بعد القضاء عليه قبل 25 عاما.. هكذا أعادت إسرائيل شلل الأطفال إلى غزة
"96 بالمئة من طبقة المياه الجوفية في غزة ملوثة"
أعربت منظمة الصحة العالمية، في 23 يوليو/ تموز 2024 عن قلقها البالغ إزاء عودة فيروس شلل الأطفال إلى غزة بعد اكتشافه أخيرا في مياه الصرف الصحي بالقطاع المدمر.
وتعليقا على هذا الإعلان ذكرت صحيفة إسبانية أن معاناة أخرى تضاف إلى مأساة المواطنين الفلسطينيين بقطاع غزة، الذين يعانون من ويلات الحرب والمجاعة والحصار بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
مصيبة كبيرة
وأضافت صحيفة “الكونفدنسيال”: ها هي الآن تحل بهم مصيبة أخرى، ألا وهي شلل الأطفال الذي يهدد جيلا كاملا من المحاصرين الفلسطينيين.
فوفقا لمنظمة الصحة العالمية، فإن الظروف غير الإنسانية التي يحاول الفلسطينيون في غزة البقاء فيها على قيد الحياة تعرضهم إلى خطر الإصابة بمرض شلل الأطفال.
وقالت الصحيفة، إن مستوى الدمار الذي شهدناه في الحرب الحالية في غزة لم تكن له سابقة في تاريخ الصراع بين فلسطين وإسرائيل.
وأودت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، التي دخلت شهرها التاسع، بحياة نحو 40 ألف فلسطينيا، منهم 13 ألفا و800 من القاصرين.
ويُقدر أن أكثر من اثنين بالمئة من الأطفال في القطاع ماتوا أو تعرضوا للتشويه أو الإصابة، بحسب منظمة إنقاذ الطفولة.
في الأثناء، لم تكن أوامر محكمة العدل الدولية بوقف إطلاق النار لمنع وقوع "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين بغزة مجدية لوقف بطش الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو.
وعلى العكس، تواصل إسرائيل إبادة غزة، وبهذه الهجمات تحكم على سكانها بالعيش في وضع مأساوي للغاية، وصفته الأونروا بـ"الجحيم على الأرض".
ويجب أن نضيف إلى الوفيات عدد الإصابات التي بلغت حوالي 100 ألف، وتدمير أحياء بأكملها، وتدهور النظام الصحي، والإمكانيات المحدودة للوصول إلى السلع الأساسية.
ومع إغلاق إسرائيل المعابر الحدودية، ظلت 30 بالمئة من شاحنات المساعدات الإنسانية، التي تشمل الأدوية والمستلزمات الطبية، تتراكم يوميا على حدود القطاع بعد فشلها في عبور نقاط المراقبة الإسرائيلية الصارمة.
ودون مستشفيات، ودون مدارس، ودون أراض زراعية، ودون إمكانية الحصول على الغذاء ودون ماء، تعكس الأرقام مستقبلا قاتما لغزة، التي وصفها كثيرون بالفعل بأنها "مكان غير صالح للعيش".
تفاقم متواصل
وفي خضم هذا الوضع المدمر، لا تتوقف المشاكل التي يواجهها الفلسطينيون في غزة عن التفاقم يوما بعد يوم.
من جهتها، أكدت منظمة الصحة العالمية وجود فيروس شلل الأطفال في مياه الصرف الصحي في عدة مناطق بغزة.
على وجه التحديد، كان ذلك في خانيونس، حيث شنت إسرائيل هجوما جديدا في الأيام الأخيرة، وفي دير البلح أيضا.
وقد تعرضت هذه الجيوب لأكبر قدر من القصف من قبل إسرائيل، كما عثر على هذه الجرثومة -وهي معدية بشكل كبير- في مياهها.
في بيانها الأخير، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن هناك "خطرا كبيرا" لانتشار الفيروس ليس فقط في القطاع، ولكن أيضا خارجه.
ويؤثر هذا الفيروس على القدرة على تحريك الأطراف، حتى إنه يسبب الشلل. كما يمكن أن يؤدي إلى مشاكل في التنفس ويؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة.
وأشارت الصحيفة إلى أن العدوى تحدث عن طريق شرب الماء الملوث. وعلى وجه التحديد، يشكل الافتقار إلى القدرة على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب أحد العوائق الرئيسة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة.
ووفقا لتقرير وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، قبل هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كان الوصول إلى المياه الصالحة للشرب صعبا بالفعل.
لكن الآن، ومع الحرب، أصبحت 96 بالمئة من طبقة المياه الجوفية في غزة ملوثة، ويمنع الحصار الذي تفرضه إسرائيل دخول المواد المستخدمة لتحلية مياه البحر.
يضيف التقرير ذاته أيضا أن ثلاثة من كل أربعة أشخاص يشربون المياه الملوثة وأن الغالبية يضطرون أيضا إلى الوقوف في طوابير لساعات للحصول على هذا المورد.
ونظرا لهذه الظروف الصحية السيئة، لم يكن اكتشاف هذا الفيروس حدثا مفاجئا بالنسبة للمنظمات الإنسانية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفيروس نفسه استفحل في السابق في القطاع، وتم القضاء عليه قبل أكثر من 25 سنة وبلغت نسبة التطعيم ضده 95 بالمئة قبل الحرب.
واقع مأساوي
وفي تصريحات لصحيفة الكونفدنسيال، تقول تانيا هاري، المديرة التنفيذية لمنظمة "جيشا"، التي تأسست بهدف ضمان حرية الحركة للفلسطينيين، خاصة سكان غزة، أن "التقارير حول تفشي مرض شلل الأطفال مدمرة، لكنها ليست مفاجئة بالنظر إلى الكارثة الإنسانية التي تحدث في القطاع".
وتضيف: "قامت إسرائيل بتهجير حوالي 1.9 مليون شخص إلى مناطق تصنفها على أنها "إنسانية"، غير أن الظروف المعيشية في الواقع غير إنسانية بشكل صارخ".
وفي حوارها مع الكونفدنسيال، قالت هاري إن "النازحين مكدسين في مساحة تعادل حوالي سدس مساحة القطاع المكتظ بالفعل. غير أن هذه المساحة غير مجهزة لإدارة مثل هذا الاكتظاظ الكبير، خاصة من حيث الوصول إلى المساعدات وإمدادات المياه الكافية والبنية التحتية للرعاية الصحية والأخرى الخاصة بالصرف الصحي".
وتعرب عن أسفها لأن "أنهار الصرف الصحي غير المعالجة والنفايات المهملة ونقص المياه النظيفة قد أصبحت عاملا ناقلا للأمراض ومسببا للوفيات المبكرة".
وبعد أن علمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بوجود هذا الفيروس، بدأت خطة تطعيم لقواتها. وأفاد الجيش في بيان عسكري بأنه "قرر، بالتنسيق مع وزارة الصحة، تطعيم القوات العاملة ضد الفيروس للحفاظ على صحة الجنود وأنه سينسق دخول لقاحات لغزة".
بالنسبة لهاري، فإن حقيقة أن منسق أعمال الحكومة في المناطق "يتفاخر بالسماح بدخول اللقاحات يعكس سيطرته الكاملة على وصول السكان المدنيين إلى كل ما يحتاجونه لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الأدوية التي تنقذ الأرواح".
وتضيف: "بالنظر إلى هذا المستوى من السيطرة، فمن الواضح أنه كان بإمكانهم فعل المزيد لمنع هذه الكارثة".
في هذا السياق، تؤكد هاري أن إسرائيل لم تعترف بالتزاماتها كقوة احتلال في غزة". وأضافت: "إن "الحل المنطقي الوحيد لمنع تفشي الأمراض، ووقف الفظائع المستمرة، وإطلاق سراح الرهائن هو إنهاء الحرب".
وقالت: "يجب على إسرائيل أن تتحمل المسؤولية عن الوضع الذي خلقته وأن تتصرف وفقا لذلك للوفاء بالتزاماتها تجاه الفلسطينيين المدنيين في غزة".
وأشارت الصحيفة إلى أن الأطفال هم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بهذا الفيروس. وعلى وجه التحديد، الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة ولم يتم تطعيمهم ضد هذا المرض الفتاك.
ونوهت هاري بأن "الوصول المساعدات الإنسانية محدود وبشدة بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة في جميع أنحاء المنطقة، والتي لا تترك أي مكان آمنا، حتى للعاملين في المجال الإنساني".