انتخابات محسومة.. صحيفة إسبانية: السيسي لن يقدم لمصر سوى الفقر والقمع
مصر التي تغرق بين مستنقع الفقر وآفة اضطهاد المعارضة، تشهد موعدا انتخابيا "صوريا"، حيث يبدو أن التاريخ السياسي واليد العسكرية التي تسيطر على الدولة يعيدان نفسيهما، رغم تعدد البدائل في بلاد الفراعنة.
وقالت صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية إن مدخل القاهرة "زيّن" بعدد لا متناه من اللافتات الانتخابية، وحتى قبل هذه النقطة، وسط متاهة الطرق السريعة والمرتفعة، يحتكر وجه رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، هذه اللافتات
فوز مريح
وتجرى الانتخابات الرئاسية خلال الفترة من 10-12 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وسط إقصاء شبه كلي لمنافسي السيسي.
وقالت صحيفة "الإسبانيول" إن "هذه المرة، كان السباق الرئاسي المصري محاطا بالجدل منذ البداية".
وأضافت "مع ذلك، ورغم التوازن بين المصالح الوطنية والمتطلبات الدولية بسبب الأوضاع في قطاع غزة، وعدم استقرار الوضع الاقتصادي في البلاد، والانتقادات والمعارضة (الصامتة)، فمن المتوقع إعادة انتخاب السيسي للمرة الثالثة منذ أن بدأ حكم مصر عن طريق انقلاب عسكري".
وأشارت إلى أنه "رغم وجود عدة بدائل، إلا أن التاريخ السياسي واليد العسكرية للحكومة الحالية سيمنعان وجوها أخرى من الوصول إلى قصر الاتحادية، أحد المقرات الرسمية ومقر العمل الرئيس للرئيس المصري".
ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات عن القائمة النهائية للشخصيات السياسية التي تتنافس في الانتخابات الرئاسية، وهم السيسي، وزعيم الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، ومن حزب الوفد عبد السند يمامة، وأخيرا رئيس حزب الشعب الجمهوري، حازم عمر.
لكن الطريق لم يكن سهلا، خاصة بالنسبة للمنافس الرئيس السابق للسيسي، وهو أحمد الطنطاوي، الزعيم السابق لحزب الكرامة، الذي قرر لاحقا سحب ترشحه للانتخابات.
وقالت الصحيفة إن "الطنطاوي لم يحصل على الدعم الكافي، لأنه وفقا لقانون الانتخابات في مصر، هناك حاجة إلى ما لا يقل عن 25 ألف تأييد أو 20 توصية برلمانية، من البرلمان الذي استولى عليه المتعاطفون مع السيسي، لتقديم ترشيحه للانتخابات".
ورأت أنه "في الواقع، تمهد إزاحة الطنطاوي من السباق الانتخابي الطريق لفوز مريح للسيسي".
يضاف إلى ذلك الصور المنتشرة في كل مكان له في شوارع المدن الرئيسة، مثل القاهرة أو الإسكندرية.
وتُغفل اللافتات، التي يتم تمويلها إلى حد كبير من قبل الأحزاب الموالية للحكومة ومؤيديها، وجود المرشحين الثلاثة الآخرين المشاركين في العملية الانتخابية.
أزمة عميقة
وتجرى الانتخابات التي تستمر ثلاثة أيام وسط أزمة اقتصادية خطيرة وتوترات بشأن الحرب على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وكان من المقرر في البداية إجراء الانتخابات في فبراير/ شباط 2024، لكن تم تقديم موعدها لضمان ولاية ثالثة وأخيرة من حيث المبدأ مدتها ست سنوات للسيسي، ومن المتوقع أن يتناول فيها أجندة الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى التأثير على شرائح واسعة من المجتمع.
ونقلت صحيفة "الباييس" الإسبانية عن المحلل السياسي المصري، ماجد مندور، أن "الوضع مختلف تماما عن الوضع في الانتخابات السابقة عامي 2014 و2018، حيث تمر البلاد بأزمة اقتصادية لم تشهدها منذ عقود، وليس لدى السيسي الكثير ليقدمه للشعب".
وأضاف مؤلف كتاب "مصر تحت السيسي" أن "هذا لا يعني في المقابل أن هناك أي تهديد بخسارة الانتخابات، لأنه يواصل سيطرته على الدولة بقوة، ويظل الجيش هو القوة المهيمنة، وتظل المعارضة مقسّمة ومضطهدة للغاية".
ونوهت "الباييس" بأن "مصر السيسي انزلقت نحو أزمة عميقة منذ أن كشفت الجائحة والغزو الروسي لأوكرانيا عن هشاشة اقتصادها وعدم استدامة نموذج التنمية الذي اتبعته القاهرة في العقد الماضي".
وكان هذا يعتمد، في المقام الأول، على الاستثمار الضخم في المشاريع الكبرى التي روّج لها السيسي لتشييد عاصمة جديدة، يعتمد تمويلها على الديون ولها عائدات غير مؤكدة، وفق الصحيفة.
بالتوازي مع ذلك، ظلت اختلالات التوازن الاقتصادي الداخلي دون معالجة إلى حد كبير، وتركت البلاد معرضة بشدة للتقلبات الخارجية التي تسببت في هروب رؤوس الأموال على نطاق واسع وأجبرت مصر على خفض قيمة عملتها بنحو 50 بالمئة.
كما ارتفع حجم وارداتها بشكل كبير، وهو الحال أيضا بالنسبة لمعدل التضخم، الذي بلغ في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 نحو 36 بالمئة، مسجلا أعلى مستوياته التاريخية.
وبعد الانتخابات "الصورية"، من المتوقع أن يتبنى النظام إجراءات تقشفية جديدة، على الأرجح في شكل تخفيضات لبعض الدعم، والسماح بتخفيض قيمة عملتها مرة أخرى بما يتماشى مع السوق، مما سيؤدي إلى زيادة التضخم.
وفي هذا السياق، قال مندور: "ليست الانتخابات هي الأكثر إثارة للقلق، بل ما يأتي بعد ذلك".
فيما قالت الباييس: "عموما، جاءت الانتخابات الرئاسية في بلاد الفراعنة في خضم الهجوم الإسرائيلي على غزة، الأمر الذي يشكل تحديا سياسيا كبيرا للسيسي".
وعلى هذا المنوال، فإن الأزمة تجبر القاهرة على الحفاظ على توازن صعب بين علاقاتها مع إسرائيل والغرب، ودعم اجتماعي واسع للغاية للشعب الفلسطيني، ومحاولات ترسيخ نفسها كمؤيد لقضية شعبية للغاية.
وأضافت الصحيفة الإسبانية أن "الحرب صرفت أنظار الكثير من الناس عن الانتخابات".
من جانبه، قال مندور: "النظام المصري لم يتبع سياسة حازمة في دعم المدنيين في غزة، ولم يحاول كسر الحصار بفتح معبر رفح الحدودي من جانب واحد"، مقدرا أيضا أنه "حدثت محاولة لتعبئة الشارع كونها وسيلة لتوجيه الغضب الشعبي ومحاولة الحصول على دعم داخلي، لكن الأمر لم يسر على ما يرام".