بعد مؤتمر "ميونيخ" للأمن والاستخبارات.. لماذا تستعد أوروبا للأسوأ؟

"إنه كابوس أوروبي إلى حد ما"
المثير في فعاليات “مؤتمر ميونيخ للأمن والاستخبارات” لعام 2025 الخلاف الحاد الذي اندلع بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي.
وهو ما ظهر جليا في كلمة جاي دي فانس، نائب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عندما فاجأ الحضور بتوجيه انتقادات لاذعة لأوروبا، معتبرا أن “حرية التعبير فيها تتراجع”.
وهو ما قابله قادة الدول الأوروبية بفتور خلال استماع الكلمة، ثم لوم وانتقاد شديد في تعقيبهم عليها.
"دروس دي فانس”
ومؤتمر ميونيخ للأمن والاستخبارات، يعد الأشهر من نوعه على صعيد مؤتمرات السياسة والأمنية في العالم.
ويشارك في دورته السنوية زعماء عالميون وكثير من المسؤولين البارزين، تحديدا رؤساء أجهزة الاستخبارات، وكبار مديري شركات الدفاع العالمية، إضافة إلى أكاديميين وممثلين عن منظمات غير حكومية
وخلال الدورة التي عقدت بين 14 و16 فبراير/ شباط 2025، حضر أكثر من 800 ضيف، بينهم نحو 20 رئيس استخبارات.
ومن بين المشاركين من الدول العربية والشرق أوسطية، مدير عام جهاز الأمن الخارجي الجزائري موساوي رشدي فتحي، ورئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم كالين.
كما ضم المؤتمر رئيس جهاز الأمن الوطني العراقي حميد الشطري، ومدير المخابرات الأردنية أحمد حسني حاتوقاي.
وشملت القضايا الرئيسة للمؤتمر، الحرب الروسية الأوكرانية، والتوتر في الشرق الأوسط، والإنفاق الدفاعي، ودور أوروبا في العالم، إضافة إلى أزمة المهاجرين غير النظاميين.
وخلالها تحدث نائب الرئيس الأميركي دي فانس، قائلا: إن "حرية التعبير في تراجع في أوروبا، وإن إدارة الرئيس ترامب ستكافح من أجل الدفاع عن حرية التعبير"، مضيفا: "في واشنطن، هناك شريف جديد في المدينة"، قاصدا ترامب.
وبينما كان قادة أوروبا ينتظرون من دي فانس أن يركز على مبادرة ترامب بشأن النزاع في أوكرانيا، تحدث الرجل الثاني في البيت الأبيض عما أسماه التهديد المقلق أكثر من أي شيء آخر فيما يتصل بأوروبا.
وقال: "ليس روسيا، ولا الصين، ولا أي طرف خارجي آخر، ما يقلقني هو التهديد من الداخل، فقد تراجعت أوروبا عن بعض قيمها الأساسية".
واستطرد: "أخشى أن حرية التعبير في بريطانيا وفي مختلف أنحاء أوروبا تتراجع".
واستشهد "دي فانس" بما حدث في رومانيا تحديدا؛ حيث ألغت المحكمة الدستورية الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وذلك بعد أن تصدر المرشح اليميني المتطرف كالين جورجيسكو بشكل غير متوقع نتائج الاقتراع بحصوله على أكثر من 20 بالمئة من الأصوات، بعد أن خاض حملته بشكل أساسي على منصة “تيك توك” الصينية.
ورأى نائب ترامب أن قرار إلغاء الانتخابات اتخذ "على أساس شكوك ضعيفة لوكالة استخباراتية"، منددا بـ"الضغوط الهائلة" التي سلطت على رومانيا من قبل "جيرانها القاريين".
وتكلم بلهجة جمعت ما بين الحدة والسخرية: "إذا كان من الممكن تدمير ديمقراطيتكم بمئات الآلاف من الدولارات من الإعلانات الرقمية من دولة أجنبية، فهذا يعني أنها ليست قوية جدا".
الرد الأوروبي
ولم يحظ دي فانس بأي تصفيق يذكر بعد هذه التصريحات، على عكس كثير من الضيوف الآخرين، حتى أنهى خطابه بشكل كامل، ليظهر جليا التحفظ الأوروبي تجاه رسائله السياسية.
ثم عقب رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن والاستخبارات، كريستوف هويسغن، على الحدث بأنه "كابوس أوروبي إلى حد ما".
وقال هويسغن لقناة "زد دي إف" العامة الألمانية: إن "المؤتمر قدم الكثير من الوضوح".
وأضاف: "لقد أظهر الحدث أن أميركا تحت إدارة ترامب تعيش على كوكب آخر".
واستطرد: "لقد لاحظنا أيضا أنه حتى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين يتحفظون عن التحدث بشكل علني لأنهم يخشون رئيسهم".
كما أكد المرشح الأبرز لمنصب المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، أن الخلافات مع واشنطن في عهد ترامب أصبحت "نوعية تماما".
ووصلت إلى مجالات الدفاع واستقلالية القضاء، محذرا من إمكانية انهيار حلف دول شمال الأطلسي (الناتو).
ورأى ميرتس أن هناك أملا بأن الأمور لن تسوء إلى هذا الحد.
ثم استطرد: "هنا ينطبق المبدأ القائل: دعونا نأمل في الأفضل، لكن علينا أن نستعد للأسوأ".
أما المستشار الألماني أولاف شولتس فعبر خلال خطابه أمام مؤتمر ميونيخ للأمن عن رفضه لأي تدخل أجنبي في الانتخابات الألمانية ردا على تصريحات دي فانس أمام المؤتمر، والذي دعا إلى فتح الباب أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا.
وفي كلمته، قال شولتس: "لن نقبل تدخل الغرباء في ديمقراطيتنا وفي انتخاباتنا.. وحدنا نقرر الاتجاه الذي ستتخذه ديمقراطيتنا.. نحن ولا أحد آخر".
وأضاف بلهجة حادة "هذا غير لائق، خصوصا بين الأصدقاء والحلفاء".
ضغوطات مستمرة
وتشير السجالات بين دي فانس وقادة أوروبا وتحديدا ألمانيا، إلى أن إدارة ترامب قد تكون مستعدة لتطبيق ضغوط مباشرة على برلين وحلفاء “الناتو” الآخرين من خلال التهديد بسحب أو تقليص البصمة العسكرية الأميركية في أوروبا.
وتستضيف ألمانيا حوالي 35 ألف جندي أميركي، وهو إرث من التزامات أميركا الأمنية بعد الحرب العالمية الثانية وإستراتيجية الردع في الحرب الباردة.
وحاولت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، الرد على النهج الأميركي الجديد بقيادة ترامب، عندما قالت في كلمتها بتحد واضح إن "أوروبا يمكنها تحريك الجبال عندما تتبنى عقلية الضرورة".
ثم انتقلت إلى سياسات ترامب، ونددت بالرسوم الجمركية، بصفتها ضريبة على أولئك الذين لا يستطيعون تحملها، مضيفة أن "الحروب التجارية لا طائل منها".
ودعت فون دير لاين إلى سلام دائم في أوكرانيا، حتى "لا تتكرر أهوال السنوات الثلاث الماضية مرة أخرى"، بحسب وصفها.
وقالت: إن "أوكرانيا الفاشلة من شأنها أن تضعف أوروبا، ولكنها ستضعف الولايات المتحدة أيضا"، فيما بدا أنه تحذير لترامب وإدارة البيت الأبيض الجديدة.
غزة حاضرة
ورغم سخونة الموقف بين الولايات المتحدة وأوروبا، لكن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وملف الصراع في الشرق الأوسط كان حاضرا بقوة.
وانعقد على هامش المؤتمر، اجتماع بعنوان "تحقيق الاستقرار في منطقة مضطربة: آفاق السلام في الشرق الأوسط".
وذلك بحضور نائب رئيس الوزراء الأردني ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، والممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في المفوضية الأوروبية كايا كالاس.
وأكدت كالاس دعمها لحل الدولتين وحق الفلسطينيين في البقاء بغزة، مشيرة إلى تنظيم مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودولة الاحتلال الإسرائيلي اجتماعا، لمناقشة الوضع في غزة والتطورات الإقليمية الشاملة.
وتابعت: "إذا قرأت تاريخ إسرائيل وتأسيسها، فسترى بوضوح شديد أن المؤسسين اتفقوا على ضرورة الجمع بين الأمن والعدالة، وهذا يعني أن الفلسطينيين لديهم حقوق، ويجب احترامها".
وقالت: إن "الإسرائيليين قلقون بشأن أمنهم، لكن الفلسطينيين يستحقون أيضا أن تكون لهم دولة".
وبشأن تعامل الرئيس الأميركي مع غزة، علق وزير الخارجية الأردني: "ترامب يريد تحقيق السلام في المنطقة، ونحن نقول إننا شركاء".
وأضاف "الطريقة الوحيدة لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة هي إنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على التراب الوطني الفلسطيني على أساس حدود 4 يونيو/حزيران 1967، وتعيش في سلام وأمن مع إسرائيل".
كما أوضح الصفدي أن الدول العربية تعمل على وضع خطة لإعادة بناء غزة “دون اللجوء إلى قضية التهجير”، مضيفا بشكل حاسم أن الأردن "لا يستطيع استيعاب المزيد من الفلسطينيين".
المصادر
- رئيس مؤتمر ميونخ للأمن يصف دورة هذا العام بـ "كابوس أوروبي"
- خطاب نائب الرئيس الأمريكي في مؤتمر ميونيخ الأمني يلقى فتورًا من الحضور
- بعد خطاب فانس.. شولتس يرفض "تدخل الغرباء" في ديمقراطية بلاده
- خلافات أمريكية أوروبية وانتقادات متبادلة بين الطرفين في افتتاح مؤتمر ميونخ
- مؤتمر ميونخ.. خطة عربية لبناء غزة والاتحاد الأوروبي يدعم حل الدولتين