صافي وهبة.. رجل أعمال مغمور صاهر عائلة السيسي فأصبح "حوتا" للفساد

داود علي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

عندما اندلعت الثورة في مصر يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011، كانت نتاج أوضاع بعينها وعلى رأسها "زاوج" السلطة السياسية بالمال الذي كان سمة مميزة لفساد عصر الرئيس السابق، حسني مبارك.

تلك العلاقات الملتبسة بين رجال السلطة السياسية وعائلاتهم وبين رجال الأعمال، خلفت حالة معقدة أسهمت في اندلاع ثورة الغضب.

اليوم يكرر التاريخ نفسه وتصبح عائلة رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، أحد أسباب الترقي المالي والسياسي لكبار رجال الأعمال، ومن أبرزهم صاحب مجموعة "الصافي الاستثمارية"، صافي وهبة.

بداية الصافي

اسمه الكامل صافي عنتر وهبة ضبيش، في الستينيات من عمره، وتنتمي عائلته إلى محافظة الشرقية بالدلتا المصرية. 

عام 1985 أسس مجموعة شركات الصافي الاستثمارية، التي ركزت أعمالها في البداية على التوزيع والتجارة الإلكترونية وتجارة التجزئة، ثم توسعت خلال الفترة ما بين 2004 و2007 لتشمل الاتصالات والأغذية والمشروبات.

وكان وهبة يعتمد بشكل أساسي على استيراد السلع والخامات الأساسية من الصين، ثم توسع إقليميا ليقوم بتوزيع الهواتف الجوالة في سوق دبي بالإمارات. 

وفي عام 2008 تعرض وهبة لقضية نصب واحتيال، عندما أوهمه "محتال" بقدرته على تحويل الأوراق إلى عملات أجنبية "دولار"، باستخدام مادة كيميائية.

وطلب منه مبلغا ماليا كبيرا، لشراء تلك المادة من خارج البلاد، وعقب ذلك هرب "المحتال" ليقوم رجل الأعمال بعمل محضر في أحد أقسام شرطة القاهرة، ويلقى القبض لاحقا على الشخص الذي خدع وهبة.

استمر رجل الأعمال صافي وهبة ومجموعته الصافي على وضعيتهم، حتى 30 أغسطس/ آب 2018، عندما تزوج نجله محمد صافي وهبة من مريم أحمد السيسي بنت المستشار أحمد السيسي، الشقيق الأكبر لرئيس النظام المصري. 

وحضر الزفاف كبار رجال المجتمع ومنهم رئيس البرلمان السابق، علي عبد العال، ورجل الأعمال أحمد أبوهشيمة، وجمع من الفنانين ورجال السياسة. 

كان النسب بعائلة السيسي بمثابة التحول الأكبر في مسيرة صافي وهبة ومجموعته، فبعدها مباشرة أصبحت "الصافي جروب" هي المورد الحصري لصفقة "التابلت" للمدراس في مشروع وزير التربية والتعليم السابق، طارق شوقي.

لم يعلم حينها كيف استقرت الصفقة على مجموعة "الصافي" خاصة مع عدم الإعلان عن مناقصة، وكانت تكلفة المشروع بحسب شوقي 500 مليون دولار.

في أغسطس 2019، تم تعيين صافي وهبة بقرار من وزير الصناعة رئيسا للجانب المصري في مجلس الأعمال المصري الكويتي.

وفي 2020 ظهر اسم وهبة كرئيس لمجلس إدارة شركة النيل لحلج الأقطان، والتي كانت شركة حكومية تم خصخصتها قبل ثورة 25 يناير 2011، ولكن صدر حكم من الإدارية العليا ببطلان عقد الخصخصة بعد الثورة خلال عام 2012.

وبالفعل أصبح وهبة رئيسا لمجلس إدارة "النيل لحلج الأقطان" عام 2020 بعد انتهاء الاستحواذ على كامل الشركة تقريبا بنسبة 93 بالمئة من خلال عرض شراء إجباري للأسهم من البورصة بقيمة 50 جنيها للسهم (1.6 دولار)، رغم أنه في 2016 أثناء المفاوضات على حل أزمة الخصخصة كان تقييم السهم حوالي 100 جنيه (3.25 دولارات).

حوت السوق

الصعود السريع لوهبة وصل به إلى أن أصبح واحدا من كبار "حيتان" الاقتصاد في مصر.

وفي عام 2022، استطاعت "الصافي جروب" بالإضافة للعرجاني جروب المملوكة لإبراهيم العرجاني، مشاركة مجموعة الغانم الكويتية، وهي الوكيل الحصري لسيارات "بي إم دبليو" الألمانية في مصر، وتم إعادة افتتاح مصنع التجميع الخاص بالسيارات بعد توقف نحو 5 سنوات. 

لكن شراكة وهبة بالعرجاني كانت مثيرة للجدل، لأن الأخير أحد أشهر المقاولين العاملين في سيناء، وسبق أن اتهم في قضية خطف عناصر من الشرطة قبل "ثورة يناير" وتحديدا عام 2008، عندما احتجز عناصر من الأمن احتجاجا على قتل شقيقه الذي كان مطاردا بتهمة تهريب المال والسلاح، وقد قبض على العرجاني لكن أفرج عنه لاحقا.

نفوذ وهبة المتصاعد أدخله في صفقات أخرى متعددة ومثيرة، وفي 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، نشرت صحيفة "الشروق" المحلية، أن مجموعة الصافي استحوذت على 53 بالمئة من الشركة العربية للفنادق المالكة لفندق هيلتون رمسيس.

وذكرت أن الصفقة قدرت بحوالي 4 مليارات جنيه (نحو 130 مليون دولار)، حيث اشترت الصافي حصة صناديق سيادية عربية، تحديدا الصندوق الكويتي، وحصة هيئة الاستثمار الليبية. 

وسبب الجدل في هذه الصفقة أن الحكومة بقيادة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، كانت تعمل على جذب الصناديق الخليجية للاستثمار وشراء الأصول في مصر، لكن العكس الذي حدث مع دخول الصافي إلى هذه المساحة.

كانت آخر صفقات الصافي وأكبرها تلك التي تمت في 11 يوليو 2023، عندما وقعت شركة "سوديك" المملوكة لمجموعة "الدار" العقارية الإماراتية عقد شراكة مع شركة الصافي لتطوير 440 فدانا بالساحل الشمالي.

وأوردت صحيفة "المال" المصرية أن توقعات إيرادات المشروع حوالي 80 مليار جنيه (2.6 مليار دولار) على 11 عاما، وبموجب الشراكة ستعطي "سوديك" 27 بالمئة من الإيرادات للصافي، ليكون ربح الأخير نحو 21.6 مليار جنيه (682 مليون دولار). 

شراكة المخابرات 

النسب بين صافي وهبة وعائلة السيسي، فتح له بابا آخر للتعاون، حيث الشراكة مع جهاز المخابرات العامة تحت قيادة اللواء عباس كامل الذراع اليمنى لرئيس النظام.

وفي 15 أغسطس/ آب 2022، نشر مركز "إنسان للدراسات الإعلامية" ورقة بحثية عن النشاط الاقتصادي للمخابرات العامة، وأورد أن "المجموعة الاقتصادية التابعة لجهاز المخابرات العامة، تقوم بإنشاء شركات عبر استخدام أسماء مستعارة لضباط الجهاز للتحايل على القانون".

 واستدرك المركز: "لكن مع صدور التعديلات الجديدة على قانون الجهاز والقانون الخاص بأفراده، ستكون العملية أسهل بكثير".

يذكر أن تعديل قانون المخابرات العامة في 20 فبراير/ شباط 2022، منح الجهاز من خلاله امتيازات واسعة، على رأسها الامتيازات المالية والاقتصادية.

وذكر المركز أن "جهاز المخابرات كان يقوم باستخدام شخصيات مدنية من خارج الجهاز في تأسيس شركات، مثل رجل الأعمال صافي وهبة، رئيس مجموعة وهبة للاستثمار".

وتسببت الشراكة في الكثير من الجدل، لا سيما مع احتكارها الكثير من الأعمال، وتم الهجوم عليها من قبل بعض السياسيين مثل النائب محمد أنور عصمت السادات، رئيس حزب "الإصلاح والتنمية".

وقال السادات عبر بيان صادر أكتوبر/ تشرين الأول 2022 إنه "اجتمع مع خبراء الاقتصاد والمال للتقدم بسؤال لرئيس مجلس الوزراء والأجهزة الرقابية المستقلة، حول نشاط بعض رجال الأعمال في مصر".

وأشار إلى "ما تردد في الفترة الأخيرة من شائعات وغمز ولمز على بعض الشخصيات التي لمعت في الآونة الأخيرة ونسب إليها القيام بعمليات استحواذ واحتكار وشراء لبعض المشروعات والشركات والفنادق مثل رجلي الأعمال صافي وهبة وإبراهيم العرجاني وغيرهما".

وشدد السادات على أن "الجميع يتساءل كيف لهؤلاء وخلال فترة قصيرة من عمرهم في مجال الاستثمار، أن يكون لديهم هذه القدرة والنفوذ، فيما لم يسمع بهم أحد على مدار السنوات الماضية.. من يقف خلفهم ومن يساندهم؟!"

وتابع: "ربما كانت الإجابة تتعلق بنقطة الإثارة حيث استطاع وهبة اختصار كثير من المسالك عندما زوج نجله محمد بمريم ابنة شقيق عبد الفتاح السيسي".