حركة "23 مارس" المتمردة.. كيف تهدد باندلاع حرب في الكونغو والدول المجاورة؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

شنت المليشيات المتمردة التابعة لحركة 23 مارس سلسلة من الهجمات أخيرا، في شرق الكونغو الديمقراطية ومقاطعة شمال كيفو التي تقع على الحدود مع رواندا وتستعد لمهاجمة مدينة غوما الأكبر في المنطقة.

وفي هذا الصدد، حذرت صحيفة إيطالية من إمكانية أن يتسبب الحصار والهجوم على المدينة في نشوب حرب وتوسع القتال إلى المنطقة بأكملها.

وبرزت "23 مارس" للمرة الأولى قبل أكثر من عشر سنوات عندما سيطرت على غوما، قبل أن يتم طردها لتتلاشى لاحقا.

لكنها عادت إلى الواجهة أواخر 2021 معلنة أن جمهورية الكونغو الديمقراطية فشلت في الإيفاء بتعهدها دمج مقاتليها في الجيش.

حرب جديدة؟

وذكرت صحيفة "إيل بوست" أن أعمال العنف التي وقعت خلال يناير/كانون الثاني 2024، أجبرت ما لا يقل عن 135 ألف شخص على ترك منازلهم واللجوء إلى مخيمات النازحين الواقعة على مشارف غوما حيث يعيشون في ظروف إنسانية وأمنية هشة للغاية.

وتنقل ما أفاد به تيغيري شاغوتا مدير المكتب الإقليمي لشرق وجنوب إفريقيا في منظمة العفو الدولية، بأن أكثر من مليون نازح يعيشون في اكتظاظ كبير منذ  بداية العام في غوما وما حولها، في حاجة ملحة إلى المأوى والغذاء والرعاية الصحية.

في الأثناء، أعرب العديد من المحللين عن مخاوف من اندلاع حرب جديدة في ظل تكثفت الهجمات التي تشنها الحركة المتمردة لا سيما أنها تستعد لمحاصرة غوما، المدينة الكبيرة التي يعيش فيها أكثر من 700 ألف شخص. 

ويمتد خط المواجهة بين المتمردين والجيش الكونغولي حاليا على آخر طريق إلى غوما كانت تسيطر عليه الحكومة وبذلك يحاصر متمردو 23 مارس أو (إم 23)، المدينة فعلياً.

وصفت الصحيفة الإيطالية المنطقة الشرقية من جمهورية الكونغو الديمقراطية بالمكان "المعقد وغير المستقر" في ظل ما يشهده من نشاط مجموعات مسلحة مختلفة، مثل جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة التابعة لتنظيم الدولة.

وخاصة متمردي حركة 23 مارس المدعومين من رواندا المجاورة المتهمة بخوض حرب بالوكالة ضد كينشاسا، وفقا للحكومة الكونغولية والعديد من خبراء الأمم المتحدة.

أشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن العامل الرئيس وراء تأجج هذا الصراع المستمر يكمن في الكراهية العرقية لا سيما وأن الجماعات المهيمنة في منطقة البحيرات العظمى، والتي تضم رواندا وبوروندي وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتنزانيا وكينيا، هي في الأساس مجموعتان، الهوتو والتوتسي. 

وقد كانت الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994 بمثابة ذروة الصراع بين هاتين المجموعتين العرقيتين، بعد أن قتل الهوتو، الذين كانوا أكثر عددا، مئات الآلاف من التوتسي.

وبعودة التوتسي إلى السلطة في رواندا، أُجبر العديد من الهوتو على الهجرة بشكل جماعي إلى الكونغو ومنذ ذلك الحين، كان لرواندا اهتمام خاص بالوضع الكونغولي. 

اتهامات متبادلة

وتتهم السلطات الرواندية نظيرتها الكونغولية بأنها وفرت الحماية وتعاونت مع "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا".

وهي مليشيا شكلها الهوتو الذين فروا بعد الإبادة الجماعية وكان قادتها الأوائل من ضباط الجيش المسؤولين عن المذابح ضد أقلية التوتسي في رواندا.

وفي المقابل، تتهم الكونغو رواندا بدعم متمردي حركة 23 مارس المنتمين في الغالب إلى عرقية التوتسي ويدعون أنهم حماة هذه الجماعة العرقية من الكونغوليين.

ولطالما نفت رواندا الاتهامات الموجهة إليها، إلا أن الأمم المتحدة قدمت في ديسمبر/كانون الأول 2023 أدلة تؤكد تلقي متمردي حركة 23 مارس تدريبات في رواندا، إلى جانب مقاطع فيديو وصور جوية تظهر تدخلات مباشرة وتعزيزات للجيش الرواندي في الأراضي الكونغولية.

وتعد حركة إم 23 اليوم الوريث المباشر لـ "المؤتمر الوطني للدفاع عن الشعب"، وهو تشكيل شبه عسكري من التوتسي ينشط منذ عام 2006 في المقاطعات الشرقية من الكونغو. 

وبعد اعتقال زعيمه لوران نكوندا في مارس 2009، جرى التوصل إلى اتفاق ينص على انسحاب القوات من شمال كيفو ودمج المقاتلين في الجيش والموافقة على أن يصبح التشكيل حزبا سياسيا تقليديا، إلا أن الاتفاق لم يصمد طويلا

 وبعد مرحلة أولية من القتال في عام 2009، سيطر خلاله مقاتلو حركة 23 مارس لفترة وجيزة على غوما، عادت الجماعة إلى نشاطها في نهاية عام 2021.

بالإضافة إلى جيش الكونغو النظامي ضعيف الإعداد، تدافع عن مدينة غوما اليوم مجموعات مسلحة متحدة تحت اسم وازاليندو الذي يعني "الوطنيون" باللغة السواحيلية. 

كما تشارك شركات عسكرية أوروبية خاصة  في توفير التدريب والدعم الفني لجيش الكونغو، بالإضافة إلى بوروندي، القريبة من الكونغو ورواندا، والتي نشرت بدورها أكثر من ألف جندي للقتال إلى جانب الجيش الكونغولي.

ومنذ بداية عام 2000، يوجد في البلاد أيضا حوالي 16 ألف عسكري من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وهؤلاء يشكلون جزءًا من بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية. 

وضع مقلق

وفي الأسابيع الأخيرة، خرجت احتجاجات في كينشاسا العاصمة وكذلك في العديد من المدن الأخرى، للتنديد بعدم قدرة هذه البعثة على حماية المدنيين من المليشيات العديدة النشطة في المنطقة. 

كما يرى العديد من المحللين والمعلقين أن هذه البعثة غير فعالة على الإطلاق على الرغم من أنها واحدة من أكبر بعثات حفظ السلام في العالم. 

لذلك صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ديسمبر 2023، بطلب من السلطات الكونغولية لصالح الانسحاب التدريجي المبكر لبعثة مونسكو قبل عام تقريبا من الموعد المقرر لانتهاء مهامها.

وفي نفس التاريخ، أنشأت مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي بعثة عسكرية لمساعدة الكونغو على استعادة السلام والأمن في الجزء الشرقي وتتكون من 2900 جندي من جنوب إفريقيا وتنزانيا ومالاوي.

ونظراً لوجود العديد من القوى المختلفة في الميدان، حذرت الصحيفة الإيطالية من أن الأزمة الحالية شرق البلاد قد تتطور إلى حرب إقليمية.

كما حذر تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالكونغو، الذي نُشر في نهاية عام 2023، من أن الوضع مثير للقلق. 

وبدوره، أكد شيا هوانغ، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لمنطقة البحيرات الكبرى، أن "التعزيزات العسكرية في كلا البلدين، وكذلك غياب حوار مباشر رفيع المستوى وتواصل خطاب الكراهية، كلها علامات مثيرة للقلق ولا يمكننا تجاهلها"، في إشارة إلى خطر اندلاع مواجهة عسكرية مباشرة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا.

وبحسب الصحيفة الإيطالية، ترفض كلتا الدولتين التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع على الرغم من الوساطات التي تقودها في المقام الأول الأمم المتحدة والولايات المتحدة.

يبلغ عدد سكان الكونغو أكثر من 100 مليون نسمة، وهي دولة فقيرة للغاية وتشكو نقصا كبيرا في الخدمات الأساسية وكذلك البنية التحتية وارتفاع معدلات التضخم. 

كما يُصعب الصراع والاقتتال من إيصال المساعدات للمدنيين والنازحين خصوصا وأن الطرق غير آمنة ويستحيل الوصول إلى المناطق النائية. 

وعلى مدى السنوات الثلاثين الماضية، قُتل أكثر من ستة ملايين شخص نتيجة هجمات شنتها الجماعات المسلحة وأعمال عنف. 

وتعد الدولة الإفريقية من بين البلدان التي تضم أكبر عدد من النازحين داخليا في العالم، إذ اضطر منذ مارس 2022 وحتى اليوم، ما يقرب من سبعة ملايين شخص إلى ترك منازلهم.