إجراءات أمنية جديدة ضد الأجانب بمصر.. كيف تؤثر على وجود السوريين؟
"السوريون هم المتضرر الأكبر من تنظيم وجود الأجانب بمصر"
يواجه السوريون في مصر "خيارات صعبة" لضمان بقائهم في هذا الدولة العربية بشكل قانوني بعد سلسلة إجراءات حكومية لتنظيم وجود الأجانب هناك.
فقد أعلنت السلطات المصرية في 30 يونيو/حزيران 2024 انتهاء المهلة التي أعطتها للأجانب، بمن فيهم السوريون، من أجل تصحيح أوضاعهم القانونية.
السوريون في مصر
والإجراءات الجديدة سبقها إطلاق حكومة مصر، حملة "سارع بتصحيح أوضاعك" في أبريل/نيسان 2024، بهدف تشجيع الأجانب على تنظيم وجودهم والحصول على بطاقة “الإقامة الذكية”.
لكن السلطات المصرية استثنت حاملي بطاقة الإقامة النظامية على أراضيها من الحصول على نظيرتها “الذكية”.
و"الإقامة الذكية" أطلقتها مصر عام 2019 وتمنح للمعفيين من شرط البقاء في البلد، والتي تعد شرطا للحصول على الخدمات التي تقدمها الدولة.
لكن عقب انتهاء مهلة تصحيح الأوضاع القانونية للأجانب، سادت حالة من التوتر في أوساط السوريين، لكون الأمر تبعه الكثير من التعديلات.
إذ أوقفت الحكومة المصرية إصدار أو تجديد الإقامة السياحية لهم، والتي كان معظم السوريين يحملونها، كما لوحظ ارتفاع في رسوم الإقامة الدراسية.
كل ذلك دفع الكثير من اللاجئين السوريين إلى الإسراع إلى مكاتب مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أجل التسجيل لديها والحصول على إقامة اللجوء وهو خيار ليس من السهل الحصول عليه.
إذ تشهد أبواب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر ازدحاما؛ بسبب كثرة أعداد الأجانب المقيمين الذين يسعون للحصول على "الكارت الأصفر" (بطاقة اللجوء) ومن ثم إقامة لاجئ.
وتشير المصادر الرسمية المصرية إلى وجود 1,5 مليون سوري في مصر، بينما تقول مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن الأعداد المسجلة لديها تبلغ 154 ألفا فقط.
في مصر، يوجد السوريون بتأشيرة سياحية مؤقتة، أو بصفة لاجئ، أو دارس، أو برخصة عمل.
ولا يستطيع حاملو التأشيرة السياحية أو اللاجئون فتح حساب بنكي أو الحصول على رقم هاتف جوال، بينما يواجه من يرغب في الحصول على رخصة عمل إجراءات أمنية وإدارية معقدة.
ويقيم كثير من السوريين في مصر منذ سنوات من دون حصولهم على أوراق “إقامة”.
وبعضهم انتهت إقاماتهم بمجرد إيقاف دائرة الهجرة والجوازات في العباسية وسط العاصمة القاهرة والمكاتب التابعة لها تجديد أو إصدار إقامات سياحية للسوريين المقيمين على أراضيها.
وبعد الوصول إلى مصر، يحصل السوري على إقامة زيارة سياحية إما لستة أشهر أو لشهر، ويجرى التقديم عليها في دائرة الهجرة والجوازات للأجانب في القاهرة، بشرط وجود عقد إيجار منزل ودفع مبلغ 650 جنيها مصريا (13 دولارا ونصف الدولار).
وبذلك يحصل الشخص على الزيارة السياحية التي تختم على جواز السفر.
وعند انتهاء إقامة الزيارة، يمكن للشخص التقديم على إقامة سياحية لمدة ستة أشهر إضافية.
أما من يذهب إلى مصر بقصد الدراسة فيمنح إقامة دراسية مدتها عام، بشرط وجود عقد إيجار ودفع مبلغ 1500 جنيه (31 دولارا).
وفي الوقت الراهن، شكل إلغاء الإقامة السياحية وإيقاف تجديدها أو منحها للسوريين صدمة كبيرة، إذ كانوا يستخرجونها، على مدار السنوات السابقة، من دون وجود أي مشكلات.
والإقامة السياحية في مصر تعد مؤقتة ويحق للحكومة المصرية عدم تجديدها مرة أخرى طبقا لقانون الأجانب.
وسبق أن أكدت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في مؤتمر "بروكسل 8 حول دعم مستقبل سوريا والمنطقة" الذي عقد في 27 مايو 2024 في العاصمة البلجيكية، أن سوريا لا تزال غير آمنة لعودة اللاجئين.
في المقابل، تؤكد مؤسسات المعارضة السورية الرسمية، أن معاناة النازحين في الداخل واللاجئين في الخارج تزداد مع جمود الحل السياسي ورفض نظام بشار الأسد تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة.
وشددت "هيئة التفاوض السورية" المعارضة، في 20 يونيو 2024 على أن الحل السياسي وفق القرارات الدولية هو الضمان الوحيد لبيئة آمنة وكريمة لعودة اللاجئين السوريين.
خيارات المتضررين
اللافت أن سير مصر في قوننة وجود الأجانب، تزامن مع فرض غرامات على المخالفين.
فقد فوجئ العديد من السوريين بقرار جديد من السلطات المصرية في يوليو 2024 يلزم بعض الفئات بدفع غرامة قدرها 5000 جنيه (103 دولارات) عن كل عام تأخير عند استخراج الإقامة لأول مرة.
خلال السنوات السابقة، لم تكن السلطات المصرية تطالب الأطفال دون سن الـ 16 والكبار فوق الستين باستخراج الإقامة.
وفي حالة رغبتهم في ذلك، خاصة لتسجيل الأطفال في المدارس، كانوا يدفعون رسوم الإقامة فقط من دون أي أموال إضافية.
وضمن هذا السياق قال المحامي السوري أحمد السليمان، لـ "الاستقلال" "يبدو أن الوقت الآن ليس بصالح السوريين المخالفين في مصر، أولا لضيق الخيارات أمامهم ولصعوبة سلوك الكثيرين بعض الحلول القانونية المتوفرة لتعديل الوضع للمخالف".
وأضاف السليمان، "من يمتلك الإقامة السياحية في مصر يستطيع أن يسجل نفسه في المفوضية السامية الأممية وهذا أحد الحلول، وأيضا من يمتلك القدرة المادية العالية يمكنه تحويل هذه الإقامة السياحية إلى أخرى استثمارية".
ونوه إلى أن "بعض الأسر السورية التي قدمت إلى مصر واستقرت بموجب الإقامة السياحية خلال السنوات الأخيرة يمكنها تقديم طلب إلى المفوضية الأممية للاجئين لتسجيل نفسها لديها وعدم التعرض للمخالفة في حال البقاء كون ذلك سيترتب عليه غرامات مالية للحكومة المصرية".
أما "الكرت الأصفر فإن التسجيل عليه في مصر يعني الانتظار لأشهر طويلة لدى مفوضية اللاجئين، وأمام ذلك يمكن القول إن السوريين هم المتضرر الأكبر من تلك الإجراءات"، وفق السليمان.
وينظر إلى هذه الإجراءات من جانب اقتصادي، فيقول: "هناك فوائد مالية تعود للحكومة المصرية حيث يمكن للشخص مغادرة مصر ثم التقدم من جديد والحصول على موافقة أمنية ربما تتراوح تكلفتها من 1,050 إلى 1,350 دولار أميركي والحصول على تأشيرة دخول جديدة".
واستدرك قائلا: "لكن لا يستطيع كثير من السوريين مغادرة مصر ثم العودة بسهولة نظرا للتكلفة المادية المرتفعة فضلا عن خياراته الضيقة في الحصول على تأشيرة لدخول بلد ثاني للمكوث فيه والبدء بإجراءات التقديم مرة ثانية إلى مصر".
كما أن "كثير منهم لا يستطيع العودة لسوريا إما لأنه مطلوب أمنيا من قبل أجهزة المخابرات أو مطلوب للخدمة الإلزامية في قوات الأسد"، وفق السليمان.
ولفت إلى أن "إقامة اللاجئ هي الحل الوحيد لكثير من السوريين في مصر، والحصول عليها متوقف على مدى قبول المفوضية للشخص ودراسة ملفه".
وذهب السليمان للقول: "إن عدم وجود جهة رسمية تمثل الوجود السوري في مصر تكون صلة وصل مع الحكومة وترعى مصالحهم هو أحد العقبات، لا سيما في ظل اتضاح سير القاهرة نحو فرض مزيد من الإجراءات لتنظيم وجود الأجانب لديها بشكل عام".
"توريط ممنهج"
ويرى كثير من المراقبين أن هذه إجراءات الحكومة المصرية على الأجانب ينظر إليها على أنها بمثابة "توريط ممنهج" لكثير من السوريين الذين تدفقوا بشكل كبير إلى مصر منذ مطلع عام 2021 من مناطق نفوذ نظام الأسد.
وجاء ذلك بعد تسهيلات قدمتها القاهرة في الحصول على التأشيرة وتقديم إغراءات لا سيما حول الإقامة والعمل بمصر.
إذ يضع هذا الإجراء الجديد السوريين، في حالة "عدم استقرار جديدة" بعد تغيير في شروط الإقامة السياحية، لا سيما أن غالبية هؤلاء هم من الشباب الهاربين من صعوبات العيش والمضايقات الأمنية لنظام بشار الأسد.
فمطلع عام 2021، كانت التأشيرة للسوري إلى مصر تبلغ 1200 دولار بعدما كانت في السنوات السابقة 2000 دولار، وهذا عدا عن تكلفة السفر بالطائرة.
إلا أن نظام عبد الفتاح السيسي خفض وبشكل مفاجئ سعر التأشيرة منتصف العام المذكور، مما شجع بعض السوريين لاختيار مصر وجهة جديدة للعمل والاستقرار في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية بسوريا.
وكان من الملاحظ نمو العمالة السورية في مصر خلال السنوات القليلة الماضية وتزايد نشاطها هناك، بعدما أسس السوريون مشاريع صغيرة ومتوسطة وأخرى كبرى تتبع رجال أعمال نقلوا مصانعهم وورشاتهم إلى هذا البلد خلال العقد الأخير.
ووجد العامل السوري في مصر فرصة مناسبة للبدء بحياة جديدة وتحصيل عمل له في الورش التجارية والمطاعم، والتي تدر عليه دخلا يمكنه من مساعدة ذويه القاطنين في سوريا.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن المستثمرين السوريين في مصر يشكلون 30 بالمئة، ويستثمرون في مشاريع عدة أهمها، الألبسة وورش الخياطة والمطاعم والمقاهي.
وتنتشر في القاهرة مطاعم تقدم الأكلات السورية الشهيرة وبأجواء دمشقية، فضلا عن المقاهي ومحلات بيع المنتجات السورية.
وتقدر منظمة الهجرة الدولية قيمة الاستثمارات التي ضخها ما يقرب من 30 ألف مستثمر سوري صغير ومتوسط بنحو مليار دولار.
وتلك الاستثمارات حقيقية، أي أضافت أصولا إنتاجية وخدمية جديدة للاقتصاد المصري، وخلقت وظائف يشغلها غالبا العمال من اللاجئين السوريين.
حتى إن رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، أكد أن "جزءا من الوافدين والضيوف المقيمين ضخ أموالا داخل السوق المصرية وأنشأ مشروعات استثمارية وكان لهم مساهمة في نمو الاقتصاد المصري”.
وأضاف مدبولي خلال مؤتمر صحفي عقده في مدينة العلمين الجديدة في 24 يوليو 2024، أن "هذه المشاريع ساهمت في تأمين فرص عمل للمصريين".