عمليات نوعية تطيح بقياداته.. هذه خارطة انتشار "تنظيم الدولة" في العراق

يوسف العلي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم إعلان العراق عام 2017 الانتصار على “تنظيم الدولة” وإنهاء وجوده على أراضيه التي سيطر الأخير على ثلثها عام 2014، لكن الجيش العراقي وقوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن تعلن بين الحين والآخر تنفيذ عمليات نوعية ضد قيادات التنظيم في مناطق غرب وشمال البلاد.

العمليات النوعية ضد “تنظيم الدولة”، أثارت تساؤلات عدة عن حجم تهديد هذا التنظيم ومناطق تواجده في العراق، الذي كان مركزا لما يسمى "دولة الخلافة" التي أعلنها زعيمها السابق أبو بكر البغدادي عام 2014، قبل أن تقتله الولايات المتحدة في 2019.

عملية وقائية

وأعلنت السلطات العراقية، في 13 سبتمبر/ أيلول 2024، تفاصيل ونتائج العملية الأمنية التي شنتها على بقايا تنظيم الدولة في صحراء الأنبار غربي العراق نهاية أغسطس/ آب، وشاركت فيها قوات خاصة عراقية وأميركية.

وقالت “قيادة العمليات المشتركة” خلال بيان لها، إن العملية التي أطلق عليها اسم "وثبة الأسود" أسفرت عن مقتل 14 مسلحا، بينهم قيادات في تنظيم الدولة "من مستوى الخط الأول".

وحسب البيان، من بين هؤلاء القيادات، تم التعرف على ستة بعد إجراء فحص الحمض النووي، وهم "نائب والي العراق" و"أمير التصنيع والتطوير والملف الكيميائي" و"والي الأنبار" و"المسؤول العسكري للتنظيم فيها" و"والي الجنوب" ومسؤول ملف الاقتصاد والأموال.

وأكدت السلطات العراقية أن عدة جهات أمنية شاركت في العملية ومنها جهاز المخابرات الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب وفرقة القوات الخاصة وعناصر الفرقة الخامسة في الجيش ومستشارو التحالف الدولي.

ولفتت إلى أن العملية التي انطلقت فجر 29 أغسطس، استهدفت مقرات قيادات تنظيم الدولة في صحراء الأنبار، وتبعتها ثلاث عمليات برية وإنزال للقوات المحمولة جوا.

وأسفرت العملية عن "الاستيلاء على أسلحة وعتاد ومواد لوجيستية وفنية وحواسيب وهواتف وتفجير أكثر من 10 أحزمة ناسفة وعدد من العبوات والمتفجرات تحت السيطرة وتدمير وحرق 7 عجلات مختلفة كانت تستخدم من التنظيم"، وفقا للبيان.

وكانت الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة، أعلنت في وقت سابق أنها نفذت عملية مشتركة مع قوات الأمن العراقية في الغرب، أدت إلى مقتل 15 عنصرا من تنظيم الدولة وإصابة سبعة عسكريين أميركيين.

وأفادت القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) في 31 أغسطس، بأنها نفذت وقوات عراقية "غارة مشتركة غرب العراق في الساعات الأولى من صباح يوم 29 أغسطس"، مما أسفر "عن مقتل 15 من عناصر تنظيم الدولة".

وذكرت "سنتكوم" في بيان أن "هذه المجموعة من عناصر تنظيم الدولة كانت مسلحة بالعديد من الأسلحة والقنابل والأحزمة المتفجرة"، مشيرة إلى أنه "لا يوجد ما يشير إلى وقوع إصابات بين المدنيين".

ونقلت وكالة "فرانس برس" عن مصدر دفاعي أميركي (لم تكشف هويته) في بأن سبعة عسكريين أميركيين أصيبوا في العملية، موضحة أن خمسة من هؤلاء جرحوا خلال العملية، بينما أصيب اثنان بسبب سقوطهما، وأن حالهم كانت مستقرة.

واستهدفت هذه العملية "قادة في تنظيم الدولة بهدف التعطيل والحد من قدرة التنظيم على التخطيط والتنظيم وتنفيذ هجمات ضد مدنيين في العراق وكذلك ضد المواطنين الأميركيين والحلفاء والشركاء في كل أنحاء المنطقة وخارجها" وفق بيان "سنتكوم".

من جهته، أكد جهاز المخابرات العراقي في 13 سبتمبر، أن من القتلى "قيادات خطيرة كانوا يتخذون من صحراء الأنبار ملاذا لهم"، موضحا أن العملية نفذت في مناطق صحراوية في الأنبار، كبرى محافظات العراق والحدودية مع سوريا والأردن والسعودية.

وأشار الجهاز في بيان الى أنها بدأت بـ"ضربات جوية متتالية" لأربع مضافات يتواجد فيها المسلحون، أعقبتها "عملية انزال جوي في الموقع ثم اشتباك مع عناصر التنظيم".

جغرافيا الانتشار

رغم مرور 10 سنوات على إعلان العراق انتهاء تنظيم الدولة، إلا أن الأجهزة الأمنية لم تتوقف طيلة هذه المدة عن إصدار بيانات تفيد بتنفيذ هجمات برية وطلعات جوية تستهدف مضافات تابعة للتنظيم، لا سيما في مناطق صحراوية تربط غرب البلاد بشمالها.

وتربط المنطقة الصحراوية العراقية التي تُنفذ فيها الهجمات، محافظات الأنبار بمحافظات نينوى وكركوك وصلاح الدين، ولعل آخر إعلان الأجهزة الأمنية هو قتل اثنين من عناصر التنظيم بمدينة كركوك في 15 سبتمبر 2024، بعد اشتباك مسلح معهما في منطقة بنجا علي.

وفي فبراير/ شباط 2023، أفاد تقرير لمجلس الأمن الدولي بأن لدى تنظيم الدولة "ما بين 5000 إلى 7000 عضو ومؤيد ينتشرون بين العراق وسوريا، نصفهم تقريبا من المقاتلين".

وخلال مؤتمر صحفي في 12 مارس/ آذار 2023، قال الفريق أول ركن قيس المحمداوي نائب رئيس قيادة العمليات المشتركة، التي تنظم تعاون القوات الأمنية العراقية مع التحالف الدولي، إنه "وفقا لكل الوكالات الاستخباراتية وحسب معلومات دقيقة، فإن مجمل عناصر التنظيم لا يتجاوز 400 إلى 500 مقاتل، في ثلاث إلى أربع محافظات".

وأضاف المحمداوي حينها خلال مؤتمره الصحفي إلى جانب الرئيس السابق لجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، الفريق عبد الوهاب الساعدي، أن "التنظيم فقد القدرة على كسب عناصر جديدة".

وأعلن المسؤولان كذلك عن عملية عسكرية نُفّذت في فبراير 2023 ضدّ معسكر للتنظيم في صحراء محافظة الأنبار، قتل خلالها 22 عنصرا.

وقال رئيس جهاز مكافحة الإرهاب الساعدي إن "العملية التي أطلق عليها اسم فرسان الحق"، وجرت في 26 شباط، "عملية نوعية لأنها لم تستهدف مفرزة إنما استهدفت معسكرا مهما يضم قيادات ويوجه المفارز في المحافظات".

وفي العراق، لا يزال “التنظيم نشطا رغم جهود "مكافحة الإرهاب” التي نجحت في قتل ما يقرب من 150 عنصرا من الدولة في 2022"، وفق تقرير مجلس الأمن.

وأضاف التقرير أن التنظيم عمل في العراق في "المناطق الجبلية الريفية"، مستفيدا "من الحدود العراقية السورية التي يسهل اختراقها".

وتركزت أنشطته "في العراق في مسرح لوجستي في الأنبار، ونينوى والموصل (شمال)، و"مسرح عمليات" يضم كركوك (شمال) وديالى (شمال شرق) وصلاح الدين (شمال) وشمال بغداد".

ورغم تراجع الاحتياطات المالية للتنظيم المقدرة عام 2023 بين 25 إلى 50 مليون دولار، وفق تقرير مجلس الأمن، إلا أن التنظيم "بدأ بغسل الأموال من خلال استثمارات في أعمال تجارية مشروعة مثل الفنادق والعقارات" في سوريا والعراق.

بديل خارجي

وفي 20 مارس 2024، يشير تقرير لمعهد "واشنطن" إلى أن "ولاية خراسان" تُعد أكبر تهديد عالمي يطرحه التنظيم الدولة، إذ خطط الفرع الأفغاني لإحدى وعشرين مؤامرة أو هجوما خارجيا في تسع دول عام 2023.

ولفت التقرير إلى أن الناشطين من طاجيكستان أصبحوا بمثابة حلقات وصل رئيسة في محور "تنظيم الدولة- ولاية خراسان". 

ففي عام 2023 وحده، شارك هؤلاء في ستة من أصل 21 هجوما مبلغا عنه للتنظيم.

ويتمثل اتجاه آخر مثير للقلق بزيادة سيطرة تنظيم الدولة على الأراضي بعد سنوات من الهدوء، فقد سُجلت هذه المكاسب في أجزاء من إفريقيا يبدو فيها التنظيم أقوى على الأرض في الوقت الحاضر، وتحديدا في أجزاء من مالي وموزمبيق والصومال، وفقا للتقرير. 

ولفت المعهد إلى أن العلامات الحالية تشير إلى أنه كانت ستة من القضايا القانونية المتعلقة بتنظيم الدولة في المغرب وإسبانيا خلال العام 2023 مرتبطة بشبكات تجنيد مقاتلين لصالح مالي.

كما أن السويد أصبحت نقطة تجنيد للمقاتلين الأجانب المتجهين إلى الصومال، إذ ألقت مقديشو القبض على الكثير من المغاربة والسوريين التابعين لتنظيم الدولة.

وأوقفت السلطات الفلبينية مشتبها بهم بلجيكيين ومصريين وإندونيسيين تابعين للتنظيم، إضافة إلى أنه ورد أن عددا من المشتبه بهم هنود حاولوا السفر إلى النقاط الساخنة لـ"تنظيم الدولة- ولاية خراسان" في أفغانستان.

في المقابل، يضيف التقرير، يتيح تعبئة المقاتلين الأجانب الجدد إمكانية إنشاء شبكات عمليات خارجية جديدة في المستقبل.

فإذا انتشرت مراكز التخطيط هذه، يمكن أن تساعد تنظيم الدولة على تنويع كيفية تنفيذ هجماته في الخارج بدلاً من إضفاء الطابع المركزي على هذه المهمة كما يفعل منذ فترة طويلة (في العراق وسوريا خلال سنوات "الخلافة" الإقليمية، وفي أفغانستان في ظل "تنظيم الدولة - ولاية خراسان" اليوم).

ورأى تقرير المعهد الأميركي أن أي تغييرات محتملة في الوجود العسكري للقوات الأميركية في سوريا أو العراق قد تخلّف تداعيات كبيرة على جهود مكافحة الإرهاب العالمية والأمن الإقليمي. 

وتنشر الولايات المتحدة الأميركية زهاء 2500 جندي في العراق ونحو 900 في سوريا المجاورة، في إطار التحالف الذي أنشأته عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة. 

وفي 8 سبتمبر 2024، أعلن وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي أن بغداد توصلت إلى اتفاق مع واشنطن بشأن انسحاب القوات الأميركية من العراق على مدى عامين، مؤكدا أنه "تم الاتفاق على إنهاء مهمة التحالف على مرحلتين".

وأوضح العباسي أن التفاهم يتضمّن مرحلة أولى من سبتمبر الجاري حتى سبتمبر 2025 تشمل "بغداد والقواعد العسكرية للمستشارين"، يليها انسحاب "في المرحلة الثانية من سبتمبر 2025 حتى سبتمبر 2026 من كردستان العراق"، الإقليم الذي يحظى بحكم ذاتي في شمال البلاد.