"حان الوقت ليتحدث العالم لغتنا".. هكذا تترنح الإنجليزية بين الصينيين
على مدار السنوات الأخيرة، عملت الحكومة الصينية على الحد من تدريس ونشر استخدام اللغة الإنجليزية، مما أدى إلى انخفاض عدد الأشخاص الذين يتحدثونها في البلاد.
ويعود ذلك إلى إرادة السلطة التي تنفذ "سياسة قومية"، وكذلك إلى شعور يتقاسمه جزء من السكان بأن الوقت قد حان لكي يتحدث الآخرون لغتهم.
تراجع المؤشر
ونقلت صحيفة "إيل بوست" الإيطالية عن تقرير نشرته "إي أف إديوكيشن فيرست"، إحدى المؤسسات التعليمية المتخصصة في التدريب اللغوي والسفر التعليمي وبرامج الشهادات الأكاديمية والتبادل الثقافي، تراجع مرتبة الصين منذ عدة سنوات في تصنيف الدول وفقا لمؤشر إتقان اللغة الإنجليزية، لتحتل حاليا المرتبة رقم 82 عالميا.
وأوضحت أن التوجه نحو التخلي عن تعلم اللغة الإنجليزية يتماشى بالنسبة لثاني أكبر اقتصاد في العالم، مع انتشار المشاعر القومية التي تمت زراعتها في العقد الماضي بعد صعود الرئيس شي جين بينغ إلى السلطة، والذي كان من بين أهدافه السياسية تعزيز الثقافة الصينية كمصدر للفخر الوطني.
وبعد أن تحسن مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية في الصين بشكل كبير طيلة عقد تقريبا، أشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن بكين بدأت في خسارة مراتب بسرعة كبيرة بدءا من عام 2020 الذي احتلت فيه المرتبة 38.
وتواصل التراجع في العام التالي باحتلال المرتبة 49 قبل أن تخسر 13 مرتبة في عام 2022 وتتخلف إلى المركز 62، وفق مؤشر نفس المؤسسة الدولية.
ويعتمد تصنيف مؤسسة "إي أف إديوكيشن فيرست" على نتائج أكثر من مليوني شخص ينتمون إلى فئات ديمغرافية مختلفة، خضعوا لاختبارات مستوى إتقان اللغة الإنجليزية.
وعدت الصحيفة تراجع مؤشر تعلم الصينيين لهذه اللغة العالمية بكونه "ظاهرة حديثة إلى حد ما، تعكس جزئيا التراجع على نطاق عالمي حدث في السنوات الأخيرة".
وتذكر أن تصنيف الصين سجل بين عامي 2020 و2023، انخفاضا ب56 نقطة من أعلى مستوى بلغه على الإطلاق عند 520 نقطة إلى 464.
فيما خسرت كوريا الجنوبية 20 نقطة وفق ذات التصنيف في نفس الفترة وكذلك تراجعت اليابان بخسارة ثلاثين نقطة.
التخلي عن لغة
وفسرت الصحيفة الإيطالية تراجع تصنيف العملاق الصيني في مؤشر إتقان الإنجليزية بمبادرات مختلفة أدت في السنوات الأخيرة إلى الحد من تدريس هذه اللغة ونشرها.
وأشارت "إيل بوست" إلى أن سلطات بلدية بكين حاولت طيلة عقد من الزمان "التقليل من أهمية اللغة الإنجليزية في المدارس لكن دون أن تمضي في تطبيق هذه النوايا".
من جانبها، قررت بلدية شنغهاي، المدينة ذات الطابع الدولي والمعروفة بريادة الأعمال، في عام 2021 إلغاء امتحان اللغة الإنجليزية من الاختبارات الإجبارية الثلاثة التي يجب على طلاب المدارس الابتدائية إجراؤها في نهاية العام، وهي الصينية والإنجليزية ومادة الرياضيات.
وفي الواقع، شكل ذلك تقليلا من الأهمية المنسوبة إلى تدريس اللغة التي تستخدم أكثر في الولايات المتحدة، وفق استنتاج الصحيفة الإيطالية.
وبعد القرار الذي تبنته شنغهاي، اضطرت وزارة التعليم عام 2022 إلى الرفض العلني للطلب الذي تقدم به بعض أعضاء المجلس الوطني لنواب الشعب (البرلمان) بتقليص أهمية اللغة الإنجليزية في المدارس.
وفي عام 2021، صادقت الحكومة، في إطار إصلاح عام للتعليم، على قواعد جديدة تضع قيودا صارمة على دورات ما بعد المدرسة.
ونتيجة لذلك، لم يعد بإمكان غالبية مدرسي اللغة الإنجليزية في القطاع الخاص الموجودين بشكل رئيس في المدن، تقديم الدروس الخصوصية.
وأردفت الصحيفة أن اللغة الإنجليزية، التي أصبحت مادة إلزامية في المدارس الصينية منذ عام 2001، بدأت تفقد أهميتها أيضا في الأماكن العامة.
وفي هذا الصدد، تذكر إصدار وزارة الشؤون المدنية اقتراحا لتوحيد علامات الطرق والعلامات الدبمغرافية في جميع أنحاء البلاد وذلك لاستبدال الترجمة الإنجليزية بنسخ بينيين (النظام الرسمي لكتابة الصينية بالحروف اللاتينية في البلد الآسيوي).
أسباب الانحدار
وبحسب تحليل الصحيفة الإيطالية، هناك سببان على الأقل وراء قرار الحكومة الصينية تقليل أهمية تدريس اللغة الإنجليزية.
الأول يتعلق بنظام التعليم الصيني، الذي تعرض في السنوات الأخيرة لانتقادات شديدة بسبب آثاره على حياة الطلاب وفشله في معالجة التفاوت الاجتماعي العميق الموجود في البلاد.
وشرحت الصحيفة فيما يتعلق بهذه النقطة، أن الشباب الصيني يتعرض لضغوط هائلة في المدرسة نتيجة التنافس الشديد للغاية، خاصة عند اجتياز اختبار القبول بالجامعة "جاو كاو" للالتحاق بأرقى الجامعات.
و"جاو كاو" يعني حرفيا "الاختبار الفائق" وهو اختصار لاسم رسمي مطول تحت عنوان "امتحان القبول الوطني للتعليم العالي" وهو بمثابة اختبار تأهيل جامعي.
وتدفع المنافسة الشديدة الأسر إلى إنفاق أموال كبيرة على الدروس الخصوصية ودروس ما بعد المدرسة؛ لتحسين مستوى أبنائهم في عدة مواد، من بينها اللغة الإنجليزية في كثير من الأحيان.
لذلك هذه النفقات لها تأثير سلبي على المستوى الاجتماعي، فإذا كانت الأسر في المناطق الحضرية لديها قدرة إنفاق أكبر وبمقدورها أن تضمن لأبنائها من الطلبة تعليما أفضل، لا تتمتع الأسر في المناطق الريفية بنفس الوضع الاقتصادي، وفق الصحيفة.
الدافع الثاني للحملة ضد اللغة الإنجليزية له طابع دولي لا سيما أن السلطات الصينية شرعت مع اشتداد المنافسة مع الولايات المتحدة، في حملة لزيادة الشعور بالوطنية وولاء المواطنين للحزب الشيوعي الصيني.
وهو ما يؤدي إلى فقدان اللغة الإنجليزية لأهميتها، ويؤثر بشكل عام على الثقافة الغربية المنقولة من خلال تلك اللغة.
ومن ناحية أخرى، فسرت "إيل بوست" أن هذا التوجه نحو التخلي عن تعلم الإنجليزية يعكس أيضا شعورا يتقاسمه جزء من السكان الصينيين الذين يعتقدون أن "الوقت قد حان ليتعلم الآخرون لغتنا".