كان يديرها ماهر الأسد.. هل توقف إدارة سوريا الجديدة تهريب المخدرات؟
"كانت قيمة صناعة المخدرات السوقية في سوريا تبلغ نحو 5.6 مليارات دولار سنويا"
منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، ركزت الإدارة السورية الجديدة جهودها على تدمير قطاع صناعة المخدرات في البلاد، الذي موّل اقتصاد النظام البائد لسنوات.
وإلى جانب سعيها لحماية المجتمع السوري من هذا الخطر الكبير، تحرص الإدارة الجديدة أيضا على بعث رسائل للخارج عبر القضاء على البنية التحتية لقطاع المخدرات، نظرا لتضرر دول كثيرة منه بعدما حول نظام بشار البلاد إلى "مصنع للمخدرات".
وفور سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، جرى العثور على مستودعات ومنازل لصناعة المخدرات كانت تتبع مباشرة لماهر الأسد شقيق الرئيس المخلوع، منتشرة في ريف دمشق والساحل السوري.
جهود حثيثة
إذ وجدت كميات كبيرة من المخدرات في مستودعات تتبع للفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد.
وقد جرى إخفاؤها بطرق متنوعة داخل ألواح خشبية أو أجهزة إلكترونية أو مواد غذائية أو قطع أثاث وفواكه وكانت على مشارف تصديرها للخارج.
وقبيل سقوط نظام الأسد، كانت دول الجوار السوري تحذر بصورة متكررة من توسع صناعة مخدر الكبتاغون في سوريا وآثارها على أراضيها.
وكان العديد من "أمراء المخدرات" تابعين لهرم عائلة الأسد شخصيا، وفُرضت عليهم خلال السنوات عقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لنشاطهم في تجارة المخدرات.
إذ نجحت شبكات محمية من النظام السوري البائد لسنوات في تهريب المواد المخدرة إلى دول العالم من سوريا ولبنان، إما برا أو بحرا، سواء إلى الأردن أو العراق أو تركيا وصولا إلى دول الخليج، وكانت السعودية السوق الأولى للكبتاغون.
ويؤكد الأردن أن 85 بالمئة من المخدرات التي تضبط على أراضيه قادمة من سوريا ومعدة للتهريب إلى السعودية ودول الخليج حصرا حيث تشكل محافظتا السويداء ودرعا جنوب سوريا، معقل طرق تهريب أساسية لحبوب الكبتاغون نحو الأردن.
وأسهمت تقارير صحفية وتحقيقات استقصائية في فضح هذه التجارة خلال السنوات الماضية، وحددت مسؤولية ماهر الأسد المباشرة في إدارتها.
ونتيجة لذلك، أقر الكونغرس الأميركي بمجلسيه (النواب- الشيوخ) مشروع قرار يضع إستراتيجية أميركية لوقف إنتاج المخدرات والاتجار بها وتفكيك الشبكات المرتبطة بنظام بشار الأسد البائد.
وتمكن المشرعون الأميركيون من دمج المشروع بموازنة وزارة الدفاع لعام 2023، التي أقرها مجلس الشيوخ، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2022، بدعم 83 سيناتور ومعارضة 11 آخرين.
حتى إن "روزي دياز" المتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كشفت في تغريدة لها بتاريخ 28 مارس 2023، أن عائدات أرباح المخدرات على النظام السوري البائد تبلغ 57 مليار دولار سنويا.
كما كشف مركز كارنيغي لدراسات الشرق الأوسط في يوليو/تموز 2024 أن من أهداف نظام الأسد المخلوع من تجارة المخدرات الحصول على التمويلات اللازمة لاستمرار آلة الحرب لقمع الشعب السوري ودفع رواتب الجنود وتمويل مصالح آل الأسد وثرائهم، إضافة إلى أنه استخدام هذه التجارة لابتزاز بعض الدول للحصول على مواقف سياسية مؤيدة لنظام الأسد البائد.
وفي الأيام التي تلت سقوط الأسد، وجهت "إدارة العمليات العسكرية" قوة منها مهمتها تدمير مواقع إنتاج المخدرات وإعدادها للتصدير.
وأظهرت تسجيلات مصورة التخلص من كميات كبيرة من المواد المخدرة في بالوعات الصرف.
كما جرى إتلاف كميات هائلة من حبوب الكبتاغون في مراكز عدة كانت تابعة للنظام السوري البائد، بدءا من مطار المزة العسكري بدمشق وصولا إلى منازل قريبة من النظام، مثل منزل ماهر الأسد.
وفي 25 ديسمبر 2024 قالت إدارة الأمن العام التابع للداخلية السورية الجديدة إنها عثرت على مستودع للمواد المخدرة أثناء تمشيط العاصمة دمشق، وبالتحديد داخل المربع الأمني في منطقة كفرسوسة.
وعثر حينها على ما يقارب أو يفوق المليون حبة؛ حيث قامت إدارة الأمن العام بحرقها على الفور.
كما جرى إشعال النار في كميات من القنب الهندي وصناديق من عقار الترامادول ونحو 50 كيسا صغيرا تحتوي على حبوب كبتاغون وردية اللون.
وأحرقوا كذلك مخزون حبوب الكبتاغون الذي اكتشفوه قرب الحدود السورية اللبنانية، لكنهم احتفظوا بالمواد الخام وقالوا إنهم تلقوا نصيحة مفادها أن هذه المادة قد تكون مفيدة في صناعة الأدوية.
كما عثر داخل مصانع لإنتاج الشوكولاتة ورقائق البطاطس، على أجهزة لصناعة المخدرات وقد عثر على كميات من الحبوب مخبأة داخلها.
وعثر قرب دمشق كذلك على مخزن مليء بحمض الهيدروكلوريك وحمض الأسيتيك على نطاق صناعي، وهي المواد الكيميائية الأولية اللازمة لصنع الكبتاغون.
وحبوب الكبتاغون، تتراوح قيمتها بين 2 إلى 20 دولارا لكل منها، اعتمادا على المكان الذي يتم بيعها فيه.
ووفقا للبنك الدولي، صُنفت سوريا خلال فترة حكم الأسد كمركز إقليمي لهذه الصناعة، التي تصل قيمتها السوقية داخل البلاد إلى نحو 5.6 مليارات دولار سنويا.
ملف إيجابي
يصنف مراقبون هذه الخطوة ضمن خانة الملفات الإيجابية التي حققتها هذه الإدارة في أيامها الأولى.
لا سيما أن ملف تهريب المخدرات كان من الملفات التي عجزت الدول العربية في التوصل إلى حل بشأنه مع النظام البائد الذي كان ينسب تلك التجارة إلى "مجموعات مارقة" ويدعى أنه يكافحها.
ففي السابق حول بشار الأسد تجارة الكبتاغون لأداة قوية بوجه جيرانه العرب، الذين كانوا على استعداد لإخراجه من عزلته، على أمل وقف تدفق هذا المخدر إلى خارج سوريا، وفق ما ذكرت وكالة "أسوشييتد برس" في تقرير لها نشر في يونيو/ حزيران 2024.
وضمن هذه الجزئية، يشير هشام الغنام، الباحث في مؤسسة كارنيغي، إلى أن "مادة الكبتاغون أدت إلى تأجيج وباء تعاطي المخدرات في دول الخليج الغنية، مما يهدد السلم الاجتماعي".
وقال في بحث نشرته المؤسسة في يوليو 2024 إن "الأسد استغل تهريب الكبتاجون كوسيلة للضغط على دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، لإعادة دمج سوريا في العالم العربي"، وهو ما فعلته في عام 2023 عندما أعادت سوريا الانضمام إلى جامعة الدول العربية.
ولهذا حينما التقى وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي في 7 يناير 2025 مع وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة أسعد الشيباني بالعاصمة عمّان بحث معه "مخاطر تهريب المخدرات" على المملكة.
وقد رد الشيباني بالقول "الوضع الجديد في سوريا أنهى التهديدات التي كانت تهدد أمن المملكة سابقا من مخدرات وكبتاغون".
وبحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر في الإدارة السورية الجديدة فان الوفد السعودي الذي التقى قائد الإدارة الجديد أحمد الشرع في دمشق عقب سقوط الأسد ناقش معه "الوضع في سوريا وملف الكبتاغون".
واليوم، يبدو أن تجارة المخدرات “المربحة” التي كان يتاجر بها نظام الأسد البائد قد انهارت، إلى جانب نظامه الوحشي الفاسد.
بينما أكدت الإدارة السورية الجديدة على لسان مسؤوليها أنه لا مكان للكبتاغون في مستقبل سوريا.
رسالة للخارج
ولهذا عملت الإدارة السورية الجديدة بالتوازي مع تدمير مصانع المخدرات على ملاحقة التجار وذلك بالتعاون مع الأهالي الذين عانوا من نفوذ هؤلاء عليهم بحكم علاقاتهم مع أجهزة مخابرات النظام البائد.
إذ يؤكد بعض المراقبين أن دولا عربية متضررة كالأردن والسعودية ستساعد الإدارة السورية الحالية في القضاء على تجار المخدرات، خاصة أن الأردن خلال السنوات الماضية أصبحت تملك بنك معلومات كبيرة عن الأسماء والشبكات التي تدير تجارة المخدرات.
إذ اضطر الأردن في بعض الحالات إلى شن ضربات جوية داخل الأراضي السورية في يناير 2024 استهدفت مصنعا للمخدرات وقتلت حينها مهربا متهما بتنفيذ عمليات شحن كبيرة عبر حدود البلدين يدعى مرعي الرمثان.
وبحسب المراقبين فإن تعاون الإدارة السورية الجديدة في مكافحة تجارة المخدرات سيسهم في جلب الدعم لمؤسسات الشعب السوري مقابل الحد من التأثير المضر لهذه التجارة على الأمن البشري في الشرق الأوسط.
ففي إحدى ضواحي دمشق تمكن أبو بلال، فور سقوط الأسد، من العودة لمنزله المجاور لفيلا تعود لضباط في الفرقة الرابعة يدعى باسم والتي حولها إلى مصنع للمخدرات.
وقال المزارع لوسائل إعلام أجنبية عاينوا الفيلا: "كان باسم هو الرجل الكبير هنا في هذه المنطقة، وكان يبث الخوف في قلوب كل من يعيش هنا، وكان كل شيء محظورا".
وأضاف "لقد صدمت بصراحة عندما علمت عن المخدرات هنا وعن هذه العمليات المخيفة التي كانت تدمر البلاد. لم نكن نعرف أي شيء عن هذا المخدر".
أما رجل الأعمال السوري فارس التوت، وهو صاحب مصنع للمواد الغذائية بريف دمشق والذي فر إلى مصر عام 2014 عاد ووجد معمله تحت سلطة ماهر الأسد والذي حوله إلى مصنع للمخدرات.
ونقلت وكالة رويترز عن التوت، قوله إن عائلته كانت تمتلك المصنع وأنه بني لإنتاج رقائق البطاطس التي تحمل علامة "كابتن كورن".
وأشار إلى أن عامر خيتي، وهو رجل أعمال مقرب من ماهر الأسد، استولى على المصنع في عام 2018، مضيفا: "حولوه من إنتاج الغذاء إلى إنتاج الكبتاغون الذي قتل أطفال سوريا دعما للفرقة الرابعة".
وفي السابع من يناير 2025 أعلن الجيش اللبناني عن تعرض قوة تابعة له كانت تعمل على إغلاق "معبر غير شرعي" مع سوريا في شرق لبنان، إلى إطلاق نار من مسلحين سوريين، متحدثا عن وقوع "اشتباك".
وقد تزامن هذا الاشتباك حينها مع ملاحقة "إدارة العمليات العسكرية" لمهربين قرب الحدود السورية اللبنانية، وذلك ضمن جهودها للقضاء على هذه التجارة.
المصادر
- وزيرا خارجية الأردن وسوريا بحثا في مواضيع المخدرات
- دمشق تعلن العثور على مفاجأة داخل المربع الأمني للنظام المخلوع
- Assad’s abandoned narcotics factories highlight horrendous scale of illicit drug trade in Syria
- بريطانيا: الكبتاغون يدر على النظام السوري 57 مليار دولار سنويا
- مقتل تاجر المخدرات مرعي الرمثان بقصف أردني على جنوبي سوريا
- Border Traffic: How Syria Uses Captagon to Gain Leverage Over Saudi Arabia