نجاح إيران في إطلاق كبسولات وصواريخ إلى الفضاء.. إلى أي مدى يقلق الغرب؟
في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت إيران نجاحها في إرسال كبسولة قادرة على نقل الحيوانات إلى مدار الأرض في خطوة مهمة تسبق إرسال رواد مستقبلا لاستكشاف الفضاء.
ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن وزير الاتصالات عيسى زارع بور قوله إن الكبسولة التي يبلغ وزنها 500 كيلوغرام، أطلقت على بعد 130 كيلومترا في المدار.
بنت الكبسولة وكالة الفضاء المدنية الإيرانية، وجرى إطلاقها عبر صاروخ من صنع محلي لوزارة الدفاع الإيرانية يحمل اسم "سلمان"،
وأشاد معهد بحثي إيطالي بالتقدم الذي أحرزته طهران في برنامج الفضاء الخاص بها من خلال عمليات إطلاق ناجحة وتطوير صواريخ.
وقال "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن إيران باتت على نحو متزايد طرفا بارزا في المنافسة الفضائية المتنامية وهو ما يغذي الجدل والمخاوف بشأن برنامجها والتطورات المحتملة.
وأكد أن برنامج الفضاء الإيراني يفرض نفسه أكثر فأكثر على الساحة الإقليمية والدولية خاصة أن عملية الإطلاق الناجحة للكبسولة لم تكن الأولى من نوعها.
تجارب ناجحة
وأشار إلى أن إيران بدأت التخطيط لإرسال حيوانات إلى الفضاء منذ منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
وأتمت أول عملية إطلاق ناجحة لها عام 2010، وفي 2013، قالت إنها نجحت في إرسال قردين إلى الفضاء وإعادتهما.
وفي العام التالي، وقعت اتفاقية تعاون مع موسكو لاستكشاف الفضاء نصت على تدريب الرواد الإيرانيين في روسيا وإمكانية إنتاج أقمار صناعية لمراقبة الأرض والاتصالات.
وفي أغسطس/آب 2022، أطلقت روسيا قمرا صناعيا إيرانيا يحمل اسم "الخيام" يستخدم في المراقبة العسكرية، مع أقمار أخرى على متن صاروخ سويوز من قاعدة بايكونور كوزمودروم في كازاخستان.
وعلى الرغم من تأكيد الحكومة الإيرانية أن برنامج الفضاء يهدف فقط إلى البحث العلمي والأغراض المدنية، يذكر المعهد إعلان الحرس الثوري الإيراني عام 2020 وضع أول قمر صناعي عسكري في المدار.
ونجح الحرس الثوري في سبتمبر/أيلول 2023 بإطلاق قمر صناعي للاستطلاع التصويري العسكري ووضعه في مداره حول الأرض مما أثار المخاوف بشأن برنامج فضائي سري محتمل.
ولذلك بات البرنامج موضع شكوك من جانب الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى التي تخشى أن تستخدم هذه التكنولوجيا في تطوير صواريخ بعيدة المدى وكذلك في نقل الرؤوس الحربية النووية.
لذلك ألمح المعهد الإيطالي إلى أن تطوير إيران صواريخ عسكرية طويلة المدى وفرط صوتية هذا العام من شأنه أن يؤكد هذه الفرضيات.
واستنتج أن إيران تنضم بذلك إلى القوى التي تتنافس من أجل الهيمنة على "آخر حدود المنافسة الجيوسياسية".
الأهمية الجيوسياسية
أكد المعهد الإيطالي أن الفضاء أصبح في العقود الأخيرة بُعدا حاسما لمجموعة واسعة من الأنشطة، اليومية منها وحتى الأكثر إستراتيجية.
وهذه الأنشطة تشمل قطاعات أهمها على سبيل المثال الاتصالات السلكية واللاسلكية ونظام تحديد المواقع العالمي ومراقبة الأرض والتطوير العلمي.
وقال إن الأقمار الصناعية على وجه الخصوص تلعب دورا أساسيا في التطوير السريع للأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، بالإضافة إلى مراقبة الأرض.
علاوة على ذلك، عاد الفضاء اليوم بشكل أكبر إلى مركز النقاش العالمي والنزاعات الجيوسياسية سواء فيما يتعلق بمسألة الاقتصاد أو عسكرة المدار وبالتالي استخدام الأقمار الصناعية للأغراض العسكرية.
ولذلك، أوضح المعهد أن اعتماد الدول على الفضاء للاستخدامات المدنية والعسكرية على السواء يتزايد باستمرار وتمليه الحاجة إلى ضمان مصالحها وحماية أصولها في هذا المجال.
في هذا السياق، يستدل بالحرب في أوكرانيا التي "تؤكد أنه من المحتمل أن تصبح الأقمار الصناعية والأصول الفضائية أهدافا سهلة".
لهذا السبب، قال إن العديد من الدول عملت "على تكييف هياكلها الدفاعية مع هذا الفضاء الجيوسياسي الجديد الذي يزداد أهمية".
مخاوف غربية
أشار المعهد الإيطالي إلى أن الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء تطور برنامج الفضاء الإيراني.
وقد سمح ذلك لطهران بتطوير صاروخين جديدين، "خيبر" الذي يبلغ مداه 2000 كيلومتر ويحمل أثقل حمولة من أسطول الصواريخ الباليستية الإيراني ولديه القدرة على نقل رؤوس حربية تزن أكثر من طن واحد.
وكذلك أول صاروخ باليستي إيراني فرط صوتي يحمل اسم "فتاح"، يصل مداه إلى 1400 كيلومتر، فيما تبلغ سرعته 15 ضعف سرعة الصوت.
وبحسب التلفزيون الرسمي الإيراني، بإمكان هذا الصاروخ تجاوز أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية الأكثر تطورا في الولايات المتحدة وإسرائيل.
وتولد هذه التطورات مخاوف أمنية إقليمية ودولية، كما يؤدي غياب الشفافية في برنامج الفضاء الإيراني إلى إثارة حالة من عدم اليقين والمخاوف بين الدول الغربية، وفق قول المعهد.
وبيّن أن مخاوف الولايات المتحدة تتعلق بقواعدها العسكرية في الشرق الأوسط، وخاصة في المنامة، وكذلك أمن حلفائها في المنطقة في إشارة خاصة إلى إسرائيل.
ويأتي ذلك في ظل تصاعد التوترات بعد اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
قدرات إيران
ويرى المعهد أن تطور برنامج الفضاء الإيراني سيمثل تقدما عسكريا محتملا، ليس فقط من خلال تطوير الصواريخ الأسرع من الصوت والصواريخ بعيدة المدى والتي يمكن أن تحمل أيضا رؤوسا حربية نووية، وإنما أيضا لتحسين مراقبة الدول المعادية وزيادة الدقة في تنفيذ الهجمات.
ولفت إلى إمكانية استخدام هذه القدرات لا لصالح إيران فحسب، بل لصالح حلفائها من الدول وغير الدول أيضا وهو ما من شأنه أن يغير التوازنات الإقليمية الهشة.
يعتقد المعهد الإيطالي أن إيران نجحت في إثبات أن لديها القدرات اللازمة لتطوير برنامج فضائي تنافسي على المستويين المدني والعسكري.
وأكد أن التعاون الإستراتيجي مع موسكو أسهم في تنمية قدراتها لا سيما أن روسيا كانت من أوائل الجهات الفاعلة التي انطلقت في تطوير برنامجها الفضائي الخاص وامتلاكها تقنيات وموارد ومعرفة متقدمة في هذا المجال.
ويرى المعهد أن نمو القدرات الفضائية الإيرانية يعكس التزاماً مستمرا بتعزيز حضورها المؤثر في مجال الفضاء.
وعلى الرغم من أن المنافسة في الفضاء تقتصر على عدد قليل من الدول الفاعلة خصوصا أنها تتطلب موارد كبيرة وتقنيات متقدمة، يشرح أن استثمارات إيران في هذا القطاع تشير بوضوح إلى رغبة في أن تصبح لاعبا بارزا.
وبالتالي، فهي تريد الحصول على مزايا إستراتيجية والتفوق على خصومها على المستويين الإقليمي والدولي.
في الختام، أكد أن نجاح إيران في مجال الفضاء من شأنه أن يؤدي إلى تعزيز موقعها ونفوذها المتزايد في صراع الهيمنة الذي يمتد إلى ما أبعد من الحدود الإقليمية.