتها وقرارها للولايات المتحدة من خلال الموانئ البحرية والجوية بما في ذلك جزيرة كريت".
وواصل "فقد كانت استضافة بلينكن في جزيرة كريت في 7 يناير أمرا يعكس الفخر الذي يشعر به اليونان لتقديم إمكاناته للقوات الجوية والبحرية الأميركية".
ورحب رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بوزير الخارجية الأميركي قائلا: "من دواعي سروري أن أستضيفك في موطني في خليج سودا، فلا يمكنني أن أتصور مكانا يمثل علاقتنا التحالفية بشكل أفضل من جزيرة كريت".
وقال الكاتب التركي إن "استعداد اليونان لتقديم إمكاناتها في البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجة والبحر الأدرياتيكي للجيش الأميركي يعد جزءا مهما من إستراتيجية الحصار التي تنتهجها الولايات المتحدة ضد روسيا".
ولفت إلى أنه "منذ عام 2010 حاولت الولايات المتحدة مع إسرائيل واليونان والإدارة القبرصية اليونانية لجنوب قبرص تطويق تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط بتحالف دفاعي متنكر باسم (تعاون في مجال الطاقة)".
وأكد كانجي أن "هذه المحاولة اصطدمت لأول مرة بجدار الحقائق الجيوسياسية التي بنتها الحرب الأوكرانية الروسية عام 2021".
وتابع: "أثبتت رسائل جولة بلينكن الجديدة في الشرق الأوسط، التي بدأت لقاء فيدان في 6 يناير، مرة أخرى حقيقة أن الأحداث في المنطقة لا تتشكل بما يتماشى مع السياسة التي تتمناها للولايات المتحدة".