فرص وتحديات.. لماذا تقف السعودية على مسافة واحدة مع روسيا وأوكرانيا؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

لبحث الوساطة السعودية في ملف تبادل أسرى الحرب بين كييف وموسكو، التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 27 فبراير/شباط 2024 ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال زيارة أجراها إلى العاصمة السعودية الرياض.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية أن زيلينسكي وابن سلمان "استعرضا أوجه العلاقات السعودية الأوكرانية، وبحثا آخر المستجدات وتطورات الحرب الأوكرانية- الروسية".

وأشارت إلى أن ولي العهد السعودي أكد "حرص المملكة ودعمها لكل المساعي والجهود الدولية الرامية إلى حل الأزمة، والوصول إلى السلام، ومواصلة الجهود للإسهام في تخفيف الآثار الإنسانية الناجمة عنها". 

كما ذكرت أن زيلينسكي "أعرب عن التقدير والشكر للجهود التي تبذلها المملكة في هذا الشأن".

نفس المسافة

وفي تقرير ركز فيه على أهداف الرياض من الحفاظ على علاقاتها بين طرفي النزاع، تساءل معهد بحثي إيطالي عن الطريقة التي تتموضع بها المملكة في إطار هذه الحرب وكذلك الفرص والتحديات أمامها.

وقال "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن السعودية تقف على نفس المسافة بين روسيا وأوكرانيا لتحقيق ثلاثة أهداف رئيسة.

ويرى أن أولها يتمثل في العمل "على اغتنام فرص الاستثمار التي ستنشأ بالتأكيد عن إعادة إعمار أوكرانيا بعد نهاية الحرب".

كما تهدف بحسب تحليله إلى "الحفاظ على الشراكة مع روسيا وهو أمر مهم لكلا البلدين لمواصلة اتباع سياسات نفطية ذات اهتمام مشترك".

أما ثالث أهدافها فيكمن في التموضع بشكل يجعلها تكتسب "ثقلا جيوسياسيا عالميا باستغلال الانقسام الذي نشأ بين روسيا والغرب".

لفت المعهد إلى أن هدف الرياض في الوساطة بين طرفي النزاع لا يعد أمرا مستجدا، مبينا أنها استضافت في أغسطس/آب 2023 محادثات بشأن السلام في أوكرانيا في جدة.

وشهدت المحادثات مشاركة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وأوروبا إضافة إلى البرازيل والهند وجنوب إفريقيا، الدول الأعضاء في تكتل بريكس التي تتمتع بعلاقات جيدة مع موسكو، وكذلك الصين. 


 

وبحسب المعهد فإن "مشاركة بكين في المنتدى شكلت انتصارا دبلوماسيا للسعودية" خصوصا أن العملاق الآسيوي لم يشارك في محادثات سابقة بشأن نفس المسألة كانت قد استضافتها العاصمة الدنماركية كوبنهاغن.

في المقابل، لم تتم دعوة روسيا إلى القمة وإنما كُلفت المملكة بمهمة إبلاغها بما جرى التوصل إليه من نتائج واكتسبت بذلك دور الوسيط بين الطرفين.

ويرى المعهد الإيطالي أن هذه الخطوة شكلت "انتكاسة" للرئيس التركي رجب طيب أردوغان خصوصا أنه كان يتطلع أيضا إلى لعب نفس الدور لا سيما أن وساطته تكللت بالنجاح في وقت سابق بتنفيذ اتفاق لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.

وكان أردوغان أعلن عام 2022 إجراء عملية تبادل لـ 200 أسير حرب بوساطة تركية عقب محادثات دبلوماسية أجراها مع نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

الوساطة بين روسيا وأوكرانيا تشكل انتصارا سياسيا للرياض خصوصا أن التطورات التي أعقبت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول "سمحت لمنافستها قطر بأن تصبح وسيطا ومحاورا بارزا" بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي"، وفق المعهد.

وشدد على أن الرياض تحافظ على مسافة متساوية بين الطرفين لأنها تهتم كثيرا بعلاقتها مع موسكو.

 وذكر أنها توفر عبر قنوات الاتصال المرتبطة بحكومتها، مساحة لروسيا لسرد رؤيتها المرتبطة بالصراع المستمر مع أوكرانيا.

وهو ما يتضح من مقابلة للسفير الروسي السابق لدى المملكة أندريه باكلانوف مع صحيفة "عرب نيوز" السعودية، شرح خلالها موقف الكرملين في الحرب المستمرة منذ فبراير/شباط 2022.

انفتاح اقتصادي

من ناحية أخرى، نفذت المملكة وروسيا بشكل مشترك إستراتيجيات تتعلق بسوق النفط وقررتا خفض الإنتاج  بهدف زيادة الأسعار. 

وقد حققت هذه الخطوة نتائج إيجابية لكلا البلدين رغم خطورتها، حيث عوضت الزيادة في الأسعار، الانخفاض في الكميات التي كانا يضخانها في الأسواق العالمية. 

وبحسب المعهد، تسمح العائدات التي يجنيها البلدان للرياض بمواصلة تنويع استثماراتها وهي مفيدة كذلك لموسكو في تمويل الحرب المستمرة في أوكرانيا.

علاوة على ذلك، يضيف المصدر أن الرياض تعمل على إمكانية الدخول في شراكة اقتصادية مع موسكو وتعزيزها على مختلف الأصعدة في ظل تدهور العلاقات بين روسيا والغرب. 

ولاحظ أن إستراتيجية السعودية يتم تنفيذها على حساب الدول الغربية، مبرزا ما يتم تأكيده بشأن الاستقلال الذي تتمتع به الرياض عن واشنطن في تحركات سياستها الخارجية.

 وعلى حد قوله، "تعكس الحرية السعودية الكاملة في التحرك على الساحة الدولية انتكاسة كبيرة لأوروبا".

ويشرح أن هذه "الجهة الفاعلة -أي أوروبا- لا تملك القوة السياسية أو العسكرية لتنفيذ رؤيتها الخاصة بالسياسة الخارجية بشكل مستقل عن تحركات الولايات المتحدة". 

واستنتج أن "الصراع بين روسيا وأوكرانيا قد يعلن بشكل قاطع سقوط أوروبا كطرف فاعل في ميزان القوى لصالح دول الخليج".

وأشار كذلك إلى الآثار السلبية التي خلفها خفض إنتاج النفط على اقتصادات الدول الغربية، وهو ما تؤكده المخاوف المتعلقة بارتفاع معدلات التضخم التي أعربت عنها الولايات المتحدة. 

ومن استنتاجات المعهد، منح الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا، الرياض الفرصة للعب دور وسيط على الساحة الدولية وبالتالي اكتساب دور مهم في التوازن بين القوى.

 وكذلك تعويض موقفها المفقود في الصراع بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وإسرائيل وأيضا أزمة عبور سفن الشحن التجارية في البحر الأحمر.

 وتابع أنه "يمكن ملاحظة كيف استغلت دول الخليج المساحة التي تركها الغرب لتكون قادرة على تعزيز شراكات مثمرة مع روسيا، التي لم تُؤدِّ العقوبات الغربية إلى عزلها تماما وإنما نجحت ببساطة في توسيع مساحتها الجغرافية".

وفي هذا السياق، جزم أن الغرب، خاصة أوروبا، هو أكثر الأطراف الخاسرة في هذا الصراع. 

وخلص إلى أن الصراع بين موسكو وكييف يبرز "ريادة وحرية التحرك لدى البلدان التي كانت تتحرك حتى وقت قريب في مدار المجال الأميركي إلا أنها تمكنت من التحرر وهو أمر من الواضح أنه لم يحدث للدول الأوروبية".