فصل جديد من المواجهة بين ابن زايد والإخوان.. ما علاقة بريطانيا؟

داود علي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

لا يكاد رئيس الإمارات محمد بن زايد آل نهيان، المعروف بعدائه الشديد للإسلاميين، تحديدا جماعة الإخوان المسلمين، يفرغ من معركة ضدهم حتى يبدأ معركة جديدة في إطار حرب شاملة يشنها عليهم منذ اندلاع ثورات الربيع العربي عام 2010. 

وفي 10 يوليو/ تموز 2024، بدأت أبوظبي فصلا آخر في كتاب استهداف جماعة الإخوان المسلمين.

ومن أصل 84 مواطنا إماراتيا يقضون أحكاما متنوعة بالسجن على خلفية موقفهم المعارض سياسيا لابن زايد، قضت محكمة أبوظبي الاتحادية، حكما بالسجن المؤبد بحق 43 شخصا منهم.

وبعدها بأقل من شهر في 2 أغسطس/ آب 2024، أعلنت النيابة العامة الإماراتية، أن تحقيقات الأجهزة الأمنية كشفت عن وجود جماعة سرية جديدة جرى تشكيلها من قبل أشخاص يعيشون خارج البلاد، وينتسبون إلى تنظيم "دعوة الإصلاح"، الذي يعد فرعا من جماعة الإخوان المسلمين. 

“تنظيم جديد” 

وعن تفاصيل التحقيقات، ذكرت وكالة أنباء الإمارات الرسمية "وام" أن جهاز أمن الدولة، استطاع تتبع مجموعة الهاربين من مختلف إمارات الدولة ممن صدرت ضدهم أحكام غيابية عام 2013.

وأسفرت المتابعة عن رصد مجموعتين من أعضاء ينتسبون إلى تنظيم "دعوة الإصلاح"، والذي يعد فرعا من جماعة الإخوان المسلمين، تلاقوا في الخارج، وآخرين استقطبوهم فانضموا إليهم وشكلوا تنظيما جديدا. 

وأوردت تحقيقات النيابة أن التنظيم الجدد أقام تحالفات مع جماعات وتنظيمات أخرى، للعمل معها من خلال قطاعات إعلامية واقتصادية وتعليمية، سعيا إلى تقوية صلته بها، وتثبيت وجود التنظيم، وتعزيز أدوات حمايته في الخارج، لتحقيق أهدافه. 

ومما قالته "وام" إن إحدى الدول ارتبطت بالعديد من واجهات التنظيمات الإسلامية، التي تتخذ شكل منظمات خيرية أو فكرية، وقنوات تلفزيونية.

وخصت بالذكر مؤسسة قرطبة (TCF)، المصنفة إرهابية في الإمارات منذ عام 2014، والتي هي مؤسسة فكرية شرق أوسطية، ويديرها القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، المفكر الإسلامي أنس التكريتي، المقيم في العاصمة البريطانية لندن.

وأرجعت شبكة “سي إن إن” في 2 أغسطس أن السبب الرئيس لتحرك الإماراتي الأخير ضد الإخوان المسلمين في الخارج، أن مجموعة من أعضاء الجماعة تواصلوا بشكل مباشر مع منظمات حقوقية ودولية معنية بحقوق الإنسان.

وذلك لإمدادها بمعلومات عن انتهاكات نظام محمد بن زايد، ضد المعتقلين المعارضين، وهو ما أسهم في نشر تقارير سلبية ضده كرئيس للبلاد، بحسب الشبكة الأميركية.

ومع ذلك لم يكن هذا أول استهداف من قبل أبوظبي لجماعة "دعوة الإصلاح" المعارضة في بريطانيا، حيث حاولت أن تصنفها “إرهابية” بالضغط على الحكومات البريطانية المختلفة، وحركت لوبيات ضغط لتشويه صورتهم. 

وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، كشفت صحيفة "ميل أون صنداي" البريطانية، تفاصيل عن "اللوبي" الذي عمل لصالح الإمارات، لتحسين صورة محمد بن زايد في الإعلام وملاحقة المعارضة السياسية الإخوان المسلمين.

وقالت الصحيفة إن رجال الدولة في أبوظبي قاموا بتمويل شبكة أقامت علاقة بشخصيات مؤثرة في صناعة القرار في بريطانيا، وتضم عددا من المسؤولين البارزين في حكومة ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني (آنذاك)، من أجل التأثير على القرارات السياسية بطريقة تخدم مصالحها.

وقالت إن الشبكة نجحت في استهداف صحف وصحفيين عاملين في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

وذكرت الصحيفة أن الإمارات لعبت دورا مهما في قرار كاميرون التحقيق في نشاطات جماعة الإخوان المسلمين وأيديولوجيتهم، ومهاجمة الناشطين الذي كشفوا عن سجل البلاد السيئ في حقوق الإنسان.

وبحسب مجموعة من الوثائق حصلت عليها الصحيفة، وقعت الإمارات عقدا بقيمة 60 ألف جنيه إسترليني مع شركة علاقات عامة وهي "كويلر كونسالتنس"، والتي يملك جزءا منها اللورد "تشادليغتون"، مدير فرع حزب المحافظين، وهو من الشخصيات المقربة أيضا إلى إسرائيل. 

أسباب العداء 

وسبق أن كشفت صحيفة “الغارديان” في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، أن الإمارات طلبت من بريطانيا ملاحقة حركة الإخوان المسلمين بأطيافها كافة، وإلا ألغت صفقات ضخمة مع لندن.

وأضافت الصحيفة البريطانية أن محمد بن زايد هدد بوقف صفقات بمليارات الجنيهات ووقف الاستثمار داخل بريطانيا وقطع التعاون الأمني إن لم يقم ديفيد كاميرون بالتحرك ضد الإخوان المسلمين.

وتابعت أن الملفات الداخلية للإمارات تزعم أن الإخوان المسلمين "متجذرون" في المجتمع البريطاني وصورتهم مثل "طابور خامس" وبجماعة "ذكية" في العمل السري وتقديم أنفسهم في ثوب حركة معتدلة. 

ولطالما كان يخشى حاكم الإمارات من صعود الإسلاميين، حتى إن وثائق "الغارديان" ذكرت أن ابن زايد اشتكى صراحة لرئيس وزراء بريطانيا من وصول الجماعة إلى سدة الحكم في مصر، إبان ولاية الرئيس المصري (آنذاك) الراحل محمد مرسي. 

وساق العداء بين محمد بن زايد والإسلاميين، نظامه لارتكاب كثير من الانتهاكات والجرائم الحقوقية. 

وهو ما ذكره موقع "ميديا بارت" الاستقصائي الفرنسي، الذي نشر تحقيقا موسعا في 15 أبريل/نيسان 2024 يفضح تجسس أبوظبي على الأوروبيين بحجة ملاحقة الإخوان المسلمين.

وذكر أن القضية حدثت بين عامي 2017 و2020، عندما قامت الحكومة الإماراتية بالتعاون مع شركة سويسرية تسمي "ألب للخدمات" Alp Services، تعمل بمجال الاستخبارات الخاصة، للتجسس على آلاف الأوروبيين، وبعضهم من أصل عربي، بتكليف من المخابرات الإماراتية.

وفي 8 يوليو/تموز 2023، ذكرت شبكة "RTBF" البلجيكية أن تحقيقا تجريه بروكسل وعواصم أوروبية أخرى، أظهر أن أبوظبي، عبر شركات استخبارية، تتجسس على شخصيات أوروبية وتشهر بها، بمزاعم أنهم من "الإخوان المسلمين".

وعقب بدء تسرب معلومات هذه الشبكة الإماراتية، استدعت بلجيكا سفير الإمارات لديها على خلفية تورط أبو ظبي في "حملة تشهير ضد قرابة ألف فرد في أوروبا"، حسبما كشف موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 9 يوليو 2023.

وفي مارس/ آذار 2023، ذكرت مجلة "نيو يوركر" الأميركية، أن الإمارات مولت حملة أطلقتها شركة "ألب" لتشويه سمعة منظمة الإغاثة الإسلامية عبر العالم (IRW) التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها.

وحاولت ربط مسؤولين في المنظمة بجماعة الإخوان المسلمين وتنظيماتها داخل الإمارات.

جذور العداء

ومع تلك التطورات المستمرة تبرز مسألة جذور العداء كيف بدأت بين النظام الإماراتي والجماعة؟

وتعود قصة الصدام بين الإصلاحيين والنظام الإماراتي إلى مارس/ آذار 2011، عندما وقع 133 شخصا من المثقفين، من بينهم أعضاء في جمعية الإصلاح، عريضة موجهة إلى الرئيس (آنذاك) الشيخ "خليفة بن زايد" والمجلس الأعلى للاتحاد.

ويذكر أن هناك 4 منظمات مهنية وقعت على العريضة هي جمعيات "الفقهاء والمعلمين والعاملين بالتراث وأعضاء هيئة التدريس الجامعيين"، وهذه الجمعيات جميعا كانت معروفة بعلاقاتها مع الإخوان المسلمين. 

لكن لا يغفل أن الذي أثار قلق حكومة الإمارات، أن هذه كانت المرة الأولى التي تتحد فيها المعارضة الليبرالية والإسلامية في مثل هذا التعهد السياسي العام.

تبعت العريضة حملة حكومية كانت الأعنف على المعارضة السياسية في تاريخ دولة الإمارات.

بينما كان الدافع المباشر للعريضة هو اقتراح تقديم تشريع يوسع من سلطات المجلس الوطني الاتحادي ويحسن من طريقة انتخابه. 

وقتها شنت السلطات الإماراتية في يوليو 2012، حملة اعتقالات ضد شخصيات أكاديمية وعامة، وناشطين في المجتمع المدني، واحتجزتهم في أماكن سرية لأكثر من 8 أشهر.

بعدها أعلن النائب العام (آنذاك) علي سالم الطنيجي، أن البلاد تحت تهديد أمني من هذه المجموعة التي تربطها علاقات مع منظمات أجنبية وتحمل أجندات خارجية.

وتم اتهامهم بارتكاب جرائم ضد أمن الدولة ومخالفة للنظام الحاكم، دون تقديم دليل واضح لهذه الاتهامات.

وفي مطلع مارس 2013، أحيل المعتقلون إلى المحكمة الاتحادية العليا، واتهموا بالتخطيط للانقلاب على الأسرة الحاكمة.

ثم صدرت أحكام جماعية بسجن 69 متهما، لفترات تراوحت بين 7 سنوات و15 سنة، وكان من بين المحكومين 8 إماراتيين صدر ضدهم الحكم غيابيا.

ولا يمكن فصل الأحكام السابقة والأخيرة من موقف محمد بن زايد إزاء الإخوان المسلمين خصوصا والإسلاميين عموما، حيث يعد أشد أعدائهم وألد خصومهم.

وهو ما ذكرته مجلة "فورين آفيرز" الأميركية في 15 فبراير/ شباط 2016، عندما قالت: "تعد الحملة القاسية لحكومة دولة الإمارات ضد الإخوان الإماراتيين أمرا محيرا، حيث لا يبدو أن الجماعة تشكل تهديدا سياسيا كبيرا فضلا عن كونها تمثل خطرا وجوديا".

وعلقت على ذلك: "يبدو أن ولي عهد أبوظبي الشيخ (آنذاك) محمد بن زايد آل نهيان، على قناعة بأن الإخوان تشكل تهديدا سياسيا كبيرا له ولحكام البلاد".