"طي النسيان".. ما موقع إرث ميركل في سياسات حزبها المسيحي الألماني؟
منذ أشهر، يثير "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، حزب المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، جدلا واسعا في البلاد، نظرا لانقلابه على نهجه اليميني الوسط واتجاهه نحو اليمين المتطرف.
فمنذ انتخابه، يعمل الزعيم الحالي للحزب فريدريك ميرز إثر استقالة ميركل على شد الحزب نحو اليمين، ويُقابل باتهامات أنه يغازل اليمين المتطرف وأنه يحاول سحب أصوات من حزب "البديل لألمانيا" للعودة للحكم.
وفي هذا السياق، سلطت صحيفة الدياريو الإسبانية الضوء على إرث ميركل، الذي "أصبح في طي النسيان"، والتغييرات التي لحقت بحزبها.
واقع جديد
وقالت الصحيفة: في الحقيقة، أظهر رحيل ميركل من مؤسسة كونراد أديناور، المرتبطة بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أن ألمانيا قد تركت وراءها إرث المستشارة السابقة.
وكونراد أديناور هي مؤسسة حزبية سياسية ألمانية مرتبطة بالاتحاد الديمقراطي المسيحي، وتمتلك 78 مكتبا وتدير برامج في أكثر من 100 دولة، وتعد بمثابة مركز أبحاث الحزب.
وأضافت الصحيفة أن ميركل لم تكن مجرّد قائدة محافظة. لقد مثلت حقبة بأكملها في ألمانيا وأوروبا. لقد كانت أيقونة وحتى حجة سياسية للكثيرين في ألمانيا للتصويت لصالح الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
ورغم ذلك، شهد تأثيرها في السياسة الألمانية انحدارا واضمحلالا إلى حد كبير لدرجة أنه لم يبق الآن أي شيء تقريبا من إرثها.
في وقت سابق، أكدت ميركل أن اعتزالها السياسة سيسمح لها "بالسفر والقراءة"، لكن كثيرين فهموا أنها ستواصل لعب دور مؤثر في صفوف المحافظين بعد تقاعدها.
ومع ذلك، لم يتوقف حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، بقيادة فريدريك مايرز، بعد الهزيمة الانتخابية للحزب الديمقراطي المسيحي في الانتخابات العامة لسنة 2021، عن النأي بنفسه عما كان مستشاره والداعم الرئيس له في السلطة لمدة 16 سنة.
وأشارت الصحيفة إلى أن خروج ميركل من مؤسسة كونراد أديناور، والمصادقة على البرنامج الأساسي الجديد لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الذي ينصّ في كثير من النواحي على فتح صفحة بيضاء مع ما يمكن فهمه على أنه "إرث ميركل"؛ تمثل خير دليل على هذا التباعد.
في الواقع، كانت ميركل عضوا نشطا في مؤسسة كونراد أديناور ولها أهميتها داخلها. وحاول رئيسها، نوربرت لاميرت، منع المستشارة السابقة من المغادرة في لقاء عقد أخيرا وجها لوجه. لكن، لم ينجح لاميرت في إقناعها.
وقالت القائدة فيما يتعلق بقرارها، كما ظهر في الصحافة الألمانية: "أنا ببساطة خارج هذا الدور".
وبهذه الطريقة، أصبحت ميركل، في سن 69، خارج المؤسسة الرئيسة القادرة على تكريس نفسها للحفاظ على إرثها السياسي وضمان استمرارها في إلهام حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بطريقة أو بأخرى.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحالي، بقيادة ميرز، بدا واضحا في النأي بنفسه عن المستشارة السابقة.
ومن هنا، لم يكن عبثا أن أطلق على ميرز، خلال صعوده إلى رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، لقب "مناهض ميركل".
مسارات متباعدة
وأوردت الصحيفة الإسبانية أن أعضاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يؤكدون أن خروج ميركل من المؤسسة يمثل "قطيعة" واضحة مع الحزب.
من جانبها، كشفت أندريا روميلي، أستاذة في كلية هيرثي المرموقة للحكم في برلين، أنه "من المثير للدهشة أن السؤال حول الخطأ الذي ارتكبته ميركل لم يثر أي نقاش في البلاد".
وتواصل: "لقد أشار الحزب الاشتراكي الديمقراطي، في مؤتمره الأخير، إلى أن سياسة ميركل تجاه روسيا كانت خاطئة. سيتعين علينا أن نرى ما تقوله في مذكراتها عندما تنشر".
في الحقيقة، خلال ولاية ميركل، أصبحت واردات الغاز الطبيعي الروسي تمثل 55 بالمئة من إجمالي الواردات في سنة 2021، وهو ما انتقده الكثيرون لأنه يضع سياسة الطاقة الألمانية في أيدي روسيا.
وأضافت الصحيفة أن ميركل أدركت مدى النزعة الاستبدادية لبوتين، لكنها لم تواجهها بالصرامة الكافية التي تمليها ألمانيا.
علاوة على ذلك، يؤكد كثيرون أن ميركل أسهمت أيضا في نزع سلاح ألمانيا التدريجي الذي أدى إلى بقاء البلاد "عارية" في مواجهة العدوان العسكري. وهو مصطلح يأتي من قائد الجيش الألماني نفسه.
وأشارت الصحيفة إلى أن ميركل تمكنت بنجاح نسبي من قيادة بلادها خلال أوقات التحديات الكبرى، على غرار الأزمة المالية لسنة 2008، وأزمة اليورو لسنة 2010، وأزمة اللاجئين لسنتي 2015 و2016، وأيضا خلال أزمة الوباء العالمي.
ومع ذلك، بالتزامن مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا سقطت ميركل في نوع من النسيان الجماعي، وهو أمر واضح وضوح الشمس في الاتحاد الديمقراطي المسيحي.
وتعلق روميلي لصحيفة الدياريو قائلة: "إن مسارات ميركل وحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أصبحا متباعدين، ويمثّل خروجها من مؤسسة كونراد أديناور جزءا من ذلك. لقد أصبحت معزولة للغاية".
انقلاب سياسي
ونوهت الصحيفة إلى أن ميركل استقبلت الكثير من الجوائز والاعتراف على الساحة الدولية؛ على غرار الدكتوراه الفخرية من معهد باريس للدراسات السياسية (ساينس بو)، في حزيران/ يونيو 2023.
وفي سنة 2022، رفضت ميركل عرضا للعمل في منصب مستشارة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
وفي صيف 2023 أيضا، حصلت ميركل على وسام الاستحقاق البافاري. وبغض النظر عن الجوائز، فإن الأسرة الألمانية المحافظة لم تعد ترغب في أن يكون لها علاقة بميركل.
من الناحية السياسية، يشكل البرنامج الأساسي الجديد لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والذي تم تقديم مسودة أولى له أخيرا، مثالا على ذلك.
ومن بين أمور أخرى، هناك التزام متجدد بالطاقة الذرية، وهي التكنولوجيا التي أسهمت ميركل في وضع حد لها في ألمانيا.
فقد عملت على تسريع وتيرة "التعتيم النووي" الذي خطط له الديمقراطيون الاشتراكيون وأنصار حماية البيئة في عهد سلفها المستشار الديمقراطي الاشتراكي جيرهارد شرودر.
كما يقترح البرنامج الجديد لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، والذي من المقرر أن يتم التحقق من صحته هذا الشهر وتقديمه في مؤتمر في مايو/ أيار 2024، تغييرات جذرية في نظام اللجوء.
ويريد المحافظون الألمان النضال حتى تتمكن "دول ثالثة" من استقبال ورعاية طالبي اللجوء الذين يرغبون في طلب اللجوء في ألمانيا أثناء معالجة طلباتهم.
وتتمثل أحد الجوانب الأخرى التي شهدت تعاليق أكثر من غيرها في البرنامج المذكور في البيان المثير للجدل الوارد في الوثيقة: "المسلمون الذين يشاركوننا قيمنا ينتمون إلى ألمانيا".
ويقدر أن ستة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا. وبهذا قالت ميركل إن "الإسلام ينتمي إلى ألمانيا". لكن هذه العبارة لم تعد تمثل حزب ميرز الديمقراطي المسيحي.