خيط رفيع.. كيف يوازن لولا دا سيلفا بين توسع "بريكس" والعلاقات مع أميركا؟
"يدعم تعدد الأقطاب بوضوح، لكنه لا يدير ظهره لواشنطن".. هكذا وصفت صحيفة "تيليبوليس" الألمانية سياسة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا تجاه ما يحدث في العالم بالآونة الأخيرة.
تعتقد الصحيفة الألمانية أن التغطية الواسعة لقمة البريكس، التي عُقدت في أواخر أغسطس/آب 2023، ما هي إلا "دليل على التحدي المتزايد للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة".
ومجموعة "بريكس" هي منظمة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009.
كان أعضاء المجموعة مؤلفا من الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، وهي: البرازيل وروسيا والهند والصين، تحت اسم "بريك" أولا، ثم انضمت جنوب إفريقيا إلى المنظمة عام 2011 ليصبح اسمها "بريكس".
عودة مرحب بها
وأعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا، أواخر أغسطس 2023، موافقة "بريكس" على 6 منضمين جدد إلى المجموعة هم السعودية والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا ومصر وإيران، ليرتفع عدد الأعضاء إلى 11.
ولأول مرة، "توسعت المجموعة بشكل ملحوظ، مما يعكس طموحا متزايدا لم يكن بالضرورة مشتركا بين جميع الأعضاء الأصليين".
وتتساءل الصحيفة "ما إذا كان التحدي الحقيقي لهيمنة الولايات المتحدة قد أصبح وشيكا؟"
وأردفت: "لا ينبغي أن تتعارض مشاركة البرازيل، الدولة الأكبر في أميركا اللاتينية، في مجموعة البريكس بشكل نشط وفاعل مع العلاقة الجيدة مع واشنطن".
وفي هذا الصدد، برهن الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا على هذه الحقيقة بظهوره في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2023.
وتذهب الصحيفة هنا إلى أن "دبلوماسية لولا الماهرة جعلت من بلاده الرابح الأكبر في الاجتماع السنوي لزعماء العالم".
وأوضحت أن "موقفه أثبت أن السياسة الخارجية المستقلة الحقيقية ليست بعيدة المنال، في وقت تتصاعد فيه التوترات بين القوى العظمى".
وبحسب قولها، "تمكن لولا دا سيلفا من تحقيق ذلك من خلال تحديد المجالات الرئيسة ذات الاهتمام المشترك مع الولايات المتحدة".
هذا إضافة إلى اتخاذ خطوات ملموسة لإظهار المرونة والرغبة في المشاركة بالحوار، بما في ذلك ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا.
وفي خطابه، الذي بدأه بإعلانه أن "البرازيل عادت"، أكد لولا على العديد من النقاط التي طرحها عندما تولى رئاسة قمة مجموعة العشرين في الهند أوائل سبتمبر/ أيلول 2023.
وكانت أبرز هذه النقاط هي "الحاجة الملحة إلى مكافحة تغير المناخ وإيجاد حلول دبلوماسية للصراعات المسلحة وأهمية التغلب على عدم المساواة المتزايدة في العالم".
وتصف الصحيفة عودة لولا إلى منصة الأمم المتحدة، بعد عشرين عاما من خطابه الأول كرئيس، بأنها "مرحب بها للبرازيل".
ولفتت إلى أن البرازيل "دولة لطالما دافعت عن الأمم المتحدة بوصفها المنتدى الرئيس للدبلوماسية الدولية".
الأمم المتحدة
جدير بالذكر أن لولا هو الممثل الوحيد لدول البريكس الذي حضر الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2023، إلى جانب رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا.
ورغم ذلك، تلفت "تيليبوليس" إلى أن لولا استخدم خطابه لـ "انتقاد الأمم المتحدة لعدم قدرتها على إظهار أهمية دورها".
كما أنه وصف الوضع الحالي للجمعية بـ "المأزق"، داعيا إلى إصلاحات من شأنها -كما قال لولا- أن تزيد من أهميتها.
وفي رأيه، "يجب على المجتمع الدولي اتخاذ قرار بشأن المسار العالمي للأحداث الحالية؛ إما التوسع في الصراعات وتعميق عدم المساواة من ناحية، وإما تجديد المؤسسات المتعددة الأطراف لتعزيز السلام من ناحية أخرى".
إضافة إلى ذلك، انتقد لولا "العزلة غير الفعالة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة"، معتقدا أنه "فقد مصداقيته".
ويعود ذلك إلى "تصرفات أعضائه الدائمين الذين يشنون حروبا غير قانونية بحثا عن التوسع الإقليمي أو تغيير النظام".
وبهذا الشأن، أوضح لولا أن "شلل المجلس هو أفضل إشارة على الحاجة الملحة لإصلاحه وجعله أكثر تمثيلا وكفاءة".
كما أكد على أن "بلاده ترغب في أن يكون لها دور أكبر عامل وفعال في الأمم المتحدة".
من ناحية أخرى، أظهر اجتماع لولا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، في 20 سبتمبر 2023، دبلوماسيته الحذرة والمحايدة.
ومثل معظم دول الجنوب العالمي، تذكر الصحيفة الألمانية أن "البرازيل أعطت الأولوية للعلاقات مع كلا الطرفين المتحاربين، مدركة للتكاليف الاقتصادية المرتفعة لاستمرار الصراع".
ومن جانبه، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى "استمرار الأمم المتحدة وإبراز أهميتها من منظور مختلف".
ورأى أن عدم نشوب حروب عالمية أخرى وانتشال مئات الملايين من البشر من الفقر والقضاء على العديد من الأمراض المدمرة بأنه "شهادة قوية على ما يمكننا تحقيقه عندما نعمل معا ونواجه التحديات الصعبة".
نقاط التقارب
وكما تنقل الصحيفة، دعا بايدن كذلك الأمم المتحدة إلى "العودة لمبادئها التأسيسية المتمثلة في التعاون واحترام السيادة وحقوق الإنسان".
كما تحدث عن "تعزيز القيم الديمقراطية في العالم". وهو ما يجعل رسالته متسقة مع رسالة لولا، وفق الصحيفة الألمانية.
وخلال لقاء بايدن ولولا في نيويورك، ناقش الطرفان مجموعة من القضايا، كان أهمها "الإعلان عن جهد مشترك جديد يتعلق بحقوق العمال".
وقال بايدن أثناء تقديمه المبادرة: "في الأيام الأخيرة، كانت دول العالم تتحدث عن تغير المناخ والتنمية المستدامة والأمن الغذائي والمرونة الاقتصادية".
وأشار بايدن إلى أن العمال يلعبون دورا مركزيا في كل من هذه التحديات. وخلص إلى أنه "يجب علينا -أميركا والبرازيل- تمكينهم أيضا، وهذا هو ما تدور حوله هذه الشراكة الجديدة".
وأضاف، في إشارة إلى الرئيس البرازيلي لولا: "الشراكة كانت في الواقع فكرة هذا الرجل".
وتابعت الصحيفة: "بينما تحدث كلا الزعيمين عن أهمية الحماية النقابية والأجور المعيشية والمعاشات التقاعدية وغيرها من الحقوق الأساسية التي غالبا ما يتم حرمانها من الاقتصاد الحديث، اغتنم وزير العمل في حكومة لولا الفرصة أيضا للجلوس مع أعضاء اتحاد عمال السيارات المتحدين لمناقشة الإضراب المستمر".
ويُذكر أن هذا الإضراب نفذه 40 بالمئة من العاملين بالصناعة في الولايات المتحدة، للمطالبة بزيادة الأجور وحماية حقوق العمال.
وتلفت الصحيفة إلى أنه "في المقام الأول، يمثل هذا اللقاء نقطة تقارب ملحوظة بين برازيليا وواشنطن، وهي القضية التي يلتزم بها الزعيمان على الصعيدين الشخصي والسياسي".
ولكن في المقابل، تنوه "تيليبوليس" إلى أن "التقارب بين بايدن ولولا بشأن معايير العمل العالمية قد يثير استياء العديد من البلدان في الجنوب العالمي، لا سيما في آسيا".
من ناحية أخرى، تشير إلى أن قضية العمل لم تكن هي المجال الوحيد الذي أراد أعضاء الوفد البرازيلي أن يوضحوا فيه رغبة بلادهم المستمرة في التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية.
إذ عقد وزير المالية البرازيلي، فرناندو حداد، عدة لقاءات مع الناشطين والمسؤولين الحكوميين والمستثمرين لجذبهم إلى الاستثمار في البرازيل.
وقبل سفره إلى نيويورك، أجرى حداد مقابلة أشاد فيها بـ "أجندة بايدن الاقتصادية". وقال إنه "لا يوجد سبب يمنع الولايات المتحدة من رؤية البرازيل كشريك تجاري مهم".
كما أجرت وزيرة البيئة، مارينا سيلفا، عدة مناقشات وشددت على دور البرازيل في التخفيف من آثار تغير المناخ.
في الختام، تخلص الصحيفة إلى أن "كل هذه الجهود تؤكد على محاولة لولا إظهار أن التزام البرازيل بعالم متعدد الأقطاب لا يعني إدارة ظهرها للولايات المتحدة".