"إدارة التنافس".. كيف عززت حرب غزة مسار المصالحة بين تركيا والسعودية؟

دعمت أنقرة بنشاط أدوار دول الخليج الساعية لإنهاء حرب غزة
بعد سنوات من التوتر في العلاقات بين تركيا والسعودية، حمل عاما 2022 و2023 نشاطا ملحوظا نحو التقارب وحل الخلافات البينية.
وقد أسهم التنافس على القيادة في مناصرة القضية الفلسطينية في تشكيل ديناميكيات العلاقات السعودية التركية لسنوات.
غير أن العدوان الذي تشنه إسرائيل على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عزز التعاون بين الطرفين.
غياب التنافس
وفي هذا السياق، نشر موقع "أمواج ميديا" مقالا للباحثة التركية في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، سينم جنكيز، استعرضت فيه أسباب عدم وجود تنافس بين الدولتين بشأن التضامن مع غزة في ظل العدوان المتواصل على القطاع.
وقالت جنكيز: "بينما تختلف السعودية وتركيا حول العديد من القضايا الإقليمية، تظل فلسطين نقطة محورية في أجندتيهما السياسية".
وأضافت أن "التنافس على القيادة في مناصرة القضية الفلسطينية أسهم لسنوات في تشكيل ديناميكيات العلاقات السعودية التركية".
واستدركت: "ومع ذلك، فقد تمكنت أنقرة والرياض من إدارة تنافسهما بشكل فعال في إطار منظمة التعاون الإسلامي".
وأوضحت أن "القضية الفلسطينية لعبت دورا مهما في تحديد مكانة تركيا داخل منظمة المؤتمر الإسلامي".
ووافقت تركيا على فتح منظمة التحرير الفلسطينية مكتبا لها في أنقرة عام 1979، مما عزز تمثيلها داخل منظمة التعاون الإسلامي، الهيئة التي تقودها الرياض في الغالب منذ إنشائها.
وأشارت إلى أن "دولا إقليمية أخرى، مثل مصر وإيران، تنافست تاريخيا على قيادة القضية الفلسطينية، غير أن حرب غزة الجارية أحدثت تحولا".
وأوضحت أنه "بدلا من اتباع أجندات منفردة للتنافس على النفوذ، اختارت هذه الدول التعاون والاعتراف بأدوار بعضها بعضا في القضية الفلسطينية".
"إذ دعمت أنقرة بنشاط، ومنذ أكتوبر 2023، أدوار دول الخليج الساعية لإنهاء حرب غزة، ولا سيما جهود قطر والسعودية، بدلا من أن تقلل منها".
كما أن مشاركة تركيا في القمة العربية الإسلامية المشتركة بشأن غزة، التي انعقدت في الرياض في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، وأيضا في مجموعة التواصل التي انبثقت عن القمة، تشكل مثالا واضحا على ذلك، حسب المقال.
وكانت القمة قد كلفت وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر وقطر وتركيا وإندونيسيا ونيجيريا وفلسطين وأي دول أخرى مهتمة، ببدءِ تحرك دولي فوري لوقف العدوان على غزة.
علاوة على ذلك، أكد حضور الرئيس رجب طيب أردوغان، قمة مجلس التعاون الخليجي في الدوحة في ديسمبر/كانون الأول 2023، دعم أنقرة للمبادرات الخليجية العربية، كما أبرز طبيعة النهج التركي تجاه حرب غزة، وفق جنكيز.
وأوضحت: "بمعنى آخر، بدلا من إحباط المصالحة بين السعودية وتركيا، عززت حرب غزة هذه العملية". وذكرت الباحثة التركية أن هناك عوامل محلية وإقليمية ودولية ساهمت في تشكيل هذا التحول.
السياقات المحلية
وترى جنكيز أن "الأساليب التقليدية في التعامل مع العلاقات الدولية كثيرا ما تتجاهل تأثير الأمور المحلية".
لذلك شددت على أن "تكرار هذا في السياقين السعودي والتركي سيكون خطأ فادحا؛ لأن القضية الفلسطينية ليست مجرد ملف في السياسة الخارجية للدولتين، بل إنها تحظى بأهمية كبيرة في قلوب وعقول شعبي البلدين".
وأوضحت أنه "من أجل تعزيز الدعم المجتمعي له في الداخل، دأب أردوغان على تقديم نفسه كحامٍ للفلسطينيين والمواقع الإسلامية في القدس"، وفق تعبيرها.
وأضافت أن "مع اندلاع الحرب في غزة، وصف أردوغان (حركة المقاومة الإسلامية) حماس بأنها حزب تحرري وليست منظمة إرهابية، وهو ما يبتعد عن خطاب حلفائه الغربيين".
واستدركت: "ومع ذلك، تواجه القيادة التركية أيضا عوائق داخلية -مثل التحديات الاقتصادية والانتخابات القادمة- ما يقيد قدرتها على الاستفادة بشكل كامل من قدراتها بخصوص الحرب".
ومن المقرر أن تشهد تركيا، في 31 مارس/آذار 2024، انتخابات محلية، يولي فيها "حزب العدالة والتنمية" الحاكم أهمية لاسترجاع بلديتي إسطنبول وأنقرة من المعارضة.
وبالمثل، فإن القضية الفلسطينية هي حجر الزاوية في السياسة الخارجية السعودية، حسب الباحثة.
وأشارت إلى أن "ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أكد دعمه لحل الدولتين بما يتماشى مع مبادرة السلام العربية لعام 2002".
واستطردت: "في الوقت نفسه، وبينما تواصل الرياض إعطاء الأولوية للقضية الفلسطينية، فإن المخاوف الأمنية وتعزيز المصالح الوطنية الأضيق تؤثر بشكل كبير على أجندتها الخارجية".
وألمحت الباحثة إلى رؤية 2030، التي تهدف فيها المملكة إلى تسهيل التبادلات الاقتصادية وجذب الاستثمار، مؤكدة أن الرياض ترغب في تكريس كل اهتمامها لتنفيذ تلك الرؤية.
وتابعت: "على الرغم من حساسيتها لنهج مواطنيها تجاه القضية الفلسطينية، أدى هذا الهدف إلى الحد من الانخراط الدبلوماسي السعودي في حرب غزة".
السياق الإقليمي
وقالت الباحثة: "قبل الهجوم الفلسطيني المفاجئ على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتبعت تركيا نهجا مزدوجا في سياستها الإقليمية".
أ"حد جوانب هذا النهج كان مدفوعا بالتهديدات المحتملة القادمة من شمال سوريا والعراق، بينما اتسم الجانب الآخر بالانخراط في دبلوماسية متعددة الأطراف وإقامة تعاون اقتصادي أكبر مع الشركاء الإقليميين".
وفي المقابل، اتبعت السعودية إستراتيجية ذات شقين في سياستها الإقليمية، و"كان أحد جوانبها يركز على التهديد المتصور من حركة أنصار الله في اليمن – المعروفة باسم الحوثيين".
فبعد ثماني سنوات من الحرب، يشارك الجانبان في مفاوضات حول اتفاق سلام محتمل، وهو ما يمثل أولوية رئيسة للمملكة.
وأضافت أنه "من ناحية أخرى، يدرك ابن سلمان تماما أن تنفيذ رؤية 2030 يعتمد على التعاون مع الأطراف المعنية إقليميا ودوليا".
وأشارت الكاتبة التركية إلى أن "حرب غزة اندلعت في ظل تحسن العلاقات بين السعودية وتركيا بعد سنوات من التوتر، بالتوازي مع المصالحة بين طهران والرياض".
هذه التطورات -وفق الباحثة- عكست اتجاها أوسع لخفض التصعيد في المنطقة، تجسد أيضا في توقيع البحرين والإمارات اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل عام 2020.
وبينت أن "تركيا وجدت آنذاك نفسها على خلاف مع عملية التطبيع العربي الإسرائيلي، وانتقدت البحرين والإمارات؛ وذلك بسبب علاقاتها المتوترة مع تلك الدول الخليجية وإسرائيل".
"ومع ذلك، أعربت تركيا عن دعمها للتطبيع المحتمل بين إسرائيل والسعودية، وهي سياسة تأثرت بتحسن علاقات أنقرة مع الرياض ومناخ التهدئة الأوسع الذي تشهده المنطقة".
وقالت الكاتبة إنه "في ظل هذا السياق الإقليمي، لم تكن القضية الفلسطينية على جدول أعمال الجهات الفاعلة الرئيسة في الإقليم".
"لكن أحداث 7 أكتوبر 2023 دفعتهم إلى إعادة التفكير، وأجبرت اللاعبين الإقليميين على إدراك أن إهمال القضية الفلسطينية، سعيا لتحقيق الأمن الإقليمي، أمر غير قابل للاستمرار".
وأضافت الكاتبة أنه "في حين أن الرياض لم تتخل تماما عن إمكانية التطبيع مع إسرائيل -حيث تتوقف هذه الخطوة على التقدم نحو إنشاء دولة فلسطينية- فإن تغير المشاعر الداخلية والديناميات الإقليمية الأوسع قد تزيد صعوبة تماشي المملكة مع هذا التقارب".
وأكدت أنه "من المهم أيضا النظر إلى البعد الإيراني في المشهد السياسي الإقليمي؛ لأن إيران جهة فاعلة تستخدم القضية الفلسطينية منذ فترة طويلة وتتنافس على قيادتها".
واستدركت أنه "مع ذلك، لم تشمر طهران عن سواعدها وسط حرب غزة، لأنها تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية حادة في الداخل".
وأردفت أن إيران "تلتزم بمسار التقارب مع المملكة، وتكره أن تفسده في سبيل قضايا إقليمية أخرى".
وقالت الكاتبة: "كما هو الحال مع السعودية وتركيا، تعاملت الرياض وطهران مع حرب غزة بوصفها فرصة للعمل ضمن السياق الإقليمي".
"فعلى سبيل المثال، بعد أيام فقط من 7 أكتوبر 2023، أجرى ابن سلمان محادثة هاتفية مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للمرة الأولى، رغم أن اتفاق تطبيع العلاقات بين البلدين كان في مارس/آذار" من نفس العام.
وأخيرا فإن الصورة الأكبر هي أن إيران تريد أن تكون جزءا من النظام العالمي الجديد الناشئ، وبالتالي تسعى إلى تجنب أن تكون "الرجل المنبوذ"، بحسب تعبير الباحثة التركية.
السياق الدولي
وترى أنه "على الرغم من صعوبة الفصل بين السياقين الإقليمي والدولي، فمن المهم أن نأخذ في الحسبان أن الطابع التقييدي للنظام الدولي يحد من خيارات صناع السياسات ويؤثر على توزيع القدرات بين مختلف الفاعلين".
وانطلاقا من ذلك، أوضحت الباحثة أن "التداعيات الدولية الأوسع لحرب غزة ترتبط ارتباطا وثيقا بالوزن النسبي وموقع الولايات المتحدة في المنطقة، ونهج واشنطن في التعامل مع الصراع".
وبالتالي فإن خيبة أمل صناع القرار السعوديين والأتراك إزاء الموقفين الأوروبي والأميركي بشأن حرب غزة يجب أن ينظر إليها على أنها دافع لصياغة تعاون إقليمي بدلا من اتخاذ مواقف استباقية منفصلة، وفق قولها.
واستطردت: "بالإضافة إلى ذلك، فإن الصراعات المستمرة مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وعدم الاستقرار الإقليمي الناجم عن الأزمات في العراق وسوريا واليمن، إلى جانب مواقف القوى العالمية، كلها عوامل شكلت سياسات السعودية وتركيا".
وأردفت: "بشكل عام، فإن المواقف السعودية والتركية تجاه حرب غزة تتأثر بشكل كبير بالسياقات المحلية والإقليمية والدولية، حيث تدرك قيادتا الدولتين أن القضية الفلسطينية تشكل عاملا مهما في نفوذهما الداخلي والدولي، وفي مساوماتهما مع واشنطن".
وعلى هذا، تؤكد الباحثة أنه "نظرا للتعقيدات التي تتسم بها حرب غزة، لم تهدف أي دولة إلى تولي المسؤولية عن هذه القضية أو تبني سياسة حازمة تتجاوز الكلمات".
"وبدلا من ذلك، مارست كل من أنقرة والرياض نفوذهما من خلال تنسيق الجهود والاستفادة من نقاط القوة الخاصة بكل منهما".
وختمت بالقول: "على الرغم من نهجهما الحازم في سياستهما الخارجية، لم تتنافس السعودية ولا تركيا على قيادة القضية الفلسطينية (حاليا)، ما يسلط الضوء على ميلهما نحو التوصل إلى إجماع إقليمي بدلا من تصعيد التنافس".