تراجع الهجرة غير النظامية إلى إسبانيا... ما علاقته بالمغرب؟
"دعم المغرب لمحاربة الهجرة يأتي كمقابل إبداء إسبانيا مواقف سياسية معينة في قضايا مصيرية للمملكة"
نجحت إسبانيا إلى حد كبير في تقليل وصول المهاجرين غير النظاميين العابرين إليها من المغرب، فيما ارتفع عدد القادمين إليها عبر بلدان أخرى، وسط انتقادات من تحول الرباط إلى شرطي لمدريد.
وسجلت إحصائيات جديدة تراجع عدد المهاجرين غير النظاميين العابرين من المغرب إلى إسبانيا بنحو 30 بالمئة خلال 2024، في مقابل تزايد الوافدين من الجزائر نحو جزر البليار، ومن موريتانيا نحو جزر الكناري.
بيانات كاشفة
وكشفت صحيفة "الباييس" الإسبانية، في 18 أغسطس/آب 2024، نقلا عن بيانات رسمية، وصول 31 ألفا و155 مهاجرا غير نظامي برا وبحرا حتى منتصف أغسطس، أي بزيادة 66 بالمئة عما كانت عليه في الفترة نفسها من عام 2023.
لكن البيانات أظهرت في الوقت ذاته أن المغرب أصبح يسيطر بشكل متزايد على الهجرة من سواحل المملكة، ما دفع المهاجرين إلى استخدام السواحل الموريتانية للانطلاق نحو جزر الكناري التي صارت البوابة الرئيسة للهجرة نحو إسبانيا.
وأوضحت الصحيفة أن عدد المهاجرين غير النظاميين العابرين من المغرب إلى إسبانيا تراجع بنحو 30 بالمئة خلال 2024.
وذكرت أن 1605 مهاجرين عبروا من المغرب نحو سبتة المحتلة سباحة، فيما تواصل شبكات تهريب نشاطها في نقل المهاجرين عبر نحو 200 قارب، يتقاضى أصحابها ما يقارب 10 آلاف يورو مقابل كل راكب.
في المقابل، سجل عدد الوافدين من الجزائر نحو جزر البليار ارتفاعا بنحو 15 بالمئة في النصف الأول من عام 2024.
ورأى المصدر ذاته، أنه مع تزايد السيطرة الأمنية على السواحل الشمالية للمغرب، أصبحت موريتانيا الوجهة الأساسية للمهاجرين.
إذ إن 13 ألف مهاجر وصلوا إلى جزر الكناري انطلاقا من سواحل الجارة الجنوبية للمغرب.
ومع ارتفاع أرقام المهاجرين غير النظاميين إلى إسبانيا، قال مكتب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز إنه الأخير سيغادر في 27 أغسطس 2024 في زيارة تستغرق ثلاثة أيام إلى موريتانيا وغامبيا والسنغال التي انطلق من شواطئها عدد كبير من القوارب المليئة بالمهاجرين نحو الأرخبيل الإسباني.
وتعد إسبانيا أحد المنافذ الرئيسة للمهاجرين الباحثين عن حياة أفضل في أوروبا، حيث تخوض الغالبية العظمى رحلة محفوفة بالمخاطر إلى جزر الكناري الواقعة قبالة السواحل الشمالية الغربية لإفريقيا.
وستكون هذه الزيارة، الثانية لسانشيز إلى موريتانيا خلال ستة أشهر، بعد زيارته الأخيرة في فبراير/شباط 2024 مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي أعلنت عن تمويل بقيمة 210 ملايين يورو لإدارة الهجرة في إطار برنامج تعاون معزز مع نواكشوط.
وتفيد تقارير إعلامية إسبانية بأن موريتانيا أصبحت، منذ نهاية عام 2023، نقطة الانطلاق الرئيسة للقوارب الخشبية التي تصل إلى جزر الكناري، في منحى مرجح للارتفاع بعد الصيف عندما تكون المياه هادئة.
وتشهد الدولة الواقعة في غرب إفريقيا ضغوط هجرة هائلة؛ فهي تستقبل أكثر من 150 ألف نازح، وفقا لأرقام الاتحاد الأوروبي، ولا مؤشرات على توقف تدفق المهاجرين إليها.
ويعد الممر الأطلسي المؤدي إلى الجزر الإسبانية خطيرا بسبب التيارات القوية، ويستخدم المهاجرون قوارب مكتظة وغير صالحة للإبحار في كثير من الأحيان دون مياه شرب كافية؛ لكن شعبيتها ازدادت بسبب تشديد الرقابة في المتوسط، لا سيما في المغرب.
تحديات رغم الاتفاق
وفي تحليله لهذه الأرقام، قال الباحث الاجتماعي والسياسي المغربي أحمد بلا، إنها تعكس الجهد الذي تبذله السلطات المغربية لمنع الهجرة غير النظامية.
وأضاف لـ "الاستقلال"، أن منع المهاجرين غير النظاميين، لا يقتصر على القادمين من الدول الإفريقية جنوب الصحراء، بل يمتد أيضا للمغاربة الراغبين في الهجرة إلى إسبانيا.
وأوضح بلا أن للرباط اتفاقيات تعاون أمني مع مدريد، تشمل مراقبة الحدود ومنع الهجرة غير النظامية، ولذلك تمنح الأخيرة للرباط تمويلات مالية ومعدات تقنية ولوجستية.
وذكر أن هذا التعاون الوثيق بين البلدين، والنتائج التي حققها، تفسر تغيير المهاجرين لمسار رحلتهم إلى القارة العجوز، أو أرض الأحلام كما يسميها البعض، علما أن العامل الاقتصادي ليس هو السبب الوحيد للهجرة، وإن كان على رأسها.
لكن مع ذلك، لفت موقع "rtve" الإسباني، في 16 أغسطس 2024، إلى أن رئيس مدينة سبتة المحتلة، خوان فيفاس، سيطلب رسميا من الحكومة الاستجابة "التضامنية والمسؤولة" لما يقول إنه "وضع غير مستدام وحالة طوارئ إنسانية" ناجمة عن وصول المهاجرين القاصرين.
وأعلن رئيس السلطة التنفيذية في سبتة أنه سيبعث برسالة يطلب فيها المساعدة من رئيس الحكومة بيدرو سانشيز؛ وإلى وزير السياسة الإقليمية، أنخيل فيكتور توريس، وإلى وزير الأطفال والشباب، سيرا ريغو.
وبحسب المصدر ذاته، ستوضع الرسالة أن سبتة تعيش في ظل صدمة إنسانية حقيقية، وأصبحت غارقة تماما فيما يتعلق بقدرتها على مساعدة المهاجرين القاصرين غير المصحوبين، نظرا لأن مراكز استقبالها تتجاوز بالفعل طاقتها الاستيعابية بـ300 طفل.
وذكر الموقع أن عدد المهاجرين القاصرين غير المصحوبين تجاوز طاقة الاستقبال بنسبة 360 بالمئة، في حين تضاعف عدد الوافدين ست مرات حتى الآن هذا العام مقارنة بعام 2023.
وتستضيف سبتة خمسة قاصرين لكل ألف نسمة، وهي نسبة تتناقض مع المعدل الوطني الإسباني الذي لا يصل إلى 0.001 بالمئة، حسب البيانات التي قدمتها حكومة المدينة المتمتعة بالحكم الذاتي.
وعبر رئيس سبتة في الرسالة عن الوضع الخطير الذي تمر به المدينة، وضرورة التدخل الفوري لمنع تحول المدينة إلى "سجن للمهاجرين الكبار والقاصرين".
ملف حساس
الباحث في ملف الهجرة غير النظامية رشيد فخراني، قال إن المغرب يحظى بموقع جيوسياسي حاسم ومؤثر في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصا إسبانيا، التي تتعاطى مع ملف الهجرة بصورة حساسة.
وذكر فخراني في تصريح صحفي محلي، أن المغرب وإسبانيا يتشاركان في الحدود البحرية والبرية، بتقدير أن سبتة ومليلية تعدهما مدريد إسبانيتين.
وهذه الحيثيات الجيوسياسية والجغرافية، وفق المتحدث ذاته، "دفعت إسبانيا إلى طلب دعم المغرب لمحاربة الهجرة والمخدرات، من خلال تقديم المساعدات المادية، أو حتى مقابل إبداء مواقف سياسية معينة في قضايا مصيرية بالنسبة إلى المملكة، من قبيل ملف الصحراء".
وفي 2022، وصفت الحكومة الإسبانية، في رسالة بعث بها رئيسها بيدرو سانشيز إلى العاهل المغربي محمد السادس، مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء بـ"الأكثر جدية" للتسوية في الإقليم المتنازع عليه.
وعد مراقبون ذلك "تحولا تاريخيا" في موقف مدريد من القضية بعدها المستعمر السابق للإقليم، لا سيما أنها كانت تتبنى موقفا محايدا في السابق.
ومنذ 1975، ثمة نزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" حول إقليم الصحراء، تحول إلى مواجهة مسلحة استمرت حتى 1991، وتوقفت بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
ووفق فخراني، فإن المغرب يجد نفسه مثل دركي إسبانيا وأوروبا، فهو مطلوب منه منع المهاجرين من التدفق عليها، غير أن العمل مثل دركي أو حارس للحدود لم يكن يوما حلا ناجعا وكافيا.
وأضاف: "لأن ملف الهجرة خصوصا تلزمه حلول اجتماعية، لأن الهشاشة التنموية والاجتماعية هي التي تدفع المهاجرين إلى خوض مغامرة البحر للوصول إلى "الفردوس الأوروبي"، مما يستوجب أولا التفكير في حلول تنبني على التنمية المستدامة ومكافحة الهشاشة وتوفير فرص عمل للشباب".
يشارك الباحث الاجتماعي والسياسي أحمد بلا ما ذهب إليه فخراني، ويؤكد أن الحل ليس في إقامة موانع السفر وتعزيز تقنيات الرصد والرقابة، بل الحل يكمن في إفريقيا نفسها.
وأضاف، ذلك أن العمل الجاد لأجل شراكات بينية عادلة ومنصفة ومربحة للجميع، ستسهم في الرفع من نسب النمو الاقتصادي، والذي بدوره يؤثر إيجابا على الحد من الهجرة.
واسترسل، أن البعد السياسي يلعب دورا مهما؛ حيث إن الدول الأوروبية وخاصة القوية منها وذات النفوذ السياسي في إفريقيا، يجب أن تتوقف عن دعم الأنظمة العسكرية والديكتاتورية، وأن تترك إفريقيا تقرر مصيرها بيد أبنائها.
ورأى بلا، أن التدخلات الخارجية بعدد من الدول الإفريقية، أثر سلبا على استقرار أنظمتها السياسية، وحولها إلى مناطق صراع بين عدد من المتنافسين على المواد الخام والثروات الباطنية.
وخلص بلا إلى أن الهجرة هي حق أممي أو كوني للإنسان، ولذلك لا يمكن للعوائق التي توضع أمامه أن تمنع الإنسان الراغب في الهجرة من تحقيق هذا الحلم، خاصة أن كانت ظروفه المعيشية صعبة أو هشة أو غير آمنة، ولذلك لا حل جذريا لإشكالية الهجرة إلا بمزيد من التنمية والعدالة والديمقراطية.