"حرب الناقلات" تشعل الخليج.. ماذا يعني دخول بريطانيا على خط الأزمة؟

مهدي محمد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

كأن الأوضاع في مياه الخليج العربي ومضيق هرمز كانت بحاجة إلى مزيد من التوتر، حتى يشعلها صراع آخر طرفه إيران، وعلى الجهة المقابلة ليس الولايات المتحدة أو أحد حلفائها الخليجيين، بل بريطانيا، الأمر الذي ينذر بتصعيد من نوع جديد في المنطقة.

تلك المنطقة الإستراتيجية المتحكمة في ثلث حجم التجارة العالمية، تحولت إلى ساحة كبيرة لحرب ناقلات النفط، وسط تحشيد عسكري غير مسبوق شاركت فيه لندن حتى قبل احتجاز ناقلتها، فهل تتجه الأمور إلى مواجهة حتمية تشبه الحرب العالمية، أم أنه سيناريو لا يريده أحد؟

تهديد بريطاني وتحفز إيراني

دخول بريطانيا ساحة التوتر في مضيق هرمز بدأ يوم الجمعة الماضي، عندما احتجزت السلطات الإيرانية ناقلة نفط ترفع العلم البريطاني، بدعوى اصطدامها بسفينة صيد قبالة سواحل البلاد.

هذا التفسير لم يرق للندن التي وصفت احتجاز إيران للناقلة "ستينا إمبيرو" بأنه "عمل عدائي"، وقال وزير الخارجية البريطاني جيريمي هنت، إن تصرفات طهران تبعث "إشارات مقلقة بأن إيران ربما تختار طريقا خطيرا من السلوك غير القانوني والمزعزع للاستقرار".

التصعيد الأحدث على مستوى التصريحات الإعلامية جاء على لسان "توبياس ألوود" وزير الدفاع البريطاني، الذي قال إن بلاده تبحث سلسلة من الخيارات للرد على احتجاز إيران لناقلة النفط، وذلك ردا على سؤال عما إذا كانت لندن تدرس فرض عقوبات على طهران.

وقال: "سنبحث سلسلة من الخيارات، سنتحدث إلى نظرائنا وحلفائنا الدوليين لنرى ما يمكن فعله في الواقع"، متابعا: "مسؤوليتنا الأولى والأكثر أهمية هي ضمان التوصل لحل مسألة السفينة الحالية، وضمان سلامة السفن الأخرى التي ترفع العلم البريطاني في تلك المياه، ثم النظر بعد ذلك إلى الصورة الأوسع".

وبينما أعرب الوزير البريطاني عن التزام بلاده بتأمين وجود عسكري في الشرق الأوسط لضمان بقاء مضيق هرمز مفتوحا أمام حركة الملاحة، ذكرت صحيفة "ديلي تلجراف" البريطانية، أن لندن تعتزم استهداف إيران بعقوبات في أعقاب احتجاز الناقلة.

هذا التهديد البريطاني لم يمر على الجهة المقابلة مرور الكرام، فحث السفير الإيراني لدى بريطانيا على احتواء "قوى سياسية داخلية" قال إنها تريد تصعيد التوتر بين البلدين. وتابع أن "هذا خطير للغاية ولا يتسم بالحكمة في وقت حرج بالمنطقة"، لكنه أكد أن بلاده "صلبة ومستعدة لمختلف السيناريوهات".

المدير العام للموانئ والملاحة البحرية في إقليم هرمزجان الإيراني عفيفي بور، أضاف الأحد، تفاصيل جديدة، مشيرا إلى أن "جميع أفراد طاقم الناقلة التي يحتجزها الحرس الثوري بخير وبصحة جيدة في ميناء بندر عباس".

وأوضح، أن الناقلة المحتجزة "عرّضت السلامة البحرية للخطر" في مضيق هرمز الذي يعبر منه خُمس النفط المستهلك في العالم سنويا، وأضاف: "نحن مطالبون وفقا للقواعد بالتحقيق في الأمر.. ومدة التحقيق تعتمد على مستوى تعاون الأطراف المعنية".

ويبدو أن التحرك الإيراني تجاه الناقلة، جاء للرد على خطوة بريطانية استفزت طهران كثيرا، حين احتجزت البحرية الملكية البريطانية، في 4 يوليو/تموز الجاري، الناقلة جريس 1 التي كانت محملة بالنفط الإيراني قرب جبل طارق ويشتبه بأنها كانت تنتهك عقوبات مفروضة على سوريا.

وساطة عُمانية

ودخلت سلطنة عُمان على خط الأزمة سريعا، إذ حثت إيران على السماح بمغادرة ناقلة النفط البريطانية التي تحتجزها وحلّ الخلافات بالطرق الدبلوماسية.

ونقل تلفزيون عُمان الرسمي عن مصدر مسؤول بالخارجية، أن "السلطنة تتابع باهتمام بالغ حركة الملاحة في مضيق هرمز وتدعو جميع الدول إلى ضبط النفس واحترام خطوط الفصل الملاحية وعدم تعريض المنطقة إلى مخاطر تؤثر على حرية الملاحة".

وأضاف: "السلطنة على اتصال مع جميع الأطراف بهدف ضمان المرور الآمن للسفن العابرة للمضيق مع احتفاظها بحقها في المياه الإقليمية"، ودعت مسقط إلى إطلاق سراح السفينة، مطالبة بريطانيا وإيران بحل الخلافات بالطرق الدبلوماسية.

سلطنة عُمان، إحدى دول الخليج التي تجمعها علاقات جيدة مع طهران رغم التوتر الخليجي الإيراني، وفي الوقت نفس تتمتع بعلاقات استثنائية مع بريطانيا، الأمر الذي يؤهلها للعب دور الوسيط بين البلدين.

ولعل المرونة العمانية في العلاقة مع الجارة إيران يمكنها من لعب أدوار توسطية لحل الأزمات الناشبة في المنطقة، إضافة إلى الموقع الجغرافي حيث تسيطر الدولتان مشتركتان على مضيق هرمز الذي يعد من أهم المعابر المائية في العالم.

تلك العلاقة ساعدت عمان على لعب دور الوسيط في الملف النووي الإيراني، كما تسعى مسقط لتهدئة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، عبر جهود من الوساطة والاتصالات المكثفة بطرفي الأزمة.

على الجانب الآخر، ارتبطت عُمان تاريخيا ببريطانيا لفترة طويلة من الزمن، حينما كانت قوة عظمى مسيطرة في العالم، ومع الانسحاب البريطاني من منطقة الخليج في أواخر الستينات وبدايات السبعينات، تزايد الوجود والنفوذ الأمريكي في عُمان.

بُعد آخر يضيف زخما للوساطة العمانية ممثلا في حرص مسقط على توفير الحماية الإستراتيجية لشواطئ البلاد ومدخل الخليج ومضيق هرمز، عبر شبكة من العلاقات المتوازنة والحياد دون الانخراط في سياسة المحاور الإقليمية.

فعليا توسطت عُمان بين بريطانيا وإيران لإطلاق سراح بعض أفراد البحرية البريطانية في 2007، كما توسطت بين الولايات المتحدة وإيران لإطلاق سراح سياح أمريكيين احتُجِزوا في إيران عامي 2010 و2011.

حرب الناقلات

في 12 مايو/أيار الماضي، تعرضت 4 سفن شحن تجارية من عدة جنسيات لعمليات تخريبية بالقرب من المياه الإقليمية الإماراتية، لكن يبدو أنها كانت فقط البداية لسلسلة من الحوادث المرتبطة بشكل أو بآخر بمسألة الملاحة البحرية في تلك المنطقة.

وفي 13 يونيو/حزيران الماضي، تعرضت ناقلتا نفط لهجوم في بحر عمان أسفر عن أضرار مادية غير جسيمة، وكانت إحدى الناقلتين ترفع علم جزر مارشال واسمها "فرنت ألتير" بينما الناقلة الثانية اسمها "كوكوكا كاريدجس" وترفع علم بنما".

وكأنها حرب ناقلات نفط تعددت أطرافها بين دول مختلفة بعضها بالمنطقة والآخر خارجها، ورغم أن غالبيتها لم يشهد أزمة كبيرة على غرار الناقلة البريطانية، إلا أنها في المجمل شكلت علامة فارقة على تدهور الوضع الأمني في هذا المعبر الحساس.

إيران التي لا تزال تحتجز الناقلة البريطانية، أفرجت السبت عن ناقلة نفط جزائرية بمضيق هرمز بعد احتجازها لبضع ساعات، وقالت شركة سوناطراك الحكومية الجزائرية المالكة للناقلة النفطية، إنها كانت تعبر المضيق نحو ميناء رأس تنورة السعودي لحساب النفط الخام لصالح شركة صينية.

تزامنا مع ذلك، أفادت وكالة "مهر" الإيرانية شبه الرسمية، أن السعودية أفرجت، الأحد، عن ناقلة نفط إيرانية، جرى توقيفها مع أفراد طاقمها المكون من 26 بحارا في ميناء جدة، لنحو 3 أشهر.

وقالت هيئة الملاحة البحرية في بنما، السبت، إنها بدأت عملية سحب تسجيل ناقلة النفط "إم. تي رياح" التي جرى قطرها إلى إيران بعد اختفائها من خرائط تعقب السفن في مضيق هرمز يوم 14 يوليو/تموز الجاري.

تحقيق السلطات البنمية خلص إلى أن الناقلة "انتهكت عمدا القواعد الدولية" لعدم إبلاغها عن أي موقف غير معتاد، وكانت إيران، أعلنت منتصف الشهر الجاري أنها قطرت سفينة إلى مياهها من مضيق هرمز بعدما بعثت بنداء استغاثة.

بنما، التي تملك أكبر أسطول شحن في العالم، شطبت 60 سفينة ارتبطت بإيران وسوريا من سجلاتها في الشهور الأخيرة، وأبدت استعدادها لسحب تسجيل المزيد من السفن في الفترة القادمة.

هرمز.. كلمة السر

مضيق هرمز بات الآن عنوانا لأزمة كبيرة تتضخم يوما تلو الآخر بسرعة قياسية، وتتعدد الأطراف المرتبطة بهذا التوتر والتصعيد، حتى لو كانت بعيدة جغرافيا عن المنطقة الملتهبة.

ورغم أن الجميع أعلن عدم رغبته في المواجهة العسكرية وجنح إلى التهدئة، إلا أن الخطوات العملية على الأرض تشي بعكس ذلك، فالتحشيد العسكري يجري على قدم وساق في مياه الخليج العربي.

بريطانيا صاحبة أحدث إرهاصات الأزمة، أعلنت عزمها إرسال سفينة حربية ثالثة إلى الخليج، في خطوة قالت إنه لا علاقة لها بالأزمة مع إيران، بل لضمان استمرار الوجود الأمني البحري البريطاني.

وخلال الأزمة الحالية أعربت وزارة الدفاع البريطانية عن التزامها بتأمين وجود عسكري لقواتها في الشرق الأوسط، نظرا للقلق الذي ينتابها من احتمالية نشوب نزاع عسكري في المنطقة بسبب الأزمة بين إيران والولايات المتحدة.

الحشد العسكري الأمريكي بلغ ذروته، عندما أرسلت واشنطن في مايو/أيار الماضي، حاملة الطائرات (إبراهام لينكولن)، وقاذفات قنابل بمياه الخليج من أجل "إرسال رسالة جلية إلى النظام الإيراني بأن أي هجوم على المصالح الأمريكية أو على حلفائنا، سيقابل بقوة لا هوادة فيها"، وفق بيان لمستشار الأمن القومي جون بولتون.

وتزامنت أزمة الناقلة البريطانية مع إعلان القيادة المركزية في الجيش الأمريكي، "تطوير عملية بحرية متعددة الجنسيات في الخليج تحت اسم (الحارس) لضمان حرية الملاحة في ضوء تصاعد التوتر مع إيران".

أضافت القيادة أن عملية "الحارس" تهدف إلى تعزيز الاستقرار البحري، وضمان المرور الآمن، وخفض التوترات في المياه الدولية في جميع أنحاء الخليج، ومضيقي هرمز، وباب المندب، فضلا عن خليج عمان.

مواجهة أم تفاوض؟

ولعل دخول وافد جديد على خط المواجهة العسكرية المحتملة بين إيران والولايات المتحدة، يضاعف زخم الأزمة ويضيف إليها أبعادا جديدة، لكن قد تبقى مرتكزاتها ثابتة، تقود إلى احتمالين لا ثالث لهما، إما مواجهة عسكرية محدودة أو هدوء يقود إلى مفاوضات مطولة ومتعمقة، يتمحور أغلبها حول البرنامج النووي الإيراني.

الولايات المتحدة التي بدت خطواتها العسكرية بمثابة استعداد للحرب، تكرر على جميع المستويات أنها لا تريد الحرب ولا تسعى إليها، لكن تهتم بردع طهران وإجبارها على عدم المساس بحلفاء واشنطن أو تعريض مصالحها في المنطقة للخطر.

على الجهة المقابلة، وبحسب تحليل نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن التصريحات الإيرانية بعدم السعي لتصعيد عسكري، سببها الحقيقي هو عدم استطاعة إيران تحمّل مواجهة مسلحة تقليدية مباشرة مع أي دولة، ولا سيما الولايات المتحدة أو إسرائيل، عسكريا أو سياسيا.ولهذا السبب، وفق التحليل، يعتمد النظام إلى حد كبير على الحرب غير المتناسقة، والإرهاب، والحرب بالوكالة، وغيرها من التكتيكات التي يمكن تنفيذها مع هامش من إمكانية إنكارها، حتى لو كان هذا الهامش صغيرا، وتتمثل الفكرة في بقاء إيران قوة تهديد مخيفة مع تجنب الحرب التقليدية المباشرة.

لكن على الرغم من رغبة المرشد الإيراني علي خامنئي المعلنة في تجنب الحرب، يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لأي سيناريو ممكن، فقد تخطط طهران لتخريب المزيد من أهداف الحلفاء والولايات المتحدة في المنطقة وتهديدها"، كما يرى التحليل.

وفي الوقت نفسه، يجدر بواشنطن ألا تستبعد احتمال موافقة خامنئي على مضض على التفاوض في المدى القريب بسبب الضغوط الاقتصادية الهائلة والعزلة الدولية المفروضة على إيران، أما إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عليها أن تبحث بشكل عاجل عن وسطاء دوليين يمكنهم مساعدتها على التواصل مع المسؤولين الإيرانيين بهدف فهم القضايا التي يمكن للنظام أن يساوم عليها مقابل تنازلات أمريكية واقعية بشكل أفضل، فمن دون وجود قنوات اتصال موثوقة، يتعاظم احتمال نشوب حرب، في حين يتضاءل احتمال التوصل إلى اتفاق. 

ووفق هذا السيناريو، فإذا كانت إدارة ترامب تفضّل التفاوض على المواجهة، فسيتعين عليها تعديل خطابها العدائي والتحقيري وتحويله إلى لهجة أكثر دبلوماسية واحتراما.