عصفوران بحجر واحد.. كيف يستفيد بشار الأسد من اللاجئين اللبنانيين؟
"ما يفعله النظام السوري مع اللاجئين اللبنانيين يعفيه من انتقادات حلفائه في محور المقاومة"
مع بدء عبور آلاف اللبنانيين الحدود السورية هربا من العدوان الإسرائيلي، أوعز بشار الأسد رئيس النظام حكومته الجديدة بـ"متابعة شؤون" هؤلاء اللاجئين.
وعلى وقع العدوان الإسرائيلي الكثيف على مناطق عدة لبنان، نزح داخليا بحسب المنظمة الدولية للهجرة أكثر من 90,530 شخصا إضافيا، بدءا من 23 سبتمبر/ أيلول 2024.
فمنذ أن دخل حزب الله في اشتباكات مع إسرائيل في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 "إسنادا لغزة" بدأت موجة النزوح الداخلي من الجنوب اللبناني في التدحرج.
وقدر وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب في 24 سبتمبر أن النازحين بسبب التصعيد الراهن "ربما يقترب عددهم الآن من نصف مليون".
اللاجئون اللبنانيون
وفر هؤلاء اللبنانيون من منازلهم في جنوب لبنان بعد أن قتلت الغارات الإسرائيلية 558 شخصا في لبنان خلال يوم واحد (23 سبتمبر 2024).
ووجد الآلاف من هؤلاء اللبنانيين أنفسهم أمام رحلة لجوء نحو الجارة سوريا، حيث تكدسوا عند النقاط الحدودية الرسمية.
في وقت سهلت فيه حكومة الأسد دخولهم إلى الأراضي السورية وأعلنت فتح مراكز إيواء لهم في عدد من المحافظات السورية.
وبحسب نائب محافظ ريف دمشق جاسم المحمود لإذاعة "شام إف إم" الموالية، فإن عدد الوافدين عبر معبر جديدة يابوس، من 23 - 25 سبتمبر بلغ أكثر من 6700 لبناني، بينما دخل قرابة 18 ألف لاجئ سوري في نفس المدة.
وجرى نقل اللاجئين اللبنانيين بحسب المحمود إلى مراكز الإيواء التي جهزتها محافظة ريف دمشق في بلدات هناك أبرزها الحرجلة والدوير ويبرود إضافة إلى تجهيز 3 فنادق في السيدة زينب جنوب دمشق لاستقبال الوافدين.
وتزامن دخول اللاجئين اللبنانيين إلى سوريا مع إصدار الأسد في 14 سبتمبر 2024 "مرسوما" يقضي بتكليف محمد غازي الجلالي بتشكيل حكومة جديدة.
بعدما أجرى النظام "انتخابات برلمانية" في مناطق نفوذه في منتصف يوليو 2024 عدتها المعارضة السورية أنها "صورية وتمثل السلطة الحاكمة وحدها".
وما كان لافتا خلال خطاب الأسد باجتماعه الأول مع الوزارة الجديدة المذكورة "بعد أدائها اليمين الدستورية أمامه" في 24 سبتمبر، قوله: "شاءت الأقدار أن تبدؤوا عملكم اليوم في ظل الهجمة الشرسة للصهاينة على أشقائنا في لبنان".
وأضاف: "لكن مع الساعات الأولى لعملكم يجب أن يكون العنوان الأساسي الآن، كيف يمكن أن نقف مع أشقائنا في لبنان بكل المجالات من دون استثناء ومن دون تردد".
وحمل فتح نظام الأسد الذي بقي على الحياد إزاء العدوان على غزة، الحدود السورية أمام اللبنانيين الفارين من القصف الإسرائيلي تساؤلات كثيرة في هذه المرحلة.
لا سيما أن آلية الدخول كانت سريعة ودون عراقيل من ناحية الأوراق الثبوتية والرسمية لهؤلاء اللاجئين اللبنانيين.
إذ فتحت إدارة المعابر السورية خطا ساخنا مع مديرية الأمن العام اللبناني لتسهيل دخول اللبنانيين الذين لا يحملون بطاقات شخصية أو جوازات سفر لبنانية سوى ورقة صادرة عن الأخير تثبت هويتهم؛ بسبب فرارهم بجلدهم نتيجة القصف الإسرائيلي.
وسبق ذلك تجهيز السلطات المحلية في بعض المحافظات السورية لمراكز إيواء قبل بدء الهجوم الإسرائيلي في 23 سبتمبر على لبنان، وجهزتها بالأغذية والأغطية والملابس وغيرها.
ومن المثير أن نظام الأسد تسلم "ورقة جديدة" في وقت يمر فيه بوضع اقتصادي مزر وعقوبات أميركية وأوروبية شديدة، فضلا عن أن مناطق نفوذه تعاني من ارتفاع كبير في الأسعار والبطالة وانهيار الليرة السورية.
إذ ترزح العاصمة دمشق تحت وطأة وضع اقتصادي صعب وعسكرة لأحيائها عبر تغليب المليشيات الأجنبية فيها، وتحويلها إلى مدينة "أمنية بامتياز" خالية من أي أصوات مناوئة.
كما يعترف الأهالي في مناطق نفوذ الأسد عبر وسائل الإعلام المحلية، بنقص وجبات طعامهم بشكل يومي، وعدم مقدرتهم على شراء الخضار أحيانا، علاوة عن العجز التام في تأمين الاحتياجات الضرورية من الطعام.
إذ يبلغ راتب الموظف في مناطق نظام الأسد 25 دولارا شهريا، في وقت تحتاج فيه عائلة مكونة من من خمسة أشخاص لـ (300 دولار أميركي) فقط لتأمين الاحتياجات الأساسية من المواد الغذائية.
في وقت ارتفعت فيه أسعار المواد الغذائية في العاصمة منذ بداية عام 2023 حتى مارس 2024 لما يزيد على 200 بالمئة بالمتوسط. ويعادل الدولار الأميركي الواحد في سوق الصرف نحو 14500 ليرة سورية.
ويبلغ عدد سكان سوريا 23 مليون نسمة، بات 13 مليونا منهم حاليا بين نازح داخليا أو لاجئ خارجيا بفعل آلة الأسد العسكرية ودعم حلفائه إيران وحزب الله اللبناني وروسيا.
"استثمار في اللاجئين"
يرى مراقبون أن قرار النظام السوري بفتح الباب أمام اللاجئين اللبنانيين للدخول إلى سوريا، يعبر عن رغبة من النظام لاستثمار هذه الحالة بشأن وضعه السياسي.
وضمن هذا السياق رأى الباحث السوري أيمن الدسوقي في "مركز عمران للدراسات الإستراتيجية"، أن تكليف الأسد للحكومة الجديدة متابعة شؤون اللاجئين اللبنانيين مرتبط بأمرين أولهما سياسي والآخر اقتصادي".
وأضاف لـ “الاستقلال”: "أما الأمر السياسي فيتعلق بحاجة النظام السوري إلى تبني موقف تجاه ما يجرى في لبنان، يعفيه من انتقادات حلفائه في محور المقاومة في ظل حياده بشأن ما يجرى في غزة، ولا يحمله تبعات الانخراط في مواجهة مع إسرائيل لا يتحمل كلفتها".
أما الأمر الاقتصادي وفق الدسوقي "فيتصل بالاستثمار في ملف اللاجئين اللبنانيين ومن خلفهم السوريون العائدون من لبنان، لاستقطاب تمويلات من الدول المانحة لمواجهة تحديات موجة اللجوء هذه، وإظهار حكومته بأنها شريك مسؤول في متابعة هذا الملف وإداراته واحتوائه للحيلولة دون وصولها إلى أوروبا".
وأردف الباحث قائلا: "كذلك يسعى النظام السوري لاستغلال ملف اللاجئين اللبنانيين للضغط من أجل رفع العقوبات الغربية عن نظامه".
وما يزال النظام السوري يبحث عن دعم اقتصاده المنهار عبر حث الدول الغربية لفك حبل العقوبات الملتفة حول عنقه منذ عام 2011 ردا على قمعه ثورة السوريين بالحديد والنار.
وعلى الرغم من أن تلك العقوبات فشلت في وقف قتل السوريين على يد نظام الأسد، إلا أنها لا تزال قائمة وتعيق بحث النظام عن انتعاشة جديدة.
إذ ما يزال قانون "قيصر" الأميركي يشكل العقبة الكبرى أمام تحقيق النظام السوري أي استفادة اقتصادية يطمح إليها، خاصة في مسألة إصلاح البنية التحتية المدمرة ورفع كثير من العقوبات التي تعيق حركته التجارية وعملية الاستيراد ورفع الحجز عن الأموال في الخارج.
ومع ذلك، اتبع نظام الأسد أسلوبا في استغلال المساعدات الدولية القادمة للسوريين، ووظفها في خدمته خلال السنوات الماضية.
إذ ماتزال قضية نهب النظام السوري للمساعدات الدولية تثير كثيرا من الجدل، ليس فقط لأنها لا تذهب لمستحقيها، بل لكونها تشكل مصدرا مهما للعملة الصعبة التي تعزز بقاء بشار الأسد الذي يرفض أي حل سياسي يضع حدا للمأساة التي أدخل فيها بلده منذ أكثر من عقد من الزمن.
وكثيرا ما أثبتت تحقيقات ووقائع ميدانية بسوريا أن كميات من أموال المساعدات الدولية المسروقة تختفي ببساطة في الحسابات المصرفية التابعة لأذرع ومؤسسات نظام الأسد الاقتصادية، وتستخدم في تمويل المجهود الحربي ضد السوريين الأبرياء.
ووفقا لبيانات مشتريات الأمم المتحدة، تم شراء مساعدات بقيمة نحو 309 ملايين دولار من موردين مقيمين بسوريا في الفترة بين عامي 2021 و2022.
وهذا يعني أنه في غضون عامين فقط، استفاد المقربون من النظام السوري بشكل مباشر من مبلغ مذهل قدره 71 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الغربيين.
“تغيير ديمغرافي”
وتؤكد مواقع سورية معارضة أن أعدادا كبيرة من اللاجئين اللبنانيين من أقارب عناصر حزب الله دخلوا إلى مدينة القصير السورية بريف حمص الواقعة عند الحدود مع لبنان ويسيطر عليها الحزب منذ يونيو عام 2013 وهجر سكانها بالكامل منها إلى هذا اليوم.
ويعني ذلك، أن هؤلاء دخلوا من معابر غير رسمية يسيطر عليها حزب الله على طرفي الحدود، ولم يدخلوا في الإحصائيات الرسمية لأعداد اللاجئين اللبنانيين الذي دخلوا سوريا منذ 23 سبتمبر 2024.
وفي ظل تلك المعطيات فإن نزوح عوائل من الجنوب اللبناني ذي الغالبية الشيعية نحو سوريا، قرأ فيه بعض المراقبين أنها حالة "تسهم في مسألة التغيير الديموغرافي" الذي عمل عليه الأسد منذ تهجير العرب السنة من مدنهم وقراهم السورية عقب اندلاع الثورة في عام 2011.
إذ ربط البعض سرعة استجابة نظام الأسد لدخول اللبنانيين إلى سوريا على أنه مرتبط "بمخطط توطين المنتمين لحزب الله"، خاصة مع عدم اختيار بعض العوائل اللبنانية التوجه نحو مدن لبنانية في الشمال بعيدا عن القصف الإسرائيلي.
إذ يوجد في سوريا الآن المئات من عناصر حزب الله اللبناني؛ وهم هناك نتيجة تدخل الحزب بقوة إلى جانب قوات الأسد في سوريا بأمر مباشر من المرشد الإيراني علي خامنئي منذ عام 2012، مرسلا عناصره لمنع سقوط الأسد ومساعدته على قلب المعادلة العسكرية لصالحه.
وفي الوقت الراهن تسيطر قوات حزب الله اللبناني على قرى وبلدات سورية كاملة ملاصقة للحدود اللبنانية، فضلا عن وجود تشكيلات للحزب ضمن مناطق نفوذ نظام الأسد في المحافظات السورية.
وضمن هذه الجزئية، حذر المحامي السوري عبد الناصر حوشان من "مخاطر استكمال النظام السوري وحلفائه من أركان جريمة التغيير الديمغرافي بتوطين شيعة حزب الله اللبناني في مناطق سورية".
وكتب حوشان منشورات على حسابه في فيسبوك في 24 سبتمبر 2024 مضيفا: "المناطق التي ستشهد توطين جماعة حزب الله هي منطقة القصير بريف حمص ثم مدينة حمص وبعض القرى في ريفها الغربي، ومنطقة جنوب دمشق التي تم الاستيلاء عليها من قبل الشركات ورجال الأعمال الشيعة اللبنانيين والإيرانيين عبر المرسوم رقم 66 لسنة 2012 والقانون رقم 10 لسنة 2012 ".
ورأى حوشان أن "المراسيم الصادرة عن بشار الأسد تخدم خطة التوطين حيث تضمنت تلك المراسيم إعادة تنظيم أحياء بدمشق وهي جوبر - القابون - برزة- جرمانا- وتوسيع المخطط التنظيمي لبلدة السيدة زينب بدمشق والتي حولها النظام إلى مدينة وأيضا تنظيم منطقة التضامن ومخيمي اليرموك وفلسطين جنوب دمشق ومشاريع باسيليا سيتي" السكنية والتجارية بقلب العاصمة.
وأشار حوشان إلى أن "حزب الله اللبناني في السنوات الأخيرة عمد إلى بيع عقارات في منطقة القصير للبنانيين"، مضيفا أن "عمليات البيع لأراض وعقارات القصير للبنانيين قائمة على قدم وساق".
وأضاف أن “مراحل توطين هؤلاء القادمين من جنوب لبنان وبالتالي التغيير الديمغرافي، تتمثل في الإيواء في مراكز الإيواء المعدة سلفا بسوريا، ثم النقل إلى المساكن أو المخيمات، وثم الإدماج بالمجتمعات والتزاوج، والتمكين من الحصول على الشخصية القانونية”.
"وهذا يتطلب التسجيل في السجلات الرسمية إما كمواطنين إذا كانوا لا يحملون وثائق رسمية تثبت جنسيتهم، عديمي الجنسية، أو مكتومي القيد، و إما بمنحهم المواطنة عبر تجنيسهم".
كذلك وفق حوشان "التملك العقاري سواء كمواطنين مجنسين أو كأجانب، والتجمع في مناطق أو أحياء، وشراء أحياء بكاملها وطرد السكان الأصليين، أو الاستحواذ على قطاعات اقتصادية معينة، فضلا عن توفير الحماية القانونية لهم كأقليات عرقية أو دينية".