فضحته بالعدل الدولية.. لماذا لا يرد السيسي على صفعة إسرائيل ويفتح معبر رفح؟

10 months ago

12

طباعة

مشاركة

في أثناء محاولتها التملص من مسؤوليتها عن إبادة شعب غزة بالقتل والتجويع المتعمد، قذفت إسرائيل بالكرة في ملعب القاهرة، ووضعت حبل منع المساعدات حول رقبة مصر.

‏فريق إسرائيل في "محكمة العدل الدولية" قال إن "الوصول إلى غزة من مصر يخضع لسيطرة" الأخيرة، وحملها بالتالي مسؤولية منع المساعدات.

وهو اتهام خطير للنظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، لأنه يعني أنه متواطئ ومشارك مع إسرائيل في جريمة تجويع وحصار أهالي غزة، فيما تكمن خطورته أنه اتهام جرى أمام محكمة جزاء دولية.

وتتكدس مئات شاحنات المساعدات الدولية في الجانب المصري من معبر رفح ولا يدخل سوى القليل منها، كما يمنع نظام السيسي السفر الاعتيادي للفلسطينيين ويدخل أعدادا محدودة من الجرحى.

ويشن جيش الاحتلال منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عدوانا مدمرا على قطاع غزة خلّفت أكثر من 23 ألف شهيد وما يزيد على 60 ألف جريح معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.

اتهام ورد

وبخلاف ما قالته في مرافعتها حول الإبادة الجماعية، ركز أحد محامي الدفاع عن إسرائيل، على أن "العبور من مصر لغزة خاضع لسلطة مصر"، ومن ثم فلا مسؤولية على تل أبيب في منع المساعدات، كجزء من هذه "الإبادة المزعومة".

وفي 29 ديسمبر/ كانون الأول 2023، رفعت جنوب إفريقيا دعوى قضائية أمام العدل الدولية، تتهم فيها إسرائيل بارتكاب "جرائم إبادة جماعية" بحق الفلسطينيين في قطاع غزة الذي يتعرض لحرب مدمرة منذ أكثر من 3 أشهر خلفت عشرات الآلاف من الضحايا وكارثة إنسانية غير مسبوقة.

وفي 11 يناير/كانون الثاني 2024، قدم الفريق القانوني لجنوب إفريقيا في جلسة الاستماع الأولى بمحكمة العدل الدولية، حججه في إثبات ارتكاب إسرائيل "إبادة جماعية" في غزة، بينما خصصت جلسة اليوم التالي للاستماع لدفاع إسرائيل.

القاضي البريطاني "مالكولم شو" أشار إلى طلب مصر موافقة إسرائيل على كل شيء يخص المعبر تقريبا، وكشف وجود غرفة عمليات مشتركة بينهما مع أميركا لاتخاذ القرارات بشأنه.

لكنه ظل يؤكد أن مصر هي المسؤولة في نهاية الأمر عن إدخال المساعدات، وحملها مسؤولية منعها.

وبعد عرضه مجموعة من التصريحات الإسرائيلية العلنية عن حماية المدنيين وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، قال شو ساخرا: "أين هي نية الإبادة الجماعية؟"

موقع "إنترسيبت" الأميركي قال في 12 يناير إن "إسرائيل اتبعت في مرافعتها داخل المحكمة ما كان يُعرف داخل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بـ"الحقائق البديلة"، مستفيدة من عدم وجود مناقشة أو مراجعة بالمحكمة لمرافعتها.

أكدت أن فريق المحامين والمسؤولين الإسرائيليين صور في دفاعه أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، إسرائيل على أنها ضحية للإبادة الجماعية وليس غزة، ولا تمنع عنهم المساعدات ولا تقتلهم.

وقال محاموها نفس ما يقوله مسؤولوها العسكريون والسياسيون ليل نهار طوال هذه الحرب على غزة، وأطلقوا العنان لقول أي شيء.

وبدلا من أن ترد مصر رسميا عبر الرئاسة أو وزارة الدفاع أو الخارجية على هذا الاتهام الخطير، كلف نظام السيسي رئيس الهيئة العامة للاستعلامات (رسمية) ضياء رشوان لينفي التهمة عن النظام، ولزم أركان السلطة الصمت المطبق!.

وفي 13 يناير، قال رشوان إنه ينفي "بصورة قاطعة مزاعم وأكاذيب فريق الدفاع الإسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية، بأن مصر هي المسؤولة عن منع دخول المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى قطاع غزة من الجانب المصري لمعبر رفح".

وتابع المسؤول المصري: "عندما وجدت دولة الاحتلال نفسها أمام محكمة العدل الدولية متهمة بأدلة موثقة بجرائم حرب وإبادة جماعية، لجأت إلى إلقاء الاتهامات على مصر في محاولة للهروب من إدانتها المرجحة من جانب المحكمة".

وأوضح رشوان أنه "من المعروف أن سيادة مصر تمتد فقط على الجانب المصري من معبر رفح، بينما يخضع الجانب الآخر منه في غزة لسلطة الاحتلال الفعلية".

وهو نفس ما حدث في مرات سابقة حين قالت إسرائيل إنها ستحتل محور فيلادلفيا بين حدود مصر وغزة، فصمتت القاهرة وظهر "مصدر مسؤول" مجهول لينفي، لا الجيش ولا الرئاسة. 

وكانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، نقلت 13 يناير عن مصادر أن "إسرائيل أبلغت مصر عزمها شن عملية عسكرية للسيطرة على محور فيلادلفيا" لإكمال حصار غزة.

ورغم خطورة الأمر الذي يعني انتهاك اتفاقيات كامب ديفيد، اكتفت القاهرة بتصريح غامض لمصدر مصري مسؤول لقناة "القاهرة الإخبارية" شبه الرسمية (لم تسمه)، ينفي هذه الأنباء ويصفها بأنها "عارية عن الصحة"، دون تفاصيل.

وهو تصريح مطابق تماما لما عكفت قناة القاهرة الإخبارية التابعة لشركة مقربة من المخابرات العامة المصرية، على بثه للرد على تقارير الصحافة الدولية بشأن محور فيلادلفيا، وموضوعات أخرى تنتهك سيادة مصر بسبب العدوان على غزة.

الأغرب أن "رشوان"، واللجان الإلكترونية الموالية للسلطات المصرية، بدلا من الرد على ما قالته إسرائيل في العدل الدولية، ركزوا على انتقاد المصريين الذين صدقوا تل أبيب وكذبوا نظام السيسي لأنه يرفض فتح الحدود.

وكان غريبا أن يقول ضياء رشوان في رده إن "هناك 6 معابر أخرى بين فلسـطين وإسـرائيل بخلاف رفح وتربح منهم تل أبيب 300 مليون دولار شهريا فلماذا لا تفتحها؟ كأنه يؤكد أن مصر تغلق المعبر فعلا".

مطلوب رد عملي

وعبر مصريون عن غضبهم لأن تصريحات رشوان التي ورد مضمونها في بيان على موقع الهيئة أيضا، كانت الرد الرسمي الوحيد على مزاعم إسرائيل بشأن إغلاق المعبر.

وتصاعدت مطالبات شعبية من سياسيين وناشطين، تطالب باستغلال مصر التصريحات الإسرائيلية وفتح معبر رفح بشكل كامل لإدخال المساعدات كافة ونقل الجرحى.

ناشطون وصحفيون وأكاديميون انتقدوا مع ذلك الحجج المصرية التي ذكرها رشوان، وطالبوا النظام بتقديم ورقة قانونية للمحكمة توضح موقف مصر وتملص إسرائيل من المسؤولية.

بعضهم انتقد الاكتفاء برد من موظف على هذه التهمة الخطيرة أمام محكمة العدل الدولية، وطالب آخرون النظام بتحرك عملي لإثبات براءته من اتهامات إسرائيل، بفتح المعبر وإدخال المساعدات دون موافقة وتفتيش إسرائيل.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة "حسن نافعة" قال إن "على مصر الآن أن ترد الصاع صاعين وأن تفتح معبر رفح بشكلٍ دائم لدخول كل قوافل المساعدات المتراكمة أمامه، وإلا فستكون متواطئة وشريكة في جريمة الإبادة الجماعية".

في محاولتها للتملص من مسؤوليتها عن التجويع المتعمد للشعب الفلسطيني، قذفت إسرائيل بالكرة في الملعب المصري، وعلى مصر الان ان ترد الصاع صاعين وان تفتح معبر رفح بشكلٍ دائم لدخول كل قوافل المساعدات المتراكمة امامه، والا ستكون مصر متواطئة وشريكة في جريمة الإبادة الجماعية

— Hassan Nafaa (@hassanafaa) January 12, 2024

المحلل الفلسطيني ياسر الزعاترة تساءل: "لماذا لا تستغل السلطات هذا الكلام من مندوب الكيان، فتبدأ في إدخال المساعدات دون إخضاعها للتفتيش من قبل أجهزته؟"

جدل "معبر رفح" إذ يتردّد في "محكمة العدل الدولية".

مندوب "الكيان" قال بالنص إن "الوصول إلى غزة من مصر يخضع لسيطرة مصر".

رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر (ضياء رشوان) قال إن "تهافت وكذب الادعاءات الإسرائيلية يتضح في أن كل المسؤولين الإسرائيليين، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء…

— ياسر الزعاترة (@YZaatreh) January 12, 2024

الإعلامي زين العابدين توفيق أكد أن "مصر قادرة على اتخاذ خطوات أكثر جرأة من هذه وبعد هذا الموقف أصبحت ملزمة بذلك لا سيما أنها تعترف أصلا بدولة فلسطين اعترافا كاملا ينتفي معه أي اعتبار لسلطة الاحتلال.

بعد أن قال محامي إسرائيل في محكمة العدل الدولية إن معبر رفح يخضع لسلطة مصر ما عذر دولتنا في عدم ادخال المساعدات الضرورية للقطاع؟ وما عذرها في التنسيق مع إسرائيل التي تتنصل من المسئولية عن المعبر وعن الوضع الإنساني الصعب في غزة؟ كلنا نعلم أن مصر قادرة على اتخاذ خطوات اجرأ من هذا.…

— زين العابدين توفيق (@zeintawfik) January 12, 2024

ونشر ناشطون مشاهد لأطفال فلسطينيين يستجدون الجنود المصريين عبر الجدار الحديدي العازل لإعطائهم طعاما لأنهم جوعي، أو التحرك بعد اتهام إسرائيل لمصر بمنع المساعدات، وإدخالها لهم، ليؤكدوا أن نظام السيسي مشارك في الجريمة.

ومشاهد أخري لأطفال في غزة يناشدون، عبر السياج الحديدي الحدودي مع مصر، قوات الجيش المصري بقولهم: "يا مصري يلا.. منشان الله".

"يا مصري يلا.. مشان الله"..

أطفال من غزة، من وسط العدوان الإسرائيلي والحصار الشديد ينادون على الجنود المصريين عند السياج الفاصل بين مصر وقطاع غزة ويطالبونهم بالتحرك ضد العدوان والحصار. pic.twitter.com/NtWcrDRU9l

— رضوان الأخرس (@rdooan) January 13, 2024

كما استندوا لعشرات الفيديوهات لفلسطينيين يتحدثون عن اضطرار الفلسطينيين لدفع إتاوات ورشاوى يفرضها ضباط السيسي على الفلسطينيين للخروج من غزة لمصر عبر معبر رفح، وتتراوح بين 5 و10 آلاف دولار عن كل شخص، ويرون أنها دليل آخر على استفادة النظام من غلق المعبر.

معيب ومذل ومهين لمصر ما يحدث على حاجز رفح، نعم هو حاجز وليس معبراً، يتكدس الناس على بابه جرحى يعانون البرد والجوع..

والدتك جرحها ملتهب وخروجها من غزة لتلقي العلاج سينقذ حياتها، تنتظر منذ أيام لأنك لا تملك 7 الاف دولار لإخراجها، 14 الف دولار ان كنت سترافقها!

والاسعار على…

— Muna Omari (@MonaOmary) January 5, 2024

أيضا كتبت الصحفية "سمر الجراح" تقول: "صديق لي يحاول إخراج والده من غزة لحاجته للعلاج، طُلب منه (من جانب جنرالات الجيش) 7 آلاف دولار حتى يُسمح له المرور من معبر رفح"!!

صديق لي يحاول اخراج والده من #غزة لحاجته للعلاج. طُلب منه ٧ الاف دولار حتى يُسمح له المرور من معبر رفح.

— Samar D Jarrah (@SamarDJarrah) December 28, 2023

وقالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، 8 يناير 2024، إن الفلسطينيين الذين يحاولون يائسين مغادرة قطاع غزة يدفعون رِشا إلى السماسرة تصل إلى 10 آلاف دولار لمساعدتهم على الخروج من القطاع المحاصر عبر المعبر البري المؤدي إلى مصر، وذلك وفقا لتحقيقات أجرتها الصحيفة.

دفاع عن السلطة

مقابل اتهام مصريين نظام السيسي بالتورط في جريمة حصار وتجويع شعب غزة، ووصفهم ما قاله محامي إسرائيل في العدل الدولية بأنه فضح له، انبرت لجان إلكترونية للدفاع عن النظام وانتقاد المعارضين.

فيما قال آخرون محايدون إنهم يصدقون مصر ولديهم قناعة أن إسرائيل هي التي تمنع المساعدات، لكنهم طالبوا النظام بتبرئة نفسه بفتح الحدود وتوصيل كل المساعدات لغزة لإحراج الكيان.

قالوا إن حديث محامي إسرائيل عن مسؤولية مصر بشأن عرقلة المساعدات، يتعارض مع مطالبة إسرائيل بالسيطرة على منطقة الحدود مع غزة (محور فيلادلفيا).

وقال تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" 13 يناير/كانون ثان 2024 إن إسرائيل تسعى للسيطرة على الشريط الحدودي بين غزة ومصر، المعروف بـ "محور فيلادلفيا" أو "محور صلاح الدين"، وأن هناك "قلقا مصريا" بهذا الخصوص.

وزعم نتنياهو، أنه يتعين أن تسيطر إسرائيل بشكل كامل على محور فيلادلفيا الحدودي بين مصر وغزة لضمان "نزع السلاح" في المنطقة 

وكان الصحفي "لؤي الخطيب" أحد لجان السيسي، اعترف أن مصر تسيطر على المعبر بشكل كامل وأن إسرائيل لا تعترض المساعدات.

كتب عبر تويتر يسخر ممن يتهمون مصر بعدم قدرتها على إدخال المساعدات لغزة، قائلا إن القاهرة دخلت إلى القطاع وتبني معسكر إغاثة داخل خانيونس.

وتساءل: فكيف يقال إن مصر لا تستطيع إدخال المعونة؟ ما يعني اعترافه بتحكم مصر لا إسرائيل في المعبر.

بيقولك مصر مش بتقدر تدخل مساعدات غير بإذن إسرائيل.. نفس الدولة دي النهاردة دخلت تعمل معسكر إغاثة جوا خان يونس في قطاع غزة!

المشكلة مش في المطاريد اللي بيقولوا الأكاذيب دي لإنه شغلهم، المشكلة في الزبون اللي بيصدق..

— Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb) January 4, 2024

وحين اشتدت الانتقادات على مواقع التواصل وطالب مصريون برد رسمي واضح من الرئاسة أو الدفاع أو مجلس الوزراء، جاء رد آخر عبر برنامج الإعلامي المقرب من النظام أحمد موسى الدعائي.

وفي اتصال مع المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، تكلم عن "موقف مصر تجاه ما يجرى في محكمة العدل أو على الأرض".

وفي تصريحاته، كرر المتحدث باسم وزارة الخارجية ما قاله "رشوان" من أن موقف مصر بشأن دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة "لا يقبل المزايدة".

قال إن "أي إجراءات تعيق وصول المساعدات هي إسرائيلية بالأساس بطرق وأساليب مختلفة من ضمنها التشدد في مسألة التفتيش وإضاعة الكثير من الوقت فيها وإعاقة دخول المساعدات الطبية والصحفيين ومسؤولين رسميين".

وشدد على أن معبر رفح لم يغلق أبدا من الجانب المصري، وأن مصر تقدم كل التسهيلات لدخول المساعدات الإنسانية للقطاع، وكل المسؤولين الذين زاروا المعبر تأكدوا من ذلك.

ولم يكتف السيسي بإغلاق معبر رفح ومنع المظاهرات المناصرة لغزة، بل اتخذ أيضا موقفا سلبيا من قضية مصير أهالي القطاع.

وقال السيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز في 18 أكتوبر، إن ما يحدث في قطاع غزة هو “محاولة لدفع السكان والمدنيين إلى النزوح نحو مصر”.

ولفت إلى أنه “إذا كان من الضروري نقل مواطني القطاع خارجه حتى تنهي إسرائيل عمليتها المعلنة للقضاء على الفصائل المسلحة، فيمكن لها نقلهم إلى صحراء النقب وبعد ذلك يمكنها إعادتهم لو رغبت بذلك”، في إشارة إلى موافقته على التهجير بشرط ألا يكون إلى سيناء.