سويلا بريفرمان.. وزيرة بريطانية فقدت منصبها بسبب موقفها العنصري من غزة

شهدت الساحة السياسية البريطانية المشتعلة بالأحداث زلزالا داخل حكومة ريشي سوناك، حين قرر في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، الإطاحة بوزيرة الداخلية المثيرة للجدل، سويلا برافرمان.
وذلك بعد أن هاجمت الشرطة وانتقدت تعاملها مع المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين، بالعاصمة لندن في الأسابيع الأخيرة.
وعلقت صحيفة "الغارديان" البريطانية على خبر الإقالة بأن برافرمان، رغم أنها ابنة أبوين مهاجرين، فإنها تتوق إلى ترحيل المهاجرين، وهي شخصية غير محبوبة لكثيرين في البرلمان البريطاني.
واتفقت الكثير من التوصيفات على النظر إلى برافرمان صاحبة الأصول الهندية، على أنها أكثر الوزراء البريطانيين عنصرية ضد العرب والمسلمين والمهاجرين والمشردين، في تاريخ وزارة الداخلية.
مقال الأزمة
وفي 8 نوفمبر 2023، نشرت برافرمان مقالة لصحيفة "التايمز" هاجمت فيها بضراوة الشرطة البريطانية، وقالت إن "عناصر الشرطة (يفاضلون) عندما يتعلق الأمر بالتظاهرات".
وزادت من الأمر عندما رأت أن شرطة العاصمة لندن، تجاهلوا من وصفتهم بـ"الغوغاء المؤيدين للفلسطينيين" خلال مسيرات احتجاجية ضد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وشهدت لندن تظاهرات كبيرة على مدى أربع عطل نهاية أسبوع متتالية منذ قصف الجيش الإسرائيلي المدنيين في غزة.
وقبل كتابة مقالتها حاولت "برافرمان" بكل ما أوتيت من قوة أن تمنع هذه المسيرات.
وسعت إلى إقناع الشرطة بأنها مسيرات "معادية للسامية" وتدعو إلى "زوال إسرائيل"، في حين أن مطالب المظاهرات هي وقف إطلاق النار على غزة.
لكن الوزيرة ظلت مصرة على وصفها بأنها مسيرات "كراهية" رغم تبرؤ كل الوزراء وحتى رئيس الوزراء سوناك من هذا التوصيف.
فيما رفضت الشرطة البريطانية منع المظاهرات، ولم تستجب لطلب وزيرة الداخلية بمنعها.
وأعلن قائد شرطة لندن "مارك رولي" أن الاحتجاجات مستوفية لجميع الشروط ولا يوجد سبب لمنعها.
وكانت هذه بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير في علاقتها مع مؤسسات الدولة وخصوصا مع جهاز الشرطة.
وأدت إلى نشرها المقال الجدلي لصحيفة "التايمز"، واتهمت فيه الشرطة بازدواجية المعايير، وبالانحياز للمسيرات المؤيدة لفلسطين، مقابل التشديد على أي مسيرة لليمين المتطرف.
وهو ما أدى إلي اعتراضات مسؤولين بريطانيين بارزين على رأسهم عمدة لندن صادق خان، الذي قال "إنها تبذل الجهود لتأجيج التوتر.. لو كان لدى بريفرمان أي شرف فعليها أن تستقيل، وإذا لم يكن، فعلى سوناك أن يقيلها".
وقد أعلن المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء، تعليقا على مقالة "برافرمان"، أنه لم يتم الاتفاق على المحتوى.
وفي 9 نوفمبر 2023، ذكر موقع "بي بي سي" البريطاني، أن المقالة أرسلت بالفعل إلى مكتب سوناك الذي طلب إدخال تعديلات عليها، لكن وزيرة الداخلية لم تأخذها في الحسبان.
وأضاف أن تجاهل الوزيرة لرئيس وزرائها، يأتي في ظل تكهنات بأنها تهيئ نفسها للتنافس على زعامة حزب المحافظين ضد سوناك.
وبعد إقالتها بأيام نشرت برافرمان في 14 نوفمبر 2023، عبر حسابها في منصة "إكس"، منشورا وجهت فيه انتقادات شديدة لسوناك.
وادعت أنها كانت "ناجحة" طوال مدة توليها وزارة الداخلية، ثم اتهمت سوناك بالفشل الواضح والمتكرر في الوفاء بكل سياساته الأساسية.
وقالت إن "سوناك خان الوعد الذي أطلقه للشعب في مسألة الهجرة"، ليرد عليها المتحدث باسم مكتبه قائلا إن "رئيس الوزراء يؤمن بالأفعال لا الأقوال".

سلسلة عثرات
لم تكن مقالة "التايمز" الخطأ الوحيد لـ"برافرمان" المثيرة للجدل، ففي 5 نوفمبر 2023، واجهت عاصفة من الانتقادات بسبب المشردين بلا مأوى، والذين يطلق عليهم في بريطانيا "الهوملس".
ورأت أن النوم في خيام بالشارع "نمط في العيش" وليس سببه الفقر، ولهذا وجهت عناصر الشرطة والمجالس المحلية لشن حملة لجمع كل الخيام التي يستعملها أشخاص بدون مأوى من أجل المبيت ليلا.
وبالفعل، بدأت الكثير من المجالس المحلية جمع هذه الخيام التي تنتشر بالشوارع وخصوصا في موسم البرد حيث يلجأ لها الأشخاص المشردون.
وهو ما فتح عليها موجة انتقادات سياسية، ومنحت لحزب العمال (المعارض) فرصة ذهبية لانتقاد حكومة سوناك.
الخطأ الآخر تمثل في هجومها على الباكستانيين، وذلك من بين التصريحات العنصرية التي استهدفت الأقلية المسلمة بتشكيلاتها المتنوعة.
ففي 3 نوفمبر 2023، تحدثت عن "عصابات باكستانية" متورطة في تكوين شبكات للاتجار بالبشر.
وكان استهداف برافرمان للبريطانيين من أصول باكستانية مستغربا، حيث تشير أرقام وزارة الداخلية إلى أن جرائم الاغتصاب وتكوين عصابات الاتجار بالبشر لا علاقة لها بهذه الفئة.
بل على العكس فإن أكبر المتورطين في الأمر أشخاص من أصول بيضاء، ومع ذلك لم تعتذر الوزيرة عن هذا التصريح العنصري، الذي أثار غضب المسلمين وذوي الأصول الباكستانية.
وعلق الإعلامي البريطاني مهدي حسن في قناة "أم أس أن بي سي"، قائلا: "رغم أصلها العرقي (هندية)، قد تكون برافرمان، أكثر السياسيين تعصبا وسخرية وخطورة من حزب المحافظين منذ عقود طويلة، هذه أشياء حقيرة وغير شريفة".
تلك النبرة العنصرية الفجة التي تميزت بها "برافرمان" لا تعبر عن أصولها، حيث ولدت باسم "إلين كاسيانا فرنانديز" بالعاصمة لندن في 3 أبريل/ نيسان 1980.
والدها كريستي فرنانديز من كينيا، ووالدتها "أوما" من موريشيوس، وكلاهما من أصل هندي، هاجرا إلى بريطانيا في الستينيات من القرن العشرين.
عمل والدها في جمعية إسكان، وكانت والدتها ممرضة ثم أصبحت ناشطة سياسية في حزب المحافظين.
وتعتنق سويلا الديانة البوذية رغم أن والدتها هندوسية ووالدها مسيحي.
وفي عام 2019 تزوجت من رجل الأعمال الجنوب إفريقي اليهودي، رائيل برافرمان، وهو مدير تنفيذي في شركة مرسيدس بنز.
ويقول النائب المحافظ، جون هايز، أحد أقدم حلفاء برافرمان في السياسة، إن زوجها "يؤمن بالحركة الصهيونية، وهو الذي عزز النزعة المحافظة لديها".

المسيرة السياسية
برافرمان بحسب زملائها "تبدو هادئة"، لكنها إذا ما تكلمت "أخرجت عواصف الغضب والانتقادات".
ورغم أنها من أصول هندية ولعائلة من المهاجرين لكنها صنعت اسما لنفسها بسبب آرائها الجدلية بشأن الاتحاد الأوروبي والهجرة.
وتميزت بمواقفها الحادة المؤيدة لخروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية.
وحصلت على منصب مصغر في حكومة تيريزا ماي (وكيل وزارة برلماني) ثم استقالت من منصبها اعتراضا على اتفاق "بريكست" الذي توصلت إليه ماي مع المفوضية الأوروبية، ووصفته بـ"الخيانة".
بعدها عينها رئيس الوزراء (آنذاك) بوريس جونسون وزيرة للعدل.
وبرز اسمها بعد استقالة جونسون من منصبه، إذ كانت أول من أعلن ترشحها لخلافته في صيف 2022.
ونافست ليز تراس، التي حاول فريقها إقناعها بالتنازل عن الترشح مقابل إعطائها حقيبة الداخلية في الحكومة الجديدة، لكنها أصرت على الاستمرار في المنافسة، وخسرت.
ومع ذلك ضمتها تراس إلى حكومتها، كوزيرة للداخلية في 6 سبتمبر/ أيلول 2022.
لكنها خرجت من الحكومة في غضون بضعة أسابيع، تحديدا في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 بعد اعترافها بمشاركة وثائق سرية حكومية.
عادت مرة أخرى إلى الوزارة تحت قيادة سوناك، وجعلت مهمتها الأساسية محاربة قوارب الهجرة غير النظامية.
وفي 14 نوفمبر 2023، بعد يوم واحد من الإطاحة بها، قالت صحيفة "الغارديان" إن "تعليقات برافرمان كانت بمثابة شوكة في خاصرة سوناك، الذي نأى بنفسه مرارا وتكرارا عن لهجتها بشأن الهجرة والمشردين".
وأضافت "لطالما أثارت غضب عديدين بوصفها قوارب الهجرة بأنها (غزو) وبصدامها مع قطاعات من المجتمع البريطاني، ما أفقد الحزب كثيرا من ناخبيه".
وأوردت أن "وزيرة الداخلية السابقة برافرمان، وصلت لهذا المنصب المهم بسبب نموذج بريطانيا في احترام التنوع الثقافي".
وأكملت: "إلا أنها ألقت خطابا صادما بالأمم المتحدة تعلن فيه فشل هذا النموذج، وأنه لم يعد قادرا على الصمود، واقترحت على كل من يريد الوصول إلى البلاد الالتزام بالقيم البريطانية وبأسلوب العيش البريطاني".
واختتمت "الغارديان" بالقول "لولا النموذج البريطاني لما وصلت برافرمان ولا سوناك ولا غيرهم إلى تلك المناصب القيادية في البلاد".
المصادر
- سويلا برافرمان.. وزيرة الداخلية البريطانية التي أطاحت بها فلسطين
- "انتقدت تعامل الشرطة مع مظاهرات غزة".. من هي وزيرة الداخلية البريطانية المقالة؟
- زوجها يهودي.. بعد إقالتها بسبب مهاجمة الفلسطينيين من هي وزيرة الداخلية البريطانية؟
- وصفت مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بـ"مسيرة كراهية".. إقالة وزيرة الداخلية البريطانية بعد تصريحات عن "تحيز" الشرطة
- تصريحات عنصرية لوزيرة داخلية بريطانيا ضد "الباكستانيين" تثير انتقادات