أساطير القضية الفلسطينية العشرة وعلاقة العرب بها
منذ نشأت القضية الفلسطينية رسميا بقيام إسرائيل عام 1948، تعرضت الأجيال العربية لعدد كبير من الأساطير التي مزقت الرأى العام العربي بصدد إسرائيل وكانت معظم هذه الأساطير في مصر؛ ونحاول في هذا المقال أن نرصد بعض هذه الأساطير ونفندها ونفككها أمام الأجيال الجديدة فى المنطقة، تصحيحا للمفاهيم التي شوهت الثقافة العربية وخلقت صورا من الصراع الوهمي بين قوى المجتمعات العربية.
ولا شك أن هذه الأساطير صنعتها النظم العربية التي بحثت عن شرعية وجودها في نصرة فلسطين ومناهضة إسرائيل، فلما انقشعت هذه الأساطير ظهرت مواقف هذه النظم المخزية من هذه الأساطير.
الأسطورة الأولى؛ هي أن المشروع الصهيوني قد تطور حسب ظروف المنطقة، والصحيح أن المشروع مرسوم ومصمم على اغتصاب كل فلسطين وأن الأساطير التي تحدث عنها جارودي التي قامت عليها إسرائيل، ومن ضمنها علاقه اليهود التاريخية المزعومة بفلسطين وأسطورة المحرقة التي يدفع ثمنها الفلسطينيون. وهو مشروع غربي للتخلص من أقلياتهم اليهودية غير المندمجة من ناحية كما أن المشروع يقيم الكمنولث اليهودي في فلسطين وتجميع يهود العالم حتى تكون إسرائيل وكيلا عن الاستعمار التقليدي في ضمان المصالح الغربية وإخضاع المنطقة.
الاسطورة الثانية؛ هي أن الفلسطينيين هم من باع أرضهم، وأنهم يتحملون مسؤولية المواجهة مع إسرائيل، وهذا ساعد إسرائيل على الانفراد بالفلسطينيين وإسقاط اللحمة العربية المزعومة.
الأسطورة الثالثة؛ أن اتفاق الحكم الذاتي فى كامب دافيد أفضل من اتفاق أوسلو وأنه كان كفيلا بتحقيق الحقوق المشروعة للفلسطينيين، لولا تخلف عرفات عن محادثات فندق ميناهاوس في القاهرة بين مصر واسرائيل، وكان مقعد فلسطين محجوزا. وتقول مصر إن عرفات أضاع الفرصة لأنه كان يناهض كامب ديفيد، والصحيح أن كامب ديفيد في الشق الفلسطيني كانت تقدم حكما ذاتيا إداريا للسكان وليس للأرض، لأن إسرائيل تريد كل الأراضى ويبدو أن رأس المال الخليجي يستخدم الآن محل رأس المال اليهودي لشراء الأراضي في فلسطين ومصر وغيرها.
كما يبدو أن عرفات رفض الحضور حتى لا يقدم تنازلا مجانيا لإسرائيل، وما دام يرفض كامب دافيد نصا ومنهجا ولا يريد أن يتفاوض على أحد وثائقها، ولكن الخطاب السياسي والإعلامي هلل لموقف مصر المضحي دائما من أجل القضية الفلسطينية، وتلك من الأساطير الكبرى لا تقل عنها بهتانا إلا تبرير دعاة التطبيع بأن الصفقة مع إسرائيل بشرى بأنهار العسل واللبن وتوجيه أموال التسليح والصراع إلى التنمية والرخاء. ويرتبط بالأسطورة شهداء مصر من أجل فلسطين وقد سقطوا في مصر في العدوان الإسرائيلي على مصر.
الأسطورة الرابعة؛ هي الصراع العربي الإسرائيلي، فالمفروض نظريا أن يتصدى كل الجسد العربي للسرطان الصهيوني الذي انقض على جزء منه في فلسطين وكان هذا هو مفهوم الأمن القومي العربي، والصحيح أن إسرائيل هي التي اعتدت على الدول العربية انطلاقا من فلسطين، فهي التي اعتدت على مصر عام 1956 وعام 1967 واحتلت كل فلسطين وسيناء والجولان والقدس والضفة الغربية واعتبرت الأراضى المحتلة رهينة لإرغام أصحابها على الصلح معها، كما اعتبرتها إسرائيل جائزة الإنتصار، ولذلك فشلت جميع الجهود الدولية التي بذلت لجلاء إسرائيل عنها ونسيت أساطيرها التوراتية المؤلفة حول يهودية هذه الأراضي بما فيها سيناء التي سيكون لها فصل جديد في صفقه القرن، وقد خططت إسرائيل لها ملفا خاصا ليس هذا مجال تفصيله.
وترتبط بهذه الأسطورة أسطورة أخرى ملازمة، وهي أن الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 هي أراضي محتلة، وهكذا سارت الدبلوماسية الدولية على أساس قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة التي تعتبر الاحتلال عدوانا وحالة مؤقتة، وأنه لا يمكن كسب الأراضي بالقوة أو منح المعتدي جائزة، ولذلك ابتدعت هذه القرارات أسطورة التسوية السلمية وهي تعلم أن إسرائيل أصلا قامت على المؤامرة والغصب وأنها تعتمد على القوة والدعم الغربى في مشروعها، كانت النتيجة أن المجتمع الدولي كان في جانب بينما تضمن إسرائيل بقاءها وطموحاتها بالقوة والتحالف الغربي.
الأسطورة الخامسة؛ هي قرار التقسيم وحقوق اللاجئين وحق العودة وغيرها من ملحقات التدليس القانوني. فبينما قامت إسرائيل على قرار التقسيم المناقض لميثاق الأمم المتحدة وظن العرب أن تقسيم فلسطين أمر لا يصدق، رفضوا القرار في البداية ثم حدث انقسام عربي وفلسطيني حول قبوله من عدمه، وألقى البعض اللوم على الدول العربية التي لم تنتبه إلى نظرية بورقيية خذ وطالب، وعقم هذه النظرية في ظل هدف المشروع الواضح وهو استهداف كل فلسطين.
كما فشلت نظرية عبدالناصر على المستوى العملي الذي طالب بكل فلسطين ولم يعد نفسه لهذا التحدي، بل كانت سياساته تفتقر إلى المسؤولية وكان تحديه اللفظي لإسرائيل أكسبه تصفيق الجماهير العربية، ولم تكن مبالغاته وتهديداته وإخراجها والإشادة بشخصيته وبقوة الجيش المصري إلا مقدمه لإقناع العالم بأنها هزمت عدوا قويا وشخصية عملاقة. وقد فهم كل ذلك أنور السادات الذي اختصر الطريق وسلم كل شيء لإسرائيل وجاء خلفاؤه فأكملوا المسيرة حتى ظهرت صفقة القرن فى وسط عربي مريح.
الأسطورة السادسة؛ هى أن الجامعة العربية نشأت لدعم فلسطين قبل أن تقوم إسرائيل بثلاث سنوات وأنها تدعم وحدة العرب وكيانهم حتى تحافظ على فلسطين. والصحيح أن الجامعة هي تجمّع لحكام علاقتهم وثيقة بأصحاب المشروع الصهيوني ثم تحولت إلى أداة للقضاء على الهوية العربية باسم الجامعة العربية.
الأسطورة السابعة؛ هي أن واشنطن تصلح وسيطا لسلام عادل، والصحيح هو أن الانحياز الأعمى لإسرائيل ينتج سلاما لليهود دون غيرهم.
الأسطورة الثامنة؛ هي أن الزعامات القومية العربية هي التي قادت الصراع مع إسرائيل والصحيح أنه كلما اشتد استبداد الزعيم واستعباد شعبه وتخديره بوهم مواجهة إسرائيل ازدهر المشروع ولذلك روجت إسرائيل بأن الفكر القومي والمد القومي، هو الذي أزعجها وكان سبب رفض الشعوب لها رغم أنها ظاهرة حضارية.
الأسطورة التاسعة؛ أن الصفقة المصرية الإسرائيلية حققت السلام في المنطقة والازدهار لمصر ومهدت الطريق لحقوق الفلسطينيين وتلك أكبر أكذوبة روجها السادات وخلفاؤه ولا يقل سخافة عما روّجته السلطة من ضرورة الحكم العسكري ما دام الصراع مع إسرائيل قائما وكان يتعين أن تسقط هذه المقولة بعد أن سلم صفقة السادات لإسرائيل بل العكس زادت مصر بؤسا وضعفا وصارت المنطقة كلها على مشرحة الصهيونية الأمريكية عرضة للضياع والتقسيم والفقر والنهب على الأقل كان الغموض المصري مع إسرائيل يكلف الميزانية الإسرائيلية الكثير خوفا من الجبهة المصرية فلما اطمأنت إليها وفرت كل ما كانت تحشده فى الميزانية تحسبا لمصر .
وكانت النتيجة أن كل النظم في مصر تأثرت بإسرائيل بدءا بنظام عبدالناصر حتى الآن كما تأثرت سياسة مصر الخارجية طوال ستين عاما.
الأسطورة العاشرة؛ هي أن السلام العربى مع إسرائيل خيار إستراتيجى وهي أسطورة لأن السلام يعنى نصرة المشروع الصهيوني وعدم تصدي العرب عسكريا لأي عدوان إسرائيلي.